|
أحلام اليقظة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة
عثمان أيت مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 4081 - 2013 / 5 / 3 - 17:03
المحور:
الادب والفن
قرأت في جريدة "الخبر" الجزائرية بتاريخ الخميس 02/05/2013 خبرا جميلا وسارا، عنوانه: الجزائر في المرتبة 125 عالميا في حرية التعبير. يتناول الخبر ترتيب بعض الدول العربية وبعض دول العالم في مجال حرية التعبير والصحافة، حسب تقرير مراسلون بلا حدود لسنة 2013. احتلت موريطانيا المرتبة 67، وتعتبر أحسن دولة عربية في مجال حرية التعبير والصحافة، تليها لبنان في الرتبة 101 وقطر 110 والإمارات العربية 114، وجاءت ليبيا في الرتبة 131 والأردن 134 والمغرب 136 وتونس 138 ومصر 158. أما في أوروبا فقد احتلت فنلندا المرتبة الأولى عالميا وهولندا الثانية والنرويج الثالثة وبريطانيا 29 وفرنسا 37، وجاءت كندا في المرتبة 20 والولايات المتحدة في الرتبة 32. وتزامنت قراءتي للخبر هذه الأيام إعادة قراءة كتاب "سأخون وطني" لمحمد الماغوط، وهو مجموعة مقالات (1987). يعتبر الكتاب زفرات وآهات وصيحات دون صدى من شاعر يريد أن يعيش عصرا بعيد المنال في وقته، ومازال بعيد المنال في وقتنا، وسيبقى كذلك حسب هذا الخبر إلى سنوات كثيرة أخرى. توقفت عند مقال: "المبتدأ والخبر"، يتساءل محمد الماغوط: "ثمّ لمَ وجدت اللغة أصلا، في تاريخ أيّ أمة؟ أليس من أجل الحوار والتفاهم بين أفرادها وجماعاتها؟ فأين مثل هذا الحوار الآن فيما بيننا؟ هل هناك حوار بين السلطة والشعب في أيّ زمان ومكان في هذا الشرق؟ فأيّ مسؤول انكليزي، مثلا، عندما يختلف في الرأي مع أيّ كان في محاضرة أو مناقشة في بلده يأتي بحجة من شكسبير لإقناع مستمعيه. والايطالي يأتي بحجة من دانتي. والفرنسي يأتي بحجة من فولتير. والألماني يأتي بحجة من نيتشة. أما أيّ مسؤول عربي فلو اختلف معه حول عنوان قصيدة لأتاك بدبابة فتفضل وناقشها. ولذا صار فم الإنسان العربي مجرد قنّ لإيواء اللسان والأسنان لا أكثر." قرأت الكثير عن محمد الماغوط، عن أفكاره المتمردة، عن أحلامه المتبخرة في ظلمات الواقع العربي الأليم، رغم ذلك، حاولت أن أستفزه بحجة دامغة مثبتة في التاريخ لا ينكرها إلا جاحد: ما قولك يا محمد عن قصة عنترة مع والده ملك عبس: كُرّ يا عنتر، فقال عنترة: العبدُ لا يحسن الكَرّ إنّما يحسنُ الحِلاب والصّر، فقال له والده: كُرّ وأنت حُر. إلى آخر القصة. لنسقط هذه القصة على واقعنا، ألا يبدو جليا الخذلان والاستسلام لشعوبنا العربية؟ ثمّ نتهم الحاكم بالتسلط والجبروت. أضيف لك قصة أخرى وقعت في صدر الإسلام مع عمر بن الخطاب خليفة المسلمين، حين طلب من رعيته المراقبة والمتابعة، تردّ عليه الرعية: والله، لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بحدّ سيوفنا. هل كان العرب في الجاهلية وصدر الإسلام أكثر حرية وأقوى شكيمة وأعزّ نفسا من العرب في عصرنا هذا؟ أليس العيب في الشعوب، لا في الحكام؟ فأجاب محمد الماغوط: بلى، لقد قلت ذلك من قبل، في قصيدة خليفة العصر ورعيته: والعالم يدخل الألفية الثالثة عصر النور والتنوير، أعلن للعالم أجمع وعلى مسامعكم بالذات: إنني ضد العلم والمعرفة والأدب والفن والنور والتنوير وإنني مزور محتال دولي ومعدوم الذمة والرحمة والضمير وإنني أصوم في رجب وأفطر في رمضان فما رأيكم دام عاركم يا كلاب يا أمعات يا زواحف يا حشرات الرعية: والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا! تركت محمد الماغوط يرتاح في قبره بعد معاناة مع الحكام وصراع مرير مع حرية الصحافة والرأي والتعبير، وانتقلت إلى شاعر آخر تكلم على لسان السلطان الذي يرى بأنّ لسان الشعب هو زائدة دودية، يقول أحمد مطر: أذكر ذات مرة كان في فمي لسان وكان يا ما كان يشكو من الظلم وقلة الحرية لكنه حين شكى أجرى له السلطان جراحة رسمية من بعدما أثبت بالأدلة القطعية أن لساني في فمي زائدة دودية قلت لأحمد مطر: تذكر معي، أخي أحمد قول حسان بن ثابت: لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدّره الدّلاء أليس لسان العربي في ما مضى سيفا صارما يقطع دابر من تسوّل له نفسه ظلمه أو إهانته؟ لمَ تحوّل في عصرنا إلى مجرد زائدة دودية نحتل المراتب الأخيرة في العالم في حرية التعبير والرأي؟ ألم يقل المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام قال أحمد مطر: بلى، يا حبيبي، لكن، تذكر قولي في هذه الرعية الحمقاء: ما معنى أن يملك لصّ.. أعناق جميع الأشراف!؟ ليس اللص شجاعا أبدا.. لكن الأشراف تخاف. والثعلب قد يبدو أسدا.. في عين الأسد الخواف. ما بلغ "الواحد" مقدارا.. لولا أن واجه أصفارا فغدا آلاف الآلاف.. قلت صدقت يا شاعر الحرية، عندما نرقى إلى مستوى البشر عند ذاك نملك زمام مصيرنا، وحريتنا وإرادتنا، أمّا الآن، فما زال لنا متسع من الوقت نعيش فيه أحلامنا في هدوء واستقرار لأنظمتنا الفاشلة، ونكتفي بشتم هذا المصطلح الفضفاض "النظام" بعدما كنّا نشتم في السابق مصطلحات أكثر غموضا وإبهاما، على نحو: الإمبريالية، الرجعية، الصهيونية، الظلامية، الاستعمار..
عثمان أيت مهدي 03/05/2013
#عثمان_أيت_مهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البطالة أو فشل الأنظمة العربية
-
بين جريدة -الخبر- ومجلة -المربي-
-
ماذا يريد العرب.. وبماذا يحلمون؟
-
الجماعات المتأسلمة هي وليدة السياسة وعلماء البلاط
-
هل يسمح للأستاذ حمل العصا داخل القسم؟
-
أنا معجب بهذه المنطقة حتى النخاع
-
عن المرأة في ظل الدولة المستبدة والإسلام السياسي..
-
ما أسعدك يابنيّ لأنك ولدت في بلاد الصقيع!
-
أتغيير للبدلة أم تغيير للإنسان؟
-
عن التشاؤم والعبثية من جديد
المزيد.....
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|