|
سيناء، وعصمة الزعيم
وليد الحلبي
الحوار المتمدن-العدد: 4098 - 2013 / 5 / 20 - 22:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربما كان الشغل الشاغل للمراقبين السياسيين المصريين هذه الأيام هو عملية الخطف التي تعرض لها سبعة جنود مصريين أثناء عودتهم من إجازتهم إلى قطعاتهم العسكرية في سيناء. وربما كان من المفيد بداية الحديث قليلاً عن شبه جزيرة سيناء، فهي كانت عبر التاريخ الخاصرة الرخوة الشرقية للدولة المصرية، وهي على شكل مثلث مساحته تعادل 6% من مساحة مصر (60 ألف كم مربع)، قاعدته تمتد على ساحل البحر المتوسط في الشمال، بينما يقع رأسه في الجنوب ليشكل فاصلاً بين خليج السويس وخليج العقبة، وهي لم تكن شبه جزيرة قبل شق قناة السويس وافتتاحها عام 1869، أما بعد ذلك التاريخ، فلم تعد تتصل باليابسة إلا على الحدود المصرية الفلسطينية. وعبر التاريخ، كانت سيناء هي الجسر الذي تعبر عليه جيوش الفرعون لكي تحارب الحثيين والآراميين، كما كانت هي المعبر لوصول الغزاة الآسيويين من آسيا إلى الدلتا والوادي، كما كانت في الوقت نفسه مصدر جميع المعادن التي احتاجتها الدولة المصرية، وعلى رأسها الذهب والنحاس. بعد نشوء إسرائيل عام 1948، أصبحت سيناء خط الجبهة الأمامي مع الجيش الإسرائيلي، وفي أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، اضطرت القيادة المصرية إلى سحب قواتها من سيناء كي لا تقع بين فكي كماشة الإسرائيليين من الشرق، والإنكليز والفرنسيين من الغرب. وفي حرب حزيران – يونيو 1967، أخلى الجيش المصري سيناء بالكامل بسبب تدمير سلاح الطيران المصري، ورابط على الضفة الغربية للقناة، التي شهدت حرب الاستنزاف حتى رحيل الرئيس جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970. بعد حرب أكتوبر 1973، وفك الاشتباك بين الجيشين المصري والإسرائيلي، ثم التوصل إلى إنهاء حالة الحرب وتوقيع اتفاقيات السلام، وفي مقدمتها اتفاق كامب ديفيد، فقدت مصر سيطرتها بالكامل تقريباً على شبه الجزيرة، فغابت سلطة الدولة المصرية عن جزء هام من ترابها الوطني، مما سمح بظهور جماعات تهريب المخدرات والأسلحة والبضائع، وسادت سلطة زعماء العشائر بديلاً عن السلطة المركزية، كما ساهمت الدولة، زمن حسني مبارك، في تصعيد التوتر الأمني والاجتماعي في سيناء عن طريق اضطهاد بدو المنطقة، وإنزال العقاب الجماعي بهم عند وقوع أية حوادث أمنية، مما سبب سخط سكان سيناء، وباعد بينهم وبين الدولة، أو حتى ربما دفعهم إلى التشكيك في شرعية سلطتها على شبه الجزيرة. واليوم، وبعد هذا التوتر الذي يهدد البنية الأساسية لسيادة الدولة وتماسك المجتمع المصري، يعجب المرء كيف لا يجرؤ أحد من المعلقين السياسيين أو الناشطين الحزبيين المصريين على تحميل أنور السادات واتفاقيات السلام مع إسرائيل، مسؤولية ما جرى وسيجري على أرض سيناء، بل والغريب أن ذلك الرجل – رغم كل ما سببه من أذى للأمن القومي المصري والعربي - ما زال يتمتع بألقاب مثل (بطل العبور) أو (بطل الحرب والسلام)، إذ من الممكن أن نفهم إسباغ البطولة والعصمة في اتخاذ القرار على بعض القادة والزعماء السياسيين والدينيين في ما مضى من عصور التاريخ، أما اليوم، وفي هذا العصر الذي يدعي الناس فيه حصولهم على مستويات متقدمة من الثقافة والحرية، يعجب المرء من إسباغ هذه البطولة وتلك العصمة على شخص أنور السادات، الذي ربما يبالغ البعض – وعندهم بعض الحق – بأن جل ما أصاب مصر والقضية العربية من ضرر على مدى أربعة عقود من السنين، إنما يعود إلى تفريطه بالقضية العربية، وخاصة التفريط بالسيادة على شبه جزيرة سيناء، تلك التي حرمت فيها الدولة المصرية من إمكانية وصول قواتها المسلحة إلى الحدود مع إسرائيل، وذلك عندما أقرت مصر في كامب ديفيد بتقسيم سيناء إلى مناطق (أ) و (ب) و (ج)، وتحديد عدد الآليات والقوات الموجودة في هذه المناطق، مما استتبع انحسار السيادة المصرية، وتضعضع الأمن القومي المصري لصالح إسرائيل، هذا الانحسار والتضعضع هما اللذان سمحا للجماعات المسلحة ببسط سيطرتها على شبه جزيرة سيناء، الأمر الذي تعاني منه مصر اليوم، وربما ستبقى تعاني منه في المستقبل البعيد، ما لم تصبح من القوة بحيث تستطيع فرض سيادتها على كامل ترابها الوطني. فهل سيكون ذلك بإعادة مصر النظر، مع الجانب الإسرائيلي، بصورة جذرية في بنود كامب ديفيد؟، أم سيكون بإدخال قواتها المسلحة إلى سيناء بشكل مفاجيء، ووضع إسرائيل والمجتمع الدولي أمام الأمر الواقع؟، أم هل سوف نتذاكي إلى الحد الذي نقول فيه بأن القوات المسلحة المصرية تقف وراء عملية الخطف هذه - وغيرها من عمليات زعزعة الأمن في سيناء - لكي تبرر إدخال قواتها بكثافة إلى هناك؟،هذا ما سيكشف عنه القادم من الزمن.
#وليد_الحلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)
-
هل نحن مقبلون على كارثة أخلاقية؟
-
يتلاعبون حتى في أحكام الله
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|