|
- العقليّة ، الشخصيّة ، الهويّة - العراقيّة : إشكاليّة المصطلح وإعلاميّة التداول
لؤي خزعل جبر
الحوار المتمدن-العدد: 4065 - 2013 / 4 / 17 - 01:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عندما نتحدّث عن عقليّة أو شخصيّة أو هويّة مجتمع يجب أن نتحدّث بحذر ، وأن ننطلق من تأطير نظري مُحكَم لماهيّة هذه المفاهيم ، ونستند في كل فكرة على كمّ متراكم من الدراسات العلميّة ، لا أن نتكئ على الانطباعات الشخصيّة والتصورات الإجمالية الممتزجة بالوجدان الآني والتحيّزات الذاتيّة ، لأن الموضوع له انعكاساته الخطيرة على الوعي والسلوك الاجتماعي والمجتمعي . ولكن المُلاحَظ – مع الأسف – سيادة الطرح التبسيطي الإعلامي في موضوع العقليّة أو الشخصيّة أو الهويّة العراقيّة ، حتى على الصعيد الأكاديمي ، إذ تجد المفردات تزجّ – بمناسبة وبلا مناسبة – في كتابات وحوارات متنوّعة ، دون إدراك للبعد النظري لهذه المفاهيم وتنوّعاتها ومساراتها وآليّات اشتغالها وتوظيفها وبحثها . وفي هذه الورقة أسعى إلى تقديم تبيان – موجز – لطبيعة التمايزات المفاهيمية بين هذه الاصطلاحات ، والإشكاليّات الفلسفيّة والنظريّة والمنهجيّة الحافّة بتداول هذه المفاهيم .
جدليّة " الفرد - الجماعة " تارة نتحدّث عن عقل أو شخصية أو هويّة " الفردIndividual " ، وأخرى نتحدّث عن عقل أو شخصية أو هويّة " الجماعة Group أو الجمع Collective أو المجتمع Society أو الثقافة Culture " ، وهما مستويين متمايزين – تنظيرياً ومنهجياً – عند بعض المنظّرين والباحثين (مستوى الفرد مختلف تماماً عن مستوى الجماعة ، فالجماعة ليست مجموع الأفراد والأفراد ليسوا انعكاساً للجماعة) ، ومتماثلين عند البعض الآخر (مستوى الفرد معادل لمستوى الجماعة ، فالجماعة مجموع الأفراد أو الأفراد انعكاس للجماعة) ، ومتفاعلين عند البعض الثالث (مستوى الفرد متفاعل مع مستوى الجماعة ، فالجماعة مستقلة نسبياً عن مجموع الأفراد) . وقد شكّلت هذه التباينات مساحة واسعة لجدل فكري محتدم - ذو تاريخ طويل - في الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجي والعلوم السياسيّة ، تجلّى في المقاربات المتنوّعة لموضوعات وظواهر ومفاهيم اجتماعيّة عديدة ، وفي مقدمتها مفاهيم : العقليّة والشخصيّة والهويّة ، لاسيما عندما تُسنَد إلى الجماعة . ودون استيعاب نقدي لهذا الجدل – بتنوعاته وتمظهراته وتغيراته - ، لا يمكن مقاربة هذه المفاهيم بشكل علمي دقيق .
العقليّة Collective , Social , or Group Mind يشير " العقل " – على المستوى الفردي - إلى مجمل القدرات Capabilities المعرفيّة (التفكير والاستدلال والإدراك والحكم ..) والمضامين Contents المعرفيّة (المعتقدات والأفكار والأحكام ..) والأساليب Styles المعرفيّة (بنية وأطر وطرائق التفكير) . وعلى المستوى الجمعي لا يمكن افتراض وجود القدرات ، إلا على النحو التجميعي ، ولكن المضامين والأساليب يمكن افتراض وجودها ، على أساس الخبرات والأطر الاجتماعية المعرفيّة المشتركة . ولعلّ ذلك ما يعنيه لالاند - ضمنياً – عندما يميّز - في معجمه الفلسفي – بين نوعين من العقل ، هما : العقل المكوِّن والعقل المكوَّن ، إذ يشير الأول إلى النشاط الذهني الذي يقوّم الفكر حين البحث والدراسة ، والذي يصوغ المفاهيم ويقرر المبادئ ، بينما يشير الثاني إلى مجموعة المبادئ والقواعد المعتمدة في الاستدلالات ، أو – بتعبير آخر – منظومة القواعد المقبولة في فترة تاريخية ما ، والتي تعطى لها خلال تلك الفترة قيمة مطلقة ، فهي جملة المبادئ والقواعد التي تقدمها الثقافة للمنتمين إليها كأساس لاكتساب المعرفة ، أو تفرضها عليهم كنظام معرفي . والإنسان يشترك مع جميع الناس - أياً كانوا وفي أي عصر – في كونه يتوفر على عقل مكوِّن ، وينفرد هو ومن ينتمي معه إلى نفس الجماعة الثقافية بعقل مكوَّن ، هو عبارة عن النظام المعرفي (مفاهيم ، تصورات ، ...) الذي يمثل الثقافة التي ينتمون إليها . وقد شكّل العقل – على المستوى الفردي – إشكاليّة فلسفيّة كبرى ، وجدت منذ وجود الإنسان وامتدت إلى اللحظة ، وقد هيمنت على مدى قرون بوصفها ثيمة مركزيّة ، إذ مثّلت محور نظريّة المعرفة و/أو الأبستمولوجيا ، وأس مقولات عصر النهضة وفلسفات التنوير وطروحات ما بعد الحداثة ، والتي تجمّعت في العلوم المعرفية (الأنثروبولوجيا المعرفية وعلم اجتماع المعرفة وعلم نفس المعرفة وعلم النفس المعرفي ...) ، كما مثّل النقطة المركزيّة لتأسيس علم النفس واشتغاله وهويّته المتفرّدة ، فهو " علم العقل " ، الذي دارت صراعات مدارسه المتعددة حول صياغته المفاهيميّة . ومع تنامي منحى وحدة العلوم والتوجّهات الثقافيّة ودراسات علم النفس الاجتماعي والثقافي ، بدأ الجدل حول العقل على المستوى الجمعي ، ضمن مفاهيم تفكير الجماعة والأطر الاجتماعية للمعرفة والتمثلات الجمعيّة والمعرفة الجماعية . ولا يمكن من خلال تأمّل تلك الجدليّات التعرّف على صياغة مفاهيميّة مستقرة ومحددة ودقيقة لمفهوم العقل على المستوى الاجتماعي ، ولكن يمكن اقتراح التعريف الأولي الآتي للعقل الجمعي : العقل الجمعي Collective Mind : منظومة معرفيّة مكوّنة من تفاعل : المعتقدات والأفكار والأحكام الصريحة (المضامين المعرفيّة) ، والقواعد والافتراضات الضمنيّة (الأساليب المعرفيّة) ، المشتركة بين أغلب أعضاء الجماعة ، تتكوّن نتيجة التفاعل الفريد بين العقليّات الفرديّة والخبرات الواقعية والفكريّة الجمعيّة ضمن سياق اجتماعي ثقافي تاريخي معيّن ، والحاكمة على فهم الجماعة للعالم والذات والآخرين . وبناءً على هذا التحديد ، لاستكشاف العقليّة الجمعيّة ، يجب توظيف عدد كبير من المناهج والأدوات والآليّات البحثيّة : مقاييس التفكير وأساليب التفكير / تحليل مضمون وخطاب النظم المعرفيّة الفكريّة / تحليل المنتجات الفكريّة الدينيّة والفلسفيّة والأدبيّة والفنيّة / تحليل البنية الاجتماعية الاقتصادية التاريخية للمجتمع . وذلك يستدعي – بالضرورة - ابتكار أساليب ووسائل جديدة ، إذ إن الوسائل المتاحة – كما يعتقد الباحث – لا تفي بمتطلبات بحث من هذا النوع .
الشخصيّة Collective , Social , Group , National , or Cultural Personality " الشخصيّة " بُنية افتراضيّة تشير إلى تنظيم دينامي كلّي يستقطب الخصائص المتنوّعة للفرد ، مُنتِجاً فرادته ، ومؤثراً في تفكيره ومشاعره وسلوكه . وقد طُرِحَت – ولا زالت تُطرَح - العديد من النظريّات الوصفيّة والتفسيريّة لهذه البنية ، التي التقت عند بعض التوكيدات ، واختلفت عند أخرى ، تبعاً لمحور التركيز والخلفيّة النظريّة والنتائج البحثيّة . وفي ثلاثينات القرن العشرين ، بدأت تنبثق تساؤلات عن مدى إمكانيّة افتراض وجود بنية كهذه للجماعة ، مع تزايد الحركات الاجتماعيّة والثورات والحروب الكارثيّة ، وتأسيس علم النفس الاجتماعي والأنثروبولوجيا النفسيّة والنظريّة النقديّة ، مما أدى إلى تطوير " مدرسة الثقافة والشخصيّة " أو " الأنثروبولوجيا النفسيّة " التي سعت إلى توظيف النظريّة الفرويديّة في دراسة الثقافات البدائيّة والحديثة ، كما أدى – في الوقت ذاته – إلى تطوير إريك فروم لنظريّته " الماركس – فرويديّة : الخوف من الحريّة " ، وصياغته الدقيقة لمفهوم " الشخصيّة الاجتماعيّة " . فقُدِّمت – في هذا السياق – نظريّات عديدة ، اشتقّت من دراسة جماعات متنوّعة ، اشترك في بنائها العديد من علماء الاجتماع والأنثروبولوجيين والمؤرّخين وعلماء النفس الاجتماعيّين ، منها : نظريّة عبقريّة الثقافة ونظريّة الرؤية العالميّة ونظريّة جوهر الثقافة ونظريّة ثيمات الثقافة ونظريّة بنية الشخصيّة الأساسيّة ونظريّة الشخصيّة المنواليّة ونظريّة الطابع الوطني ونظريّة الشخصيّة الاجتماعيّة . ومن خلال تأمّل هذه النظريّات التي تنوّعت في تحديد الثيمة المركزيّة في الشخصيّة الاجتماعيّة (البنية اللغوية والمنطقيّة / الاعتقادات الفلسفيّة / الخبرة الانفعاليّة / القيم والاتجاهات / السمات المركزيّة / السمات السائدة / الأبنية النفسيّة الداخليّة) ، يمكن صياغة التعريف التالي للشخصيّة الاجتماعيّة : الشخصيّة الاجتماعيّة Social Personality : بٌنية منظّمة وديناميّة من الخصائص الجوهريّة (المعرفية – الانفعاليّة) الثابتة نسبيّاً لدى أغلب أفراد المجتمع ، تتكوّن نتيجة التفاعل الفريد بين الشخصيّات الفرديّة والبيئة الطبيعيّة والخبرات الجمعيّة ضمن سياق اجتماعي ثقافي تاريخي ، تؤثّر بشكل فريد على تفكير ومشاعر ودافعيّة وسلوك أغلب أفراد المجتمع في المواقف المختلفة . وقد وظّفت هذه النظريّات جملة من المناهج والأدوات والآليّات البحثيّة لاستكشاف الشخصيّة الاجتماعيّة : الملاحظة العلميّة / تحليل السِيَر الشخصيّة / تفسير الأحلام / مقاييس الشخصيّة : التقرير الذاتي والاختبارات الاسقاطيّة / تحليل الآداب والفنون والممارسات الشعبيّة / تحليل التوجّهات الدينيّة والفكريّة والأدبيّة والفنيّة / تحليل الاتجاهات الاجتماعيّة والسياسيّة / تحليل البنية الاجتماعية الاقتصادية التاريخية للمجتمع .
الهويّة Collective , Social , or Cultural Identity طرح مفهوم " الهويّة " – على المستوى الفردي – في الفلسفة منذ تأسيسها ، واكتسب تحديده العلمي ، مترادفاً مع مفهوم الذات تارة ، ومتمايزاً عنه تارة أخرى ، في علم الاجتماع (وبشكل خاص مع التفاعليّة الرمزيّة : ميد وكولي) وعلم النفس (وبشكل خاص عند أريكسون) ، ليشير إلى " إدراك الفرد الإجمالي لذاته الفريدة ، واستمرايتها عبر التغيرات الحياتيّة ، وخصائصها وأهدافها وإمكانيّاتها وحدودها المميّزة ، وموقعها ضمن السياق الاجتماعي " ، أو بتعبير آخر " ما يقع جواباً لسؤال : من أنا ؟ " . وضمن هذا السياق التنظيري والبحثي ، خاض المفهوم صراعاته الفلسفيّة والعلميّة المتعددة ، حتى كاد يستقر مؤخراً ضمن مفهمة أريكسون ومارسيا . ومع انبثاق المفهوم – أو بعده بقليل – طرح مفهوم " الذات الاجتماعيّة " ، إلا أنه لم يتبلور في صياغة مفهوميّة واضحة تحت عنوان " الهويّة الاجتماعيّة " حتى تكامل تنظير Tajfel ، والذي – بعد سلسلة طويلة من الدراسات التجريبيّة – عرّف " الهويّة الاجتماعيّة " على إنها ذلك الجزء من مفهوم الذات للفرد ، النابع من وعيه بكونه عضواً في جماعة أو جماعات ، مضافة إليه الاعتبارات القيمية والانفعالية التي تحال إلى تلك العضوية . وأشار إلى أنها تتألف من تلك الجوانب من صورة الذات التي تشتق من الفئات الاجتماعية التي يدرك الفرد انه منتم إليها . فالأفراد يكافحون للمحافظة على تعزيز وتقدير الذات الخاصة بهم ، ويكافحون من اجل مفهوم ذات ايجابي ، والجماعات أو الفئات الاجتماعية والعضوية فيها ترتبط بالقيم الايجابية والسلبية المتضمنة ، فالهوية الاجتماعية ربما تكون ايجابية أو سلبية تبعاً للتقييمات الاجتماعية داخل وبين الجماعات لهذه الجماعات التي تسهم في الهوية الاجتماعية للفرد ، وتقييمات الفرد لجماعته محددة بالرجوع إلى جماعات أخرى معينة خلال مقارنات اجتماعية ، وبتعبير آخر، يكافح الفرد لانجاز أو للحفاظ على هوية اجتماعية ايجابية ، وهذه الهوية تعتمد إلى حد بعيد على المقارنات التي تجري بين الجماعة الداخلية والجماعة الخارجية المناسبة ، فالداخلية يجب أن تدرك على أنها متمايزة أو مستقلة ايجابياً عن الجماعات الخارجية ، وعندما تكون الهوية الاجتماعية غير مُرضية فان الأفراد سيكافحون أما لترك جماعتهم الحالية والالتحاق بأخرى مميزة ايجابياً أكثر أو إيجاد أو جعل جماعتهم أكثر تميزاً ايجابياً . وهي ليست بنية ستاتيكية مغلقة أحادية ، تعمل على المستوى المطلق من الحضور أو الغياب ، وإنما بنية ديناميكية منفتحة متعددة الأبعاد ، تتصف بالمرونة والتلقائية والنسبية على صعيد الحركة في الواقع السايكوسوسيولوجي ، فهي آلية دافعية - معرفية- اجتماعية تكيفية تسهم في تحقيق الأمن النفسي والاستقرار الانفعالي للإنسان من خلال تعزيز شعوره بالمكانة والاحترام والكرامة ، المنبثق من إيجاد صورة الذات الايجابية ومفهوم الذات الايجابي . وبعد ذلك ، طرح Turner نظرية تصنيف الذات كتطوير وتعميق لنظرية الهوية الاجتماعية . فبينما تعمل نظرية الهوية الاجتماعية على تحليل الصراع والتغير الاجتماعي والتركيز على حاجة الأفراد إلى التميز الايجابي لجماعتهم الداخلية بمقارنتها بالجماعة الخارجية لتحقيق هوية اجتماعية ايجابية، تعمل نظرية تصنيف الذات على وضع تفسير مفصل للأساس الاجتماعي المعرفي لعضوية الجماعة، أي تولي التصنيف اهتماماً أكثر من دوافع تقدير الذات أو أبنية المعتقد الاجتماعي ، فهي لم تعرف السلوك بين الجماعات والسلوك بين الأفراد على أنهما طرفان في متصل واحد، وإنما بينت إن الهوية الاجتماعية والشخصية تمثلان مستويين مختلفين من تصنيف الذات، وان البروز النسبي للمستويين هو الذي يحدد الدرجة التي يكون فيها السلوك معبر عن فروق فردية او تشابهات جمعية. فيقول Turner : " نظرية الهوية الاجتماعية تحليل موجه لتفسير التمييز بين الجماعات عند غياب صراع المصالح، وفرضيتها المركزية دافعية أو دافعية- معرفية مفادها: إن الأفراد يبحثون عن تميز جماعتهم ايجابياً عن الآخرين لإيجاد هوية اجتماعية ايجابية، بينما نظرية تصنيف الذات لا تعمل على تفسير نوع محدد من السلوك الجماعي وإنما كيف يكون الأفراد قادرين على العمل كجماعة ككل، وفرضيتها الأساسية معرفية أو معرفية- اجتماعية، فهي توسعة لطبيعة الهوية الاجتماعية كمستوى تنظيمي أعلى من التجريد في إدراك الذات والآخرين، فهي أكثر عمومية من نظرية الهوية الاجتماعية " . وقد درست الهويّة الاجتماعيّة تجريبياً في الجماعات الصغيرة ، وفي الجماعات الكبيرة – والجماعات الصغيرة كذلك - تم استدماج استبصارات النتائج التجريبيّة في تطوير نماذج ومقاييس لفظية تقريريّة لقياس الهويات الاجتماعيّة (الاثنيّة والدينيّة والوطنيّة ...) في دراسات ارتباطيّة .
الإشكاليّات الفلسفيّة والنظريّة والمنهجيّة " هل يوجد – بالأساس – عقل جمعي أو شخصيّة اجتماعيّة أو هويّة اجتماعيّة ؟ " سؤال فلسفي أساس ، لا زالت الإجابات عليه بالإيجاب غير قاطعة ، ومع افتراض قطعيتها ، ينبثق السؤال النظري : " ما هي الحدود البنائية للعقل الجمعي أو الشخصيّة الاجتماعيّة أو الهويّة الاجتماعيّة ؟ " ، وبعد تحديد الحدود النظريّة ، ينبثق السؤال المنهجي : " كيف يمكن دراسة هذه المتغيرات ؟ " . وإزاء هذه التساؤلات الإشكاليّة تتنوّع مقاربات هذه المفاهيم الفلسفية والنظريّة والمنهجيّة ، وتتفاوت تلك المقاربات بتفاوت المفاهيم ، فالعقل الجمعي أكثر إشكاليّة ومراوغة وبُعداً عن الاستقرار المفاهيمي ، فضلاً عن الإجرائي ، يليه الشخصيّة الاجتماعية ، حتى ننتهي عند الهويّة الاجتماعية ، الأكثر استقراراً مفاهيمياً وإجرائياً . وأول - وأهم - إشكاليات البحث في العقليّة والشخصيّة والهويّة العراقيّة هو إغفاله لتلك الإشكاليّات الفلسفيّة والنظريّة والمنهجيّة ، وتعامله مع تلك المفاهيم بطريقة بدائيّة تبسيطيّة . ولذلك لا نجد – على الرغم من التواجد الطوفاني للكتابات عن هذه المتغيرات - دراسات مستجمعة للشروط العلميّة الضروريّة لبحث هذه المتغيرات ، سوى محاولات نادرة جداً . ولا يمكن إنتاج دراسات مستجمعة للشروط العلميّة الضروريّة إلا بالاشتغال ضمن مشروع أو توجّه فكري يعتمد المعايير الآتية : • الجديّة والصرامة العلميّة : يجب أن يرتكز الإنتاج البحثي على أرضيّة سايكوسوسيولوجيّة ترتبط بماهيّة الدافعيّة المبدئيّة والالتزام الأخلاقي الإنساني العلمي للممارسين لعمليّة البحث ، فما لم تكن الدافعيّة جوهريّة منبثقة من الحاجة للفهم والشغف المعرفي ، مشفوعة باهتمام اجتماعي أصيل ، والتزام عميق بالقيم الأكاديمية العقلانية النقديّة ، سيسقط البحث – بلا شك – في مساحات الاستهلاك الإعلامي والمجاملات السياسيّة ، وسيفقد – بالضرورة – لطابعه الكشفي التنويري . • التعدديّة التنظيريّة : لا يمكن اختزال هذه المفاهيم المعقّدة ضمن الرؤى التنظيريّة لمجال معرفي محدد ، إذ تتطلّب تنظيرات عابرة للتخصصات ، مما يستدعي تشارك باحثين من علم النفس والتاريخ وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والأنثروبولوجي والفلسفة والأدب والفن ، بتنوعاتها المختلفة ، ومتخصصين في المنهج والقياس ، كل واحد متمكّن من اختصاصه ، وملم بمفاهيم وأبحاث المجالات الأخرى ، يعملون – سوياً – على استيعاب الإشكاليات الفلسفيّة والتنظيريّة ، وتحديد الفضاء الدلالي لهذه المفاهيم بدقّة . • التعدديّة الإجرائيّة : لا يمكن دراسة هذه المفاهيم بمنهجيّات وتقنيات محدودة ، وإنما يجب توظيف تشكيلّة من المنهجيّات والتقنيات والأدوات ، وفق بناء منظّم مشتق من الاشتغال التنظيري : المنهج التجريبي والارتباطي ودراسة الحالة وتحليل الخطاب / مقاييس التفكير وأساليب التفكير / مقاييس الشخصيّة : التقرير الذاتي والاختبارات الاسقاطيّة / مقاييس الهويّة / الملاحظة العلميّة / تحليل السِيَر الشخصيّة / تفسير الأحلام / تحليل الآداب والفنون والممارسات الشعبيّة / تحليل مضمون النظم المعرفيّة الفكريّة / تحليل المنتجات الفكريّة الدينيّة والفلسفيّة والأدبيّة والفنيّة / تحليل التوجّهات الدينيّة والفكريّة والأدبيّة والفنيّة / تحليل الاتجاهات الاجتماعيّة والسياسيّة / تحليل البنية الاجتماعية الاقتصادية التاريخية للمجتمع . • التراكميّة : لا يمكن إطلاق التعميمات من خلال دراسات محدودة ، وإنما بعد جملة متراكمة من الدراسات المتنوّعة ، التي تتناول المكوّنات الأساسيّة والتفصيليّة لأبعاد هذه المفاهيم ، وإخضاعها لتحليلات نقديّة بعديّة وتأويليّة دقيقة .
#لؤي_خزعل_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة مُراد : انحدار قيمي أم نزوع تعويضي
-
الاحتجاج العراقي والذاكرة العراقيّة الجمعيّة
-
الجَدَل المَذهَبي : قضيّة علميّة أم قضيّة نفسيّة اجتماعيّة ؟
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|