|
سقط البناء يا أبي
صبري هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 4098 - 2013 / 5 / 20 - 15:00
المحور:
الادب والفن
*** سقط البناء يا أبي *** وَصَلتْنا الريحُ يا أبي خفّتْ واعتدلتْ واشتاقتْ لمهجعِنا فدفعتْ سحابةً مثخنةَ الحنينِ لتسقيَ أرضاً بنا تملّحت كنّا نُجاريها في وحدتِنا كأطفالٍ على الخواءِ يصطبحونَ بلا رغيفِ خبزٍ يجهشُ في صرّةِ آلامِهم وبلا حساءٍ في طبقِ الجوارِ أبٌ مُهلهلُ الثوبِ صادقُ النَّوايا يصطادُ حجراً بنصلِ الفأسِ ويرمي جذعَ جدارٍ في حانةِ النهرِ خُذوا مزيداً مِن ثوانيكم إلى ساعةٍ أخرى فنحن تعطّلَ عندنا الزمنُ ودارت علينا الشمسُ مِن ناحيةِ الكوفة نحن أبناء السباخِ المرسومة على المهملاتِ مِن الأرضِ مع القطيعِ نمضي ونعوي في هجيرةٍ لا خوف فيها نحن أبناء الظباءِ الخائفات وعول المسرّةِ نَسفُّ في أحداقِ الطريقِ إنْ مرّ القحطُ بأرضٍ فَبِنا يمرُّ لا زرع فينا ولا ضرع يدرُّ ستأتي النساءُ العذباتُ يشرقْنَ مِن عرباتٍ تقودهنّ جيادُ ضامراتٌ كُنَّ يحصدْنَ الملحَ في حوطةِ بلُّورٍ مِن عفّةِ الله انخرطتْ كُنَّ يستبدلْنَ بالزرعِ ملحاً استقبلناهن مرّةً بثمرِ اللوزِ ووردةِ ماء النارِ اقتربنا فصار اللوزُ جمراً وانفرطَ على السعيرِ حَبُّ خلودِنا والماء ما ارتشفناهُ تبدد وسطَ الدهشةِ ماءُ نحن مسار الريحِ إنْ أتت ونحن سناجرةٌ عربٌ أخذْنا الجبلَ للنهرِ فانهزمَ الماءُ وعادَ الجبلُ بلوثةِ الغجرِ حين هطلت عليه كالدودِ في ثمرِ المواسمِ سناجرةٌ عُدنا بلا جبلٍ ولا ماء وللربِّ حطباً صرنا في كانونه الموقَد يوم صقيع استعرنا بنارِ الجنوبِ والتهبنا ومن حولِنا طائفةٌ انبهرت مَنْ كان البدايةَ ؟ مَنْ كان الضميرَ ؟ وأنتم قيل لنا ماذا ؟ أَتشتَعِلون ثانيةً حين تَقْدمون ؟ ومن حانٍ لحانٍ تشرقون ؟ كنتم خرجتم توّاً من حروبٍ غابرةٍ وكنتم خرجتم توّاً من صحبةٍ عاثرةٍ يا أبي ما عبقت في الصحوةِ سوى نفحةٍ من عطرِك الأخّاذ ففي الصباحِ يأتي مع فنجانِ الشاي ورطبِ البدايةِ المُهتزِّ في نخلةٍ باركتها السماءُ وسحرُ الأساطير شاركني المُخيلةَ يا أبي إنْ نحن بدأنا ما بدأتَ به وإن نحن سرنا على ما سرتَ عليه دائخون حبيبي في الصيفِ وفي الشتاءِ دائخون نتوجسُ خيطاً من فضّةٍ يؤدي بنا إلى ماءِ السبيلِ ونسلكُ درباً نحو ثمرِ البدايةِ المُعَلّقِ في قناديل الجنّة نهريّون بحريّون جبليّون صحراويون نهطلُ كالطينِ ونُجرَفُ في سيلٍ يزفرُنا نحو الجحيم ونظلُّ نظلُّ هاطلين نأخذُ سوسنةً لصبايا خرجْنَ من طينِ اللذةِ على عُمرةِ الماء نوزعُ ورداتٍ على ضفائرَ سودٍ وضفائرَ حمرٍ وضفائرَ شقرٍ وضفائرَ عجزَ عنهنّ الوصفُ ونستنشقُ عبيرَ الجنّةِ ، في كؤوسِهنّ الناهلةِ ، طلاًّ . أيّ نهودٍ هتك بهنّ اللهُ أستارَنا في الصباح؟ هاطلون كأننا الهلامُ في المساء نُبعثُ من جزائرَ نائيةٍ هل كُنّا سوى صغارٍ من فتيةٍ نعطي بلا حدودٍ وردتَنا المفزوعةَ على ساقِها الجَذِلِ الرشيقِ ؟ أخذْنا بعضاً من جوعِنا الليليّ ودخلْنا في يراعِ الكلامِ على أُمهاتٍ جافلاتٍ في الفراشِ منفوشات الأحلامِ والدثارِ والشَّعْرِ الذي ما تدثر يوماً أمام زرقةِ السماء إلاّ لغايةٍ أرادتها أسرابُ الطيرِ نائيّون كأننا لسنا من زهرِ الأيامِ نأكلُ الخردلَ البرِّيَّ و"الشفلّحَ " الفاجرَ الحمرة المتفتقَ على عذابِنا و نباتاً لا نعرفُ له تسميةً غير " زهرة الغريب " يأكلنا الحمضُ المتلفعُ بالتربةِ وتُنعشنا رائحةُ النعناع في حدائقِ الشاي العصري . نعجنُ يومَنا بالقهرِ ونأتدمُ بسويقِ الفطر كم تفاحةٍ هجرت موطنَها لتسكنَ بين فخذي بادية كم ذاكرةٍ استوطنت في الصقيعِ البعيد أيها الهادئون بوجهِ أكاذيبِ الزمانِ أيها الصاخبون الحمقى المجازفون خانتكم الروابطُ وتهتكت بكم الساعةُ فاعطبوا ظهورَ خيولِكم لكي تصلَ بكم إلى آخر الزمان جوّابون أنتم في هذي الجبالِ وفي هذه الوديان تسرقون نجمةَ الله وتعطونها للدليل تلوكون البلايا أيها الصدّاحون في آخر الدُّنا إنْ اصطفيتم شيئاً فاصطفوا هرشَ الرمّان فهو الأيسر للانحناء تُشاغلنا الريحُ والسحابةُ الفارغةُ نُعمِّرُ ليلَنا بالخمرةِ السوداء وبخيطِ بياضٍ من كفنِ التاريخ نتوسدُ شقائقَ وحشتِنا نحن أبناء الغفلةِ نزهرُ بالكلامِ حين نكون بطوناً فارغةً تشهد لنا الريحُ نحن بيضُ الوجوه والثياب والجوانب والنفوس سلعةً لن نكون وهذا البيع حرام يا أبناءَ أخيارنا هذا البيع حرام كلهم يبيعون لنا الغبارَ و بقوارب الطلعِ يحتفظون هذا البيع حرام ونحن سلعةً لن نكون وعلينا كُتِبَ اللقاحُ نتكاثرُ بالرحيقِ السماوي والبيع حرام خوّافون ؟ لا لا نمشي إلاّ في ليلِ السعلاةِ وليلِ الجنياتِ وليلِ بناتِ نعش وعاشقةِ الدارِ مَنْ منّا تساءل مرّةً عن تخاريفَ موروثةٍ ؟ نَمَتْ مَعَنا ومعها نَمَوْنا صباح النسيم صباح الحصاد آفةٌ هو التاريخ ونحن مِن أعماقِهِ نأتي ما بالنا لا نقيم له قصراً على الورقِ أو خربةً في الذاكرةِ صخّابون ؟ أجل تأتي العرباتُ محملةً بأمهاتِنا المتعباتِ وأكوامِ البلُّور تدخل عينَ الشمس صدرَ الحيّ وفي المساء تصدحُ الحانةُ غيّابون ؟ لا لا نهتدي إلاّ بالعزّةِ والصاحبُ فينا نُسلمُه قيادَنا حتى تهتزَّ له السماءُ فتطلق ضيماً أو طيراً يشهد اللهُ كأنها أبابيلُ نحن ثمرٌ مِن شجرةٍ مباركةٍ مِن تربةٍ مشكورةٍ طيبةٍ استسقت غيثاً روّى جذراً امتدَّ في حُلُمٍ إنسانيِّ ، ربانيٍّ ، ملائكيٍّ أو في بؤرةِ جنِّ مُحتالون ؟ لا دَفَنّا أسرارَنا البدائيةَ ـ هل لنا أسرار ؟ ـ في مجرى الماء والماءُ العذبُ أخذَها إلى ساقيةٍ والساقيةُ أخذتْها إلى جدولٍ والجدولُ أخذَها إلى نهرٍ يَصبُّ في بحرٍ هائجٍ ويَقتاتُ مِن أصدافِ الأُلفةِ وسمكِ الوحشةِ وأعشابِ الدهشةِ دفّاعون ؟ نعم ، عن البلاءِ والصعابِ والحريقِ والغريقِ أكلْنا في الهجيرةِ زادَنا وبانت عيوبُنا أو شقوقُنا انكشفتْ أمامَ الناسِ صيحاتُنا لعزّةِ الأبناء عيّابون ؟ معاذ الله خشيةٌ فينا تُسلّينا وتمنعنا فائضون كأننا من حطبٍ ، لقطٍ في طريقٍ كأننا ما تحفّينا حفاةٌ وغير الشمسِ ما دهمتْنا شمسٌ ولا لوحتنا شمسُ تَلَظَيْنا طلاّبون ؟ لمَن ؟ تهادي .. تهادي .. تهادي فالماءُ في منزلقِ البحرِ والربُّ يُذكي في قيامتِه أوارَ نارٍ ونحن حطب البدايةِ وحطب النهايةِ ونحن حطب الطريقِ تهادي .. تهادي .. تهادي كالسفين إنْ شئتِ أو كالنسيمِ أو كقافلةِ نوقٍ من ورقِ التوتِ تهادي .. تهادي .. تهادي حريراً أمامنا فالأمهات تدفعنا نحو البحرِ أو نحو البرّيِّةِ أو نحو يبابِ الطريقِ هي الغفلةُ نجني ما غابَ في باطنِ الأرضِ مِن شهدٍ ونحن مفطرون وعلى الحصباء مفطرون لا نأتي من دقيقِ الدهشةِ شيئاً ومن سمكِ الذهولِ سوى ما أصبْنا يا أبتِ ضاع الدليلُ فاخرجْ لنا إلى عرضِ البرّيِّةِ تُرشدنا يا أبتِ ضاعَ الدليلُ والرومُ ما استخلفوا علينا سوى روميٍّ والساقطِ من ثمرِ الفُرسِ والغلامي والديلميّ والغجري المتشبث بالكهفِ المسحورِ ونحن ابتلعْنا غصتَنا في آخر الليلِ وأولِ الصبحِ وآخر الندامةِ يا أبتِ ضاع الدليلُ والموتُ منه ما جنينا سوى موتٍ فاصدحْ بنا يا دليلَ الريحِ وفي متاهتِنا فانظرْ نحن فزعْنا من هولِ ما عصفت بنا محنةٌ ونحن ذهلنا من هولِ ما مرَّ علينا من جحودِ الزمانِ سقط البناءُ يا أبي واهتزتْ مدينتُنا سقط البناءُ يا أبي وفينا جذرٌ يغورُ يغور يا دليلَ الريحِ سيِّر في مهبِّنا ريحاً يا دليلَ الفرقةِ كنّا ببابِ الألفةِ كلَّ ليلةٍ نسهر فاشرقْ علينا يا دليلَ الريحِ من ضحكةِ الحانةِ يا دليل الريحِ ارسلْها على رسلِ
#صبري_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وهمٌ سلجوقيٌّ
-
هو البحر فلا تذهب بعيداً
-
خسرتَ الرّهانَ
-
العابر نحو الشام
-
العودة الأخيرة لصلاح الدين
-
أصيح بالغيوم امطريني
-
جفّت مياهُكَ
-
ذاكرة أرخبيل
-
صباح الخير أيُّها المُرْتَحِلُ
-
حجرٌ في المتاهة
-
بكلِّ الانكساراتِ ارتحلي
-
موحشات الشارتيه
-
حديثٌ لعليٍّ
-
غريب ما بين عدن و برلين
-
لا تخذليني كالربيع
-
ستائر مؤرَقة
-
قمرٌ لليلِ المدينة
-
مأساة الجاهلي
-
قصائد مُهْمَلة
-
لقد رَحَلَ البنّاءُ .. أيُّها البرديُّ فارحلْ
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|