أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - دوستويفسكي: روايةُ الاضطهادِ (7)














المزيد.....

دوستويفسكي: روايةُ الاضطهادِ (7)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4105 - 2013 / 5 / 27 - 09:12
المحور: الادب والفن
    


المسيحيةُ حسب وعي دوستويفسكي هي الأبوة، أبوةُ الإلهِ الحاني للعالم، لكن الأبوةَ الأرضية الحسية الأنانية هي شكلٌ مضاد.
وليس في رواية أخرى كما في رواية(الأخوة كرامازوف) يتفجر التضاد بين هذين النمطين من الأبوة، إن أب أسرة كرامازوف (فيدور فيدروفتش) هو النقيض للأب الراهب زوسيما. ومن هذين الخطين تنبعُ التضاداتُ الشخصية الروحية في مجمل الرواية.
إن الأب فيدور فيدروفتش، رجلٌ فقدَ كل معاني الأبوة الإنسانية، فهو شبق وأناني وبخيل وثرثار ومهرج. كونَّ عائلته بخداعِ امرأتين سرق ثروتيهما، وأعتصرهما عصراً، حتى انهارت الزوجتان، ورحلتا واحدةً بعد الأخرى. وتشكل من هاتين الزوجتين أولادٌ نبتوا هنا وهناك بالصدفة والفوضى، في المرافق الدنيا الحقيرة للمنزل، وتربوا في حضانات مختلفة، أنقذتهم بمعجزة.
وفي غمرة تتويج حالاته الزوجية الحيوانية، فإنه يغتصب امرأةً معتوهةً، بسبب رهان مجنون جنسي بشع لاغتصاب تلك المرأة، وينتجُ منها الخاتمة النهائية لأبوته الشريرة (سمردياكوف)، (وإيحاءات الكلمة بالروسية تعني النتن، النتانة! مثلما تعني الفقرة الأولى من اسم العائلة كراما (مازوف): الأسود!).
إن حالاته الشبقية والتهريجية السابقة تقودُ إلى ذروة أعماله وهي عشق المرأة الجميلة (جروشنكا) والتي هو مستعدٌ لإعطائها كلَ ثروته، حسب ما زعم أبطالٌ آخرون، في نظير أن تقبل بالزواج منه، وهو العجوز الدميم الآن، وهي قمةُ الفتنة في المدينة.
إن الأب هو المحور، هو المرتكز الأساسي للحدث وللعائلة ولتكوين هذا العالم الاجتماعي المريض. حيث الأب هنا، خلافاً لفكرة العالم الأبوي المسيحي المثالي، هو أساسُ الخراب والعذاب في العائلة، أي في المجتمع، لا مؤسس الحب والعدل فيه.
ويعطي دوستويفسكي تمثلات تجسدية حادة، ملموسة، مطلقة، للأب الأرضي الدنس، فهو كريه في شكله، في وجهه الشهواني العنيف، وبغيض في لغته التهريجية التي يتصنعُ فيها ويغدو مهرجاً يحتقر ذاته، ويسخر من مشاعره وأفكاره، لينقلب إلى ساخر من الآخرين، كاره لهم، عدواني. ولا يكاد أن يوجد جانبٌ جميلٌ في هذا الإنسان.
فهو من الجهة الحسية-الجسدية-العاطفية، حيوانٌ كامل. إنه يجسدُ كل نظام الملكية الخاصة ؟ الإنانية، وذروته المعاصرة، ورمز السلطة الأبوية الاستغلالية: والصاعد بالتجارة عبر الربا والاحتيال، فهو ليس إلا الحيوان القديم، الشرس، الأناني، الذي يلبس لباساً حديثاً، وهو قد فصل حيوانيته هذه ببدلةٍ فكرية أيضاً، هي الأفكار الغربية العصرية(حينذاك) مثل إنكار الإله والخلود. فإلحادُ الأب هو الإيمان الكامل بعالم الغابة، حيث الذات هي الوحيدةُ في الكون، ولا يوجد أمامها سوى اللذة والمنفعة.
إن الإيمان بالإله والخلود حسب دوستويفسكي يعني عبر ثيمات الرواية - الرؤية، أن يتأنسن الحيوان في الأب، أن يتراجع عن إباحيته ولا أخلاقيته، أن يخاف من عقاب الإله، وأن يحب الناس.
إن الإيمان في اللغة الدوستويفسكية هو معادلٌ للأخلاقية، وللتضحية، وللنقاء. أما الفكر العدمي فهو على الضد، استباحة كل شيء، وعدم الخوف من الآخرة، وبالتالي إعطاء (الحيوان) فرصةَ البروز الكامل والمطلق. فالخيرُ قادم من المطلق الديني وليس متشكلاً حسب صراع القوى الاجتماعية.
إن الإله هو الذي يحملُ الأنسنةَ للإنسان، والنبل، والطهر، ولكنه حملها مرةً واحدة، وضحى بذاته، حسب الرؤية المسيحية الأرذوكسية، فإذن مطلوب من الإنسان، هنا الصعود نحو الإله والتماثل به، وصناعة هذه التضحية، وهذا الكف للحيوان الشرس الكامل.
لكن الأب فيدور فيدروفتش هو الممثل الكامل، الحي، البسيط، المتجوهر فردانياً، لإنكار الإلوهية، للعدمية الروحية، للإلحاد على الطريقة المشكلة دستوويفسكياً، أي لإطلاق الحيوان البهيمي الذي يبيح كلَ شيء لنفسه.
يُقال أن دوستويفسكي من الرجعيين المتزمتين استناداً إلى مشاعره لقتل أبيه. يقول فرويد:
(وإن هذه المشاعر قد قامت أيضاً بتحديد اتجاهه في مجالين آخرين كانت فيهما العلاقة بالوالد واضحة، هي سلطة الدولة وأيضاً اتجاهه نحو الاعتقاد في الله. وبالنسبة للاتجاه الأول فقد انتهى به الأمرُ إلى الخضوع التام لأبيه الصغير: القيصر..)، راجع مجلة (إبداع)، دستويفسكي وجريمة قتل الأب، سيجموند فرويد، ص 31 ؟ 46).
لكن دوستويفسكي ليس خاضعاً لسلطة الدولة الرجعية بل هو يخاف التعبير عن نقده بعد سنوات السجن والنفي المريعة لمجردِ دعوته لبعض الأفكار النضالية، ولهذا تغدو المسيحية هي فكرته التي يشكل عبرها نقده، فيجسد قوى الأب الأرضي الشرير والأب السماوي الخير، فيدور فيدروتش من جهة والراهب زوسيما من جهة أخرى. الرواية تغدو ذروة أعماله حيث وصل الصراع بين الأب الفاسد والخلاق، المسيح والعدمي، أمثولةً لكل الحياة، وهذا ما يجعل قراءته الدينية تجريدية لم تتغلغل في الصراع الاجتماعي واحتمالاته.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رأسا الحداثةِ المنفصمان
- الثورةُ السوريةُ وحربٌ إقليمية
- لماذا يكرهون قرناءهم؟
- اختلافاتُ تطورات الشعوب
- ثقافةُ الإعاقةِ
- رفسنجاني الليبرالي الذي لا يختفي
- الأمريكيونَ والنفطُ والمذهبيون
- تجربةُ اليسارِ الفرنسي في الحكم
- الأدب الحديث والقومية
- الأدبُ الفارسي القديمُ والقوميةُ(2-2)
- الأدبُ الفارسي القديم والقومية(1-2)
- انهيارُ العقلانيةِ في الثقافةِ البحرينية
- الميثاقُ الوطني وتحولاتُ شعبٍ (2-2)
- الميثاقُ الوطني وتحولاتُ شعبٍ
- معرضُ(إليكَ أيها العاملُ)
- البرجوازي الصغيرُ القائدُ الشرقي
- تكويناتُ الطبقةِ العاملةِ البحرينية
- مجنونانِ مسلحانِ في الشارع!
- دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد(6)
- دوستويفسكي: روايةُ الاضطهاد (5)


المزيد.....




- “الكــوميديــا تعــود بقــوة مع عــامــر“ فيلم شباب البومب 2 ...
- طه دسوقي.. من خجول المسرح إلى نجم الشاشة
- -الغرفة الزهراء-.. زنزانة إسرائيلية ظاهرها العذاب وباطنها ال ...
- نوال الزغبي تتعثر على المسرح خلال حفلها في بيروت وتعلق: -كنت ...
- موكب الخيول والموسيقى يزيّن شوارع دكا في عيد الفطر
- بعد وفاة الفنانة إيناس النجار.. ماذا نعرف عن تسمم الدم؟
- الفنان السوري جمال سليمان يحكي عن نفسه وعن -شركاء الأيام الص ...
- بالفيديو.. لحظة وفاة مغني تركي شهير على المسرح
- كيف تحولت السينما في طرابلس من صالونات سياسية إلى عروض إباحي ...
- بالفيديو.. سقوط مطرب تركي شهير على المسرح ووفاته


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - دوستويفسكي: روايةُ الاضطهادِ (7)