ممدوح رزق
الحوار المتمدن-العدد: 4071 - 2013 / 4 / 23 - 20:49
المحور:
الادب والفن
الممرات المتعانقة، الملتفة حول نفسها باطمئنان داخل سحابة هائلة .. حيث لا يوجد مشي بالتأكيد؛ بل طيران يليق بحياة محسومة .. يعبر الواحد منا بخفة لا يقدر على استيعابها، يصادف أخا له مستندا بسعادة على جدار ممر .. يناديه مستعطفا، وواثقا من ماض ما .. أحيانا يتجاهل الواحد منا أخيه المستند على الجدار، لكن هذا أمر نادر جدا حقيقة .. دائما تستجيب لنداء أخيك ـ أنت في حاجة لذلك دون شك ـ متأكدا أنه سيخرج لوحة من مخبأ غامض في جسده ليخبرك أنه تمكن من رسمك، وليس مطلوبا منك أكثر من الخضوع المنبهر لصدق اللوحة .. تحاول إقناعه بشتى السبل المؤذية أن المؤخرة المرسومة ليست أنت، وأنها قد تكون هو نفسه أو أحدا من عائلته أو شخصا متخيلا لا يمتلك تأكيدا على وجوده، لكنه لن يفهم أبدا .. لن يتصور أن ألوان وخطوط وظلال تلك المؤخرة ليست سوى أرواح قديمة فاق حس الدعابة لديها كل الحدود، وأنها تحالفت عبر الأزمنة لجعله رسام ابن نكتة مثلها؛ لا يرسم سوى مؤخرات .. لن يهدأ أبدا دفاع أخيك وبشتى السبل المؤذية أيضا عن صحة ظنونه بأن هذا الرسم هو أنت، وأنه لا يكشف فحسب عن ملامحك الخارجية بل ـ وبدرجة أكبر طبعا ـ عن تكوينك الداخلي وحقيقتك السرية .. تلك هي الحياة العادية للممرات المتعانقة، الملتفة حول نفسها باطمئنان داخل سحابة هائلة .. يقضي الواحد منا عمره غاضبا ومسلماً أمره للانتقام من كل الذين يرسمون مؤخرات، ويحاولون بكل ما لديهم من ضعف ورعب إجباره على تصديق أنها هو .. الحياة العادية التي لا تُمنح فيها الصور الفوتوغرافية واللوحات الأخرى قيمة أكثر من ضرورتها في تثبيت أسطح وقشور البشر والأشياء بين أربعة حواف لحماية الخرافات من الوقوع .. داخل الممرات المتعانقة لا يمكن للصور واللوحات أن تصمد أمام المعرفة اليقينية الراسخة بمهابة في المؤخرات التي يرسمها الناس طوال الوقت لبعضهم .. ماذا عن الموت؟! .. ليس أكثر من امتداد لعادية الحياة التي سبقته .. يسخر إخوانك منك، ويتحسرون عليك بعدما ينتهون من إلقاء جثتك خارج السحابة الهائلة .. يقضون زمنا ما في البكاء من شدة الضحك والفزع، عاجزين باندهاش عظيم عن إيجاد مبرر لك أو حجة تفسر لماذا أهدرت عمرك في رسم المؤخرات، محاولا باستبسال إقناعهم بأنها صور لهم.
#ممدوح_رزق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟