جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 11:37
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
وجهت نظري في الموضوع هو أنني لا أستطيع الاستغناء عن مشاعري وأحاسيسي حتى وإن كانت تكذبُ عليّ.
الرواقية التي ترى أن الجمال والحب وكل السلالات العاطفية تصدر عنها أحكام خاطئة والإنسان الحكيم بنظر الفلسفة الرواقية لا تتحكم به مشاعره ولا يكترث للحب ولا يتولع به ولا تعطي أي أهمية لموضوع الحسد,وحتى يكون الإنسان سعيدا سعادة حقيقية فيجب عليه أن يصل إلى هذه السعادة عن طريق العقل والمنطق وحدهما وليس عن طريق المشاعر والأحاسيس فالمشاعر والأحاسيس لا تقود صاحبهما إلى السعادة الحقيقية بل إلى السعادة المزيفة غير الحقيقية وبالتالي دائما ما يرفض الإنسان الاعتراف بأنه سعيد في حياته بعد أن تكون مشاعره قد قادته إلى الإحساس بأنه سعيد بمشاعره ولما كانت المشاعر والأحاسيس تكذب على الإنسان,نعم,لما كانت تكذب فإن هذا الكذب لا يقود إلى الشعور بالسعادة إلا للحظة زائفة مدتها يوما أو يومين,ولكن الشعور بالسعادة عن طريق العقل والمنطق يقودان الإنسان إلى الشعور بالسعادة أمد الدهر.
إنها فلسفة أخرى بمقابل الفلسفة الأبيقورية التي تجعل الإنسان سعيدا عن طريق محاربة الشر والأشرار,وتنكر الرواقية على الإنسان مشاعره العاطفية والحسية,وترى الإنسان الذي تتحكم به مشاعره عبارة عن إنسان معتوه وفاقد للعقل وللمنطق,وهذه أللفتة المهمة من الفلسفة الرواقية لم تأتِ عن عبث وإنما جاءت تصديا للنتائج التي يحصل عليها الإنسان نتيجة استسلامه لحسه ومشاعره الكاذبة, فهي ترى بأن تصرفات الإنسان الناتجة عن المشاعر هي تصرفات خاطئة واستنتاجاتها استنتاجات خاطئة وإن كل تلك الأعمال عبارة عن خرافات ينبغي أن تتوقف عند حدها وأن لا تتمادى أكثر مما يجب لأنها ستقود صاحبها إلى التعاسة وليس إلى السعادة فالشعور بالسعادة هنا هو شعور مؤقت لذلك عندما يكتشف الإنسان نفسه بأنه غير سعيد وبأن ما كان يشعر به عبارة عن مشاعر كاذبة فإنه بعد فترة سيستسلم لليأس وللتعاسة وستتحول حياته إلى جحيم أبدي وكل ذلك بسبب إعطاء المشاعر قيادة الإنسان وللاستسلام للحس وللعاطفة,وهي مثل مقولة شكسبير(الحب أعمى) فلا يستسلم للحب إلا من كانت مشاعره هي التي تتحكم في تصرفاته وسلوكيات وأكبر دليل على أن استنتاجاتها أو مخرجاتها مخرجات خاطئة هي المقولة السابقة الذكر وهي:الحب أعمى,ذلك أن المحب يرى في المحبوب صورة غير الصورة الحقيقية التي هو عليها وحين يستيقظ الإنسان من سكرته ويصحو على نفسه سيكتشف بأنه كان سكرانا ثملا وسعيدا سعادة مؤقتةَ تحت تأثير السُكر أو المخدر وحينما يكتشف ذلك سيعود ليقول:كانت مشاعري تكذبُ عليّ طوال العمر....كنت ثملا...كان قلبي يوهمني,لم أفكر في الموضوع بشكل منطقي.
فكل استنتاج ناتج عن الحس يكون مزيفا ومشوها ومن النادر أن تصدق أحاسيس الإنسان ومشاعره لذلك لا يمكن الاعتماد على المشاعر والأحاسيس في حياتنا اعتمادا كليا لكي نقول بأننا سعداء,فالمشاعر لا تصدق والأحاسيس تخدعنا,والحب أعمى,والسماء لا تمطرُ ذهبا إلا إذا كانت المشاعر تقول ذلك وليس العقل,فالناس دوما في شكٍ من ذلك فنلاحظ مثلا بأن أحدهم يقول: كان إحساسي صادقا,وبعد فترة يقول لك: خدعتني مشاعري وخدعتني أحاسيسي,وهذا هو المهم في موضوعنا وهو أن أغلب الاستنتاجات وأغلب المخرجات الناتجة عن الحس والمشاعر تقود الإنسان إلى عالم كله أخطاء وإلى عالمٍ آخر غير ثابت كونه يقف على ساقٍ واحدة وغير ثابت بمكانه, فطالما أن المشاعر تكذب علينا,ولطالما أن الأحاسيس تكذب علينا,وطالما أن قلوبنا تكذب علينا فهذا معناه أننا نعيش في عالم كله كذب وزيف ورياء وتضيع السعادة من بين أيدينا بعد أن نكون متوهمين أنها حقيقة وإذ بها مثل السراب ومثل الخيال, وأن معظم ما يبدو أمامنا على أنه حقيقة سوف يظهر بعد قليل بأنه كان وهما وليس حقيقة, فلا توجد على أرض الواقع مشاعر صادقة أو أحاسيس صادقة والحب الذي قادنا إلى طريق مسدود كانت نتائجه تلك متوقعة كونه صادرٌ أصلا عن عالم آخر مشوه وأن كل ما بداخلنا من صور هي عبارة عن صور مشوهة لأناسٍ كونا عنهم مجموعة أفكار عندما أطلقنا العنان لمتخيلاتنا بأن تعمل فعملت بنا هذا العمل وهو عبارة عن صور غير حقيقية.
ومتى يرى الإنسان الناس على حقيقتها؟ومتى سنشعر بالسعادة الحقيقية؟؟؟والصور على حقيقتها؟؟,والأعمال على حقيقتها؟.
هي عندما يخلع الإنسان عن جسده غشاء الحس ويجعل العقل والمنطق هُما المتحكمان اللذان يتحكمان به,عندها نرى صور من نحبهم على حقيقتها,ونتصرف بحكم ما يمليه علينا العقل وليس بحكم ما يمليه علينا المنطق,عندها فقط سنحصل على نتيجة أننا سعداء سعادة أبدية.
ولكن إلى أي حد نكون قد أصبنا الصواب واقتربنا من الحقيقة؟هل صحيح ما تقوله الرواقية بأن القلب والحس والمشاعر غير صادقة وتكذب علينا؟هل هذا المنطق صحيح جدا؟هل أنا الذي جعلت مشاعري وأحاسيسي تتحكم بي طوال حياتي هل أنا كنتُ وما زلت أعيش في الوهم والسراب؟ وبأنني لم أكن في حياتي سعيدا...بل كُنت أوهم نفسي وأعيش في عالم من الخيال والأحلام الزائفة التي لم تجعلنا نشعر يوما بالسعادة الحقيقية بل بالشعور المؤقت بالسعادة وكأننا نتعاطَ بذلك أُبرا مخدرة... وهل الناس الذين يعيشون على حساب مشاعرهم مخطئون جدا في تصرفاتهم؟مثلي أنا ؟وهل إذا تركنا العقل وحده يقودنا نكون بذلك على الطريق الصحيح؟ماذا يمكن أن نقول بعد ذلك؟أعتقد غير جازمٍ بأن العقل والمنطق أيضا يكون في أغلب الأحيان خاطئا,وأعتقد بأن المشاعر والأحاسيس والتصرفات الصادرة عنهما هما من يجعلا من الإنسان إنسانا ومن الحيوان حيوانا...فكيف لي أن أعيش بلا مشاعر وبلا أحاسيس ؟إنها حتى وإن كانت تكذب فإنني غير مستعد أن أعيش بدونها...حتى الحيوانات تتصرف أحيانا وفق مشاعرها, والأم مثلا تتصرف مع الأولاد وفق مشاعرها فالكل في نظرها يستحق أن تعطيه الحب والحنان ومشاعر الأمومة, الأم مثلا لا يتحكم فيها العقل والمنطق بقدر ما تتحكم فيها مشاعرها,وأهم شيء عند الرواقيين تحقيق السعادة للإنسان عن طريق إعمال العقل وتشغيله وإطفاء الزر الذي يشغل المشاعر والأحاسيس,ولستُ أدري في الحقيقة كيف سيصل الإنسان إلى السعادة عن طريق العقل وحده,فالعقل وحده ليس مكانا ملائما للشعور بالسعادة فالشعور بالسعادة بحاجة إلى تشغيل المشاعر والأحاسيس مهما كانت صادقة أم كاذبة المهم في النهاية أن يشعر الإنسان بلذة الحياة وبالسعادة حتى ولو قادته مشاعره إلى استنتاجات خاطئة,ولست أدري كيف بالرواقية أن تقول: بأن الهدف من الحياة كلها تحقيق السعادة,فكيف مثلا ترى هذا وبنفس الوقت تريد إبعاد المشاعر والأحاسيس وكافة السلالات العاطفية عن ساحة المعركة لتتحقق الإنسان حياته السعيدة وأحلامه!.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟