جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 4104 - 2013 / 5 / 26 - 19:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أنقل بداية مداخلة الأستاذ عدنان يوسف التي كتبها على صفحة المتمدن الخاصة بالقسم الثاني من الحوار الذي اجرته معي الشاعرة المعروفة الأستاذة فاطمة الفلاحي والذي جرى تحت عنوان ( الإسلاموفوبيا... ), والتي جاءت نصا على الشكل التالي (نعرف اصل المشكلة وعرفنا المظفر بالحل من خلال رؤية ودراسة علمية للتاريخ, لكن لم يقل لنا كيف سنصل الى ما يراه, فلا الاحزاب الدينية تتخلى عن السلطة, ولا الشعب سيغير إصطفافه الطائفي وهو يذهب الى صناديق الاقتراع, اما الانقلاب فلن ينتج سوى دكتاتورية فاشية تفوق بدمويتها كل من سبقها)
الأستاذ رديف الداغساتاني ينحى بنفس الإتجاه حين أكد على ضرورة البحث عن حلول لتجاوز الوقوف في منتصف المسافة, وأنا معه في ذلك تماما, فالنقد لوحده دون تقديم البديل يصبح موقفا نقديا سلبيا.
أغلب كتاباتنا ما زالت تراوح في نفس المساحة, اي في المنتصف بين الرفض لما هو موجود مع تلكؤ واضح في طرح برنامج كفوء وقادر على ان يكون مقنعا كبديل عملي, ولذا تجد هذه الكتابات مليئة بالهجوم على الطائفية وعلى الإسلام السياسي, لكنها من ناحية اخرى غير قادرة على الولوج في مساحة تقديم البديل السهل والمقنع والذي بدونه سوف نبقى نتحرك في مساحة اللابديل.
وبإمكاننا أن نعثر على مئات الكتاب الذين يرددون معنا نفس المفاهيم الرافضة لكننا سنتعب حقا في العثور على عشرة منهم يقدمون البديل المقنع الذي يتأسس على رؤى واضحة مع تشخيص لآليات وأدوات التغيير, وهذا بدوره سيزيد الطين بلة, لأن النكوص عن طرح البدائل وإغنائها سوف يؤدي دوره في تعميق حالة اليأس الجماهيرية التي تقود بدورها إلى الإستسلام للواقع الذي يصبح حينها قدرا ولو كريها.
إن تشخيص الحالة هو نصف الحل, لكن النصف الآخر سوف يتأسس على تحديد صائب لمناهج التغيير وآلياته وأدواته, والمسألة أراها ستكون واضحة فيما لو تفهمنا حقيقة أن المفكر الذي يبحث عن حلول شافية هو تماما كالطبيب المقتدر. لدى هذا الأخير فإن المعالجة الشافية تتأسس على التشخيص السليم للمرض, فإن أخطأه سيخطأ العلاج. كذلك ستكون عليه الحال لو أخطأ المفكر وصف الحالة التي يراد تغييرها لأن قدرته على توصيف فكرة التغيير بعدها ستصبح صعبة وحتى مستحيلة, وفي الحالتين سوف يساعد الطبيب والمفكر على إستفحال المرض.
غير أن تأشير هذا الإرتباك لا يتقاطع مع حقيقة أننا لم نهمل تماما التطرق إلى بعض الحلول الأساسية ومنها حل الدولة العلمانية السياسية التي تقع علينا مسؤولية التركيز عليه بعد الإتفاق على تحديد وتعريف واضح لماهيته.
على طريق الحل هناك مطبات منهكة علينا أن نتداركها. من ناحية هناك إستسهال للحل مثلما هناك طلب في إستعجاله, ومن ناحية مقابلة هناك حالة إحباط ولّده تسارع الأحداث الجسيمة التي ما زالت تتناسل سواء في بلدنا أو في منطقتنا الإقليمية.
"إستسهال" الحل و "إستعجاله" يتأسسان على تصورات نمطية للمشكلة لا تأخذ بنظر الإعتبار اننا نعيش على المستوى المحلي مرحلة (إعادة تكوين) يمتلك الإسلام السياسي مفتاح سيرورتها في حين أن القوى المناهضة أما جنينية التكوين ولم تتكون ذاكرتها السياسية بعد, أو هي من النوع الذي شاخ وأصيب بمرض قِدَم الذاكرة الذي يجعله قويا في إستذكار الماضي لكن ضعيفا في إستيعاب وتركيب وعي جديد لأن دماغه لم تعد فيه خلايا ناشطة وقادرة على الإضافة, وهذه القوى بالتالي غير مؤهلة للخروج من خانتها التراثية والأرشيفية إلى خانتها المفعلة بمعطيات المرحلة الحالية.
على الجهة الأخرى حالة "الإحباط" هي حالة متأسسة على عدم القدرة على ملاحقة الأحداث والتحولات المحلية والإقليمية, لسرعة تناسل هذه الأحداث من ناحية, وحِدَّتها من ناحية أخرى, أي أن سرعة الأحداث بدأت تتفوق كثيرا على سرعة ملاحقتها ورصدها, في الوقت الذي بدت فيه القوى المقدر لها أن تخوض السباق لا تملك بعد المساحة الزمنية اللازمة لتأسيس أدبياتها السياسية المرحلية القادرة على الوقوف في وجه حركات إسلامية تكامل ظرفها مع ظرف المحيطين الإقليمي والدولي.
ولست ميالا بهذا أن احمل هذه القوى عثرات هذا الإشكال فثمة هناك واقعة علينا أن نعترف به وهي أن خيول المرحلة الحالية هي خيول إسلاموية, في حين أن خيول الحركات الوطنية العلمانية هي خيول تعبة ومتعاركة مع بعضها بفعل كل تراكمات المراحل السابقة, أما الحركة الوطنية الخاصة بالمرحلة وبمواصفات نوعية مطلوبة للمجابهة مع الإسلاموية السياسية فلم تنجز تكوينها بعد.
في الإتجاه نفسه فإن إستسهال الحل غالبا ما يؤدي إلى تصعيد حالة الإحباط هذه, وإستسهال الحل يتأسس على إستسهال المشكلة وتعويمها بإتجاه واحد, في حين أنها ليست كذلك, لأنها لم تعد تلك التي تتمثل بوجود حكومة ونظام على جهة وحركة معارضة على جهة أخرى كما كان عليه الأمر في المراحل السابقة, فهي من ناحية (مشكلة إعادة تكوين وطن, سابقة على مشكلة إعادة تاسيس دولة, وبالتالي سابقة على مشكلة تأسيس سلطة), لذا فهي لم تعد تقليدية كما أنها لم تعد سهلة أبدا, ولذا قلت أن إستسهال المشكلة وتعاطي حلولها بالإتجاه التقليدي سيؤدي إلى حالة إحباط أكيدة لأنها تجعلنا واقفين تماما في منتصف المسافة وغير قادرين على السير إلى النصف الآخر حيث البديل المقتدر.
هذا البديل دون أدنى شك تعتمد ولادته على توصيف دقيق للمرحلة السياسية الحالية, وعلى تحديد حقيقي لنوع وحجم المشكلة التي نجابهها. بدون توصيف مقتدر وواضح لخصوصيات المرحلة السياسية الحالية لن تكون هناك قدرة على تقديم حل حتى بإطاره النظري. وسيبدأ ذلك دون أدنى شك من خلال القدرة أولا على الوصول إلى منتصف المسافة حيث يبدو الإسلام السياسي عاجزا تماما عن تقديم اي تحول إيجابي من شأنه أن يطيل من عمر تجربته التي تستمد قوتها الأساسية من مرحلة البعثرة السياسية التي لا يمر فيها وطننا العراقي لوحده وإنما تمر فيها عموم المنطقة الإقليمية التي ينتمي إليها.
معرفتك ان خصمك غير قادر على تقديم الحلول يعني أنك قطعت نصف الطريق إلى الحل, ولكن هذه المعرفة لن تدخل في مساحتها الإيجابية ما لم تعثر على النصف الآخر للحل, وهناك ما ينبئنا على أن جعبة الطائفيين السياسيين هي جعبة مفلسة, وهي على تراجع مستمر, ومن الخطأ ان نتصور أن الحل سوف يأتي من داخل الساحة العراقية لوحدها, لكن عدم قدرة الطائفية على السير سوى إلى الخلف سوف يهيأ الساحة العراقية لمتغير إقليمي ودولي في صالح القوى الوطنية إذا أحسنت قدرة التعامل مع التحولات العنيفة التي تمر فيها المنطقة وليس العراق لوحده, وبإمكان العاملين أن يقدما حلا.
ما أعرفه أن الطائفية قد بدأت تتراجع ولم تعد قادرة على إدامة فعلها السابق, كما أن الإسلام السياسي الذي كان محاربا أثناء وجوده في المعارضة قد تأكد عجزه عن بناء دولة بمقاييس العصر, وعلينا ان لا نؤسس نظريا للحل من خلال مقارنة ميكانيكية مع أوضاع الدولة العراقية الوطنية كما كانت تأسست في البدايات, لكن الدفع بإتجاه حلول أخرى تتراكم بهذا الإتجاه هو السبيل الوحيد, وهذه ليست سهلة لكننا لا نملك سوى ان نكافح من أجلها أو أن نستسلم.
نصف الحل هو رفض الواقع المر, ونصفه الآخر محاولة إيجاد المخرج من خلال تنمية وتجميع وتفعيل القوى الديمقراطية في الداخل وجعلها بديلا مقتدرا ومهيأ لتلقف المتغيرات .
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟