|
في رحيل وارينا زريا ..
صباح كنجي
الحوار المتمدن-العدد: 4074 - 2013 / 4 / 26 - 11:36
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
في رحيل وارينا زريا ..
في الخامس من نيسان 2013 الحالي رحلت بصمت (وارينا إسحق حنا زريا) كما عملت وكافحت بصمت خلف الكواليس التي لا يعلم بها إلا القليلون ، كنتُ شاهداً على بعض تفاصيلها منذ صباي ، قبل ان اتعرف على ابنائها المناضلين الملتحقين بالأنصار لاحقاً ومن ثم المتواجدين منهم في المانيا.. امرأة مكافحة ومثابرة أدركت دورها ونفذت المهام التي كلفت بها بدقة متناهية في أصعب الضروف وأعقدها .. يفيض منها الطيب.. بسمة الأمل لا تفارق محياها تشعُ تفاؤلاً يتغلغل بهدوء في محيطها ليطوق القلق ويبعد التوتر الناجم من معاناه الملاحقة والقمع وهول المخاطرة.. حضت بحب وتقدير كل من عرفها وكان قريباً منها.. التزمت بشروط ومتطلبات العمل السري ونفذت العديد من المهام بدقة متناهية ، معتمدة على حدسها ويقظتها بحسٍ أمني مرهف مدرك للخطر المحدق بمن يعمل في صفوف الشيوعيين المعارضين لأنظمة الاستبداد في عهود مختلفة كان أشرسها وأفظعها ما بعد انقلاب شباط 1963 وحروب الدكتاتورية التي تواصلت في الداخل والخارج .. لقد واكبت وارينا زريا العمل السياسي منذ العهد الملكي حينما بدأت تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي تتشكل وتنمو لتشمل مدينة القوش التي شهدت نشاطاً ثورياً عبر اسماء معروفة قدر لها ان تلعب دوراً مهماً على صعيد العراق وتجربة الكفاح المسلح فيما بعد .. شكلوا الرعيل الأول للشيوعيين في القوش.. الفقيد سالم سطيفان ـ ابو داوود .. سليمان يوسف بوكا ـ ابو عامل .. توما توماس ـ ابو جوزيف .. فخري بطرس ـ ابو ثائرة .. الياس الصفار ـ ابو كاترين/الدكتورة سعاد.. عبدالرحيم اسحق ـ ابو سعد.. صبري بطرس، والعشرات من الأسماء التي كافحت وعملت وتواصلت في فترات العمل السري. كانت الفقيدة وارينا وبيتها سنداً لهم تخفيهم وتحميهم وتسهل مراسلاتهم الحزبية والشخصية دون كلل وملل، ولعبت دوراً مهماً في توفير اماكن الاختفاء لهم .. حضت بثقة ابو عامل وأبو جوزيف والأجيال اللاحقة من المناضلين في فترة الكفاح المسلح عام 1978 التي اشترك فيها ولديها مخلص وخالص ، وما اعقبها من حروب متواصلة ترافقت بإجراءات قمعية شديدة شملت فيما شملت الفقيدة وارينا التي تعرضت للمراقبة والاستدعاء من قبل مديرية الأمن في الموصل حيث تسكن، و القوش التي ولدت فيها عام 1927 خاصة في فترة وجود (ابراهيم الدباغ) مديراً للأمن فيها عام 1978 .. وتعرضت لتهديدات وتحذيرات بالاعتقال والتصفية مترافقة بشتائم و اغراءات .. في إحداها تجاوز ضابط الأمن المكلف باستدعائها بوقاحة عليها .. اسمعها وصفاً نابياً جعلها تثأر منه في الحال .. أبت نفسها أن تقبل الذل .. ردت له الصاع صاعين شاتمة امه وأخته في رد اعتبار لنفسها الثائرة ، مما دفعه للصمت والذهول ، فاجأته بردها الشجاع خرس وصمت .. قبل ان يغير لهجته واسلوبه مشفوعاً بعبارات الاحترام متراجعاً عما بدر منه من اساءة .. وفي عام 1981 فرضت عليها الاقامة الجبرية في الموصل لأكثر من ستة اشهر كان عليها ان تثبت حضورها مرتين في اليوم في دائرة الأمن لتوقع اثبات وجود تحت المراقبة الشديدة التي لم ترفع عنها الا بعد تدخل وتوسط نسيبها حنا عقراوي الذي لم يكن له ميول سياسية وتمكن بحكم معرفته لأحد ضباط الامن من رفع الاقامة الجبرية عنها وإلغاء التوقيع المطلوب منها مرتين في اليوم الواحد .. بالرغم من تكرار الاستدعاء وتواصل المراقبة، كانت تخترق حواجز الموت تمكنت من الوصول الى عمان ودمشق.. تنقلت بين الموصل و القوش وتعدتها في بعض الاحيان الى مناطق تواجد الانصار.. وصلت الى كاني بلاف مع أدوية ومساعدات طبية كانت قد حصلت عليها من ابن اختها العسكري المنسب لمعمل ادوية سامراء، قبل أن ترحلها السلطة عام 1985 مع مجموعة النساء والعوائل من بعشيقة وبحزاني ودوغات و القوش وغيرها من المدن والقرى في محافظة الموصل الى كردستان في حملة شملت عشرات العوائل حينها .. لم يكن هذا الترحيل القسري إلا محطة من المحطات التي مرت بها الفقيدة في رحلة حياتها الشاقة ابتداء من عام 1927 حيث ولدت في القوش لعائلة مهاجرة من هول المذابح التي طالت المسيحيين من آشوريين و كلدان وسريان وأرمن بالإضافة الى الايزيديين في العهد العثماني وما تلاها في العهد الملكي عام 1933 عرفت بمذابح سميل والآشوريين .. مروراً بالحبانية والموصل وبرلين حيث وصلتها عام 1989 لتكون قريبة من ابنائها وبناتها الذين تغربوا قبلها وكانت بنتها كميلا تعاني في حينها من حالة مرض عضال ابت ان تكون بعيدة عنها فقررت الهجرة والالتحاق ببناتها وبنيها و احفادها .. محطات عملت فيها وكدحت في مجالات مهنية عديدة بدأت بالزراعة .. زراعة البطيخ الملوكي الذي تشتهر به مدينة القوش وفي ومواسم الحصاد وعمل الخبز والبرغل ومن ثم شد البقلاوة التي اشتهرت بها وعرفت من خلالها كأشهر شداده للبقلاوة في الموصل لتعين زوجها في تدبير شؤون العائلة وتوفر لأبنائها احتياجاتهم .. رحلت وارينا مودعة من حولها ابناء وبنات وأحفاد وحفيدات ببسمة لم تفارق محياها رغم الألم .. طوبى لمن تشبث بالفرح وتمسك بالأمل .. طوبى لكل من عمل وكافح بصمت.. طوبى لمن يسعى للحياة الأفضل.. طوبى لمن يتمنى السعادة للبشر ويخلقها في محيطه كما فعلت وارينا.. وحينما رحلت تركت لنا بسمة تشع ضياء وأملاً ..
ـــــــــــــ
صباح كنجي 25/نيسان/ 2013 ـ وارينا اسحق حنا زريا مواليد 17/1/1927 القوش العراق وتوفيت في 5 نيسان 2013 في برلين المانيا ..
#صباح_كنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدخل لتجاوز الوضع الراهن في العراق .. 2
-
فواز قادري وهذه القصيدة ..
-
القرآن وسيلة للتحرش الجنسي ..
-
عدنان اللبّان في صفحات انصارية..
-
المُتلصصُ على الموتِ في قوقعةِ خليفة ..
-
مدخل لتجاوز الوضع الراهن في العراق ..
-
سرحان يْكولْ ..الى الصديق فواز فرحان
-
لا لدينٍ يُبيحُ إختطاف الأطفال..
-
تقرير عن اوضاع حقوق الانسان في العراق
-
المهرجان الثامن لأيام الرافدين الثقافية في برلين ..
-
الوهم الإسلامي كتاب يقدم الدين ويختصر التاريخ بلا رتوش
-
البلم والعبَارة ..
-
حول الإلتباس في تحديد الموقف..
-
العجل ..
-
الطريق الى نورم بيرك ..
-
بدايات الفكر الماركسي بين الإيزيدية في العراق ..
-
السَجين لازار ميخو ..
-
نصيحة مدني للفريق بشار الأسد ..
-
خلدون جاويد ابداع شاعر وغضب ثائر عنيد ..
-
رسالة مفتوحة لسيمرسي ..
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|