ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم
(Majid Alhydar)
الحوار المتمدن-العدد: 4104 - 2013 / 5 / 26 - 16:14
المحور:
الادب والفن
وجودي بين هؤلاء فرصةٌ لا يجود بها التاريخ إلا مرة كل ألف عام. ولأن كلماتي (كما يؤكد الجميع) كلها حِكمٌ عظيمةٌ، فقد استأجرت جماعة من الحفظة الموثوقين كي يسجلوا كل شيء أقوله. سوف أجمع أقوالي في كتاب كبير وأكلف الوعاظ في المعابد والقوالين في الأسواق والمغنين في السكك بتلاوتها، وجبة إثر وجبة، على مسامع شعبي المطيع.
"37"
قال صاحب الجلالة الأعور بين العميان:
أحياناً يفاجئونني. هؤلاء العميان.. رعيتي.. يدهشونني!
هذا الصباح أيقظني صوت موسيقى مرحة تنطلق من جنائن القصر. نظرت من الشباك: كان العشرات من الخدم والجواري يرقصون في تناغم ودقة عجيبين. والأعجب من ذلك ثيابهم الجميلة على بساطاتها، والورود الحمر التي شبكوها في لممهم. حييت الشباب وسألتهم عن سبب احتفالهم فأجابت صبية جريئة بوجه كالقمر: إنه الربيع، الربيع يا مولانا.. ألا تراه؟
أربكني كلام الشيطانة!
ما هذا الذي في صدري؟ كيف حدث أنني، وأنا المبصر الوحيد.. والملك العظيم.. أنا هبة الله للأنام.. لم ألحظ ذلك، بينما أحس به هؤلاء العامة العميان؟ لا بد أن في الأمر خطأ ما!
"38"
قال صاحب الجلالة الأعور بين العميان:
قيل في كتب الأقدمين: ما حرم انسان من شيء إلا عوّضه الله بشيء مكانه. شعبي مثلا: حرم من نعمة البصر لكنه وهب شيئا أعظم، شيئاً حق لهم أن يشكروا السماء عليه ليل نهار: أنا!
"39"
قال صاحب الجلالة الأعور بين العميان:
يصيبني الأرق كثيرا فأستدعي السمار أو المهرجين أو الجواري .
أما مهرجي فأحبه رغم جرأته ووقاحته.
قلت له يوماً:
- هل تنام جيدا؟
قال لي:
- ولماذا لا أفعل، هل أنا ملك؟!
-وهل يأتيك النوم بسهولة؟
-بمنتهى السهولة، بأسهل مما تأمر بشنق أحدهم!
-وكيف ذلك؟
-هكذا. أغمض عيني فأغط في النوم!
-وهل يفرق الأمر كثيراً لدى الأعمى بين أن يفتح عينيه أو أن يغمضهما؟ أعني أنك لا ترى شيئا في الحالتين.
-هذا ما تعتقده أنت وأضرابك يا سيدي. أما أنا ومن مثلي فإننا في الحقيقة نرى ونبصر الكثير حتى في هذا الظلام السرمدي!
وسكت قليلاً ثم أردف ابن الخبيثة وكأنه يفاخرني:
-أنا عندي عينان آخران.. عينان أفتحهما طيلة النهار وعندما يأتي الليل أغمضهما كي أريحهما قليلا. أما أنت يا مولاي فمغمض العينين طيلة اليوم وعندما تريد أن تنام يرغمك خوفك وكوابيسك وصدى أفعالك النهارية على فتحهما!
"40"
قال صاحب الجلالة الأعور بين العميان:
قلتً لمهرجي:
-جواري أجمل الجميلات لكنني أشعر أن شيئا مهما ينقصني كلما تمتعت بهن: أتوق الى أن يرينني كما أراهن!
فتضاحك ابن اللخناء وأجابني:
-ربما كان هذا من نِعَم الآلهة عليهن!
وابتعد قليلا تحسباً من صفعة يتوقعها، ثم أضاف:
- ثم من قال إنك تَراهُنَّ؟!
#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)
Majid_Alhydar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟