|
التهافت الاعلامي والاسترزاق الثقافي
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 12:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التهافت الاعلامي والاسترزاق الثقافي *************************** بمجرد ما يبتكر كاتب غربي مصطلحا ما تتهافت مختلف منابرنا الاعلامية للتسابق حول منتوجه الجديد ، وترويجه بين مثقفينا المستنسخين . للآن لا يزال الكثير من مثقفي موائد الثقافة الغربية يتغذون على فتات الغير ، ويمررون مرقه الى أجيالنا بعدما أغرقوهم لعقود بمختلف فلسفات ونظريات الآخر . وهو مؤشر واضح على بهوت وخفوت العقل العربي وكساد الذهنية العربية . وآخر ما قرأته في هذا الشأن هو نظرية "الدولة الفاشلة " Failed State " ، التي أصبحت نظرية رائجة ومتداولة كمشروب كوكاكولا ، ومختلف منتوجات الآخر . يتناقله مثقفونا ويقبلون عليه كما تقبل شعوبنا على الهامبورغر . وهو مصطلح يروم تقييم أداء الدول العالم الثالث التي خففوا من حمولتها القدحية الناشئة عن وقع التقسيم الاستعماري القديم ، وأصبحوا يطلقون عليها الدول النامية ، وها هي قد اصبحت دولا فاشلة . ويستعمل الخبراء الذين يعتمدون على المصطلح الأخير مقاييس عديدة تعتمد على مؤشرات الفشل الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي والتنموي وغيرها ، وفقا للمعايير التي تصاغ على ضوء البيانات التي يتم جمعها طيلة فترة اعتماد المقياس . وواضح انني لست ضد اعتماد المصطلح ، اذا كان يعتمد معايير علمية دقيقة ، وبعد افراغه من حمولته الاستعمارية المشحونة بنظرة استعلائية ، وبعد تخلصنا من عقدة الفشل الذاتي التي جبل عليها المثقف العربي ، فليس هناك مجال متاح للانسان العربي للتناطح والتنافس الآن ، أخصب من مجال الثقافة ، لأنها تعتمد على القدرات الشخصية الفردية مادام العمل الجماعي غير متوفر ويفتقد للشروط الموضوعية للنهوض بثقافة عربية لها اسناداتها ومنطلقاتها ومنتجاتها . وما دامت المؤسسات الرسمية لا تكلف تقريبا شيئا للنهوض بصناعاتنا وتمنح علماءنا الدعم الكافي للابداع في مجالاتهم . لقد اصبح مصطلح الدول الفاشلة من المصطلحات المعتمدة في الجامعات الأمريكية ، وان كان اول من استعمله هو وزير الخارجية البريطاني الأسبق "جاك سترو " في احدى محاضراته في الذكرى الأولى لأحداث 11 سبتمبر ، بعنوان الدول الفاشلة والدول المقبلة على الفشل " The failed and failing State s" . وقد حدد سترو ثلاث محددات للدول الفاشلة ؛ الأول عدم قدرتها على التحكم فى اراضيها وتأمين الأمن لمواطنيها، والثانى يتعلق بغياب حكم القانون وتدهور حقوق الإنسان وغياب الحكم الصالح الفعال، والثالث يتعلق بعدم توفير الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والسكن والمأكل. ثم انتقل المصطلح الى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية ، وتم تداوله من قبل جامعة بريستون سنة 2004 في احدى الدراسات الموسومة ب " عندما تفشل الدول :أسباب وآثار " ، وهذا راجع بالدرجة الأولى لما تعرفه الدراسات الاجتماعية والسياسية والعسكرية في هذا البلد من ازدهار وتطور . وعلى اعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر نفسها المسؤولة الأولى على ترويج الثقافة الغربية وتصديرها لباقي دول المعمور . لكن المصطلح سيتم تبنيه من قبل معاهد الدراسات الكبرى كمعهد كارنجي للسلام بتعاون مع صندوق السلام بواشنطن اللذين أصدرا سنة 2005 مبحثا يعتمد مجموعة من مؤشرات الدول الفاشلة ، حيث أخذ المصطلح طريقه نحو التداول الأكاديمي والدولي . وحين ننظر الى المؤشرات الاثنى عشر التي اعتمدتها المؤسستين الأخيرتين فان بعضها ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ، اذا ما اتخذنا تقسيم النخب وصراعها ، وهو احدى المؤشرات المعتمدة في التصنيف المذكور المعتمد من قبل صندوق السلام ومؤسسة كارنجي للسلام . لكن أن يتم اسقاط المفهوم او المصطلح على مجموع الدول التي حدثت فيها الثورات العربية المباركة ، ويتم اعتماده من قبل مثقفينا كمفهوم محدد ومقياس ثابت في تصنيف الدول المتعثرة ، التي تعتمد على الحكم المطلق وتستحوذ شرذمتها الحاكمة على أكثر من 90 في المائة من خيرات الأوطان التي تحكمها ، وتعتمد على سياسة التفقير والتجهيل ، وتباشر سياسة تعليمية رديئة بينما ترسل أبناء الطبقات المتسلطة الى الجامعات الغربية ، لتأبيد سيطرة فئة بعينها على ترويج ثقافتها وهيمنتها ، فهذا ما يعد "ثقافة فاشلة " . لايمكن بأي حال من الأحوال ارجاع اقدام محمد البوعزيزي على حرق ذاته الى نظرية الدول الفاشلة ، أو نظرية الجيل الرابع من الحروب ، كما لايمكن اتهام الغرب رغم ضلوعه الواضح ، بتفقير الشعوب العربية وتجهيلها ، وارجاع أميته المستفحلة اليه ، فالأسباب داخلية بحثة ، والمسؤولون هم الطبقة المحلية الحاكمة متواطئة مع مثقفي النعمة ، والغرب لايقدم الا غطاءاته المتعددة حفاظا على مصالحه الحيوية ومضاعفتها . فتاريخ الدول العربية منذ الاستقلال كان تاريخا قمعيا واستلابيا ، أسس لمجموعة من بؤر التوتر الداخلي ، في صراع دائم حول السلطة ومجمل اغراءاتها المادية والرمزية . وعلميا لا يمكن استمرار حال المجتمعات العربية على ماهو عليه دون أن تحدث محاولات للتخلص من الترهل السلطوي والاستبعاد الاجتماعي . فالانسان كالطيور المهاجرة ، دائم البحث عن مجال دافئ وحميم ، وقد يكون تحليقه أحيانا داخل نفس مجاله بتغييره . انتفضت الشعوب العربية ضد طغاتها ، وأسقطت من أسقطت ، وهي تحاول اسقاط طواغيت آخرين ، وستعمل على الاطاحة بالباقين ، أمام ارتباك الغرب ، فالعالم جميعه يتذكر موقف وزيرة الخارجية الفرنسية "ميشال أليو " بدعم النظام التونسي السابق ، الذي تسبب في استقالتها من منصبها . كما لا يزال العالم يتذكر تململ الرئيس المريكي أوباما في مسألة تنحية مبارك وموقف المبعوث الأمريكي في مؤتمر بكندا بدعمه الواضح لبقاء مبارك في الحكم ،مما كلفه منصبه أيضا ، وأعلن البت الأبيض أنه موقف شخصي ، ولا يعبر عن موقف الادارة الأمركية . لا يتعلق الأمر اذن بنظرية "الدول الفاشلة " وارتباطها بحروب الجيل الرابع . فمعلوم ان المعاهد الغربية ، وخاصة الأمريكية ، لا تتوقف عن ابتكار النظريات والمصطلحات والدراسات التي تمنحها آفاقا واسعة للتحكم في مستقبل الاخرين وفهمها بشكل أوضح، فهذه هي نقطة قوتهم الأولى لأنهم يشتغلون على المستقبل أكثر من اشتغالهم على الماضي والحاضر . وللتدليل على تهافت بعض نظرياتهم أؤكد أن نظرية " حروب الجيل الرابع " التي يدعون قدرتها على تحليل واقع ما يحدث في العالم العربي وتسفيه ماراج من ربيعه ، أحيل الى غزو العراق المباشر من قبل المنظومة الدولية واعتراض الكثير من القوى الدولية كفرنسا وروسيا ، فهذا الغزو لم يعتمد كما تروجه نظرية " حروب الجيل الرابع " ،التي تعني قيام حروب بالوكالة يؤديها أطراف آخرون ؛محليون أو مجاورون . نعم استطاع الغرب أن يدخل على أحداث الثورات العربية المباركة ويحولها لصالحه ، نظرا لافتقار الدول والشعوب العربية لشخصيات كارزمية قوية على جميع المستويات ، عسكرية كانت او وثقافية أوسياسية ، وقد استخدم في ذلك كل امكاناته التقنية والاعلامية والعسكرية والاستراتيجية ، مستعينا بأموال عربية ،على رأسها أموال السعودية وقطر، موظفا الأخيرة للعب أدوار أكبر بكثير من مقامها ، وهو ما بدأ يتفطن له المواطن البسيط ، وليس فقط المثقف . لم يعد ممكنا أن يستمر حال المثقف العر بي على ماكان عليه قبل الثورات العربية المباركة ، ويكتفي بدور الناقل لنظريات الغرب والحائر أو المستكين أمام أحداث بلدانه . ان عصرنا هذا عصر لا يرحم . ويتطلب من الجميع الدفاع عن مصالحنا وحدودنا دفاعا عقليا ، يعتمد على مجهوداتنا واجتهاداتنا .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البحث عن الغائب الحاضر-6-رواية
-
مملكة المعنى الغامضة
-
حاولت مرارا أن أصيح
-
القطيعة الابستمولوجية :نحو فهم جديد -2-
-
تأويل الأولين
-
للغياب رائحة الموت
-
القطيعة الابستمولوجية : نحو فهم جديد-1
-
البحث عن الغائب الحاضر -4-رواية
-
لعنة البترول
-
ساكسونيا المغرب **
-
النظام البرلماني بالمغرب
-
المغرب ومنهجية الأزمة
-
المقصلة لمن قال لا
-
نحو اعادة دور المثقف
-
وطن لا ككل الأوطان
-
ما الذي يجري في العالم ؟
-
قراءة في كذبة أبريل المغربية
-
انكسارات الظلال
-
الراعي والقطيع والهلاك الفظيع
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع -3-
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|