|
عن الإله: -بِس-
نصارعبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 4056 - 2013 / 4 / 8 - 00:07
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مقال قرأته فى "القدس العربى " فى الأسبوع الماضى ذكرنى مرة أخرى بالإله: "بس" ( بكسر الباء)، ...المقال كتبه الأستاذ عزت القمحاوى بعنوان : " مأزق الإخوان مع الإله بس" ، ... والإله "بس" لمن لا يعلم من القراء الأعزاء هو إله الفرفشة والخير عند المصريين القدماءٍ، وهو يختص بالموسيقى والغناء والمزاح والضحك وكل صنوف اللهو والمرح، بالإضافة إلى اختصاصات أخرى أهمها رعاية الأطفال والضعفاء وحمايتهم من الأرواح الشريرة وإبعادها عنهم، فضلا عن اختصاصه برعاية النساء الحوامل حتى لحظة الولادة!!، وهذا الإختصاص الأخير بالذات هو الذى برع كاتب المقال: "عزت القمحاوى" فى توظيفه من أجل تأكيد الفكرة المحورية التى يدور حولها المقال كما سوف نرى بعد قليل .. ونعود الآن إلى الإله "بس" الذى تصوره النقو ش الفرعونية على هيئة قزم منتفخ الوجنتين ذى ذقن شبيهة بالمروحة، وقد انتشرت عبادته فى الدولة الفرعونية الحديثة فى طيبة حيث نجد أن ذكره يتردد بكثرة فى معبد: "دندرة"، وإن كان الكثيرون من المؤرخين يعتقدون أن أصول هذه العبادة ترجع إلى الدولة القديمة، ومن الطريف هنا أن نقول إن المصريين ما زالوا حتى يومنا هذا يخوّفون القطط التى تعيش معهم فى البيوت عندما تهم إحداها بارتكاب خطأ ما ـ بقولهم : " بس " ..دون أن يلتفتوا إلى أنهم بهذا ـ دون أن يقصدوا ـ يواصلون ما توارثوه من أسلافهم القدماء الذين كانوا كثيرا ما يستنجدون بالإله "بس" فى مواقف شتى من بينها ردع القطة المنزلية التى توشك على ارتكاب خطأ ما فيقولون لها: "بس" لكى يزجروها بهذا الإسم لعلها تزدجر!!، وفيما يلاحظ الأستاذ عزت فإنه لا تناقض بين التوحيد الذى عرفه المصريون القدماء فى الدولة القديمة (قبل أن يعرفه الإخوان المسلمون بطبيعة الحال) وبين استمرار عبادتهم للإله بس فى الدولة الفرعونية الحديثة حتى بعد توصلهم إلى التوحيد! ، فالإله بس ما هو إلا واحد من تجليات الأحد الواحد الذى يظل دائما إلها واحدا وإن تعددت تجلياته، أما المأزق الذى يراه الأستاذ عزت فيكمن فى أن الإله: "بس" يعكس جانبا أصيلا من مكونات الشخصية المصرية يتمثل فيما جبلت عليه هذه الشخصية من الميل إلى المزاح والضحك والسخرية من كل ما يراه المصريون شرا، إلى حد أن أسلافهم الأوائل جعلوا للسخرية والضحك إلها متخصصا، فالضحك فيما يلاحظ الأستاذ القمحاوى فى مقاله لصيق بحياة المصريين و هو واحد من أسرار استمرار هذا الشعب على قيــــــد الحياة والحيوية في أســــوأ اللحظات. وبالضحك انفردت الثورة المصرية ، كما يقول، بين ثورات الربـــــيع العربي، ولكن الإخوان المسلمين الذين لم يكونوا حاضري الثورة فى لحظة اندلاعها لم ينتبهوا إلى هذه الحقيقة، لأنهم كانوا مشغولين بدراسة مخارج ومداخل السجون التي سيهربون منها إلى كراسي الحكم، وعـــــندما تمكــــنوا من رقبة البلاد لم يستدركوا ما فاتهم من تعارف مع الثورة والثوار ولم يحاولوا قط أن يتقاربوا مع مفجريها الحقيقيين بل سارعوا إلى تهميشهم والتنكيل بهم، والإستئثار بكل شىء وحدهم مع التنكر لجميع أهداف الثورة وشعاراتها وكأنها لم تحدث إلا لكى يصل الإخوان إلى الحكم!! ، ثم بعد ذلك يؤسسون قواعد غير عادلة للعبة السلطة تضمن لهم أن يبقوا وحدهم فى الملعب إلى الأبد!! ..ولأن الإخوان فصيل متجهم بحكم تكوينه البنيوى، فقد أعماهم تجهمهم عن رؤية الحقيقة وهى أن الشعب المصرى ما زال يحمل فى موروثه التاريخى كل ما كان يدعوه إليه ويحتشد من أجله الإله "بس"، وأعماهم كذلك عن إدراك أن ذلك الإله المحب للخير سوف يطلق عليهم وابلا من قذائف السخرية والتندر، وأنه أيضا باعتباره راعيا للحوامل حتى لحظة الولادة سوف يظل يرعى تلك الأرض المصرية التى ما تزال حبلى بالثورة الحقيقية حتى تكتمل ولادتها. لهذا السبب فقد فوجىء الإخوان بردة الفعل العارمة من سائر أطياف الشعب المصرى، وبوجه خاص من المبدعين المصريين الساخرين الذين راحوا يوجهون سهام النقد اللاذع إلى الجماعة وإلىمكتب إرشادها، وكذلك إلى مرشحها الذى فاز بفارق ضئيل فى انتخابات الرئاسة، والذى تصور أنه بهذا الفارق يمكن أن يعطل الدستور والقانون وأن يعتدى على مبدأ سيادة القضاء ، لقد صدم الإخوان حقا من هذ القدر الهائل من السخرية وهم الذين كانوا يتصورون أنهم سوف يفعلون ما يفعلونه دون أن يتجرأ أحد على أن يقول لهم : " بس ". [email protected]
#نصارعبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة: -باسم يوسف-
-
يتيمة ابن زريق
-
فواصل مصرية
-
مصر تمضى إلى الهاوية
-
عن تعيين نجل الرئييس
-
الإسلاميون فى مصر
-
ليلى الجبالى
-
شبيب وغزالة
-
كم عدد المصدّقين ؟
-
تساؤلات حول الإعلان الجديد
-
الطائفية والدستور المصرى
-
قراءة فى مسودة الدستور
-
حتى يكتب عند الله كذابا !
-
مرة أخرى: تحية إلى البديل
-
28سبتمبر1970
-
عن انحسار الأمن والعدالة
-
عن الضابط ذى اللحية
-
مسئولية الأنثى عن التحرش
-
نقيصة أعمال كمال
-
عن جريمة رفح
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|