|
بتلات مُعَتَقَة .. ( من رسائلي إلى جدتي).
جميلة ناقوري
الحوار المتمدن-العدد: 4100 - 2013 / 5 / 22 - 08:52
المحور:
الادب والفن
بتلات مُعَتَقَة .. ( من رسائلي إلى جدتي).
جدتي .. مضى وقتٌ طويلٌ لم أكتب لكِ فيه، فاعذريني على تقصيري، قد أزعج روحكِ الطاهرةِ بينَ الفينةِ والأخرى بخلجاتِ نفسي، لكنني في الواقع أدرك بأن روحك تحب سماعي، من بعد شوقي لكِ مذ توفيتِ لم أجد حتى الآن يداً صادقةً حقيقية تدلفُ على رأسي حنيةً برفقٍ كما يداكِ، ولا قلباً طاهراً صبوراً مكابراً كما قلبك، كنت قد قلت لكِ في رسالةٍ سابقةٍ بأنني لم أعد طفلة ً كاليومِ ِ الذي ودعتكِ فيه، لو أنهم لم يستأذنوني حين أخذوكِ إلى جنتكَ وأنا التي عشتُ معكِ كلَ تفاصيلِ حياتكِ أكثرَ منهم، وحبوت نحو درجِ ردهتكِ درجةً درجةً كي أدنو منكِ وأتوضأ بدعواتكِ لي بالرضا والتوفيقِ تمطرُ أرضَ قلبي، وتغسلُ عنه ندباً متوقعة ً مقدماً، لم يستأذنوني وحتى أنهم لم يخبروني برحيلكِ، رغم استشعاري لذلك، لم يسمحوا حتى أودعكِ، ولكني لن أستأذنَ أياً منهم حينَ أكتب لكِ رسائلي، أتدرينَ .. لا أذكر مرّةً بأنني كتبتُ بقوةٍ وبإحساس وكنتُ في حينها أشعر بالفرح! كلما كتبتُ شيئاً كانَ الوجعُ وليفي، لأصدقك القول ربما كانت مراتٍ قليلة .. لا أذكرها حتى .. فقد شوّه الوجع روحي وشوش الألم مقلتيَ.
لا تحزني على وداعنا بل افرحي بأنكِ رحلتِ قبل أن تعيشي ما نعيش، ليفرح قلبكِ الذاكر وروحك الأبية التي أبت إلا أن تتعلم الأبجديةََ في الكِبرِ لتعوض ما فاتها من الحروفِ والقراءةِ، لا كي تقرأََ الجريدة، بل كي تقرأ القرآن الكريم، افرحي وارتاحي جدتي.. كونكِ لم تعيشي في حضرةِ عالمنا الحالي، فنحنُ نعاني الظلم والحرب، أتدرين .. شخصياً أعاني الظلم من داخلي .. نظلم بعضنا البعض ونظلم أنفسنا ولا نشعر ! لا الأخ سنداً لأهلهِ ولا لأخته ولا لأخيه ولا حتى لجيرانه، الكلُ يعيشُ لأجلِ نفسه وذاته فقط ، لستُ ملاكاً بالطبع .. لكنني بالمقابلِ لستُ شيطاناًـ
أتدرين .. بتُ أفضلُ الصمتَ عن الكلام، في أوطاننا الكل يصمت، ويسكت، ولو تكلم أسكتوه! ولو سكت سألوه ما سبب صمته ! أتحرقُ شوقاً كي ألقاكِ، وأضمَ الروحَ فيكِ مراتٍ ومرّات، ولو علمتُ طريقةً تضمن لي الحضور إلى جانبك ما تعذبت، وما وجدتني كما أنا الآن أستعيضُ بالكتابةِ لكِ في عالم الغائبين في دنيا الحقِ، عن عالم الأحياءِ هنا في دنيا الباطل، أتدرين جدتي .. قلبي لازال شاباً في العشرينيات "فسيولوجيا"لكنهُ "ميتافيزيقياً" يكبرُ ضعفَ عمرهِ بثلاثين كرّة .. الثانيةِ تشيخُ أكثر من الأولى، والثالثةَ أكثرُ مراراً منَ الثانية، وهكذا دواليك .. أنا لا أكتب تحفة ً أدبيةً لمتتبعي الحرف،ولن أدقق ما كتبت الآن .. أنا أدون فقط عن عالمٍ ضاع مني يوماً ما ولن يعود!
جدتي ... حولتُ عالمي لعالمٍ من الكتب ..كتبٌ كثيرةٌ .. أجمعها وأضعها على مكتبٍ صغيرٍ في غرفتي صدقاً لا أخفيكِ تشكل لي هذه الكتب ثروةً شخصيةً تفوق أهميةَ بعض البشر في حياتي، لا أشعرُ بالراحةِ دونَ وجودها بجانبي .. علني أعيشُ بتفاصيلها حياةً فاضلةً عجزت ُ في واقعي أن أرصفَ لَبِناتها. وأنتشي بفرحةٍ مؤقتةٍ أرتشفُ منها إكسيراً سكرياً حُلواً كلما أصابت روحي مرارة .
بتُ أنظرُ في أعينِ البشرِ وأرى النفاقَ والكذبَ جلياً واضحاً في أعينهم، ماعادت القلوب هي القلوب، وما عادت الكرامة هي الكرامة ُ ذاتها كيوم غادرتنا، ولا الصديقُ هو الصديق، الصديق في عصري مجرد حروفٍ على شاشةٍ رقميةٍ أو رسالةٍ نصيّةٍ وصوتِ مبحوحِ خلفَ كابينةٍ زجاجيةٍ أو وراءَ هاتفٍ نقّال ، الأم والأب مجرد وسيلة لجوء للحياة، والأبناء مشروع عقوق متجدد، والطبيب تاجرُ جملةٍ، والمدير مجردُ صوتٍ أجشٍ يبصقُ الشتائم، المعلم جهازُ تلقين، والطالب جهاز استقبال، الشاب شيَّب الهم روحه والشايب متصابٍ، الحق باطل والباطل حق، الوطن حبرٌ على ورق والورق مبلل بدمعِ اللجوء،البحر مالح ضعف ملوحتهِ، والملح صناعي! الجمال .. "نانسي وهيفاء" والكتب هيافة ومضيعةُ وقت! زقزقةُ العصافيرِ تسجيلٌ على حاسوبٍ لوحي، العقول عاهره والشرف بين شرطتينِ معترضتين.
حتى أنا ما بقي لديَ من القلوب الصادقة لتضم روحي وتطبطبَ على قلبي، ولا منَ الأنامل ِ ما تمسحُ على شعري، ولا منَ الأنفاسِ ما تمتصُ شجني بعدما رحلتِ، وماعادت القلوب هي القلوب، القلوبِ التي تنبضُ بالحبِ والحياة، بل أفئدة زجاجيه .. قابلة ٌ للكسرِ، نجمعها ونمررُ بأناملنا على ظاهرها، فتجرحنا وتدمينا، ولا أخفيكِ جدتي، ما عدتُ أنا .. أنا .. نعم ما عدتُ طفلتكِ المدللة، ولا روحي عادت فرحةً جذلة كما كانتَ تفرحُ وترقصُ في جوفي حينَ تخيطينَ لي تلكَ التنانير الفيروزيةِ المخمليةِ، ولا هي الروح المتصابيةِ التي أفسدت " مريولها" المدرسي فصنعتِ لها آخرَ في لمحِ البصرِ، ولم تعد أناملي التي لفَت بورقِ "السوليفانِ" ترابَ الأرضِ، وقطعت الحشائش طبقاً للغداء، وضمدت جرحَ دميةٍ محشوةٍ، ورتبت رفوفاً في " البيت بيوت" كما هي .. بل غدت أناملَ تدكُ الحروفَ على جهازِ إلكتروني، تارةً ترفعنني بكبرياءٍ للسماءِ .. وتارةً أخرى تضمدُ ندوبَ روحي .. ما عدتُ أنا هي أنا بل تغيّرت .!
جميلة ..
#جميلة_ناقوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيوغرافيا روح.
-
فوضى !
-
خليط
-
رسائلَ نصِّيةٌ !
-
اختناق ل عناق .
-
انتهت الحَكايا !
-
ميثولوجيا !
-
رسالة من عالمِ كاذب
-
زئبقيات !!
-
سِرُ الصبرِ *
-
ازدواجية البيلسان !!
-
صُداعٌ / سَهَرٌ .!!
-
غَجَريةٌ
-
إدمان !!
-
نُوّارِيَّاتُ
-
جَدَتِي ْ
-
لن تَفْهَمني مازلتُ حياً !!
-
جَدَل .. !
-
آهِ يا طهرَ الوطن
-
بداية منسيَّة ..!!
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|