أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي الدرويش - الفن السيبرنيطيقي بين البعد الايديولوجي والممارسة التقنية















المزيد.....

الفن السيبرنيطيقي بين البعد الايديولوجي والممارسة التقنية


محمد علي الدرويش

الحوار المتمدن-العدد: 4057 - 2013 / 4 / 9 - 09:17
المحور: الادب والفن
    


لقد انطلقت "سيلين لافونتان « Céline Lafontaine » في مقدمة كتابها الإمبراطورية السيبرنيطيقة من عملية تشبيه بسيطة حاولت من خلالها تفسير تقدم العلوم التكنولوجية و الرقمية و الانتشار الهائل للآلات الحاسبة (الحاسوب) وموازاتها بانتشار الإمبراطورية ، مبرزة تحول العلوم إلى سبب في بروز عالم جديد لا يحتكم إلى الحدود على مستوى التبادل المعلوماتي و الاتصال و التواصل . و لقد اعتبرت لافونتان ان الطفرة النوعية للتطور التقني و العلمي التي يشهدها العالم ساهمت بشكل كبير في انتشار و تغلغل مفهوم و تقنية السيبرنيطيقا ، خاصة في ظل الانتشار الهائل للآلة ، والتي ساهمت في انفتاح كبير بين الانسان و الحيوان و الآلة على مستوى الاتصال والتواصل . انفتاح يقصي الحدود بينهم و يؤسس لحياة خالدة على حد تعبيرها حيث تقول في سياق الحديث " عالم افضل اين الانسانية أخيرا تستطيع تقنيا بلوغ الخلود"[1].

هذا التشبيه يؤسس لفلسفة اصبحت تحكم جميع مجالات الفكر الإنساني و عمله و تقوده نحو البحث عن انماط للعيش تضمن اتصالا و تواصلا نمطيا. و هو ما اسس له الفكر السيبرنيطيقي الذي ظهرت بوادره مع الفلسفة الافلاطونية ، التي من خلالها عرف "افلاطون" السيبرنيطيقا او السبرانية بعلم القيادة و التحكم و التوجيه. و ويعود المفهوم في اللاتينية إلى (kabernesis) و تعني اصطلاحا فعل التحكم في فن الملاحة أي فن قيادة السفن.
لكن الكلمة إكتسبت صيغة مغايرة بعد ظهورها الأول في المجال العلمي على يد الفيزيائي وعالم الرياضيات امبير (Ampir)[2] ، من حيث إتخذت شكل المقاربة الرياضية التي تبحث في آليات التحكم و التوجيه . و في سنة 1948 وبعد قرابة المئة سنة من نظريات أمبير ، قدم عالم الرياضيات نوبرت فينر[3] نظرياته التي تقوم على دراسة نظم الإدراك والتحكّم ، سواءَ في الآلاتِ المصنَّعَةِ أو في الكائناتِ الحيَّة، كآليَّة ثبات درجة حرارة الجسم ، أو تنسيق الحركات مع الحواس ، و دراسة عمليَّات الاتِّصال أو تلقِّي المعلومات وتخزينِها ومعالجتِها وتبادلها وعمليَّات التحكُّم، أي إستخدام المعلومات في توجيه عمل منظومةٍ معيَّنة آلية كانت أو حيّة.

هذه هي حقيقة الامبراطورية السيبرنيطقية التي تحدثت عنها سيلين لافونتان و التي تغلغلت في أوساط المجتمعات الانسانية ، و انتشرت على نطاق اوسع و انتقلت بين العلوم و من مجال لآخر باحثة عن مردودية قصوى في تبادل المعلومة و مراقبتها و حفضها . و المقصود بالمعلومة ذلك المزيج الدقيق من تقنيات الالكترونيات الدقيقة و تقنيات الحواسيب ، والتي يمكن تشبيهها بالقلب و الدم في الجسم فلا حياة بدونهما.
بالتالي تحولت السيبرنيطيقا إلى تقنيية العصر و اللحظة الآنية خاصة و أن ظهورها إتخذ نسقا تدريجيا تصاعديا و من خلال ما وفرته من فتح لآفاق جديدة للبحث نظرا لما اتخذته من من صيغ النظريات و الدراسات والتطبيقات التي تعنى بالتقبل، الحفظ و التحويل المعلوماتي ، و التي فتحت بدورها آفاقا أرحب أمام الفان بإنتقال التقنية لمجال الفنون و لتصير اداة فاعلة و واعزا للفعل التشكيلي ولمجال التجريب الفني.
تزاوج العلمي النظري و الإيديولوجي بالتقني تحول إلى أرضية للفنانين ليتخذوا السيبرنيطيقا اداة وتقنية و خطابا فنيا ، من حيث مثّل الفن السيبرنيطيقي اهم هذه التيارات التي اعتمدت التقنية و حاول روادها ملامسة أبعادها من خلال تقديم محاورات قائمة على التبادل المعلوماتي بين الفضاء و الاثر الفني ، و التي مثلت من اهم نظريات "نيكولا شوفر" التي قامت على الانسجام الحركي و الديناميكي بين منحوتاته و الحيز المكاني الذي يحويها ، و أيضا على التفاعل الديناميكي مع ديناميكية الجسد البشري و حركاته.
فكغيره و كباقي تيارات ما بعد الحداثة و المعاصرة اتخذ الفن السيبرنيطيقي أو السبراني منهجا تحاوريا في طريقة تعامله مع المواد ومع المفهوم وفضاء العرض، و بحث على رؤية خاصة تقوم على التفاعل بين الاثر و المكان و الزمان. و تندرج فحوى هذه الممارسة و النظريات في سياق ما شهده الفن المعاصر من ظهور محاولات جريئة في التعامل و في تغيير وجهة النظر في ما يخص الفضاء . و من ابرز الامثلة على ذلك ظهور فن التنصيبة و الذي إعتمد طريقة تقديم تقوم على التدخل على فضاء العرض و إدماجه ليكون جزءا لا يتجزأ و يتخذ بعدا تكامليا من العمل الفني ، بحيث يتحول الفضاء إلى عمل وفعل ممارساتي ابداعي في حد ذاته وليس فضاءا وظيفيا فقط.
في نفس السياق نذكر فن الاداء او فن التجلى (performance) وهو نشاط استعراضي يقوم على تغيير الفكرة بحركة . و يجمع فن الاداء فنون عديدة كالرقص ، المسرح ، الموسيقى ، النحت والرسم كآليات تعبيرية . اما على مستوى الفضاء فإنه يلعب دورا هاما من خلال دوره الفاعل في استكمال المشهد الادائي . و ذلك بتاثيثه ليستوعب المؤثرات الصوتية و المرئية . بهذا يصبح الفضاء ذو وظيفة تكميلية للوحة الادائية.

كباقي الفنون فان الفن السيبرنيطيقي بحث عن التميز برؤية خاصة تقوم على مردودية الفضاء و مكوناته الطبيعية (الغير مدمجة) لتلعب دورا اساسيا في بنائية العمل الفني . ولكن قبل الخوض في خصوصيات هذا التيار وجب الوقوف لتقديم تعريف للفن السيبرنيطيقي .
هنا نريد صياغة ملاحظة تتمثل في عدم وجود تعريف واضح حول الفن السيبرنيطيقي و ذلك نظرا لإدماج هذا الفن مع الفن الحركي او للتقارب الكبير بينهما . ولكن سنحاول تلخيص ما تعرضنا له في بعض القراءات و التي تعرف الفن السيبرنيطيقي على انه نزعة فنية ظهرت في أواخر الاربعينات من القرن العشرين و تقوم على إعتماد السيبرنيطقا كتقنية .
تقوم أهداف هذا الفن على رسم علاقة بين الاثر الفني و الحيز المكاني معتمدة في ذلك على التبدل المعلوماتي بين المنحوتات أو الأبراج او التنصيبات و الحركة و الضوء و الصوت . و يقوم الفن السيبرنيطيقي أو السبراني كتسمية أخرى على الحاسوب و الماكينات لتحقيق رؤى رواده . و يلعب الحاسوب الدور الأهم في هذا التيارالفني الذي بلغ الامر بإعتباره من فنون الحاسوب أين يقول "سيمون دينر" (Simon Diner) في تعريفه للفن السيبرنيطيقي :
"في الواقع و بصراحة القول ، فان استعمال مصطلح الفن السيبرنيطيقي لا يمكن تمييزه و فصله عن فن الحاسوب او الفن المنشأ عبر الحاسوب . وهو ما يمكنه ان يكون مبررا للقول بان الكمبيوتر يلعب دور الصندوق الأسود"[4]
بالإضافة إلى ذلك ، فان الفن السيبرنيطيقي تميز بجمعه بين ما وفرته التكنولوجيات الرقمية و التطورات الميكانينية من ماكينات و محركات و الآت تحكم هي الحاسوب . فهو يتجذر من علوم السيبرنيطيقا و يحافظ على نفس وظائفها باعتبارها تتلخص في البحث عن التواصل والمراقبة لضمان السيطرة على الطبيعة الإنسانية وعالمها الخارجي او ما يعني بتقنية سياسة التحكم الناجح والفعال والتام .
ان الفلسفة التي تستند إليها علوم السيرنيطيقا وفنونها تكمن في تلك الفرضية القائلة بان المعرفة سلعة او بضاعة يمكن خزنها داخل الاجهزة ومن ثم الاستفادة منها بطريقة واقعية وعملية . وبهذه الطريقة يمكن اقامة شبكات وانظمة خبيرة تؤسس على قاعدة البيانات وعلى تفاعلها ومعالجتها ، ويتم ذلك من خلال ما عرف بعد ذلك بالذكاء الصناعي [5].
لقد بحث الفن السيبرنيطيقي عن محاورة فلسفية إيكولوجية تقوم على "ديالكتيك" الأثر الفني مع محيط عرضه او بالأخص حيزه المكاني ، و كأنه يبحث عن إعادة نظر في هذا الاخير في علاقته بالممارسة التشكيلية في إطار التطورات "التكنوتقنية" و"التكنوميكانيكية" التي طرحها فنانوا السيبرنيطقا .
هذا ما يدعونا الى طرح تساؤل حول الامكانات التي طرحها فنانوا التييار السيبرنيطيقي حول الاليات المعتمدة في هذه المحاورات ؟ ومدى تحقيق هذا الفن التمازج بين هاته التقنيات؟ و كيفية تاسيسهم لايكولوجية (بمعنى الاستعارة)فنية بين الفضاء و مكوناته؟



[1] Céline Lafontaine : l’empire cybernétique, des machines à penser à la pensée machine. édition du SEUIL p 13
« Bref, un monde meilleur ou l’humanité peut enfin espérer atteindre techniquement l’immortalité »


[2] : André-Marie Ampère, né à Lyon le 20 janvier 1775 et mort à Marseille le 10 juin 1836, est un mathématicien et physicien français. Il inventa le premier télégraphe électrique et, avec François Arago, l électroaimant, et il énonça en 1827 la théorie de l électromagnétisme..

[3] : Norbert Wiener (né le 26 novembre 1894 à Columbia, Missouri, États-Unis, mort le 18 mars 1964 à Stockholm, Suède) est un mathématicien américain, théoricien et chercheur en mathématiques appliquées, connu, entre autres, pour être le fondateur de
la Cybernétique.
Il fut un pionnier dans l étude de la stochastique et du bruit, contribuant ainsi par ses travaux à l électrotechnique, les télécommunications et les systèmes de contrôle. Wiener est aussi le fondateur de la cybernétique, une science qui formalise la notion de feedback (rétroaction) et a des implications dans les domaines de l ingénierie, des contrôles de système, l informatique, la biologie, la psychologie, la philosophie et l organisation de la société.
site web ; http://fr.wikipedia.org/wiki/Norbert_Wiener

[4] : Simon Diner : Art et cybernétique Eloge du simulacre: Flammarion 2005 p95
" A vrai dire l’emploi du terme d’art cybernétique ne se distingue souvent pas de celui de computer art, art créé par ordinateur. Ce qui pourrait parfois se justifier en arguant que l’ordinateur joue un rôle de boîte noire."

[5] جون فرانسوا رورتيه – ترجمة د. جورج كثورة : معجم العلوم الانسانية –المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر1998 ص 427
الذكا ء الاصطناعي. Intelligence artificielle: "لم يحظ الذكاء بتعريف عليه اجماع ، كذلك لا يمكن بسهولة التوصل الى تحديد الذكاء الاصطناعي . فلنقل ببساطة ان اللامر يتعلق بمجال المعلوماتية الذي يحرص على بناء برامج تنسخ سلوكات بشرية " بالذكاء" مثل تحليل محيط و حل المسائل و اتخاذ الفرارات.



#محمد_علي_الدرويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن السيبرنيطيقي بين البعد الايديولوجي والممارسة التقنية


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علي الدرويش - الفن السيبرنيطيقي بين البعد الايديولوجي والممارسة التقنية