أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - في -الحقيقة-.. مرَّة أخرى














المزيد.....


في -الحقيقة-.. مرَّة أخرى


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 4071 - 2013 / 4 / 23 - 21:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لَمَّا كَتَبْتُ، في مقالة وجيزة، عن مفهوم "الحقيقة"، في بعضٍ من آراء ووجهات نظر آينشتاين، والذي يعود إليه الفضل الأكبر في التأسيس الفيزيائي لفكرة "نسبية الحقائق"، جاءتني تعليقات وآراء، دعاني أصحابها إلى تَناوُل جانب مهم، في شأن هذا المسألة الشائكة المعقَّدة، لم أتناوله في تلك المقالة، ألا وهو "النِّسْبي" و"المُطْلَق" من "الحقائق"؛ فالناس، على وجه العموم، منقسمون مختلِفون في هذا الأمر، بعضهم لا يعترف إلاَّ بـ "الحقائق النسبية"، وبعضهم لا يعترف بفكرة ما على أنَّها "حقيقة" إلاَّ إذا كانت في منزلة "الحقيقة المُطْلَقَة".
وهناك من المتطرِّفين في إنكارهم لوجود "الحقيقة المُطْلَقَة" من يُعبِّر عن موقفه هذا قائلاً: إنَّ "الحقيقة المُطْلَقَة الوحيدة" هي أنْ "لا وجود للحقيقة المُطْلَقَة؛ فكل الحقائق نسبية".
ولقد أُسيء فَهُم "الحقيقة النسبية" كما أُسيء فَهْم "الحقيقة المُطْلَقَة"؛ وإنِّي لأَنْسِبُ هذه الإساءة وتلك إلى النَّقْص في "جدلية" التفكير والنَّظر إلى الأمور؛ فنحن نميل، في غالبيتنا، إلى الفَهْم الميتافيزيقي للصِّلة بين "الضِّدَيْن"، أيْ بين كلِّ ضِدَّيْن.
إنَّ "نِسْبية الحقائق" تُشَوَّه عند كثيرين بـ "الذَّاتِيَّة"، فيُضْرَب صَفْحاً عن أمْرٍ في منتهى الأهمية هو أنَّ "الموضوعية" هي جوهر وأساس "النِّسْبي" من "الحقائق".
وخَيْر مثال، على ما أرى، نُوضِّح فيه "النسبية (الموضوعية) للحقيقة" هو الآتي:
جَلَسَ اثنان إلى طاولةٍ، وكان كلاهما في مواجهة الآخر. وَوُضِع على الطاولة إبريق وفنجان، وبما يسمح لكليهما بإجابة السؤال "أَيُّهما موضوع أمام الآخر؟".
أحد الجالِسَيْن أجاب قائلاً إنَّ الإبريق موضوع أمام الفنجان؛ أمَّا الآخر فأجاب قائلاً إنَّ الفنجان هو الموضوع أمام الإبريق؛ فأيَّهما نطق بـ "الحقيقة"؟
كلاهما نَطَق بها؛ لأنَّ الحقيقة "نِسْبية"؛ فالذي أجاب الإجابة الأولى أصاب، ولم يُخْطئ، والذي أجاب الإجابة الثانية أصاب، ولم يُخْطئ.
إنَّه لمثال بسيط؛ لكنْ مُفْعَمٌ بالمعاني؛ ويَحضُّكَ على أنْ تُفكِّر فيه مليَّاً، وعلى أنْ تُحْسِن وتجيد التفكير فيه.
هذا التناقض الموضوعي في إجابتيهما لن ينزل برداً وسلاماً على كثيرٍ من الناس الذين اعتادت أذهانهم أنْ يفهموا "الحقيقة" بما يُوافِق المبدأ الميتافيزيقي "إمَّا.. وإمَّا..".
وعملاً بهذا المبدأ (غير العملي، وغير العلمي) سيقولون إنَّ تضارُب أو تناقض الإجابتين لا يعني إلاَّ أنَّ كلتيهما لا تمتُّ بصلةً إلى مفهوم "الحقيقة"؛ ولسوف يتساءلون، في هُزْءٍ وسُخْريةٍ، قائلين: كيف للحقيقة أنْ تقوم لها قائمة إذا ما قُلْنا إنَّ الإبريق موضوع أمام الفنجان، وموضوع وراءه، في الوقت نفسه؟!
"الواقع الموضوعي" لـ "الإبريق" يهزأ ويسخر من قولهم قائلاً: لكنَّها الحقيقة؛ فهذا هو "الواقع الموضوعي (المتناقِض)" للإبريق؛ إنَّه موضوع أمام الفنجان، وموضوع وراءه، في الوقت نفسه؛ فهل في مقدور أيِّ شخصٍ ثالث أنْ يَحْسِم الأمر (حَسْماً ميتافيزيقياً) فيقول مثلاً إنَّ الحقيقة، كل الحقيقة، أو إنَّ الحقيقة التي لا ريب فيها، هي أنَّ الإبريق موضوع الآن أمام الفنجان، لا وراءه؟!
صاحبا الإجابتين لم يتناقضا في إجابتيهما لأسباب ذاتية، أو لكونهما، على سبيل المثال، "يرغبان في" أنْ تتناقض إجابتيهما؛ فكلاهما، وبكل ما لديه من أساليب وطرائق "الاختبار الموضوعي"، يتوصَّل إلى أنَّ إجابته صائبة، صحيحة، تُمثِّل "الحقيقة".
وعلى هذا قِسْ؛ فهل هذا الكائن حيٌّ أمْ ميِّت؟ إنَّه حيٌّ وميِّت في الوقت نفسه؛ وهل هذا الجسم متحرِّكٌ أم ساكِن؟ إنَّه متحرِّكٌ وساكِنٌ في الوقت نفسه؛ وهل هذا الشخص عالِمٌ أم جاهِلٌ؟ إنَّه عالِمٌ وجاهِلٌ في الوقت نفسه؛ وهل نظام الحكم هذا دكتاتوري أم ديمقراطي؟ إنَّه دكتاتوري وديمقراطي في الوقت نفسه.
في مثالنا البسيط ذاك، وَقَفْنا على معنى "نسبية" الحقيقة، وَوَقَفْنا، في الوقت نفسه، على ما يُمْكنني نَسْبه إلى "المُطْلَق" منها؛ فـ "نسبيتها (الموضوعية)" نراها واضحة جلية في قول أحدهما إنَّ الإبريق موضوع أمام الفنجان، وفي قول الآخر إنَّ الإبريق موضوع وراء الفنجان؛ أمَّا "المُطْلَق" منها، والكامِن في "النِّسْبي" في الإجابتين كلتيهما، فَنَقِف عليه في "الإجابة الثالثة" الآتية: الإبريق موضوع أمام الفنجان، وموضوع وراءه، في الوقت نفسه (فلتتأمَّلوا جيِّداً "الضِّدَّيْن"، في هذا المثال، وهما "الأمام" و"الوراء"، وعبارة "في الوقت نفسه").
إنَّ "الوجود المتناقض لكل شيء" هو "حقيقة مُطْلَقَة"؛ لكنَّه ليس "الحقيقة المُطْلَقة الوحيدة"؛ فإنَّ "المُطْلَق" من "الحقيقة" يكمن دائماً في كلِّ "حقيقة نسبية"؛ فالصِّلة بين هذين "الضِّدَّيْن"، أيْ "النسبي" و"المطلق" من الحقائق، ينبغي لنا فَهْمهما كما فَهِمْنا الصِّلة بين "الأمام" و"الوراء" في مثال "الإبريق والفنجان"؛ فنقول من ثمَّ إنَّ هذه "الحقيقة" هي "نسبية" و"مطلقة" في الوقت نفسه.
لقد اختلف الشخصان في إجابة السؤال "أيهما موضوع أمام الآخر؟"؛ لكنَّهما لن يختلفا أبداً في أمور من قبيل إنَّ الإبريق والفنجان موضوعان الآن على الطاولة، وإنَّ الإبريق فارغٌ، إذا ما كان فارغاً، أو ممتلئ، إذا ما كان ممتلئاً.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيري في جهوده -الحقيقية-!
- حتى لا يصبح هذا -الرَّقَم- حقيقة واقعة
- مصر التي تحتاج إلى استئناف ثورتها!
- مواطِنة أردنية تصرخ وتستغيث.. و-الدولة- صَمَّاء!
- أهو النسور أم فوكوياما؟!
- أوهام جماعات -الإسلام هو الحل-!
- -جلالة الإعلان- و-صاحبة الجلالة-!
- كيري الذي يبني -الثقة- ب -التنمية-!
- تجربة آينشتاين مع -الحقيقة-
- اللاجئون السوريون.. مأساة -مهاجرين بلا أنصار-!
- جوابي عن سؤال -مَنْ هو اليهودي؟-
- -جريدة- لم تَرَ النور بَعْد!
- ما معنى تلك الاتفاقية التاريخية؟
- و-الودائع- إذا -تبخَّرت- في -جزيرة الشمس-!
- تذكير جديد بالمخاطِر النووية
- الزعماء العرب قرَّروا -عدم تسليح- المعارَضَة السورية!
- حقيقة -النقود-
- في الجغرافيا السياسية للصراع السوري
- لقد -تكلَّم- أوباما.. فهل رأيتموه؟!
- الأهمية الديمقراطية لتجربة -النَّشْر الإلكتروني-


المزيد.....




- إليك ما نعرفه عن اصطدام طائرة الركاب ومروحية بلاك هوك وسقوطه ...
- معلومات سريعة عن نهر بوتوماك لفهم مدى تعقيد البحث عن حطام ال ...
- أول تعليق من ترامب على حادثة اصطدام طائرة ركاب ومروحية عسكري ...
- حوافه حادة..مغامر إماراتي يوثق تجربة مساره بوادي خطير في قير ...
- كيف نجا قائد الطائرة إف-35 -الأكثر فتكا في العالم- بعد تحطمه ...
- إيطاليا تعيد كنوزا عراقية منهوبة.. قطع خلدت ذكرى من شيدوا ال ...
- FBI يستبعد العمل الإرهابي في حادث اصطدام طائرة الركاب بمروحي ...
- بعد كارثة مطار ريغان.. الإعلام الأمريكي يستحضر آخر حادث كبي ...
- جورجيا تنسحب من الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بعد مطالباته ...
- الائتلاف الوطني السوري يهنئ الشرع بتنصيبه رئيسا للجمهورية


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - في -الحقيقة-.. مرَّة أخرى