|
مقاطعة مسيرة العودة... بداية صراع أم اعلان هزيمة
عايدة توما سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 4068 - 2013 / 4 / 20 - 10:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجماهير العربية قالت كلمتها في خبيزة واختارت طريق النضال الوطني التقدمي الوحدوي، والنجاح الكبير لمسيرة العودة هذا العام، رغم مقاطعة الحركة الاسلامية، فيه أكثر من مؤشر حول طبيعة مكوّنات وهوية الحركة الوطنية بين جماهيرنا العربية في البلاد، وفيه مقولة واضحة حول الوجهة والمستقبل الذي تنشده هذه الجماهير
اعتبر البعض قرار الحركة الاسلامية الشمالية مقاطعة مسيرة العودة الـ 16 الى قرية خبيزة، أو ما أسمته بعض الشخصيات القيادية في الحركة "عدم الزام اعضاء الحركة بحضور المناسبة" امرا مفاجئا بينما فضل البعض الآخر عدم التعقيب عليه في محاولة لتجنب الخوض في الامر والابتعاد عن ضرورة اتخاذ موقف واضح من هذا السلوك.
الحركة الاسلامية الشمالية ذاتها حاولت التخفيف من وقع الحدث، واعتباره قرارًا وليد اللحظة، أو دعنا نقول وليد الحدث العيني، وقدمت التبريرات للقرار بأن هذه المسيرة جاءت بدعوة من "لجنة المهجّرين" وليست عملا ينضوي تحت لواء لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية أو بالتنسيق مع لجنة المتابعة العليا وبالتالي لا ترى نفسها - الحركة- ملزمة به. وذهب عبد الحكيم مفيد، عضو المكتب السياسي للحركة الاسلامية الى أبعد من ذلك في المقابلة التي اجريت معه يوم المسيرة في راديو الشمس عندما فسر عدم المشاركة بأنها رد فعل على ما حدث في يوم الارض ( والمقصود الاعتداء على طاقم الجزيرة) وعدم انصياع الحركات السياسية لعدم رفع رايات وأعلام حزبية في هذه المناسبات. هذه الاعتبارات التي أوردها عبد الحكيم مفيد تجعلنا نتساءل الى أي مدى تحترم قيادة هذه الحركة عقول الناس وقدرتهم على فهم الامور. الحركة استمرت لسنوات طويلة في خرق قرارات عدم رفع الأعلام، وتحايلت على القرار في سنوات أخرى حين دمجت بين رايتها والعلم الفلسطيني، وما حدث في يوم الارض قامت به مجموعة صغيرة، وللأسف الشديد هي ليست المرة الاولى التي تحدث فيها مواقف معيبة وتدافع في هذه المناسبات الوطنية الجليلة، والاهم من ذلك كله المسيرة هي عمل بادرت اليه دوما ونظمته لجنة المهجرين ونجحت في تحويله الى عمل جمعي وطني نسقت له فيما بعد مع لجنة المتابعة العليا وحديث عبد الحكيم مفيد نفسه في مسيرة الكويكات في السنة الماضية يشهد على ذلك ويفند أقوال هذا العام. فما الذي جرى ولمَ الآن ، وما معنى المقاطعة في يوم كهذا؟
* قرار نتاج توجه منهجي واضح*
أي مراقب للتطورات والتجاذبات على الساحة السياسية الداخلية لجماهيرنا العربية في السنوات الاخيرة يعلم أن قرار الحركة ليس وليد الساعة أو الحدث، ولا تحكمه في الدرجة الاولى أو العاشرة على أقل تقدير، الرغبة في الحفاظ على ماء وجه لجنة المتابعة وتعزيز مكانتها السياسية والتمثيلية بين الجماهير العربية ، وانما هو نتاج توجه منهجي واضح للحركة لفرض أجندتها السياسية والقيميّة والسلوكية على الجماهير العربية في البلاد، من خلال التحكم والسيطرة على مجريات الامور في لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية . لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية التي جرى بناؤها إطارا جماعيا للتنسيق بين الأطياف والانتماءات والحركات السياسية المختلفة بين جماهيرنا العربية، وقيادة وتوجيه النضال السياسي لهذه الجماهير بشكل توافقي، هذه اللجنة التي كما يبدو بدل أن تكون اطارا جامعا يراد لها اليوم، تتحول الى أداة هيمنة وسيطرة وفرض لأجندة حزبية فكرية واحدة، وهو عمليا ما سعت اليه الحركة الاسلامية الشق الشمالي في السنوات الاخيرة بنجاح وتحالف وتواطؤ مع بعض مركبات لجنة المتابعة احيانا وفشلت في أحيان أخرى .
في السنوات الاخيرة طرحت الحركة أكثر من مرة وفي أكثر مناسبة قضيتين الاولى الرغبة في منع الاختلاط بين الرجال والنساء في المناسبات وعدم مشاركة القوى التقدمية اليهودية في الاعمال الوطنية العامة. البدايات كانت فصل النساء عن الرجال والمشي ببعد خمسين مترًا عنهم وفي أحيان أخرى، مثلا في المظاهرة التي عقدتها لجنة المتابعة في أم الفحم قبل سنوات ضد عدوان على أهلنا في غزة، حيث حاول المنظمون فرض الامر واكتشفت في لحظة ما عندما حاولت اختراق الحواجز الانسانية الرجالية، انني اقف في دائرة افرغت من المشاركين ويرسمها بوضوح عدد من المنظمين الذين التفوا حولها، وكأنني مصابة بمرض معد يبعدون عني الناس لئلا يطالهم مني مكروه . ومن ثم كما يبدو إصرارنا على تطبيق شعار القائد الفذ توفيق زياد عندما صرخ في وجوههم في كفر كنا "وحدة وحدة وطنية الشاب بحد الصبية" جعلهم يتراجعون قليلا ويجربون طرقا أخرى .
* مسيرة خارج نطاق السيطرة*
مسيرة العودة بقيت الحدث الوطني الجماعي الوحيد الذي لم تنجح الحركة الاسلامية الشمالية في السيطرة على مراسيمه ولم تتمكن من تطبيق تقاليدها واعتباراتها عليه، خاصة فيما يتعلق بالموقف من المرأة ومشاركتها الفاعلة فيها، بالاضافة الى فرض مظاهر تسييس الدين من صلوات جماعية وشعارات وهتافات . إن مشهد انسحاب قيادات الحركة، في الثلاث سنوات الاخيرة، في كل مرة اعتلت منصة مهرجان المسيرة نساء، كما يبدو، اصبح محرجا لهذه الحركة أكثر مما هو محرج للمنظمين. هذا المشهد يحرج قيادة الحركة الاسلامية ليس لأنه خارج عن تقاليدنا النضالية وليس لأنه يشي بالموقف الرجعي من المرأة والتعاطي معها كجسد وفقط كجسد، ولا يعترف بانسانيتها وابداعها وقدراتها، وانما لأنه -أي مشهد الانسحاب -اعتراف واضح بعدم القدرة على التأثير في مجريات الأمور في المسيرة وأحداثها، بعد أن حاولوا وطالبوا بذلك، والامر أغاظهم الى حد أنهم قرروا أن لا يتكرر هذه المرة، فقاطعوا المسيرة.
ما بدأ يرشح في السنوات الأخيرة من اجتماعات مختلفة للجنة المتابعة أن مطلب الحركة بعدم ظهور النساء على المنصات، بما في ذلك يوم الارض أو مهرجان ضد الخدمة المدنية وغيرها هو مطلب تجري مراعاته بدْءا من رئيس لجنة المتابعة العليا، محمد زيدان، حتى الحركات السياسية الاخرى وتبقى فيه الجبهة الوحيدة الرافضة. ورغم الرفض التام والمبدئي لعملية الاقصاء المقصودة التي يسعى لها قادة الحركة الاسلامية للنساء وتأثيرات ذلك على مشروعنا الاجتماعي الوطني والسياسي، الا أن الامر يكتسب خطورة عالية عندما نضعه في السياق العام وضمن المشروع الاوسع الذي تسعى هذه الحركة الى تطبيقه في مجتمعنا، من خلال كما قلنا استعمال لجنة المتابعة أداة لفرضه وبسط هيمنتها.
المظاهر التي بدأت تكسو النضالات الشعبية السياسية تشيع حالة من الغربة والنفور بين قطاعات واسعة من الجمهور لا ينتمي لهذه المظاهر التي لفت وتلف النشاطات الوطنية العامة بتزايد في السنوات الاخيرة، وهي تحديدا فرض "مراسيم دينية" على المساحات العامة والنشاطات النضالية، الامر الذي يستثني أولا وقبل كل شيء جمهورًا ينتمي الى طوائف أخرى أو بعضه علماني أو متدين ولكنه يرى الدين قضية خاصة، وممارسات ذاتية عبادية وليست عامة أو نضالية. والاهم من ذلك أن إقحام هذه المراسيم والنقاش الذي تستجلبه يؤجج نزعات طائفية مقيتة حين يدار النقاش حولها في مساحة وكأنها الاعتراض على الدين أو النقاش مع فروض الدين، في الوقت الذي يجب أن يوجه النقاش الى جوهر الصيرورة الماثلة أمام أعيننا وهي التي خبرتها شعوبنا العربية ايضا، وهو الركوب على القضايا الوطنية للترويج لفكر سياسي اجتماعي اقتصادي وفرضه في مرحلة ما ان لم يكن بالحسنى فبالمقاطعة وباثارة النعرات الطائفية واصدار الفتاوى والامثلة كثيرة.
* ليس دفاعا عن المرأة فقط*
الحركة الاسلامية تحاول بناء نظام سيطرة تنقضُّ من خلاله على عملية بناء برنامجها الشمولي للجماهير العربية وكما يبدو فان لجنة المتابعة هي الجهاز الذي من خلاله تمارس هذا الطموح. الطرح الذي قدمه زيدان في مقابلة اذاعية مفاده أن على جميع الجمعيات والاطر والحركات الوطنية الانضواء تحت لجنة المتابعة، القصد منه كما يبدو خلق آليات كبح وضبط لأطر المجتمع المدني والحركات العامة وجعلها خاضعة لمعايير لجنة المتابعة في حُلتها الجديدة المرجوة. هذا الطرح الذي يقدمه زيدان ليس بجديد وهو ليس أول من طرحه، بل هو جزء من مشروع متكامل يبغي تحويل لجنة المتابعة من إطار تنسيقي وطني جامع، يتيح التعددية الحزبية والفكرية ويستفيد من التكاملية بين الاطراف المختلفة الى حكومة ظل تضبط أمور الجماهير العربية وتقرر ما هو شرعي وجائز وما هو متناقض مع النظام الشمولي .
إن المعركة أمام هذه الخطوة الانفصالية التي تحمل الكثير من معالم الصراع والتناحر، هي معركة قاسية ولا تراجع عنها ولا يمكن أن يجري مداراتها أو استبعادها وتأجيلها، فهي معركة للمحافظة على الادوات السياسية التي اثبتت جدارتها في تاريخنا القريب، وعلى تراث نضالي واع ومسؤول وحّد الجماهير العربية وقادها عبر النكبة والحكم العسكري ومعارك البقاء والتجذر والهوية والاهم هي معركة على مستقبل هذه الجماهير العربية الفلسطينية، على وجهها ووجهتها وعلى هويتها.
الجماهير العربية قالت كلمتها في خبيزة واختارت طريق النضال الوطني التقدمي الوحدوي، والنجاح الكبير لمسيرة العودة هذا العام، رغم مقاطعة الحركة الاسلامية، فيه أكثر من مؤشر حول طبيعة مكوّنات وهوية الحركة الوطنية بين جماهيرنا العربية في البلاد، وفيه مقولة واضحة حول الوجهة والمستقبل الذي تنشده هذه الجماهير، هذه المقولة وهذا السلوك هو الركيزة للنجاح في قيادة الجماهير الى بر الأمان بعيدا عن الانغلاق الطائفي والقومي والأفكار الرجعية.
#عايدة_توما_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءات أولية في الائتلاف الحكومي: حكومة المستوطنين والليبرال
...
-
يوم الارض، عبر وتداعيات
-
أنا لست... نسوية
-
تبقى المنارة والبوصلة
-
النقد المجتمعي والنسوي للصلحة العربية
-
الصفقة 38 - خلفيات ، أسباب وتداعيات والاهم أسئلة مفتوحة ...
-
جثة تبحث عن هوية
-
ما لم تفهمه يحيموفيتش حتى الآن..
-
أيلول - هل نحن مستعدون؟
-
اللُّعب بالسياسة باسم -النقاوة القومية-
-
مبادرة أيلول
-
البعد الشعبي المفتقد
-
الخيار الثالث وارد، وان بهظ الثمن
-
حل الدولتين وحلم الدولة
-
نضال العمال الاجتماعيين والدرس المُستفاد
-
اشكالية نسبة الفتيات العالية في -الخدمة المدنية-: إستغلال سل
...
-
التمثيل النسائي في العمل البلدي الجبهوي
-
غادرتنا ابتهاج خوري، العلم والمشهد العكي النابض بالحيوية وال
...
-
ليكن هذا القرن قرن النهوض المتجدد للاشتراكية الثورية في كل ا
...
-
نحيي الثامن من آذار يوما نضاليا لانه يزرع فينا قيما تنتفض ضد
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|