أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدة عفيف - مسخ














المزيد.....

مسخ


سعيدة عفيف

الحوار المتمدن-العدد: 4105 - 2013 / 5 / 27 - 18:44
المحور: الادب والفن
    


بعد الظهيرة، وبالجهة الخلفية من البيت، تجلس السيدة غالية كما العادة، على كرسي خشبي، تحت الشمسية التي تتوسط جنينتها المتواضعة، تمد يدها من حين لآخر على الطاولة لتلتقط كأس القهوة الذي ترشف منه رشفات متباعدة، ثم تعيده بعد ذلك من حيث أخذته.
تتأمل توهج الأعشاب تحت أشعة الشمس القوية، مستبقية نكهة القهوة اللذيذة بفمها لتستشعر قوة مُرَكَّزِ طعمها بقمة رأسها. فيما قسوة الأشعة تغلف مقلتيها بغلاف رقيق من الدمع، فتبدوان سابحتين إلى حيث لا شطئان ولا مرافئ.. تغلقهما بخفة لتفتحهما ثانية على تلك الوريدات المختلفة الألوان، والمتناثرة على طول حافة شريط أخضر، يحاذي ممشىً مُبلطا لا يتجاوز عرضه المترين، يفصل بين مكان جلوسها وما تبقى من أمتار مغروسة، تمتد إلى حيث يوجد الباب الحديدي ذو المصراع الواحد الذي يفضي مباشرة إلى الشارع...
وهي مستغرقة بين هذا المشهد وبين تماوجها الباطني، تنتزعها الأفكار من محيطها.. تشدها أحداث الرواية، ثم تتذكر...
في ذلك الزمن البعيد، تحديدا في القرن الخامس الميلادي، كان الراهب هِيبَا يصرخ آمرا عزازيل بأن يبعد عنه صوت الغواية، لكن عزازيل لا يلبث أن يجيبه، هذا ليس صوتي يا هِيبَا، إنه صدى روحك... لم يكن عزازيل سوى ذلك الأنا الآخر المحبوس داخل هِيبَا، لم يكن سوى صوت روحه التي تئن تحت وطء رحى التساؤلات الأبدية التي تولدت في ذهن البشر مذ كان ولا يزال، رحىً تدور دورات لا نهائية غير حافلة بالمكان والزمان. غير حافلة بالإنسان ..
عزازيل منا وفينا وإلينا.. عزازيل في أعماقنا كما الإله.. إنه صوتنا الآخر.. إن نحن أصخنا السمع جيدا...
وتستمر الحكاية في التداعي..
.. كان هِيبَا شاعرا طبيبا في جبّة راهب. وكانت روحه الشاعرة ممزقة بين أمور الدنيا و الدين، بين إرضاء النزعات الإنسانية و بين الإغراق و التوغل في الزهد عن كل ما هو دنوي، تواقا للتحرر من صوت الجسد، طموحا أن تتوثب روحه و تحلق بعيدا في سماوات الطمأنينة و المحبة الإلهية.. غير أن كلا من صراعات الخير و الشر الأبدية، والتساؤلات ذات الطابع التشكيكي و التي لا يجد لها جوابا، و اهتزاز إيمانه بين الفينة و الأخرى و اشتهاءات الجسد النزقة المنفلتة من جميع النواميس، إلهية كانت أم وضعية، تدهمه و تباغته غالبا، بل و تنتصر عليه أحيانا، و تلقي به في أسراب عذابات لا تنتهي...
ويتهادى إليها صوت من الأعماق:
- لماذا تتذكرين كل هذا يا غالية؟
- لست أدري، نحن لا نهرب من أنفسنا إلا إليها.. والتاريخ، مادام يكرر نفسه، لَخير شاهد على ذلك. ثم قد يكون هذان الرجلان يوقضان في نفسي تذكر أحداث تلك الرواية..
- تقصدين أَرْ.. وَنُو..
- ومن غيرهما؟ لا يوجد غيرهما..
- كلاهما يخطب وُدَّك، ويطمع في التقرب منك دون غيره..
- يعبثان ويَهدِران وقتهما فيما لا طائل منه..
- فيمَ؟
- في مخاطبة الودِّ.. أجل، لا طائل من ذلك !
- وما العمل؟
- لا عمل.. هل رأيتِ بأمِّ عينيك يوما جسدا حيّاً بلا روح؟ أو روحا تحيى خارج الجسد؟
- قد تكون للأرواح أطياف مثل ما نسمعه بالحكايات والأساطير، لكن بمعنى اقتران الروح بالجسد، فلا يمكن ذلك أبدا..
- هما كذلك.. شيء من حكاية الراهب ذكرني بهما، ربما عذاباته وتناقضاته، التي ليست سوى تناقضات الحياة نفسها، وحلمه بمعرفة الحقيقة الغائبة عن واقعه.. شأنه في ذلك شأن أي إنسان متقد الفكر لا يهدأ، مشتعلة روحه للإشراق؛ غير أن هِيبَا وأمثاله جسد وروح لا يتجزءان، أما هذان، فروح غائبة عن الجسد، وجسد غائب عن الروح.. وكلاهما في عذاب لا يدركانه، جراء النصف الآخر الممعن في الغياب..
- وأنتِ؟ ألستِ في حيرة منهما؟
- لا. الأمر حاسمٌ نفسَه.. أنتِ فقط من تسأل..
- وأنتِ من أنتِ؟
- أنا ألاحظ فقط.. وأغوص في ذاتي لأنجو بها من كل هذا المسخ.. !

مراكش في 7 أبريل 2012



#سعيدة_عفيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية عُمْر
- مقامات
- عَايْشة
- أبجديّة
- قَبَسٌ مِن نارْ
- لقاءٌ أخيرْ
- في انتظارِ حَبّْ الرّْشادْ
- شَطَحاتْ
- على المرقصْ
- حوارٌ سُفْلِيّ
- في عيد الحبّ
- رِهانْ
- رَيْثَما...


المزيد.....




- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما
- وفاة صاحبة إحدى أشهر الصور في تاريخ الحرب العالمية الثانية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدة عفيف - مسخ