أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالكاظم ماجود - العلاقة بين ميكانيك الكم وثقافة الحوار















المزيد.....


العلاقة بين ميكانيك الكم وثقافة الحوار


عبدالكاظم ماجود

الحوار المتمدن-العدد: 4106 - 2013 / 5 / 28 - 00:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في الفيزياء ثمة عالمان, العالم العياني( Macroscopic World ) وهو مجموع اوكليةالاجسام المرئية ( macroscopic objects) , النجوم ,المدن , البشر , حبات الرمل ,...الخ ,في حالة موصوفة وصفا تقليديا نهائيا . هذا التحديد للعالم العياني يستند الى مفهوم مساهمة الكينونة الانسانية . ثمة مفهوم اخرمفيد للعالم العياني , بانه ذلك العالم المدرك ((Perception World المحدد لكل كينونة محسة( Sentient being ) طبقا لادراكها .في العالم المدرك حالات جميع الاجسام التي تدركها الكينونة المدركة محددة وواضحة , لكن الاجسام تلك في اللحظة الانية ليست تحت مراقبتها . فقد تكون في تراكب حالات مختلفة . ميزة العالم المدرك هي انه لاينشطر بفعل الظواهرالكمومية في المجرات البعيدة , بينما ميزة التحديد الفيزيائي هي انه يمكن اعتبار العالم بدون توصيف المراقب , وهذا يعني امكانية استخدام لغتنا العادية لوصف الازمان عندما لم تكن هناك بعد كينونات محسة .العالم المدرك هذا درس فيزيائيا بواسطة الميكانيك الكلاسيكي اوالتقليدي واجتماعيا بواسطة علم الاجتماع ,بكلا صياغتيه ,اليقينية ( positivist Formalism) والتفسيرية (Formalism interpretive) ، عاكسا افتراضات الفيزياء الكلاسيكيـــــة الميتافيزيـــــــقية الماورائية او الخارقة للطبيـــــــــــعة (metaphysical assumptions) لعدد من الفلاسفة السياسيين المشهورين , الاقتصاديين , وعلماء الاجتماع في القرن التاسع عشر. العالــــــم الثاني هو العالم اللامــــرئي(Microscopic World), عالم الذرات وتحت الذرات. والفيزياء كعلم للحركة معنية بدراسة حركة عناصرهذين العالمين ووصف سلوكها ووضع التحديدات والمفاهيم والادوات الملائمة لدراسة لكل عنصر . فالعالم المرئي كالماء والشجروالانسان والطائرة والقطار والضوء والصوت نصف حركتها وسلوكها بما يعرف ب الميكانيك الكلاسيكي اوالتقليدي , وكل عنصر من عناصر هذا العالم او تجمعا يشكل نظاما مستقلا قائما بذاته . فاذا كان انسانا , قطة,اوحشرة , او تجمعا من اي منهم , فهو نظام اجتماعي , يدرس بواسطة علم الاجتماع , واذا كان طائرة, قطارا , طاولة , جسما متدحرجا , او تجمعا من حبات رمل, كان نظاما ميكانيكيا تقليديا قائما بذاته ,تدرس حركته ويوصف سلوكه بادوات وقوانين تقليدية , هي قوانين نيوتن وغاليلو, اوقوانين الميكانيك التقليدي . اماالعالم اللامرئي او العالم الصغري , فهو عالم المجهريات كالذرة ,الالكترون ,البروتون , الجزيئ ,النواة وغيرها . كل عنصر من عناصر هذا العالم, او طاقما من العناصر , يشكل نظاما مستقلا قائما بذاته يعرف بالنظام الكمومي ,لايمكن دراسة حركته ووصف سلوكه بمفاهيم وادوات تقليدية كتلك المستخدمة في ميكانيك نيوتن وغاليلو, بل بادوات غير تقليدية تنتمي لميكانيك الكم., اهمها الدالة الموجية لماكس بورن والمعادلة الديناميكية الاساسية لشرودنجر. ان هده الادوات لاتصف حركة وسلوك النظام الكمومومي فحسب , بل وتصف علاقة هذا النظام بمحيطه , الانسان والمادة وتطوراتهما الممكنة . ففي العلاقة بين ميكانيك الكم والمادة كانت معادلة اينشتاين ذات المحتوى الجوهري بان المادة والطاقة وجهان لعملة واحدة : فالطاقة هي المادة مضروبة بعامل هو مربع سرعة الضوء (ُE= mc2) . وفي تكنولولوحيا الالكترونيات كان ميكانيك الكم هو واضع اساس ثورة الاتصالات . ان الاكتشافات العلمية الهائلة التي تحققت في مجال الكومبيوتر والليزر والبيولوجيا الجزيئية كان اساسها ميكانيك او نظرية الكم. لقد حددت نظرية الكم , التي ارسى قواعدها , بعد ماكس بلانك , اىرفين شرودنجر وفيرنر هايزنبرغ واخرون عديدون , سرالمادة من خلال عدد من البديهيات , اولها فرضية ماكس بلانك القائلة . ان الطاقة ليست مستمرة كما رأى الاقدمون في الفيزياء التقليدية . بل هي تنبعث وتمتص من قبل المادة بهيئة جرعات طاقية تحدث بصورة منفصلة, سماها بلانك ب الكمات , وسماها اينشتاين من بعده بالفوتونات,وثانيها فرضية دي برولي ,القائلة بثنائية المادة ,اسوة بثنائية الضوءلاينشتاين, التي تنص ان :الجسيم المجهري المنفرد ( ذرة , الكترون , بروتون , نواة , جزيئ ), الذي يمثل نظاما كموميا مستقلا , او مجموعة الجسيمات (ذرات , جزيئات, الكترونات ) , التي تمثل هي ايضا نظاما كموميا مستقلا , يسلك احيانا كجسيم واحيانا اخرى كموجة , لكنه لايتصرف في الطبيعتين في اّن ., إن هذه الأنظمة الكمومية تخضع جميعها , منفردة اومجتمعة لمعادلة ديناميكية محددة جيدا , هي معادلة شرودنجر الموجية الشهيرة .وبهذا المعنى, فان ميكانيك الكم ,في وصفه لحركة وسلوك النظام الكمومي , يحاكي ,بدرجة ما, علم الاجتماع في وصفه لسلوك الافراد والجماعات وحتى الحيوانات والحشرات . عليه , يمكن النظر الى ميكانيك الكم بوصفه علم اجتماع المادة, لما في ذلك من تشابهات فيما بينه وبين علم الاجتماع , أهمها :
1. ان ميكانيك الكم يصف التجمعات والطواقم , مثله في ذلك مثل علم الاجتماع الذي يصف الافراد والجماعات .
2. فيما يتعلق بالفرديات (ناس اوجسيمات) هناك احتمالات فقط . فميكانيك الكم اساسا قائم على الاحتمالات وعلم الاجتماع هو ايضا يتبع في اساليب بحثه الحديثة الطرق الاحتمالية , اي ان الاثنين, يستندان الى خلفية واحدة , هي الخلفية الاحتمالية . بمعنى ان اليقينية هي مفردة كابحة لعملية معرفة ديناميكية التحولات البنائية في النظامين الكمومي و الاجتماعي, بل هي من كوابح معرفة الطبيعة والتاّثر معها .
3.الاعضاء الذين ينتمون لتجمع اجتماعي ما او لطاقم كمومي ( ناس اوذرات) كونهم يقعون تحت سلطة ما او محاصرون , فانهم متشابهون فيما بينهم ولكنهم يمكن ان يختلفو جدا عن اعضاء التجمعات اوالطواقم الاخرى . فمنظومة القيم والسلوكيات التي تسود مجتمع ما او تجمع كمومي ما تختلف من طاقم كمومي الى اخر ومن تجمع اجتماعي الى اخر . لكن ذلك لايعني العزلة اوالغرق في الخصوصية , بل التفاعل مع الاخر هو الاساس , مع الاحتفاظ بالكينونة الذاتية .
4.الاعضاء المنتمون لتجمع ما اوطاقم ,والمحكومون بمنظومة قيم وقوانين موحدة لا يعتبرون متشابهون فحسب , بل ومتطابقون في الاحساس والتأثر, بحيث ان استبدال اي عضو او عضوين منهم لن يغير الطاقم . ففي النظام الكمومي لايمتلك الاعضاءالكموميون خصائص مميزة , بل هناك خاصة مميزة واحدة , هي خاصة الطاقم او النظام موحدا . فهو يصطدم بالعوائق موحدا , يتداخل او يحيد موحدا , يتبعثر ويتجمع موحدأ . وكل عضو من اعضاء الطاقم يستطيع ان يقوم بكل هذه الظواهر لانه يحتفظ بكامل خصائص الطاقم , التي هي خصائصه في الاصل . في التجمعات الاجتماعية , ولغرض ضمان المحركات الديناميكيية الدافعة لها , يجب ان تسلك سلوكا جمعيا , مثلها في ذلك مثل عناصر الطاقم الكمومي : تفكر بوعي جمعي , تخطط , تبني , تنتج , تصنع الحب والجمال وتشيع العدالة في جميع فضاءااّت نشاطاتها الانسانية . وهذا لايتأتى الا اذا حافظ التجمع على خصائص كل عضو من اعضائه او تجمع من تجمعاته في الحضارة و الثقافة والتاريخ والاصالة وطريقة التفكير دون تمييز عرقي او اثني او طائفي تحت خاصة واحدة هي خاصة المواطنة . فعضو التجمع الاجتماعي اوالمجتمع, الذي هو الانسان , هو الحامل الحقيقي لخصائص المجتمع والصانع لمعارفه وقيمه النبيلة التراكمية . ان التضحية بالانسان الفرد او الجماعة او اهمالهما اوتهميشهما او اقصائهما هي تضحية بكامل المجتمع , وهو يماثل تماما لما يحصل في الطبيعة المحيطة بنا لعالم ميكانيك الكم الذي نحن جزء مشابه له ونخضع لنفس قوانينه واحكامه . فذرات الحديد , مثلا , وطريقة ارتباطها ببعضها هي التي تعطي للحديد صفاته الفولاذية , وتحطيم اي من هذه الذرات يؤدي الى تحطيم كامل البنية البللورية للحديد . وهذا الفهم بالذات هو الذي يجب ان يرتقي اليه وعي الانسان والتجمعات الاجتماعية . ففي ظله تشيع ثقافة الحوار ويحترم التنوع الثقافي وتنمو القيم والهويات الفرعية المناطقية في اطارالقيمة الجمعية للمجتمع والهوية الوطنية للبلد دون تمييز لاي خصوصية قومية اودينية اوطائفية على بقية الخصوصيات . ان ذلك يتحقق فقط عندما تكون جميع الخصوصيات محترمة ومصانة في الوجدان الجمعي للمجتمع على اساس الانسجام والحوار الثقافي المتمدن مع الاخر المختلف والتسامح والرسوخ المطلق في اخلاقيات الناس لحق الاخر في التعبير عن رأيه والسماع له كما هو لا كما يريده الانا وأن يضمن ذلك في دستور الدولة الذي يجب ان يعبر عن جميع الخصوصيات على قدم المساوات في حاضنة واحدة هي حاضنة المواطنة مثل فوتونات الضوء ذات الخصوصيات اللونية المختلفة التي تؤلف بمجموعها خصوصية واحدة هي خصوصية اللون الابيض الذي هو اساس الحياة .هذا هو منطق الطبيعة في ميكانيك الكم .
5. التحولات الممكنة في التجمعات الاجتماعية تخضع للقصدية , للارادة الجمعية للناس , بينما في الميكانيك الكمومي يبدو ذلك في مبدا الفعل الادنى .
6.اعضاء التجمعات في كلا الحقلين لاتقبل الانشطار . بمعنى انه من شخص واحد او الكترون واحد يستحيل عمل شخصين اصغر او الكترونين اصغر .
هذه التشابهات بين اعضاء التجمعات الاجتماعية والكمومية تجعل المقاربة بين علم الاجتماع كواصف وباحث في الظواهرالانسانية والبيولوجية عموما, وبين ميكانيك الكم, كدارس للظواهر الكمومية , معالجة موضوعية بدرجة مقبولة . فاعضاء هذه التجمعات ¸ رغم انتمائهم الى عالمين غير مجسرين , حيث يبدأ اي منهما من حيث ينتهي الاخر, الا انهم يمتلكون الكثير المشترك. فالعالم اللامرئي , عالم البنيات الصغرية , الذرات والالكترونات, يبدأ حيث ينتهي العالم المرئي (عالم البنيات البيولوجية المعقدة , المتضخمة) , عندما تفقد ادواته القدرةعلى وصف حركة وسلوك اعضاء طواقمها , فيحل اللامألوف محل المألوف وتنتهك التابوهات الوهمية ويصبح المستحيل ممكنا والمطلق نسبيا واليقين احتمالا . هذا هو المشترك : تلك اللحظة من الزمن , عندما تتوقف الحياة ويجد الانسان نفسه عاجزا عن احداث التغيير في حياته وحل مايواجهه من مشكلات بأدواته القديمة هي مكمن عجزه . هذا الفاصل من الزمن , بين لحظة الوقوف امام العائق ولحظة تجاوزه لاتمثل فصلا حقيقيا بين العالمين , انما المسالة قد لاتعدو كونها عجز فحسب في ادوات القياس السائدة , ما يجبرنا على اسقاط الخصائص التي يتمتع بها اعضاء الطواقم الذرية عن اعضاء التجمعات الاجتماعية ومن ثم الفصل بين العالمين بدلا من البحث عن ادواة جديدة مقتدرة . فالذرة كبنية اصغرية او كنظام كمومي يتمتع بطبيعة ثنائية غرائبية تفقد كموميتها وتتحول الى مجرد جسم , رصاصة , مثلا , اذا ما تعقدت بنيتها وتضخمت كتلتها عن طريق اتحادها مع ذرات اخرى وشكلت جزيئات او مركبات اكثر تعقيدا, وربما اعضاء بيولوجية كاملة يمكن ان تتطور متحولة الى كائن بيولوجي فاقدا لكموميته . وفقا لهذه المقاربة , يمكن القول بان اعضاء التجمعات البيولوجية هم بنيات معقدة تضخمت فتحللت اوتفككت روابطها الداخلية وتدمرت وظائفها الكمومية.
ان الاجسام اوالبنيات البيولوجية طورت نفسها نوعيا من خلال التحولات الكمية التي حدثت لها , وهي تحولات صيرورة مرت بها التجمعات اشترطتها ديناميكيتها الحركية وتأثراتها مع محيطها . ولكي تحدث تحولات مشابهة في المادة , فان ذلك يتطلب وجود مادة مظلمة في حالة من اللااستقرار اواللاتوازن ناجمة عن التموج الذي يمكن ان توجد فيه المادة . هذه التحولات قد بدأت في المادة فعلا ومنذ اربع عشرة بليون سنة , وهو زمن تحولي طويل لكنه اقل بكثير من زمن تحول الانظمة البيولوجية , لذلك فان الانظمة الكمومية لم ترقى بعد الى مرتبة النظام البيولوجي من حيث التعقيد والوظيفة . ان الوظيفة الاهم لاعضاء التجمعات (بيولوجية اوكمومية) هي استقبال المعلومات والتاثير فيها ونشرها , وهي خصوصية انتقائية تتحقق بالتحولات . بمعنى ان تطور الوعي الفردي والجمعي لدى الاعضاء البيولوجيين والكموميين يتم بالتوازي والتلازم مع تطور البنيات المادية لجميع الاعضاء.
ان نظريتي التحول والتشابه بين ميكانيك الكم وعلم الاجتماع تقودانا الى فكرة ان الاعضاء الكموميين ( الذرات وتحت الذرات) هم ايضا يمتلكون وعيا فرديا وجمعيا . مثل هذه المقاربة تفسر لنا جوهر الدالة الموجية وانهيارها عند الحواجز كما في تجربة تداخل الشق المزدوج الشهيرة ليونغ . فالدالة الموجية التي تصف حركة وسلوك الجسيم الكمومي تمتلك سعة لاتساوي صفر في الزمان والمكان حيث يحتمل تواجد الجسيم وانهيارها يحدث عندما تصبح هذه السعة صفرا , ومعها ينهار احتمال تواجد الجسيم في هذا الزمان وهذا المكان . ان اهمية الوعي هي القدرة على توقع المستقبل , وعمق هذا التوقع يتحدد بالتفاعل مع المحيط وصولا الى تفكيك الترابط الكمومي . فاللحظة التي تبدأ عندها الاواصر الترابطية في النظام الكمومي بالتفكك هي لحظة فقدان هذاالنظام لكموميته وارتقائه الى عالم المنظورات , عالم الانسان والقطة والشجرة والطائرة , ... عالم الميكانيك التقليدي. بهذا المعنى , فان الدالة الموجية هي بنية ذهنية مجردة في تشييد فضائي تجريدي في وعي الجسيم المجهري . وان مايدعى بامواج المادةهي ليست مادية , ومع ذلك , فهي تتحكم في سلوك الجسيمات المادية .
ان الطبيعة الثنائية للمادة , المعروفة بـ موجة / جسيم هي جسيم ذهني واحد. ففي الفضاء الحقيقي الثلاثي الابعاد يوجد الجسيم 0 وفي وعيه توجد الموجة . فاذا وجدت عدة جسيمات , فان توزيعها وفقا للدالة الموجية يمثل موجة حقيقية في فضاء حقيقي . بمعنى ان المفهومين (موجة / جسيم) يتتامان مع بعضهما البعض .
مبدأ التتام:
ان العالم الميكروي ,الذي يسود فيه ميكانيك الكم يعج بالظواهر التي تتحدى الحدس العادي . منشأ هذه الظواهر هو مبدأ التتام ( Complementarity principle), الذي يتخذ في معظم الاحيان صفةالثنائية (موجة / جسيم ) مظهرا له, حيث يتتام المظهران او يتلازمان في الوصف الكامل للجسيم . ففي تجربة واحدة نستطيع ان نرصد احدى الخاصتين او السلوكين الجسيمي اوالموجي, لكننا لانستطيع ان نرصد الخاصتين في الان معا. ان تمظهر الجسيم باحدى الخاصتين يقتضي اختفاء الاخرى فحسب او تواريها مؤقتا وليس الغائها او اقصائها نهائيا ,وهذا هو جوهرالتتام او التلازم . ان الصورة الاكثر وضوحا لمبدأ التتام نجدها في مفهوم الشك او اللاتحديد او اللايقين(concept uncertainty) لهايزنبرغ , الذي ينص على انه لايمكن تحديد موقع الجسيم وسرعته او كمية حركته بدقة عشوائية او مفرطة في ان . فالافراط في دقة تحديد موقع الجسيم يعني اهمالا مفرطا في تحديد كمية حركته , والعكس صحيح ايضا . بمعنى , ان الكميات المقاسة المتلازمة كموقع الجسيم وكمية حركته , او الطاقة والزمن لايمكن ان تكون قيمها المقاسة مطلقة , بل هي قيم تحتمل الخطأ وقياسها يخضع لمتأرجحة هايزنبرغ:
ħ-;---;-- = Δ-;---;--Χ-;---;-- P x Δ-;---;--
اي ان الخطأ المحتمل في قياس موقع الجسيم(XΔ-;---;-- ) مضروبا في الخطأ المحتمل في قياس كمية حركته(PΔ-;---;-- )= ثابت بلانك المجزأ _مقدار ثابت ) . فاذا اعتبرنا ان الخطأ المحتمل في قياس اي من ا لكميتين يساوي صفر , اي لا يوجد خطأ , فان قياس الكمية الثانية وفقا لمتأرجحة هايزنبرج سيكون غير معرف , وهذا مخالف للطبيعة , اي ان احتمال الخطأ في القياس لايعتمد على دقة عمل القائم بالتجربة , ولاعلى دقة اداة القياس المستخدمة في التجربة , بل هو من صلب طبيعة العلاقة التتامية بين المتغيرات الديناميكية المتلازمة للنظام الكمومي. وهنا يكمن المعنى الجوهري لبحثنا هذا والاستعانة بالتشابهات بين النظامين , الكمومي والاجتماعي , التي كان يمكن ان تصاغ تحت سؤال : كيف يسلك الانسان وكيف تسلك الطبيعة ؟
في هذه النقطة بالذات تبدو الطبيعة , ومن خلالها النظام الكمومي ,اكثر التزاما بقوانينها , واذا جاز لنا التعبير بمنظومة قيمها, من النظام الاجتماعي . فالنظام الكمومي يتيح لكل اعضائه عدم تهميش او اقصاء اي عضو اوتجمع , اي ان ديناميكية حركة وسلوك النظام الكمومي تقوم على اساس الشراكة او المساهمة الفعالة ايجابيا في هذه الديناميكية . وهو( النظام الكمومي) لايميل اصلا الى انتهاك اي من صفاته . واذا حدث مثل هذا الانتهاك , فلابد ان يصححه لانه متوازن مع ذاته ومع الطبيعة التي هو جزء منها , والا لما وجدت الحياة ,على الاقل ,على كوكبنا الارضي . ذلك لا يعني بالطبع ان الظاهرة الكمومية اكثر تطورا من الظاهرة الاجتماعية , بل لان القصدية فيها هي في مستوى الفعل الادنى , على العكس من النظام الاجتماعي الذي تكون القصدية في افعاله في اعلى مستوياتها , التزاما بالقوانين او انتهاكا لها .
قصدية الانتهاكات في النظام الاجتماعي
من وجهة نظر تاريخية ,يمكن النظر الى القصدية في النظام الاجتماعي في اطارين : اطار كوكبي ,على مستوى كوكب الارض ( سنسميها قصدية كوكبية Star purposely ),واطار محلي) ونسميها قصدية محلية ( purposely local ),وهما في الحالتين دالتين لدوافع و عوامل تراكمية عديدة متغيرة مع الزمن : فالقصدية الكوكبية ’ القديمة والحديثة , ارتكبت وترتكب معظم انتهاكاتها بحق سكان الارض الاقدمون والحاليون بدوافع الهيمنة الفردانية والجمعية,المغطاة بفلسفات ومفاهيم كهنوتية ابتدأت في اطار صراع دويلات المدن ومراكز قوى المعابد الدينية وتطورت الى صراعات وحروب امبراطورية عابرة للازمان والحدود .
بعد زوال الامبراطوريات وظهور سلطة رأس المال كانت العوامل الاقتصادية والسيطرة على الارض والمياه والثروات الطبيعية والغاء ثقافات الشعوب وطمس حضاراتها والاحلال محلها تشكل,اضافة الى ادعاءات ثقافية وتبشيرية دينية وهمية , احداثيات القصدية الكوكبية,متجلية في ظهور مجموعة الدول الاستعمارية . وحتى عندما أجبر المستعمرون على الرحيل لم يفكروا في اصلاح انتهاكاتهم للطبيعة ولحقوق الانسان و جرائم الابادة الجماعية التي ارتكبوها بحق السكان المحليين , كما تفعل الطبيعة عندما يحصل انتهاك في احد تجمعاتها , بل على العكس من ذلك عمدوا على ادامة واستمرار انتهاكاتهم , من خلال زرع ربائبهم ومسوخهم مع منظومة من مفاهيم ثقافة العنف وعوامل الاضطراب والتناحر بين المجموعات السكانية ,المحلية والمتجاورة, ماعاق اية امكانيات لتحولات اجتماعية يمكن ان تفظي في النهاية الى اصلاحات حقيقية في هذه البلدان . اما انتهاكات القصدية المحلية ,فهي فضلا عن التأثيرات المحيطية وما خلفته القصدية الكونية, فا ن لها عواملها الذاتية , ومنها , في بلادنا مثلا , النزعة الى انتاج واعادة انتاج روح الهيمنة والتسلط الفردانية القبائلية في هذه المجتمعات , الاستمرار في التمسك بمفهوم الرعية بدلا من المواطنة , ضعف منظومة القيم الحضارية , تغليب اليقينية على ثقافة الحوار واستشراء نزعة الغاء الاخر المختلف ,عدم تجانس المجموعات السكانية قوميا او دينيا اوطائفيا وتغليب الخصوصيات الفرعية على الخصوصية الوطنية, ضعف الوعي الجمعي وسيادة الخرافة والاسطورة . كل هذه العوامل تشكل , مع الاخذ في الاعتبارعامل الزمن وتبادل الادوار ومراكز القوى , احداثيات القصدية المحلية وانتهاكاتها ضد الطبيعة , مخالفة بذلك منطق رقي النظام الاجتماعي قياسا بالنظام الكمومي .

هذا المثال وغيره من الظواهرالكمومية يبين ان قواعد ميكانيك الكم البسيطة يمكن ان تفظي الى انبثاق مبادئ تحكم السلوكيات المعقدة للنظام الاجتماعي الموصوفة تقليديا في اطار علم الاجتماع . ومن هنا كان لميكانيك الكم دورا حاسما في احداث التحولات الاجتماعية الكبيرة في حياة البشر من خلال التحول الكبيرفي مسار الثورة العلمية



#عبدالكاظم_ماجود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات ...
- علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
- ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
- مصادر مثالية للبروتين النباتي
- هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل ...
- الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
- سوريا وغاز قطر
- الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع ...
- مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو ...
- مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالكاظم ماجود - العلاقة بين ميكانيك الكم وثقافة الحوار