أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - أبحثُ عن ولدٍ ضائع














المزيد.....

أبحثُ عن ولدٍ ضائع


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4056 - 2013 / 4 / 8 - 21:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أبحثُ عن ولدٍ تاه في أزمة هذا الكون منذ كان صبيا:خرج منذ الصباح الباكرولم يعد..ثم عاد..ثم خرج وتاه مرة أخرى..ثم ذهب مع الذين ذهبوا ,وضاع مثل كل الذين ضاعوا من قبله,وأبحثُ عن طفل تاه في الزحام الشديد تاه وهو يصارع قوى الشر التي كان يظن بأنه سينتصرُ عليها,أبحثُ عن الولد الذي خرج من بيته ذاتٍ يومٍ حتى أصبح رجلا ضائعا وغاب عن أهله عدة سنين وحين رجع إليهم كان لونه قد تغير ووزنه قد تغير وجسمه بالكامل قد تغير فلذلك لم تعرفه أمه ولم يعرفه أبوه ولم يعرفه الجيران واستمر في قصة الضياع والبحث عن نفسه حتى أُثخن بالجراح, فالذين جرحوه كثيرٌ... والذين داسوا على كرامته أيضا كثيرون ولا يمكن أن يعدوا أو يحصوا,والذين أساءوا فهمه كثيرون والذين داسوا له على كل أطرافه كثيرون والذين يهددونه كثيرون والذين باعوه ثم اشتروه ثم باعوه ثم اشتروه أيضا كثيرون,هذه هي قصة الرجل الضائع الذي لم يجد إنسانا حتى اليوم يتعرف عليه ويرده إلى أهله.


أبحثُ عن شاعرٍ تاه بين بحور الشعر وربات الفنون السبعة وعن الفيلسوف الصغير الذي ضاع بين الكُتب والمكتبات,أبحثُ عن مُنظرٍ في علم الاجتماع اختلط عليه الحابل بالنابل,أبحثُ عن كاتبٍ أردنيٍ نثر حروفه في كل مكانٍ وترك بصماته فوق الأرض وتحت قبة السماء,أبحثُ عن اللص الذي سرق مني زهرة شبابي وأبحثُ عن الفاسد الذي أفسد حياتي وعن المجرم الذي أجرمَ في حقي, فيا أهل الخير دلوني عن الذي تقلد خطيتي وعن الفيلسوف الذي ضحك عليّ بكلماته وبنظرياته فالواقع الذي أعيشه يختلفُ كليا عن الواقع الذي قرأته في كُتب الفلاسفة والمؤرخين وعلماء الاجتماع.

أبحثُ في فصل الصيف عن فصل الشتاء وفي فصل الشتاء عن فصل الصيف,أبحثُ عمن تسبب في تغذية مخي وعقلي بالأشعار وبالكلمات الرنانة والطنانة تلك الكلمات التي لا يقع تحت تأثير سحرها إلا رجلٌ مثلي كله حساسية ومشاعر مرهفة الحس, أبحثُ عن الذي حفر في وجداني وعن الذي بحث في داخل أعماقي وأبحثُ عمن رمى في قلبي حجرا وفي بئر الدار حجرا مثله ,وكل العقلاء حتى اليوم لم يخرجوه من قلبي ومن البئر الذي يقع في قاع الدار, أبحث عن هند وليلى وإيمان ورباب وعزة وبلقيس الراوي وسارة العقاد ومي وجبران والرافعي ,وسارتر وسيمون, ونادين,أبحث عن سلامه موسى ومصطفى وهبي التل(عرار), أبحثُ عن كل هؤلاء الحمقى الذين ورطوني في الشعر وفي الثقافة,أبحثُ دائما عن إنسانٍ ضائع لم يجد الناس مثله وعن رجلٍ يُعد ظاهرة غريبة بين كل الظواهر...أبحثُ عن دائي ودوائي, أبحث عن كل هؤلاء المجانين أمثالي من الناس الذين ضاعوا وهم يلهثون خلف السراب, أبحثُ عن الذي في كل يومٍ يقتلني أكثر من ألف مرةٍ ومره...أبحثُ في مدينة الضياع والخراب عن إنسانٍ يحميني من قهر الزمان وعن زجاجة عطرٍ ووردة حب يهديني إياها عاشقٌ تعثر وهو في طريقه برجلٍ مثلي,أـبحثُ عن يومٍ أفرح فيه وأبحثُ عمن ينسى أنني رجلٌ كبير ويعاملني كما يعامل الأطفال ويضعني في خزانة الأكسجين مثل أطفال الخداج,أبحثُ عمن يعيد بناء الجدار الكبير الذي انهار في داخلي,أبحثُ عن وجهي الذي فقدتُ لونه من كثرة وقوفي تحت أشعة الشمس الحارقة,أبحثُ في مدينة الضياع عن إنسانٍ يحميني من الضياع ويخرجني من المتاهة التي أعيش فيها,أبحثُ عن نوع دمٍ يشبه دمي وعن لسانٍ مذاقه حلوٌ مثل لساني وفمٍ ثرثارٌ مثل فمي لا يكف عن الكلام ,أبحثُ عن رائحةٍ تشبه رائحة أمي وعن امرأة تشبه أمي وعن كل ما ضاع وما سيضيع مني,أبحثُ عن بيتي وعن مجدي الذي ضاع وتاريخي الذي لا يمكن أن ينسى,ذلك التاريخ مثله مثل الطريق التي حفرتها في الصخر بتلك يداي,أبحث عن ضوءٍ خافت ومصباح مملوء بالغبار وبمغارة دفنت فيها كل أسراري.

وأبحثُ بين النجوم وبين السماء عن ملاكٍ يحملني وليضعني عند أقدام الرب أمسح الغبارَ عن قدميه وألون له جبهته بالصلاة الدائمة خشوعا وأنا اذرفُ بالدموع تحت قدميه وعيناي مفتوحتان على مصراعيهما,أبحثُ عمن يكفكفُ لي دموعي بيديه أو بقطعة قماشٍ بالية ,أبحثُ في مدينة الضياع عن ديكٍ يوقظني منذ الصباح الباكر فالديوك هربت من مدينتي حتى الفراشات الجميلة لم نعد نراها منذ سنين خلت,أبحثُ عن طائرٍ يبني لي عشا فواق شجرة زيتونٍ رومية الزراعة والصناعة وعمن يوقظني من الأوهام التي أعيش فيها,أبحثُ عن إنسٍ أو جنٍ أو عفريت يجيبني على كل أسئلتي:من أنا ومن أين أتيتُ وإلى أين سأذهب؟,وأبحث عمن يفسر لي كل الظواهر الغبية في المجتمع الذي أعيش فيه وأبحثُ عمن يفسر لي معنى وجودي وهل من الواجب أو هل من المنطق أن آتي إلى هذه الدنيا في هذا الوقت أم أن مجيئي كان غلطة إلهية؟ أبحث عمن يضيء لي دربي وعمن يجعلُ مني شيئا يستفيدُ منه الناس أبحثُ في السماء عن إله يغفرُ لي ذنوبي ويحملُ عني أحمالي الثقيلة وعن إله يحبني مهما فعلتُ بنفسي ومهما ارتكبتُ من ذنوب, وأبحثُ في السماء وأتوه وأنا أنظر للقوافل التي تمرُ من تحت عيوني.. أبحثُ عمن ينقضني من الغرق وعمن يطفئ النار التي تحرقني في أحشائي,أبحثُ عن كسرة خبز يابسة وشربة ماءٍ باردة وأبحث عمن يجعلني أطير من الفرح وعمن يقتل الحزن الذي يعشش في داخلي.

أبحثُ في مدينة الضياع عن بيتٍ أجدُ نفسي فيه بالصدفة وعن سريرٍ دافئٍ مُعدٌ خصيصا للضائعين وللتائهين وللمحرومين من بركة السماء والأرض,وأبحث عن غيمة تروي التراب الذي أطأ عليه بقدمي,أبحث عمن يلون صفحتي وحياتي بشتى الألوان الزاهية وأبحثُ عن قميص أرتضيه لنفسي ومعطفٍ أرتدهِ من شدة البرد القارص,أبحثُ عن جسدي الذي صار يتمدد بالحرارة وينكمشُ بالبرودة.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحذية المصلين في المساجد
- الشيطان يخاف من الإنسان ولا يخاف من الله
- إلى أين ذهبت دمشق؟
- المحامي الذي كان يقرف من برازه ونفسه
- الفلسفة والدين والقانون
- قدري
- بعد مجيء الإنسان
- اليهود أبناء حارتنا
- الجهل أفضل من المعرفة
- العائد من الموت
- من الذي تغير,أنا أم الناس؟
- مكان أمي
- زبائن المكتبات والمؤسسات الثقافية
- المترددون والمتأكدون
- نحن أبناء الشرير والحرام
- سلوكيات غير منطقية
- سلامٌ عليك
- التسامح أفضل من العدالة
- الغشاشون
- عدونا هو ثاني أكسيد الكربون


المزيد.....




- وسط جدل أنه -استسلام-.. عمدة بلدية كريات شمونة يكشف لـCNN ما ...
- -معاريف- تهاجم نتنياهو وتصفه بالبارع في -خلق الأوهام-
- الخارجية الإيرانية ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
- بعد طردها دبلوماسيا في السفارة البريطانية.. موسكو تحذر لندن ...
- مراسلنا: مقتل 8 فلسطينيين بينهم أطفال في قصف إسرائيلي استهدف ...
- مع تفعيل -وقف إطلاق النار.. -الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا عا ...
- هواوي تزيح الستار عن هاتفها المتطور القابل للطي
- -الإندبندنت-: سجون بريطانيا تكتظ بالسجناء والقوارض والبق وال ...
- ترامب يوقع مذكرة تفاهم مع البيت الأبيض لبدء عملية انتقال الس ...
- بعد سريان الهدنة.. الجيش الإسرائيلي يحذر نازحين من العودة إل ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - أبحثُ عن ولدٍ ضائع