أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد البصري - أوديسيوس














المزيد.....

أوديسيوس


أسعد البصري

الحوار المتمدن-العدد: 4100 - 2013 / 5 / 22 - 10:27
المحور: الادب والفن
    


أينما أَجْلِسُ ، تُمْطِرُ الدنيا . ينمو العشب ، تُزهر شجرة اللوز من حولي . فاطردوني من حدائقكم جميعها . كثيرون يتمنون لي الخرس ، غير أنني أكثر منهم رغبة بذلك . في خدمة الصوت ، حتى تُشرق الشمس ، ويفك سيدي وثاقي . بالرغم من كل شيء ، الحظ العاثر ، و ضياع العمر في زجاجة عرق ، صلعتي ، و تساقط أسناني في الدروب الطويلة ، تعبي من سلالم الحياة . لم تحسن صنعا يا ربي معي . غير أنك كرّمتني بالعراق ، قدرٌ رائعٌ أن تكون عراقياً . أصعب شيء في هذه الدنيا ، أن يستمر الإنسان بالعيش بعد وفاة بلاده . بعد ثلاثين عاما من المنافي ، أشعر بقلب وطني يدق من الخوف . لعل الظلام كالحرب ، والحب ، أعمى . الدواء الذي دفنته قبل الفيضان ، أزهر في الحديقة ، وانتشر في الريح كالوباء . هذا أنا ينفخني الشتاء في جسد المطر .لم أفعل شيئاً سوى أنني أشكّ بالبشر ، لا تدهشني خرافاتهم . لم أفعل شيئاً ، سوى منح الشعراء ، فرصة جديدة للتكامل مع الموت . لم أحتمل الوجع ، ولم أطق الدواء . الذين يمدحونني ، يريدون أن أمدحهم ، والذين يشفقون عليّ ، يريدون أن أشفق عليهم . هل هذه صخرة سيزيف ؟؟ . صخرة الصدق في وادي الكذابين . في الحرب الرهيبة ، سر وحدك . لأن رفيقك إما أن يخاف منك ، أو يخاف عليك .

ليتكم تجدون مهنة أخرى غير القتال ، لعلّهُ يصفو هذا الدّم العراقي الذي تخثّر في قلبي ، أربعين عاما . هل تقتلون هكذا شعراءكم في الليل . لقد طالب هوميروس مجلس مدينته ، أن يمتدح المدينة مقابل الطعام ، فقرر مجلس الأعيان الرفض ، إن مدينتنا ستتكبد الكثير ، إذا قررت إطعام الشعراء العميان . وعلى الخليج رفض العراق بعد ثلاثة آلاف سنة إطعام السياب . على آخر ساحل ، من آخر محيط ، أشتم النجوم بحذائي ، وآكله . متى تطعم الأوطان شعراءها ، عن طيب خاطر ؟ . أوديسيوس الذي ضل طريقه إلى البيت ، المشرد ، في دمي . لي رغبة بأن أفتح قلبي تحت قمر غير هذا . بي حنينّ أُمويٌّ إلى الأندلسيات . و حنين هاشميّ إلى الفارسيات . بي نصف أقدام الأعياد ، وبكم نصفها الآخر ، لماذا تفتحون الباب على شرفة الذكريات ، الهواء بارد و قديم . لقد أنجبتُ ابنتي على ساحل المحيط الهادي ، كبُرَت على عَجَلٍ ، كما تكبُر حوريّة في إعصار ، حتى أنني لا أراها إلا يوما كل عام . وَصَلَتْ حمامة السّلام ، وفي فمها رسائل أعدائي . أطعمتها خبزي ، و جعلتها تحط على رأسي . كثيرا ما تحمل الحمامة رسائل الحروب . كتبتُ في ساقها " إنني جُعْتُ كثيرا ، إلى درجة أنني أكلتُ قلبي عدّة مرّات " . كانت الأديرة حلا دائما لأمثالي . لم تكن اعترافات المزارعين تصيبنا بغير الشفقة ، لعجز الناس عن الإبتكار ، حتى في عاداتهم السرية . قبل ألفي سنة ظهر رجل رائع حقاً وقال " مملكتي ليست من هذا العالم " ترك يسوع مملكة كبيرة للشعراء ، والفنانين الذين لا يصلحون للعمل . الكنيسة بالرغم من كل شيء ، أطعمتْ الكثير من الموسيقيين ، و الرسامين ، والمثالين العباقرة . الإسلام أيضا أنقذنا من بربرية العوام مرات عديدة ، كانت الجوامع تأوينا في ليالي الشتاء . رغبة السيدات المسلمات بالإحسان ، كثيرا ما تسدُّ رمق المسافر منا إلى حتفه . لقد استطعنا الإقامة في الجنة الموعودة التي هي هذا العالم . بسبب رغبة الناس الدخول فيها ، و عجزهم عن رؤيتها . نحن الذين عشنا دائما على هامش الحياة ، في ظلال الأشجار ، لم تكن الأديان تحاربنا دائما ، فقد كان فيهم قديسون ، و رهبان ، و أنهم لا يظلمون .

أيُّها المستضعفون في الأرض ، أيتها الرقابُ المحنيّة ، والخواطر المكسورة ، أيها الشعب الذي يألمُ بالدمع المكبوت ، بعد أن نَفَذَتْ الكلماتُ من خزائن المدينة . لقد أرسل الربُّ إلينا صوته ، وعلمنا تأويل الأحاديث ، كما عَبَرَ بنا إلى رؤياه ، فلنؤلّف بين القلب و العقل باسمه ... تقدموا فقراء الأرض ، أيها المتهافتون على الجدران كالظلال ، لقد محوتُ لأجلكم القصائد ، لأنها لا تمنحكم نفسها . افتحوا أفواهكم وتكلموا . صاح طائرٌ جريح في سمائي " في ذمة الله هذه الدنيا ، حتى ترتفع ، أو تميدَ بكم الأرض " . يا وطني ، أيها الطفل الضرير ، لا تبتلع التراب مع الدم ، لا تلمس يدي بلطف كأنّك تُشْفِق عليّ ، قمرك الذي انعكس على نهرنا ، بين الخبّيز ، والزوري ، والخبز المفتوح على الأساطير ، مازال غارقا في عيوني الحزينة . وطني لا ترقص أمامي ، في الطريق إلى مدافن أخوتي ، لا تفتح يديك هكذا ، لأنني حقاً أودّ عناقك ، أيها اللص القتيل ، أيها الحظ العاثر ، ليس لنا سواك.



#أسعد_البصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشُّعَراء من نَفْسٍ واحدةٍ
- الصَّلاة
- الإسلام تجربة روحيّة ، و ثقافة
- الشاعر علوان حسين و دموعه
- أدب الصَّمْت عند هنري ميللر
- عن الشاعر المسلم
- الحرية والإغتراب
- رَحْمَةُ الله
- حلاوَةُ أَقْدامِكُنَّ ، التَّمرُ المچبوس
- الشاعرة العراقية سوسن السوداني
- الشاعر علي محمود خضيّر
- ذاكرةٌ لِشَيْءٍ يَتَكَرَّرُ
- المحاصصة مقترح إيراني في العراق
- حرب القبور و المراقد
- رسالة شخصية إلى هادي المهدي في قبره
- خمسة مايو عيد ميلاد كارل ماركس
- الجمال
- الشيطانة
- الفن / الشعر / الحياة
- ثمن القصيدة


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد البصري - أوديسيوس