|
عن أقباط مصر
سميح مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 4057 - 2013 / 4 / 9 - 01:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مصر هي بلد الحضارة ، شهدت أرضها أرقى حضارة عرفتها الشعوب القديمة ، ارتبطت بالحضارة الإنسانية منذ عصور ما قبل التاريخ ، وتفاعلت مع غيرها من الحضارات الأخرى .
إنها أول دولة ظهرت في العالم كوحدة سياسية حول نهر النيل ، يمكن التعرف عليها من معالمها ومكنون اثارها الكثيرة التي ما زالت باقية حتى الان في الزمن المعيش.
ومصر هي بلد الفكر والحرية والثقافة والعلم والمواهب والفن الأصيل ، هي بلد أول جامعة عربية متكاملة في العصر الحديث ، وبلد أقدم ثاني سكة حديد تقام في العالم بعد بريطانيا ، وبلد أول دار للأوبرا في الدول العربية ، وبلد أول رواية عربية ، وأول فيلم سينمائي عربي ، وهي بلد أول "أمور" أخرى كثيرة دفعت الحياة بها إلى أفاق عديدة مزدحمة بالمشاغل والمظاهروالأفكارالعصرية. إنها بلد القبطي السياسي الكبير الراحل مكرم عبيد ، صاحب المقولة الشهيرة "نحن مسلمون وطناُ ونصارى ديناً ، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصاراً ، اللهم اجعلنا نحن نصارى لك وللوطن مسلمين " إنه الرجل الوحيد الشجاع الذي شيع جنازة الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين بجانب والده بعد أن منع البوليس السياسي وقتذاك مشاركة الرجال في الجنازة ، وهو نفسه الذي أصبح سكرتيراً لحزب الوفد الشهير خلفاً لسعد زغلول بعد موته .
وهو نفسه رجل مصر الكبير الذي يستبيح غلاة التطرف حالياً دماء أحفاده ومواطنيه من الأقباط ، بسبب معتقدهم الديني ، لأن دينهم غير دين الدولة .
مصر "هي أم الدنيا " أكبر من غلاة التدين ومتطرفيه ، وأكبر من غلاة التكفير، ممن يروجون إلى عدم التسامح وإقصاء الأخر وسفك الدماء ، وتقسيم الشعب الواحد إلى طوائف تتناحر وتتضاغن وتتقاتل .
ثمة مقولة تاريخية مفادها : " المسلمون والأقباط في مصر عرق واحد وليسوا عرقين وأمة واحدة وليست أمتين " وثمة شواهد ودلالات كثيرة تظهر أن محمد علي مؤسس مصر الحديثة قد ساهم في القضاء على التفرقة بين المسلمين والأقباط ، حقق المساواة التامة بينهم في الحقوق والواجبات ، وفي مرحلة لاحقة لزمنه تم تطبيق قانون الخدمة العسكرية على الأقباط وألغيت الجزية التي كانت مفروضة عليهم ، ودخلوا سلك الجيش والقضاء ، مما أدى إلى تمتعهم بالمواطنة الكاملة المتساوية مع إخوتهم المسلمين في عهد الخديوي اسماعيل في القرن التاسع عشر .
هكذا كان الأمر فيما مضى قبل عشرات العقود من السنين ، والأن تعود للأسف التفرقة على أساس الدين إلى مصر في زمن العلم الحديث والنور والقرية الكونية والانترنت واكتشاف الفضاء ، يطل غلاة الدين ، ويعملون بكل قوتهم على إرجاع عقارب الزمان إلى الوراء ، تأخذهم أفكارهم التكفيرية بعيدا ً عن كل ما هو إنساني وعقلاني .
المغامرة توفر لهم أجواء عنف وارهاب ، تخلق في الحياة المصرية نوعاً من التوتر ، تتوالى تداعياته بين الحين والحين في مشاهد مؤسفة غريبة تُسفك فيها دماء الأقباط ، ويعم السلب والنهب والتخريب والحرق لدور عبادتهم وبيوتهم ومتاجرهم وممتلكاتهم ... أحداث مؤلمة وجرائم طائفيةعنصرية بشعة يرفضها الضميرالإنساني والقانون وكل الاديان .
إن المطلوب في هذه المرحلة من التطورات السياسية في مصر ، هو إيقاف التمييز والتعصب والعنصرية ضد أقباط مصر قبل فوات الأوان ، بضمان كامل الحقوق التي يتمتع بها غيرهم من المسلمين، وضمان حقهم في العيش بسلام على أرض وطنهم وأجدادهم .
وهذا يستدعي التصدي لتوظيف الدين في الحياة السياسية المصرية ، لأن تسلطه من شأنه ان يؤدي إلى تطورات مأساوية خطيرة متسارعة ، ستترك بصماتها على مجريات الحياة لسنوات طويلة ، وتؤدي بالتالي إلى الدمار والخراب وانهيار الأمة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والإجتماعية .
من المؤسف والمحزن معاً ، أن تشهد مصر مع إطلالة العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تطورات تظهر فيها تيارات الإسلام السياسي ، حاملة لواء الغلو والقمع والقتل والغاء الأخر ، وعدم الإعتراف بشركاء الوطن والأرض والتراب ، وجعل المسلم هو المواطن من الدرجة الأولى ، والقبطي من الدرجة الثانية .
وفي هذا مخالفة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص على أن كل الناس سواسية أمام القانون ، ويعطي كل إنسان الحق في حماية متكافئة دون أي تفرقة ، حماية متساوية وفعالة ضد أي تمييز كان على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو غيره .
إن تعزيز حقوق الانسان المصري والعربي بشكل عام ، المسيحي والمسلم على حد سواء ، يكمن في إقامة الدولة المدنية، التي تقوم على السلام والتسامح والمساواة في الحقوق والواجبات، والتي يحكمها الدستور والقانون والمؤسسات المدنية ، وتكفل المواطنة المتساوية لجميع المواطنين بغض النظرعن منابتهم ومعتقداتهم .
إنها تعطي لكل مواطن فيها الحق في حرية الفكر والوجدان والدين ، ويشمل هذا الحق " حريته في إظهار دينه أومعتقده بالعبادة وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم ، بمفرده أومع جماعة."
لقد أثبتت التجارب الإنسانية في كثير من دول العالم ، أن الدولة المدنية قد لعبت دوراً حاسماً في تحقيق المصلحة العليا للمجتمعات المختلفة ، وهي وحدها القادرة على إلحاق الدول العربية بركب الحضارة المعاصرة ، إنها وحدها الهدف المنشود .
#سميح_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحييكم
-
الثورة الجزائرية في مرآة النفس والآخر
-
كتاب المهد العربي
-
حيفا ليست قرطبة
-
عبد عابدي : نصف قرن من الإبداع
-
شظايا مذكرات غير مكتملة
-
جزيرة في نهر سان لوران.
-
البحث عن الجذور
-
عيسى بُلاطه : ناقداً وأديبا ً
-
تراجيديا الهنود الحمر
-
التوثيق في الأعمال الإبداعية
-
امرأة منسية
-
فتاة الترومبون
-
ناجي علوش شاعراً ومفكراً
-
في ذكرى ناجي العلي ثانية
-
في ذكرى ناجي العلي
-
العرب لا يقرأون
-
كتاب - الإسلام وأصول الحكم - للشيخ علي عبد الرازق
-
رواية - الحاسة صفر - لأحمد أبو سليم
-
رواية فريدة للروائي نعيم قطان
المزيد.....
-
استفزه فضربه الآخر بكرسي.. مرشح لمنصب عمدة بالبرازيل يهاجم م
...
-
كاميرا ترصد لحظة القبض على المشتبه به في محاولة اغتيال ترامب
...
-
ترامب يعلن أنه سيتفاهم مع روسيا والصين إن فاز بالانتخابات
-
جزر الكناري تستقبل 500 مهاجر غير شرعي من جنسيات مختلفة خلال
...
-
إثيوبيا تصل قريبا للبحر الأحمر.. توتر جديد بالقرن الأفريقي؟
...
-
الصومال يوقع قانونا يلغي الاتفاقية بين إثيوبيا وجمهورية أرض
...
-
هل باتت الحرب بين إثيوبيا ومصر وشيكة؟
-
نصف سكان الأرض لا يتناولون ما يكفي من 7 عناصر غذائية هامة..
...
-
الجيش الإسرائيلي يعتقل 3 فلسطينيات بينهن زوجة القيادي الأسير
...
-
الدفاع الروسية تنشر فيديو لتطهير قرية حدودية من قوات كييف
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|