جمال عبد الفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 4101 - 2013 / 5 / 23 - 20:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعكس واقعة اختطاف الجنود السبعة على ارض سيناء , وتعامل الحكم واجهزة الدولة معها امرين غاية فى الاهمية . الاول تفكك الدولة وازمة الحكم القائم . والثانى الصراع المكتوم بين قوى الثورة المضادة ,الرئاسة وجماعة الاخوان من جهة , والمؤسسة العسكرية من جهة اخرى . نتيجة لازمة ثورية تمسك بخناق الجميع على مدى اكثر من عامين . اصبح معها لكل منهما مصالحة الخاصة , والتنافس فيما بينهما للسيطرة على اجهزة الدولة , وطريقة الخروج من الازمة . ومايجرى من محاولات متتالية لاخضاع جهاز القضاء ـ لسلطة الاخوان ـ الذى ينتمى اغلب رجالة بامتيازاتهم لعصر مبارك , وهم اقرب للمؤسسة العسكرية مما يزيد من تفكك الدولة , واضعاف قبضة الاخوان على الحكم .وكذلك يجد الاخوان صعوبة فى احكام سيطرتهم على جهاز الشرطة مما دفعهم لادخال ميلشياتهم بشكل مباشرفى معارك الاتحادية والمقطم , وحملات القبض على الثوار , وقد استطاعوا مع وزير الداخلية الحالى شراء قطاع من قيادات الشرطة دون اخضاع كامل الجهاز لهيمنتهم . فيزدادون حرصا على توسيع ميلشياتهم والدفع بها ضمن القطاع الموالى لهم فى جهاز الشرطة فى المواجهات ضد القوى الثورية .
ومهما يكن من امر فان اطار وحدة المصالح التى تجمع سلطة الاخوان والعسكر فى تحالف واحد منذ بداية الثورة وحتى الان لة الاولوية عما عداة فى مواجهة قوى الثورة التى لم تدفن بعد , او تصبح سلطة الاخوان عبئ على قوى الثورة المضادة ينبغى التخلص منها .
قبل واقعة اختطاف الجنود السبعة بخمسة ايام اعلن "السيسى"ردا على الدعوات المزعومة لنزول الجيش انة "ليس بسبب المخاوف من محاذير دولية , ولكن لادراك خطورة نزول الجيش للشارع فى بلد عدد سكانة يتجاوز ال 90 مليون ." "دة خطر شديد جدا لان الاصل فى الموضوع الامن والدولة ـ التى يمثل الجيش عمودها الفقرىـ والحفاظ على كيان الدولة ". واضاف "الجيش نار, لا تلعبوا بها , ولاتلعبوا معها .. اذا نزل فستكون هناك خيارات فى منتهى الخطورة قد تؤثر على مصر 30او 40 عاما" ويدعو "السيسى" القوى السياسية فى الحكم والمعارضة للتفاهم ,والتفاهم على اليات عمل ,بالطبع فى مواجهة قوى الثورة المتربصة بقوى الثورة المضادة "..الجيش قوة قاهرة لاتستخدم الا لحماية الشعب ـ والدليل مذابحة فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية وبورسعيد ..الخ ـ ولا احد يجابة الشعب , ومن يفعل ذلك يهدم بلدة , ونحن نعى ذلك جيدا , واستدعاء الجيش للحياة السياسية مرة اخرى امر فى غاية الخطورة , وقد يحول مصر الى افغانستان والصومال " . من الواضح ان "السيسى" بقوة المؤسسة العسكرية يهدد الجميع , سلطة الاخوان والمعارضة الرسمية وقبلهم قوى الثورة التى استعصت على التصفية حتى الان . اما الشعب فهو التقية التى يخفى وراءها مطامعة فى ان يبقى السيد الاول فى هذا البلد , وليس من الضروري ان يكون فى الواجهة .
"السيسى"وقادة العسكر يعون تماما مرارة عام ونصف قضوها فى الحكم بعد الثورة , وكيف انهارت بسرعة امام الشعب خدعة حماية الجيش للثورة , ومكانتة المقدسة التى صنعتها آلة تزييف الوعى الرسمية , وكيف صنعت الجماهير المشانق لقياداتة فى ميدان التحرير , واعتصمت وهتفت بسقوط المجلس العسكرى , وتقديمة للمحاكمة على جرائمة فى حق الشعب والثوار ,والمذابح المتتالية فى محمد محمود وغيرها . كما فضحت ثروات قياداتة وقيادات الدولة, والفساد المتفشى بين اركانة , وحمايتة لاتفاقية العار كامب ديفيد منذ عام 79 , وحمايتة للمصالح الامريكية فى بلادنا وفى المنطقة العربية . فاصبح من الصعوبة بمكان عودة الجيش لتصدر المشهد السياسى ثانية , الا كاستثناء تفرضة الظروف القاهرة دفاعا عن وجودة ومصالح قياداتة , ووجود دولة
الاغنياء التى يمثل الجيش عمودها الفقرى . "السيسى" يهدد ويتوعد الجميع وفى مقدمتهم قوى الثورة بالحرب الاهلية , ومصير افغانستان والصومال .. محاولة منة لضبط قواعد اللعبة السياسية بين حكم الاخوان والسلفيين , وبين قوى النظام القديم وقوى "جبهة الانقاذ" ليتمكنوا معا من تصفية الثورة .
فى ظل هذة الظروف المعقدة , والصراع بين قوى الثورة المضادة على السلطة جاءت عملية اختطاف الجنود السبعة فى العريش لتفضح عجز الجميع , بعد اصرارهم لقرابة العام على دفن واقعة مقتل الجنود ال16 فى رمضان الماضى , وتواطؤهم على الكشف عن الفاعل ,والاسباب التى ادت الى هذة الفعلة الشنعاء فى حق الوطن وسيادتة على سيناء , وحق القصاص لابناء الكادحين من الجنود والصف والضباط الصغار .
والحقيقةالمرة , ان اول الاسباب واهمها على الاطلاق اتفاقية "كامب ديفيد" المذلة التى ازالت السيادة الوطنية عن سيناء والمصريين المقيمين عليها . وتركتها مسرحا مفتوحا لقوى الارهاب الرجعى المحلى والاقليمى والدولى . فمعظمها تقع فى المنطقة {ب,ج} طبقا للاتفاقية غير المسموح فيها لاى تواجد عسكرى مصرى من اى نوع ـ الا بعد موافقة "اسرائيل"ولفترة محددة ـ اللهم مئات من حرس الحدود , وبتسليحهم الشخصى الخفيف . مع وجود قوات امريكية عند الممرات لمراقبة تحركات القوات المصرية, وفرض تنفيذ الاتفاقية من الجانب المصرى غرب وشرق القناة وليس على ارض سيناء فقط . وقد سهل هذا الفراغ السيادى والامنى دخول مجموعات من عناصر الارهاب الدينى المحلية ,والمجلوبة من الخارج , واعطتها الفرصة لتفرض تواجدها بالقوة على مصريى سيناء فى ظل تراجع دور الدولة , وضعف اجهزة الشرطة خاصة بعد الثورة . لترفع تلك المجموعات الارهابية راية الامارة الاسلامية على اجزاء مختلفة من شمال ووسط سيناء فى محاولة منها لفرض الامر الواقع كما يحدث فى غزة بمباركة اسرائيلية واخوانية حتى لو اعلن الاثنان بغير ذلك . فاطماع اسرائيل لا تتوقف عن تحويل سيناء لوطن بديل للشعب الفلسطينى وحل المشكلة السكانية لقطاع غزة الذى يضيق باهلة , بدلا من ان ينفجر الشعب الفلسطينى فى وجه الاحتلال الصهيونى العنصرى على طريق تحرير كامل التراب الفلسطينى.
ومن جهة اخرى دعمت سلطة الاخوان تواجد الارهاب الدينى على ارض سيناء بالافراج عن مئات من عناصر هذا التيار لينتقل اغلبهم على الفور الى هناك حيث مشروع الامارة الاسلامية . ولتصبح سيناء ملاذا لتدريب ميلشيات الاخوان , وملاذا للجماعة والسلفيين فى وقت الشدة , عند تعرضها للهزيمة والخروج من السلطة , فسيناء تحولت الان بالنسبة للاخوان مخزنا للسلاح , وساحة للتدريب , وامكانية لطلب العون من رفاق الارهاب عند الضرورة فى المواجهات الصعبة القادمة مع قوى الثورة .
وبذلك اضحت ارض سيناء ارضا لصراع مكتوم بين المؤسسة العسكرية وسلطة الاخوان على الدولة . وتتجلى مظاهرة فى استعراض القوة بارسال الجيش لقوات مدرعة ومشاة وقوات خاصة وطيران وقيادات الجيش الثانى تحت زعم الافراج عن الجنود السبعة المختطفين بعد ان تمرغت كرامة الجيش فى الوحل بقتل16 من جنودة فى رمضان الماضى , وما سبقها ولحقها من حوادث خطف وقتل لجنود وضباط من قبل المجموعات الارهابية المدعومة من قبل التيار اليمينى الرجعى الدينى سواء داخل السلطة او خارجها . وفى هذا السياق جاء بيان رئاسة الجمهورية بعد واقعة الاختطاف بمطالبة قوات الجيش حال قيامها بعملية عسكرية لفك اسر الجنود المخطوفين بالمحافظة على حياة الخاطفين والمخطوفين . اى المساواة بين الارهابيين الجناة وبين الضحية من الجنود دون الادانة للفعل الاجرامى المتكرر لتلك الجماعات الارهابية . والردم على اعلان بعض قادة الجيش ان القتلة فى واقعة قتل الجنود فى رمضان الماضى والخاطفين فى الواقعة الاخيرة معروفين جيدا لدى الاستخبارات العسكرية بل ان سلطة الاخوان تغل يد الجيش عن الاعلان عما توصل الية من حقائق , ومحاسبة من ثبت تورطهم فى قتل الجنود فى رفح , ومن خطف الجنود الستة فى العريش .
وليس ببعيد عن هذة الماْساة التى تجرى على ارض سيناء تمرير قانون اقليم قناة السويس واخضاعة للسلطة المباشرة لرئيس الجمهورية فى هذة اللحظة , وما يعنية من تكريس عزلة سيناء عن ارض الوطن لتحقيق امن الكيان الصهيونى , وتصفية القضية الفلسطينية كما تحددها الاستراتيجية الاستعمارية الامريكية فى بلادنا والمنطقة العربية , والتى تهدف فى المقام الاول الان الى دحرالثورة الشعبية المصيرية واهدافها فى الغاء اتفاقيةكامب ديفيد , وتحقيق الاستقلال الوطنى , وتحرير كل فلسطين من الاستعمار الصهيونى .
فالقضية اذا ليس تحرير الجنود المخطوفين , والقصاص للجنود المقتولين غدرا ـ برغم انة حق ـ وانما القضية هى تحرير سيناء من قبضة "اسرائيل" وامريكا والارهاب الدينى الرجعى وسلطة الاخوان والمؤسسة العسكرية , تحريرها من قبضة كل اعداء الثورة , اعداء الشعبين المصرى والفلسطينى وكل الشعوب العربية .
#جمال_عبد_الفتاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟