أسعد البصري
الحوار المتمدن-العدد: 4103 - 2013 / 5 / 25 - 09:49
المحور:
الادب والفن
البارحة فقط كانت عمتي أمينة تصنع لنا الدمى من طين ، يا إلهي ! لا بد أن يكون هناك خطأ ما ؟ أين أنا ؟ وكيف مرّت كل تلك السنين ؟ . لقد ابتعد العراق كثيرا ، لن يكون بإمكاننا العودة إليه . كل ما يمكننا في هذا المدى المفتوح للموت والمياه أن نحلُم به . إنني أنهض كلّ صباح لا أعرف لماذا ؟؟ . هؤلاء الذين ماتوا في نومهم محظوظون حقاً . مجرد ذكريات ..... الغربة مجرد مقاومة للذكريات حتى تنتصر عليك في النهاية وتأكلك من الداخل كدود اللحم .
إنني أفيق في الصباح حتى المساء ، أعيش نهارا واحدا متشابها منذ عشرين عاما . انتظر ذلك اليوم السعيد الذي أنجو فيه من التكرار . خارج العناصر ، خارج جسدي و زمني و هذه الأرض .لا يوجد أحد ، الإنسان يتوهم وجود زحمة بشرية ، لا أحد هناك سواك أنت ومحنتك الوجودية . إن الروح تصمّ أذنيها بقرع الدفوف والبكاء على الحسين بن عليّ ، أو بهذا التكبير المرعب من المنائر . ذلك الضجيج يجعل المسلم يعيش وهم الجوار والحوار مع الله . لقد انقطع الحوار في هذا العالم الغربي . لا أحد يعبد الله ، ولا أحد يشتمه أو يُعلنُ البراءة منه . لقد مات الله من الضحك كما يقول نيتشه . يوم يفرّ المرء من أخيه ، و أمّه وأبيه ، وصاحبته و بنيه ، كلٌّ له شأنٌ يُغْنيه . هو في الحقيقة هذا اليوم . اليوم الذي تواجه فيه الحقيقة بمفردك . أنا كائن وحيد على هذه الأرض ، لا يوجد أحد غيري هنا . وأنت كذلك .
كيف تبدو الحياة بعد الزجاجة الخامسة يا أسعد ؟ . تسألني جارتي ، لقد أصبحتْ ورائي تماماً ، كل ما تبقى لي هو طمعٌ بلا أسنان . أنا آخر الشعراء القدامى في هذا العالم الجديد . إن الأمل قليل الحياء وهو يُحدّق في المستقبل ، لا بدّ للشعر أن يكون محترما ، الشاعر روح قديمة . لا أستطيع النهوض من ثقل السنين ، غير أنني أنهض أحيانا وأنفض عن كتف اللغة ذرق الشعراء المعاصرين .أنا قصيدة ضائعة ، طافية على نهر قديم . ربما تأتي عمتي أمينة بعد قليل ، تملأ جرتها بي ، لِتَشْرَبَنِي العائلة كلها مع اللبن .
#أسعد_البصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟