أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - الإبداع والتمرد














المزيد.....


الإبداع والتمرد


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4107 - 2013 / 5 / 29 - 08:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا تنتقل أجسامنا من السكون إلى الحركة إلا بعد أن تسرى فى خلايا المخ "فكرة جديدة" لعمل شيء: شراء خبز مثلا، أو المشاركة فى ثورة لتغيير النظام الحاكم؟.
تقدمت الدراسات عن "المخ" وكيف ينتج الأفكار ويستعيد الذكريات ويستخلص النتائج، لم تعد الفكرة الجديدة أو ما يسمى "الإبداع" يهبط من السماء عن طريق الوحى الإلهى أو المس الشيطانى، أو ينبع من العقل الباطن واللاوعى، أو أنه الجنون والخروج عن العقل. لقد أصبح الإبداع هو قمة الإدراك والعقل الأعلى حين يتحول اللاوعى إلى وعى، ويتحول الخيال الى حقيقة. وخلايا المخ قادرة على "تخيل" أشياء غير موجودة، نابعة من تذكر أحلام الطفولة وربطها بآلام الحاضر وتوقعات المستقبل، وتعتمد عملية الإبداع فى المخ على هذا "الربط" بين الزمان والمكان، بين الخيالى والحقيقى أو بين الروحى والحسى. والابداع يقوم على التخيل والتذكر والربط بين الأشياء غير المترابطة والقدرة على إلغاء الفواصل المصنوعة بين، السماء والأرض، والحياة والموت، والروح والجسد، والإله والشيطان، والأنثى والذكر، والعلم والفن، والطفولة والشباب، والكهولة والشيخوخة وغيرها.
تسرى فكرة التمرد فى الخيال بسيطة طبيعية يمارسها الأطفال البنات والأولاد، كما يتنفسون الهواء ويرون ضوء الشمس، إلا أن نظام التعليم يتدخل ضد الطبيعة والفطرة فترتبط كلمة التمرد فى الخيال بالعقاب والحرق فى النار، وليس باللذة الناتجة عن المعرفة، يحفظ الأطفال قصة حواء الآثمة التى عصت الله وقطفت ثمرة المعرفة.
وفى العاشرة من عمرى أخفيت مفكرتى السرية خوفا من النار، فقد كتبت فيها رسالة إلى الله أطلب منه أن لا يتحيز لأخى لمجرد أنه خلقه ولدا وخلقنى بنتا. وكان أخى يحصل على ضعف نصيبى من قروش العيدية، رغم أنه يسقط فى المدرسة، وأنا أحصل على ضعف نصيبه من الكنس ودعك المراحيض رغم أننى أنجح بتفوق. وذات مرة ضربنى مدرس الدين بالمسطرة على أصابعى معلنا أن من يكتب رسائل الى الله يحرق فى نار جهنم. وقد مضت سبعون سنة دون أن أدري. ويتلاشى الزمن حين أحملق فيه كأنما غير موجود، حتى اليوم لم أنشر ما كتبته فى مفكرتى الطفولية، ليس خوفا من النار، فقد حررتنى أمى وأبى من الخوف واستطعت مواجهة العالم بوجه مغسول دون مساحيق أو حجاب، لكن مفكرة طفلة أو طفل حتى اليوم قد تكون أخطر من انفجار ذرى أو نووي، وأثبتت الدراسات أن عقول الأطفال (قبل خضوعهم لقانون الطاعة فى البيت أو المدرسة) أكثر ابداعا من عقول آبائهم، وبدأت محاولات جديدة فى بعض بلاد العالم لمنح الأطفال حق الانتخاب فى سن العاشرة.
فى بداية يناير 1993 بدأت تدريس علم الابداع والتمرد بجامعة ديوك بمدينة ديرهام فى ولاية نورث كارولينا بأمريكا الشمالية، وكنت أندهش حين أسمع الطلبة والطالبات ينادونى "بروفيسر الساداوى"، يبدو الاسم كأنما لشخص غيري، استجمع ذاركتى وأعيد ترتيبها لأدرك أين أكون، أتذكر أن الحكومة المصرية فرضت الحراسة المسلحة على بيتى بالجيزة، و"بودى جارد" لحماية حياتى المهددة بالقتل بسبب قصة قصيرة كتبتها من الخيال، كانت مصر تعيش ما يسمونه "الارهاب" شيء غامض مثل نار الآخرة وتسرى الأنباء عن قوائم الموت والاغتيال للمفكرين والأدباء.
لم أعثر على اسمى: كمفكرة وأديبة) إلا فى قائمة الموت، وأصبحت أدرس علما جديدا أطلقت عليه اسم الابداع والتمرد، دعتنى الجامعات (خارج مصر) لتدريسه لطلاب الدراسات العليا على مدى العشرين عاما الماضية قد يغلبنى الحنين أحيانا الى مصر فأعود، لكن ما أن أعود حتى أفكر فى الرحيل، وأنا أكره مهنة التدريس بطبيعتي، وأقول للطلبة والطالبات فى أول لقاء: الابداع والتمرد لا يمكن تدريسهما. ولا أملك إلا محاولة تحريركم قليلا مما وضعه المدرسون فى عقولكم، يشرئبون بآذانهم للصوت الجديد، يرفعون رءوسهم الى الوجه المحروق بالشمس والرأس بلون قمة الثلج، يزحف الى عيونهم بريق بطيء كشعاع شمس غاربة مترددة. جاؤا إلى الجامعة للحصول على الشهادة ثم الالتحاق بعبيد العمل فى السوق، يحملون تحت ضلوعهم الضجر والوجع، والأمل المفقود فى الفصل منذ طفولتهم،
أقول لهم انه نظام التعليم القائم على الازدواجية والثنائيات والتناقضات، لم تغير أسس التعليم منذ العبودية، الا بما يسمح بزيادة الجشع واغتصاب حقوق الغير، وتراكم أرباح السوق، وتطور أسلحة الغزو والدمار الشامل. ويسأل طالب، هل يختلف نظام التعليم فى أمريكا عنه فى مصر وترد عليه طالبة، تختلف النظم التعليمية من بلد الى بلد، لكن الأسس واحدة، رغم تقدمنا فى مجال علم الكون، مازلنا نؤمن بنظرية الخلق الواردة فى الكتاب المقدس.
ترن ضحكات مكتومة، ويقف طالب قائلا: أنا تحررت تماما من هذا الفكر اللاهوتى وكل شيء أخضعه لعقلى وترد عليه الطالبة: لكن عقلك لا يزال ذكوريا. وغزواتك. النسائية؟. ترن ضحكات خافتة فى الفصل، يصعد الدم الى وجه الطالب ويجلس صامتا حتى آخر الحصة.
كانت حرية الجدل متاحة، يتكلمون أكثر منى (الطريقة الأفضل للتعليم) أحاول اثارة خيالهم بالأسئلة: هل تنقرض الرأسمالية الأبوية فى المستقبل مثل الديناصورات؟ وكيف يكون العالم بدون الأديان؟.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصبح زوجها مؤدباً؟
- أجيال جديدة متمردة فى الأفق
- إباحة التبنى وانتصار العدل على الشرع
- عبقرية المصريين
- رحلة الصعود فوق الجبل
- العدالة تنتصر!
- الكلمة من أعماقك شعاع شمس
- الثورة ضد العادات والأعراف والتقاليد
- النساء والقهر الاجتماعى
- تهذيب الذكورة في مصر وأمريكا
- إنه الدم
- لنساء والشعب. بين المطلق والنسبي
- الشريعة والشرعية. وظاهرة العنف
- النسبى والمطلق وجدتى الريفية
- الثورة وحزب الإبداع
- بين التقاليد والعدالة والكرامة
- يزداد العنف بازدياد الضعف والخوف
- المرأة والعنف والطب النفسى
- إسلام مختلف فى تونس؟
- أيتها المعارضة تمردى ولا تستكينى


المزيد.....




- السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات ...
- علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
- ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
- مصادر مثالية للبروتين النباتي
- هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل ...
- الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
- سوريا وغاز قطر
- الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع ...
- مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو ...
- مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - الإبداع والتمرد