أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - طريقتنا البائسة في التفكير والفَهْم!














المزيد.....

طريقتنا البائسة في التفكير والفَهْم!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4079 - 2013 / 5 / 1 - 22:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



ثمَّة خلل كبير في طريقة التفكير والفَهْم التي اعتادتها أذهاننا العربية، وجُبِلَت عليها، حتى أصبح أمْر تمييزها من الذِّهن (أو العقل) العربي نفسه من الصعوبة بمكان؛ فَكَمْ مرَّة لَبَّيْنا، في عقولنا، دَعْوَة الشيء (أو الحادث أو الخبر..) لنا إلى أنْ نَفْهَمه كما هو، بلا زيادة ولا نقصان، وبحجمه الواقعي؟!
حتى في أبسط الأمور نشكُّ ونرتاب؛ فعقولنا شَكَّاكة، وقلوبنا مرتابة، ولو كان الأمر مدار شكنا وارتيابنا بوزن، أو حجم، زيارة لكَ يعتزمها جاركَ.
لقد أخبركَ أنَّه يعتزم زيارتكَ، فما كان منكَ إلاَّ أنْ جَعَلْتَ عقلكَ الشكَّاك (أو قلبكَ المرتاب) مجهراً لرؤية ما دَقَّ وخَفِيَ واستتر من المعاني والنِّيَّات والمقاصِد والأغراض؛ واشتعل رأسكَ بالأسئلة والتساؤلات؛ فإنَّ وراء الأكمة ما وراءها؛ وليس مُمْكِناً، من ثمَّ، أنْ نَفْهَم ونُفسِّر هذا الأمر البسيط (زيارة الجار) بما يوافِق بساطته. ولو انتهت الزيارة إلى ما ينبغي له أنْ يذهب بشكوككَ وظنونكَ، وبكل ما توقَّعت، فلن ينتهي تفكيركَ في أمْر الزيارة في الطريقة نفسها.
حتى "النُّصوص"، ولو كان كلامها جامعاً مانعِاً، ولا اجتهاد من ثمَّ مع النَّص، لا تنجو من هذه الطريقة العقيمة في التفكير والنَّظر إلى الأمور؛ فالمعاني والمقاصِد الحقيقية يُضْرَب عنها صفحاً، ويُضحَّى بها، ليُسْتَنْفَد كثيرٌ من الوقت والجهد في "اكتشاف (لا بَلْ في اختراع)" معانٍ ومقاصِد "أُخْرى (أو جديدة)"؛ مع أنَّ المرء لا يحتاج إلاَّ إلى قليلٍ من تشغيل الذِّهن ليتوصَّل إلى "رؤية" ما يريد "رؤيته"، في أيِّ نصٍّ أو خبر أو حادثة أو ظاهرة..
إنَّه "مَرَضٌ ذهني"، شرقيٌّ، وعربيٌّ على وجه الخصوص، تُفْصِح عنه هذه الطريقة في التفكير والفهم، والتي لا تقودنا إلاَّ إلى أفكار وآراء ووجهات نظر ومفاهيم.. من جِنْسِها؛ فإمَّا أنْ نُهوِّل، وإمَّا أنْ نُهوِّن؛ إمَّا أنْ نُفْرِط، وإمَّا أنْ نفرِّط؛ إمَّا أنْ نضخِّم، وإمَّا أنْ نُبخِّس؛ فالحبَّة قُبَّة، والقُبَّة حَبَّة؛ أمَّا النَّظر إلى الأمور بحجومها الواقعية، أو قبول أذهاننا لها على ما هي عليه، فهذا ما نأبى تجربته واعتياده.
وإذا كان "عدم الفهم" هو الغاية التي ينشدها المرء فما عليه إلاَّ أنْ يأخذ بهذه الطريقة في الفهم. إنَّكَ يكفي أنْ تأخذ بها حتى لا يبقى من شيء يمكن فهمه على أنَّه النتاج الطبيعي والحتمي لتطوُّره الذَّاتي؛ فـ "العلَّة الأخيرة والنهائية" لا يُبْحَث عنها في داخله، وإنَّما في خارجه؛ وكثيراً ما رَأيْنا هذه الطريقة في النَّظر إلى الأمور تقود، في عالَم السياسة، إلى آراء ووجهات نظر، مدارها جمعياً، "المؤامرة"، بصفة كونها "العلة الحقيقية والأخيرة والنهائية".
لا شيء عندنا يحدث، أو يمكن أنْ يحدث، لسببٍ متأصِّلٍ في ذاته؛ فإذا نَزَل الشعب إلى الشارع منادياً بالحرية السياسية؛ فليس في عُمْق حياتنا السياسية من الأسباب ما يَحْمِله على هذا النزول؛ ولا بدَّ، عندئذٍ، من البحث عن "العلَّة الأخيرة والنهائية والحقيقية" في خارج هذا الذي حَدَث؛ وهذه "العِلَّة" يمكن أنْ تكون على هيئة "مُحرِّض شرِّير آثِمٍ (تستبدُّ به الرغبة في إثارة الشغب والقلاقل والاضطرابات، وتعكير صفو الأمن والاستقرار)"، أو على هيئة قوى دولية وإقليمية تتربَّص بنا الدوائر، وتحيك لنا المكائد والدسائس؛ لأنَّها تستشعر "عِظَمَ خطرنا عليها"، أو على هيئة "طابور خامس"، و"قوى مندسة"، و"فئة ضالَّة"، و"ذوي أجندات خارجية وأجنبية".
الحاكم بأمره عندنا يَعْلَم، ولا يجهل، الحقيقة، و"العلَّة الحقيقية"، أو بعضاً من هذه، أو تلك؛ فإذا كان على عِلْمٍ، فربَّما يقول في "خطبة الوداع": "لقد فهمتكم!"؛ أمَّا إذا استبدَّ به غرور العظمة بما أعجزه عن الفهم والتفسير، فربَّما يتساءل (في دهشةً واستغراب) قائلاً: "مَنْ أنتم؟!".
لا سبب فينا يَدْعونا إلى أنْ نثور على أنفسنا، وعليه، في آن؛ فكل شيء عندنا على خير ما يُرام؛ لكنَّ "الشيطان الخارجي" هو الذي يوسوس في صدور الناس، ويُنْزِلهم، بعشرات ومئات الآلاف إلى الشارع؛ وهؤلاء إنَّما هُمْ الضَّالون من الشعب؛ لقد ضَلُّوا سواء السبيل؛ وعلى الحاكم بأمره، من ثمَّ، أنْ يهديهم إلى سواء السبيل، ولو بـ "الكيميائي" من حُجَجه المُقْنِعة!
الطريقة نفسها في التفكير والفهم هي التي تَلِد، في ذِهْن الحاكم المستبد، "سياسة الإنكار"، أو سياسة "عنزة ولو طارت"؛ فإنْ أُرْغِم على الاعتراف بـ "السبب الداخلي" لأزمته، ولثورة شعبه عليه، صَوَّره بحجم حَبَّة، مع أنَّه واقعياً وموضوعياً بحجم قُبَّة؛ أمَّا إذا رأى من "المؤامرة (الخارجية)" ما يَعْدِل (واقعياً وموضوعياً) حجم حَبَّة، فإنَّه يُسْرِع في تضخيمه، جاعلاً إيَّاه في حجم قُبَّة.
إنَّه، ونحن مثله، يجتهد في التعقيد الذهني لِمَا هو بسيط واقعياً، وفي التبسيط الساذج لِمَا هو معقَّد واقعياً؛ ينأى بذهنه عن المعاني والمقاصِد الحقيقية، مُسْتَنْفِداً وقته وجهده في اكتشاف المعاني والمقاصِد التي تستهويها نفسه ومصالحه؛ يشكُّ ويرتاب في ما هو في منزلة البديهية، متَّخِذاً مِمَّا يعوزه الدليل والإثبات "مُسلَّمة"؛ "النَّملة" في عينه بحجم "الفيل"، و"الفيل" بحجم "النَّملة".



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيد -المحرومين في وطنهم-!
- مهاتير يُحذِّرنا وينصحنا!
- العراق على شفير الهاوية!
- أُمَّة تحتضر!
- عندما يتسَّلح العرب!
- في -الحقيقة-.. مرَّة أخرى
- كيري في جهوده -الحقيقية-!
- حتى لا يصبح هذا -الرَّقَم- حقيقة واقعة
- مصر التي تحتاج إلى استئناف ثورتها!
- مواطِنة أردنية تصرخ وتستغيث.. و-الدولة- صَمَّاء!
- أهو النسور أم فوكوياما؟!
- أوهام جماعات -الإسلام هو الحل-!
- -جلالة الإعلان- و-صاحبة الجلالة-!
- كيري الذي يبني -الثقة- ب -التنمية-!
- تجربة آينشتاين مع -الحقيقة-
- اللاجئون السوريون.. مأساة -مهاجرين بلا أنصار-!
- جوابي عن سؤال -مَنْ هو اليهودي؟-
- -جريدة- لم تَرَ النور بَعْد!
- ما معنى تلك الاتفاقية التاريخية؟
- و-الودائع- إذا -تبخَّرت- في -جزيرة الشمس-!


المزيد.....




- بعد جدل حول -اسلمي يا مصر-.. كريم الشناوي يصدر توضيحًا بشأن ...
- فوسفور إسرائيل يدمر الحياة جنوبي لبنان
- -إفريقيا قارة المستقبل- – غانا
- الدفاع الروسية: تحطم طائرة من طراز -تو 22إم3- في مقاطعة إيرك ...
- الإخبارية السورية: غارة إسرائيلية على مبنى البحوث العلمية ف ...
- صفارات الإنذار تدوي في مستوطنات غلاف غزة
- رئيسا أركان الجيش الإسرائيلي و-الشاباك- يتوعدان من رفح بـ-تو ...
- مرشح ترمب لرئاسة هيئة أركان الجيش يتعهد أن يكون قائدا غير حز ...
- غارات أميركية تستهدف مواقع تابعة للحوثيين في الحديدة وصعدة
- الجيش الأميركي يعلن إرسال مزيد من العتاد الجوي إلى الشرق الأ ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - طريقتنا البائسة في التفكير والفَهْم!