|
كلّما ضاجع نصّ قصيدة حبلت الورقة
حسيبة حرابي
الحوار المتمدن-العدد: 4059 - 2013 / 4 / 11 - 22:42
المحور:
الادب والفن
لست شاعرة لكنّني أسقط أحيانا كثمرة فاسدة على الورقة ... لست شاعرة فالرّبّ لم يمتلك يوما الجرأة ليصطفي نبيّة ... فلماذا قد يكون عليّ أن أصير شاعرة ... أنا لم أكن يوما مهيّأة للذّبح ... و لم أعقد يوما مشنقة في سقف قصيدة ... لست شاعرة فكيف أفلح في سدّ فراغات الخانات بلظى الأسئلة ... لست شاعرة فكيف أنجح في ارجاء اشتهائي حتّى تتمّ الرّياح حكاياتها للأشرعة ... لست شاعرة و لا أخشى الحرف اللّعوب و لا أخاف طمي المفردات... و لكنّني أظلّ محايدة ... لست شاعرة فعلى شفتيّ تتفتّح دناني شبقا ... و على نهديّ تبتلع الألوان صوتها هوسا... أرهقتني المراثي و تقيّأت البراكين الخاملة ... لست شاعرة فشمس الرّبيع تخطئني غالبا و أنا أخطئ درب القبيلة دائما ... لا حاجة لي الى ضلع يأويني و لا الى وجه يلبسني حتّى أدرك الشّهقة الأخيرة ... فأنا لست شاعرة ... الأوردة التي تنبح تشتهيك ... و أنا التي أغذّي الجدار بملامحك ترسّبت في قعر الذّاكرة أعرّي العين من بريقها و أحصي بقيّة الرّماد في المنفضة ... لست شاعرة ... فكيف أصف المجداف حين يغتسل كلّ مرّة رغما عن الأصداف ... و كيف أحدّث عن الطّين الذي بلغ ركاب الفرس ... و عن ملح الموج الذي لا يسمن الفراشات اللّيل ألدك من تجاويف معجمي نصّا قاحلا من مجاز ... فأنا لست شاعرة و شصّ صنّارتي لا يصيد تفّاحا و لا برتقالا ... لم أكن يوما شاعرة ... فاصبعي لم يهتد الى فمي حين افتقدت ثدي أمّي ... و ظللت على ظمئي و فطرت على شتم الغايات ... لم أكن يوما شاعرة فأنا أشطب جملي كلّما أفصحت عن راحي و قدحي ... و القدح من شيم الشّعراء ... أتفصّى منّي و أدّعي الطّهارة ... و هذا العمر الذي يمضي بين ربقة ستر البكارة و تعويذة اللّيل و جمجمة الحكايات ... أطرد بهمّة وجهك عن راحي و السّؤال ... هي ذي روحي خاوية فسبّح باسم فراغي الأجوف ... لم أكن يوما شاعرة فأنا أتجشّأ تخمة التّفاصيل و أعاقر القلم بمجون ... بوهج من يصدّق برزخ العبور الى الجنّة لست شاعرة ... لم أكن يوما شاعرة ... لن أكون مطلقا شاعرة ... و لن أحدّث عن الجواد الذي خان مضمار السّباق ... و معه عرج السّاق صار الانتصار ...لن أكون شاعرة و لن أحدّث عن ذلك العصفور الذي حطّ على سلك الهاتف يرقب خطوات فتاة بين المقبرة و المكتبة ... فالهواتف تنصّلت من الأسلاك ... و العصفور اعتزل الشهادة على حذاء الفتاة و الحصى ... لن أكون شاعرة و لن أحدّث عن صبّار التّين الشّوكيّ يحصي همسات طفلة على درب المدرسة صباحا ... فالأسوار أقامت هامتها على أنقاض جذور الصّبّار المكابر. لن أصير يوما شاعرة ... لكنّ الخيال حين يعربد تصير كلّ الجمل قصائد ... و يعرف كيف يتذوّق الكلام حتّى من به عمى الألوان ... حين يعربد الخيال تتشبّث روحي بحقّها في البكاء و تستأنس بدويّ السّحاب ... و أردّد... سلام عليك و سلام علي يديك و سلام على خطوط كفّيك...و سلام عليّ عودة على بدء الانتشاء ... اللّعب بالماء و الطّين ... الطّين كالنّبيذ بريء ... الطّين لا يعلق بتاريخ لا يمّحي ... الطّين يجلوه الماء ... حين أشتهيني حشرجة ظبية تتأوّه مقيّدة أجيد اختيار أشجاني ... أشجاني أرصّفها ... أرتّبها ... أنضّدها ... فأسدّ بها خروم الأرق كلّ ظلام أنا ... كرنفال من وهم يصدّق حلما يعده بالرّكام ... أرتدي فتنة الزّنبق ... أتحدّى اليباب بكاف تشبيه و بمعجزة ... أغزل ذيل اللّيل ترياقا للنّسيان هو ذا شهر نيسان يهب الأمنيات ... يرأف بالحصون ... يشفق على صمت المدينة ... يقطّب وريدها النّازف بنفس الأغنيات القديمة ... لن أصير شاعرة... فأنا بعد أعجز أمام اسمك ... اسمك لذي يرفض أن يكون مجرّد اسم كبقيّة الأسماء ... اسمك الذي يستبدّ أعمق فأتعثّر بحروفه ... لن أصير شاعرة ... فاللاّفتة عند المفترق مازالت لا تدلّ الاّ عليك يوما ما قد أملأ فمي باليقين و الرّمال و التّراتيل ... تلك الأيّام المعتّقة تمور في الشّريان تطفو لتذكّرني باعصار و بدايات ... أمّا اليوم فجدران بيتي تمرّدت و نزحت الى الصّحراء ... و الكثيب ينسى دائما أقصر الطّرقات الى الموج أغيّر أنهج وجهي ... أختار لنفسي مكانا بالمقبرة ... أتخيّر في الغبن منزلة ترضيني ... هناك تزورني الفكرة مبتلّة عارية ... لكنّني لا أصير شاعرة ... سيجارتي أزرع دخانها في دمي حروفا فتورق خيبة و ألف غصّة ... و هناك غير بعيد عن هنا هذا الأنا يتصيّد سكينتي يحترف اسدال السّتار ... يخترق المعاهدات ثمّ يبصق على السّماء الحرباء تنتقي أجمل أثوابها و اللّعنة ترصّف أحجارها ... تعتصر آخر الغيمات الظّمآى لتريق عليّ ما بقي فيها من ماء كالأطفال أشتهي أن أراك ... كالأطفال أحلم بكفّك ... كالأطفال أحتاجك لأبكي ... و كالأطفال أيضا أخشاك كلّ ما فيّ ملامح تنبئ بالشّفقة... و الجملة الأولى في النّصّ كعود حطب ... كضفّة نهر ... كعتبة بيت أنبش التّراب في ذات المكان القديم ... أوقد نارا و أتعلّم كيف أتقن نحت الأشكال ... لعلّي ذات يوم أصير شاعرة
#حسيبة_حرابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|