|
الابعاد المستقبلية لتاثير العولمة في ايران
احمد حسين قاسم
الحوار المتمدن-العدد: 4106 - 2013 / 5 / 28 - 20:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بدأ نظام القطبية الأحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، ونتج عن هذا التطور أحداث كثيرة في جوهر العلاقات الدولية التي دخلت في صفحة جديدة من صفحات التاريخ البشري ، وفي مجال العلاقات الدولية تركزت التحليلات التفصيلية حول طبيعة سياسات ما بعد الحرب الباردة ، وقد ظهرت عدة نظريات تفسر أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي ، أولى هذه النظريات فسرت ذلك بالانتصار الغربي إلى المعسكر الشرقي وظهور مجال جديد في العلاقات الدولية قائم على التفوق الغربي ، وتأخذ هذه النظرية عدة أوجه : أولها الوجه التشاؤمي في مقولة انتهاء التاريخ التي ابتدعها فرانكليسفوكوياما ، وتؤكد على عدم مقدرة العالم غير الغربي على مواجهة الغرب ، أما الوجه التفاؤلي فيتمثل في نظرية صراع الحضارات التي ابتدعها صموئيل هنتجتون والتي تدعي وجود صراع بين الحضارات ستنتهي بانتصار الحضارة الغربية ، أما ثاني هذه النظريات فتعتبر أن البيئة الدولية لم تتغير ، بمعنى أنه لا يوجد تصور جديد للبيئة الدولية . وقد وضع أصحاب هذه النظرية تعريفهم للعلاقات الدولية تحت مسمي مفهوم الدولة الأمة ( )، أما النظرية الثالثة فهي النظرية التي يتمسك بها الماركسيون والتي تؤكد على الطبيعة غير المتغيرة للعلاقات الدولية موضحة أن النظام الرأسمالي مازال مقيداً بأزماته ومازال باقيًا بواسطة نظمه القديمة ، وقد ظهرت العولمة كطريق ثالث له حضور قوي ، وتمد العولمة بتحليل جيد لحقل العلاقات الدولية وتقول : إن بيئة جديدة ظهرت في العالم وتؤثر على جميع عناصر النظام الدولي . وتعتبر البيئة العالمية هي العنصر الرئيسي في الأمن القومي لأية دولة والقائم على التفاعل المستمر بين البيئة الإقليمية والدولية والداخلية للدولة الأمة . وعند دراسة الأمن القومي الإيراني من خلال هذا التصور فإننا نواجه ثلاثة أسئلة : كيف أثرت العولمة على طبيعة الأمن العالمي ؟ كيف أثرت العولمة على الأمن القومي الإيراني ؟ كيف استجابت إيران للتحديات التي تواجه أمنها القومي؟ لقد أدت العولمة إلى وجود عدم يقين هيكلي في العالم، في نفس الوقت قدمت مقياسًا جديدًا لمساحة الأمن القومي من خلال تكوين فاعلين جدد ونظم جديدة ، ومع ذلك لم تستطع العولمة أن تغير بيئة الأمن القومي الإيراني ومازالت عناصر الاستمرارية والتغير موجودة في اعتبارات الأمن الإيراني . لذا فإن التأثيرات الأمنية للعولمة على إيران مازالت غامضة ، ومع ذلك فإن على إيران أن تهتم بالتطورات الجديدة التي تفرض تحديات جديدة لأمنها بقدر اهتمامها بالتحديات التقليدية . 1ـ العولمة والتغير في البيئة الدولية. من الناحية الأمنية توجد عدة أسئلة خاصة بالعولمة أولها : هل العولمة هي عملية مقصودة من جانب الولايات المتحدة والغرب ؟ وإذا كانت عملية مقصودة ما هي الآليات التي يمكن عن طريقها تنفيذ هذه العملية ؟ ومتي بدأت ؟ وقد أدى عدم وضوح مفهوم العولمة حتى الآن إلى زيادة أهمية هذه التساؤلات ؛ وذلك لأنه ليس هناك تعريف محدد لها فهناك ثلاثة تعريفات مختلفة: التعريف الأول: يعرف العولمة بأنها خطة غربية تُستخدم كمرادف للأمركة والغربنة ، أي أنها عملية متعمدة من جانب الغرب. والتعريف الثاني: يرى أنها ليست عملية متعمدة لكنها اتجاه انتشر في النظام الدولي لفترة معينة ، وأثيرت المناقشات حول بداية هذا الاتجاه ، بعضهم قال : إنه بدأ مع نهاية الحرب الباردة ، وآخرون قالوا : إنه الخطوة التالية لانتصار الرأسمالية. أما التعريف الثالث: هو تعريف تحليلي يحاول التمييز بين خصائص العولمة السياسية والاقتصادية والثقافية ، فبالرغم من أن العولمة بدأت في شكلها الاقتصادي إلا أن خصائصها السياسية والثقافية لها نفس الأهمية. وقد توافقت التحولات الخليجية مع التحولات العالمية مثل بداية ظهور العولمة والانفتاح والتكامل العالمي وتؤكد هذه التحولات على حقيقة أن القرن الـ 21 لن يكون مثل القرن السابق ( ). هذه الحقائق السابقة تتطلب الالتفات إلى عدة نقاط : أولا : ظهور الفاعلين الدوليين الجدد على الساحة العالمية بعد أن كانت الدولة بمثابة الفاعل الأوحد ، فيوجد فاعلان دوليان اكتسبا دعمًا في العقد الماضي مثل المنظمات غير الحكومية والشركات عابرة للقارات . ثانيا : إن الاعتبارات الجغرافية والجيوبوليتيكية كانت تشكل الاعتبارات الرئيسية للأمن إلا أن التطورات في وسائل الاتصالات غيَّرت من هذه الاعتبارات فزيادة تكنولوجيا المعلومات والمعرفة وضعت معنى جديدًا للفضاء الخارجي وليس غريباً أن تفقد الجغرافيا تميزها . ثالثا : إن البيئة الدولية الجديدة غيرت من طبيعة الأولويات والضرورات الدولية ، ومع ذلك يجب التذكير أن هذه التطورات لم تغير من أهمية الدور العسكري في العلاقات الدولية ، ولكن لا يجب تجاهل الرأي العام والمنظمات غير الحكومية ، إلا أن الحقائق الجديدة التي فرضتها العولمة أصبحت في المقدمة على الساحة الدولية. 2ـ التغيير في اعتبارات الأمن القومي الإيراني . مازال الأمن القومي الإيراني من منظور العولمة متأثراً باعتبارات الأمن التقليدية مثل الموقع الجغرافي والقوة العسكرية وغيرها ، ومن ذلك يتضح أن العولمة لم تؤثر على اعتبارات الأمن القومي الإيراني ، وأهم عنصر في عناصر الأمن القومي الإيراني هو الموقع الجغرافي ، حيث تقع إيران ضمن أقاليم مختلفة ومنفصلة ومع ذلك فإيران ليست جزءاً من أي نظام فرعي لجيرانها ( ) ، بمعنى آخر تقع إيران كنقطة التقاء بين آسيا والعالم التركي ووسط آسيا وبحر قزوين وشبة الجزيرة الهندية العالم العربي ، ولكن إيران ليست متجانسة مع هذه الأقاليم ، وقد أثر ذلك على الدور الرئيسي لإيران في المنطقة . بالإضافة إلى ذلك فإن إيران تواجه العديد من الدول ذات الهيكل الداخلي المختلف وعلاقاتها الخارجية المختلفة . والقليل من دول العالم هو الذي يواجه هذا النوع من الاختلاف . ولذا كان على إيران أن تحدد أجندة أمنها القومي تبعاً لتغيير النظام الدولي من التعددية إلى الأحادية ثم إلى العولمة . في هذا السياق فإن عوامل الاستمرار موجودة في أجندة الأمن القومي الإيراني تأثرت بالتطورات الأمنية العالمية ، فالوجود العسكري الأمريكي في الخليج الفارسي ومعارضة أمريكا لمرور خط النفط عبر إيران والاحتواء المزدوج على إيران وتطورات الترسانة العسكرية الباكستانية والأزمة العراقية وعضوية تركيا في الناتو والاتحاد الأوروبي ، ودعم طالبان لأنشطة الإرهاب في الإقليم ، كل هذه العوامل أسهمت في تدويل منطقة الأمن القومي الإيراني ، فكل واحدة من هذه الدول تهتم بقضايا دولية مختلفة ، وهذا البعد الدولي ليس جديداً ولكنه استمرار للماضي ، ويختلف حجم هذا البُعد الدولي تبعاً للمواقف المختلفة ويسهم في تدويل منطقة الأمن القومي الإيراني. ركزت المناقشة السابقة على موضوعات الأمن القومي الإيراني ، فهل نستطيع الانتقال إلى الدائرة الخارجية للأمن القومي الإيراني ، فالبعد الدولي يمكن أن يصبح أكثر صراحة ، وتعكس السياسات الإيرانية استمرار العامل الدولي في تشكيل المنطقة الأمنية الإيرانية. الموضوع الثالث الذي يتعامل مع المتغيرات في منطقة الأمن القومي الإيراني أثير بواسطة العولمة ، فالموضوع يمكن أن يكون مناسباً لمنطقة الأمن القومي الإيراني لعدة اعتبارات هي : أولاً : إن مفهوم الأمن القومي الإيراني تغير لدى إيران أكثر من أي دولة في العالم ، فعلى مدار العقدين السابقين لم تظهر فكرة الفضاء الإلكتروني ولكن اليوم دخل الشرق الأوسط هذا الفضاء ، فالإنترنت والأقمار الصناعية كلها مظاهر للعولمة وأدت إلى تحديد حدود جديدة للشرق الأوسط ، وقد أدى هذا الفضاء الإلكتروني إلى وجود تغيير في الأجندة الأمنية للأسباب التالية( ) : 1ـ فالبيئة الإلكترونية الجديدة وتكنولوجيا المعلومات أعطت دفعة لزيادة المعرفة والمعلومات ، وتعد المنافسة الاقتصادية جزءا من المنافسة الأمنية ، وأصبح الدخول في عصر الفضاء أحد أوجه هذه المنافسة ، ومن المثير جداً أن نعرف أن إسرائيل التي لها عدوات عبر حدودها الجغرافية وجهت اقتصادها نحو تكنولوجيا الكمبيوتر المتقدمة. 2ـ مع زيادة أهمية تبادل المعلومات أخذت الاتصالات -وهي أحد أوجه الأمن- أهميتها المتزايدة ، وقد اكتنفت هذه البيئة الإلكترونية حقيقة غير ظاهرة في التاريخ . وقد فتح هذا المتغير الطريق أمام ظهور فاعلين جدد مثل القنوات الفضائية التي تعتمد على الناحية الفنية وتجنب الإعلانات التقليدية من أجل جذب جمهور واسع وتحول إلى مصدر حقيقي للمعلومات وصانعي القرار .. ويعكس الدور المتزايد للمنظمات غير الحكومية في الشرق الأوسط سهولة الاتصالات الإلكترونية وضمور مفهوم الدولة الأمة كلاعب رئيسي في ساحة العلاقات الدولية ، ويختلف دور هذه المنظمات من دولة إلى أخرى كما أن تأثيرها يرتبط ببيئتها السياسية والاقتصادية وقد تمتعت هذه المنظمات بتأييد الحكومة لأنشطتها . 3ـ عبرت البيئة الجديدة عن طبيعة اللعبة التقليدية في الشرق الأوسط ، فالاعتماد على القوة العسكرية فشل ، فالأمن لا يأتي من خلال السلاح ، فالاقتصاد والاتصالات أدت إلى ظهور تعريف جديد للأمن ؛ لذا فإن الأوجه غير العسكرية للأمن مازالت غائبة عن إيران . ومع ذلك تتغير آراء النخبة تدريجيا ، وأصحبت حقيقة التهميش المتزايد من الاقتصاد العالمي ظاهرة أمام إيران وبقية دول الشرق الأوسط ، وقد تركت العولمة آثارًا اقتصادية سلبية على دول كثيرة وتعتبر الأزمة الاقتصادية الآسيوية دليل على الاحتمالات الأمنية لهذه الاضطرابات الاقتصادية لا بد أن توضع في الاعتبار.( ) وتدل التأثيرات السلبية للعولمة على الدول الإقليمية ( خاصة في جنوب إيران ) على حقيقة أن هذه الدول مازالت تعتمد على فوائض نفطها . والخلاصة أن الاقتصاد والاتصالات أصبحت المتغيرات الرئيسية في الاعتبارات الأمنية ، إن المناطق الأمنية المباشرة ( دول الجوار ) أكثر المناطق التي تسمى الدائرة الخارجية ( أقاليم الجوار ) وما زالت معايير الأمن القومي تؤكد أن الجغرافيا هي العنصر الأول في الأمن الإيراني ، ولم تغير العولمة من هذه الحقيقة.( ) تأثرت مناطق الأمن القومي الإيراني بالبيئة العالمية ، وفي هذا السياق فإن التطورات على الساحة الدولية ، والعولمة ستؤثر على الأمن القومي الإيراني عن طريق إبراز فاعلين جدد وتحديات أمنية جديدة. ولمواجهة تأثير العولمة على أمنها القومي تجيب إيران على هذا السؤال ، ما هي الفرص والتحديات ؟ وللإجابة على هذا السؤال ، فلابد من التذكرة أن التهديدات التقليدية للأمن القومي الإيراني مازالت تفترض بعض الحسابات المعقدة ، ولا بد لإيران أن تهجر عناصر أمنها التقليدية والتاريخية بسبب العولمة التي ستحدد عناصر أمنها القومي بعد ذلك ، وذلك لعدة أسباب : أولها : أن الإجراءات الأمنية لجيران إيران تنقسم إلى عدة نماذج ، وهذه النماذج لم تتغير بواسطة التطورات الإقليمية والعالمية ، ولا يجب على هذه الإجراءات أن تحتفظ بمفهوم الحتمية التاريخية والجغرافية . لذا لا بد أن تتوافق مع التطورات الجديدة. ثانيها : أنه بالرغم من أن التهديدات التقليدية مازالت تظهر في شكلها القديم إلا أنها افترضت عدة حسابات جديدة ليس لها علاقة بالعولمة تظهر في سلوكيات منظمة ، إن الذي حدث على حدود إيران الشرقية مع ظهور طالبان ألقى الضوء على العديد من أوجه الأمن القومي التقليدية أكثر من الظاهرة الجديدة التي تنتج عن التقدم في مجالات تكنولوجيا المعلومات. ثالثها : إن تهديد العولمة لا يخص إيران وحدها ولكن دول العالم أجمع ، فقد أصبحت هذه التهديدات أكثر صراحة عندما تم احتواء عناصر الأمن القومي الدولية والإقليمية والداخلية والتقليدية ولا بد من تذكر عدة نقاط أهمها : 1ـ إن الطبيعة المعتمة للعولمة يمكن أن تكون مصدر تهديد ، ومع اعتبارها عنصرًا غير واضح فإنها تستطيع بسهولة إظهار التهديدات المحكمة وغير المحكمة. 2ـ إن العولمة متعددة وتستطيع عولمة الاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات أن تسبب تغيرات ضرورية في العالم وفي الأقاليم التي تحتوي على أهمية أمنية خاصة بإيران ، كما أن العولمة الثقافية يمكن أن تشكل تهديدا للهوية الإسلامية الإيرانية وهي أحد عناصر الأمن الإيراني . 3ـ غيرت العولمة من بيئة الأمن القومي والعناصر الأمنية وأحكام اللعبة ، كما يمكن أن تنتج مصادر تهديدية جديدة لإيران غير مصادر التهديد التقليدية . من الناحية الأخرى يمكن أن تنتج العولمة عدة فرص جديدة لإيران( ) : أولها : أن إيران تستطيع الدخول في مجال تكنولوجيا المعلومات ولها من الإمكانيات ما يمكنها من أن تكون فاعلاً رئيسيا في هذا المجال ، وقد اتخذت بالفعل خطوات جادة في هذا الاتجاه. ثانيها : إن العولمة الاقتصادية والتطورات الإقليمية والدولية الأخرى تخلق بيئة خاصة للفاعلين الإقليميين ، ومن ضمنهم إيران ، فالقوى الإقليمية استخدمت إمكاناتها لضمان وجود قوى لها في السنوات القليلة الماضية. وعلى مدار العقد الماضي اعتمد اتجاه العولمة على التعددية ، بمعنى آخر فإن كل أعضاء المجتمع الدولي بما فيهم إيران لعبوا دورًا في تشكيل بيئة دولية جديدة في سياق المؤتمرات الدولية ، هذه الحقيقة تعتبر مصدراً لفرصة جديدة أمام إيران. وتعد إيران في المعادلة الإقليمية القائمة في الشرق الأوسط قوة رئيسية، بفضل قدراتها الاقتصادية والعسكرية والبشرية الكبيرة، وبفعل عوامل عديدة، مثل تراجع أهمية الخطاب الأيديولوجي داخلياً وخارجياً بعد وفاة الإمام الخميني، وانتهاء عصر الاستقطاب الدولي على خلفية انهيار الاتحاد السوفيتي، وتدشين ما يسمي بـ(مرحلة التحول من حالة الثورة إلى حالة الدولة) ( ) حيث استبعدت إيران سياسة (تصدير الثورة) في تعاملها مع تطورات الإقليم، واستعاضت عنها بأدوات أخرى، مثل تأسيس علاقات وثيقة مع قوى عربية رئيسية على غرار سورية بهدف إكساب تمددها في الإقليم غطاء عربياً، وفتح قنوات تواصل مع العديد من المنظمات، مثل حزب الله اللبناني، وحركتي حماسوالجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، فضلاً عن استثمار الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها العديد من القوى الإقليمية والدولية، لاسيما بعد بدء ما يسمى بـالحرب الأمريكية على الإرهاب التي انتهت باحتلال كل من أفغانستان والعراق، وذلك لدعم طموحاتها في أنْ تصبح رقماً مهماً في معظم الملفات الإقليمية، إنْ لم يكن مجملها. لقد بدت إيران مطمئنة إزاء التداعيات الأولية للتحركات الشعبية التي شهدتها المنطقة منذ /كانون الأول 2010، خصوصاً مع نجاحها في الإطاحة بنظامي الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك، اللذين كانا يعدان من أقرب حلفاء الغرب في المنطقة، بما يعني أنّ سقوطهما يقدم مؤشراً على فشل الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية لفرض عزلة على إيران لكبح طموحاتها النووية، ومحاصرة وتحجيم تحالفاتها الإقليمية. وعلى ضوء هذه التداعيات الإيجابية الأولية، اندفعت إيران إلى الحديث عن ولادة شرق أوسط جديد في المنطقة على أنقاض الأنظمة التي سقطت، واستدعت في هذه اللحظة مشروعها لإقامة "شرق أوسط إسلامي" الذي تبنته في مواجهة المشروعات التي طرحتها الولايات المتحدة، عقب احتلال العراق عام 2003، مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير، والشرق الأوسط الجديد. ويعتمد هذا المشروع الإيراني على محورين، الأول: أيديولوجي يتمثل في إيمان النظام الإيراني بحتمية قيام الحكومة العالمية للإسلام، وبضرورة اضطلاع إيران بدور قوي في التمهيد لذلك. والثاني: إستراتيجي يتصل بمحاولات إيران تكوين حزام أمني، يكون بمثابة حائط صد لكل المحاولات التي يبذلها خصومها لاختراقها من الداخل، أو إحكام محاصرتها عبر دول الجوار00 وفي ما يخص التأثيرات الاقتصادية لحالة عدم الاستقرار إبان الثورات والحراكات الشعبية العربية والفترة الانتقالية التي تليها، تؤدي حالة عدم الاستقرار إلى ارتفاع أسعار النفط، ما يعني عمليا أنّ الثورات العربية لا تغذّي فقط خزانة طهران المالية بالدولارات وتحقق لها نمواً اقتصادياً، وإنما تساعدها -وهذا هو الأهم بالنسبة لها- على تقويض العقوبات الدولية المشددة المفروضة عليها، والتي كان لها وقع شديد مؤخراً، وإفراغ هذه العقوبات من مضمونها؛ ما يحرر إيران من الضغط الاقتصادي، وينسف في الوقت نفسه العمل الجماعي الذي قادته أمريكا لسنوات مع القوى الدولية، لاسيما روسيا والصين والدول الإقليمية لحصارها والضغط عليها. ولن تكون للعقوبات النفطية التي فرضها الاتحاد الأوروبي مؤخراً على إيران تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد الإيراني، حيث يمكن لإيران تعويض المشتريات الأوروبية من النفط الإيراني بالتوجه إلى الأسواق الآسيوية، وخاصة السوق الصينية والهندية. فضلاً عن ذلك، فقد بدأ الحديث في إيران عن بعض المكاسب الآنية من قيام الثورات في العديد من الدول العربية، أولها: توجيه اهتمام المجتمع الدولي بعيداً عن أزمة الملف النووي الإيراني، ومحاولة كسب مزيد من الوقت، سواء لمواجهة الصعوبات التكنولوجية التي واجهت البرنامج النووي في الفترة الأخيرة، مثل فيروس (ستوكسنت) الذي نجح في إخراج عدد غير قليل من أجهزة الطرد المركزي عن دائرة السيطرة، أو لتحقيق أكبر قدر من التقدم في عمليات تخصيب اليورانيوم، حيث كان لافتاً نجاح إيران منذ شباط 2011 -خلال ذروة اشتعال الثورتين المصرية والتونسية( ) في زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المائة بمقدار 500 كيلو غرام. وثانيها: تقليص حالة الأهمية والزخم التي حظيت بها حركة الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2009، وأسفرت عن فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، والتي تمثّل ما يمكن تسميته بـالمعارضة من داخل النظام. وثالثها: الاستفادة من الزيادة الملحوظة في أسعار النفط، خصوصاً بعد وصول موجات التغيير الديمقراطي إلى ليبيا، وبروز توقعات باحتمال امتدادها إلى دول نفطية أخرى في المنطقة".
المطلب الثاني الاثار السلبية يمكن للقيادة الإيرانية اتخاذ قرار الإعلان للعالم عن نفسها كدولة نووية من خلال تفجير قنبلتها الانشطارية الأولى، مستفيدة في اتخاذ هذا القرار من تجارب الدول الأخرى، كألمانيا الهتلرية أثناء الحرب العالمية الثانية، وعراق صدام حسين، وليبيا ألقذافي، وكوريا الشمالية. ففي حالة الدول الثلاث الأولى أدى عدم امتلاك السلاح النووي إلى تشجيع خصومها على الاندفاع نحو إسقاط أنظمة الحكم فيها بالقوة، أما بالنسبة لكوريا الشمالية، فإنها عندما امتلكت الجرأة على اتخاذ قرار امتلاك السلاح النووي، جعل ذلك خصومها يتعاملون معها بحذر كبير خوفا من الانزلاق إلى حرب نووية لا تحتمل عواقبها. لكن على إيران أن تدرك أن الشرق الأوسط يختلف كثيرا عن الجزيرة الكورية من حيث تقاطع المصالح الدولية، وهذه الحقيقة هي التي جعلت فرنسيس فوكاياما يقول: ( إن منع شرق أوسط مسلح تسليحا كاملا بالسلاح النووي هو واحد من تلك المصالح الكونية العامة..)، بل قبل التوجه نحو الحرب الوقائية لمنع دولة ما من امتلاك رأس نووي بقوله( أن الحرب الوقائية تكون أسهل تبريرا كلما كان التهديد أقرب، فبرنامج نووي على حافة التجربة أو على حافة تسليح الصاروخ بأداة نووية هو برنامج مرشح لاتخاذ موقف للوقاية منه أكثر من برنامج ما يزال في مراحل التخطيط). ( )ولكن دخول إيران إلى النادي النووي لن يمر بسلام من قبل الغرب وإسرائيل وجيرانها العرب، إلا إذا استطاعت القيادة الإيرانية التأكيد لأعدائها بأن نتائج شن أي عدوان عليها ستكون وخيمة إلى درجة لا يمكن احتمالها، إذا استطاعت إيران إقناع خصومها بقدرتها على التدمير الحتمي والمؤكد، الذي لا يمكن النجاة منه لاسيما بالنسبة لإسرائيل عدوتها اللدود، فان توازن الرعب سوف يقود إلى الاستقرار الحذر وربما تقبل إيران كشريك فاعل وقوي في الشرق الأوسط، والقبول بالدور الجديد لإيران في المنطقة سيقتضي منها ترصين وحماية جبهتها الداخلية المرتبطة بعلاقة نظام الحكم بشعبه من جهة، والعلاقة المتبادلة بين أركان النظام من جهة أخرى، فضلا عن تطمين جيرانها العرب الهلعين بحسن نواياها تجاههم، ومن المؤكد أن ذلك سوف يفتح الباب لسباق تسلح نووي شديد في الشرق الأوسط، لن تعرف نتائجه القريبة والبعيدة.
ما عدا ذلك، يجب أن لا تعول إيران على قدرتها في إلحاق الأذى بجيرانها وأعدائها من خلال غلق مضيق هرمز، أو تحريك الجماعات المتحالفة معها لإحداث بلابل في دول الخليج وغيرها من الدول غير الصديقة، أو الاستفادة من الصداقات التي تربطها ببعض الدول الكبرى( ).
إن مثل هذا الاعتقاد ينطوي على سوء تقدير، قد تكون نتائجه عكسية، لأن اضطراب الاقتصاد العالمي وانهيار الأسواق العالمية بسبب انقطاع إمدادات النفط الخليجية، وإثارة البلابل والاضطرابات الداخلية في الدول غير الصديقة قد يدفع إلى زيادة معسكر أعدائها لإنهاء الوضع بسرعة وإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي، ولتعلم القيادة الإيرانية أنه يجب عليها عدم الاعتماد على سياسة النفس الطويل في الحرب لقلب الموازين لصالحها مستفيدة من تجربتها التفاوضية، فحروب اليوم ميزتها أنها خاطفة وسريعة، وهدف أعداء إيران من أي حرب محتملة معها لن يكون احتلالها، بل تحطيمها وإرجاعها إلى الوراء كثيرا، لتدمير قدراتها العسكرية وبناها التحتية لخلق البيئة الداخلية العدائية الممهدة لإسقاط نظام الحكم. قرار القبول بالصفقة السخية وفقا لشروط مجموعة الخمسة زائد واحد ربما تصل القيادة الإيرانية إلى قناعة بأنها غير قادرة على اتخاذ قرار امتلاك السلاح النووي، كما لا يمكنها المضي في برنامجها النووي بوتيرته الحالية على الرغم من إعلانها سلميته، لذا تقرر القبول بالصفقة السخية الموعود بها في العواصم الغربية، والقبول بشروط مجموعة الخمسة زائد واحد (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وروسيا، وفرنسا، والصين زائدا ألمانيا)، لكن اتخاذ هذا القرار لن يمنع الحرب مع إيران مستقبلا بل قد يؤجلها قليلا، لأن جوهر العداء لها ليس الخوف من امتلاكها السلاح النووي فحسب، بل جوهر العداء يكمن أيضا في طبيعة نظام الحكم الإيراني من حيث راديكاليته، وطموحاته، وقيمه، ومنظومة تحالفاته وعلاقاته الإقليمية والدولية، فتخلي إيران عن برنامجها النووي العسكري، مع بقاء نظام الحكم على ما هو عليه الان، لن يخفف الصراع ويزيل أسباب التأزم، بل على العكس قد يشجع أعداء النظام في الداخل والخارج على مزيد من الجرأة للوقوف بوجهه، وبناء منظومة تحالفات مالية وإعلامية واستخباراتية وعسكرية للقضاء عليه. فالمطلوب من إيران عند اتخاذ مثل هذا القرار أن تتجه إلى الانكفاء الايديولوجي والسياسي على الذات الوطنية، وتتخلى عن مشاريعها في بسط النفوذ والهيمنة الخارجية، وتعيد بناء شبكة علاقاتها الدولية، ومحاور تحالفاتها الإقليمية، مستفيدة من التجربة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية، لبناء اقتصاد وطني قوي يكون الأساس في الربط والتكامل مع بقية العالم، فتترك مناطق التأزم والتهديد الإقليمي تحل مشاكلها بنفسها بعيدا عن التأثير على أي من أطرافها، وان تقنع الجميع بأنها دولة قادرة على التعامل مع الجميع لمصلحة الجميع. في هذه الحالة فقط سوف تمنع القيادة الإيرانية وقوع الحرب عليها وستقف متفرجة على صراعات الآخرين التي ستشتعل قريبا منها لا محالة بحكم الواقع المتأزم في المنطقة. إن أي قرار تتخذه القيادة في إيران خلال هذه المرحلة سيحكم على مدى تعقلها، ورشدها، وفاعليتها، ومستقبل نظامها السياسي، ومستقبل شعبها، ولن تخلو ظروف اتخاذ هذا القرار من المفاجئات التي تجعل الأمور تسير بخلاف ما يتوقعه المحللون والمتابعون لمجريات الأحداث في الشرق الأوسط.
#احمد_حسين_قاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظرة المشتركة للقضايا الدولية بين الصين وأوكرانيا
-
جوانب التشابه بين الصين و اوكرانيا
-
الاستنتاجات واستقراء المستقبل لدور المؤسسات التمويلية في الا
...
-
توماس الاكويني
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|