عمّار المطّلبي
الحوار المتمدن-العدد: 4052 - 2013 / 4 / 4 - 18:58
المحور:
الادب والفن
حكاية قصيرة
كان عادل المعلّم يُشبِهُ ( سلبوح السِّيان )** .. بدأ الطلاّب يسمّونهُ (عادل أبو عوجه) بعد مقتل الزعيم، حين صار يلبس بدلةً خضراء و يتمنطق بمسدّس كبير . لمْ يكن للمعلّم عادل أبو عوجه عَجُزاً، و كان الجزء العلوي من جسده النحيف الأسمر مائلاً بشدّة، لذا كان المسدّس الكبير يتحرّك بحريّة صعوداً وهبوطاً، حين كان المعلّم أبو عوجه يكتبُ على السبّورة شيئاً .
***
ذات صباح، دخل الصفّ ثلاثة رجال، و فجأةً رأينا المعلّم (أبو عوجة) يبكي .. إنّها أوّل مرّةٍ نرى فيها معلّماً يبكي .. و لم يلبث أنْ سحبَ أبو عوجه نطاقهُ، و ناولهُ مع المسدّس للرجال الثلاثة، ثمّ سمعناهُ وهو يمضي معهم يقول : أنا لا أحبّ الحرس القوميّ.. و الله !
و حين شدّهُ أحد الرجال منْ ياقة قميصه، صرخ أبو عوجه : دخيلكم .. أنعل أبو البعثيّة لا بو الحرس .. دخيل الحسين !!
***
حين انتهت المدرسة مبكّراً ذلك اليوم، لم نعدْ إلى بيوتنا ، بل اتّجهنا راكضين إلى النهر .. أسرع إسعيّد، الذي صار فيما بعد شرطيّ أمن، إلى بيته القريب، و أحضر حبلاً، ثمّ رأيناهُ يربط الحبل على رقبة كلبٍ مريضٍ نائمٍ قرب نخلة، و لم نلبث أن أحطنا بذلك الكلب، و صرخ اسعيّد، و هو يقذفُ رأسهُ بحجرٍ كبير :
هذا العفلقي !
ثمّ أسرع يجرّ ذلك الكلب راكضاً، و وراءهُ راح يركض الطلاّب و هم يرمون الحجارة كالمطر على العفلقيّ المسحول ..
كان رأسُ الكلب قد غطّتهُ الدماء، و كان جسدهُ يبدو مثل خرقة قماشٍ بالية، و كان أنينهُ يتصاعد خافتاً مع كلّ ضربة، في حين كان الراكضون لا يتوقّفون عن الصراخ بأعلى صوت، مردّدين بصوتٍ يُشبه النباح:
هذا العفلقي بعدَ عَدِلْ لوْ ماتْ هذا العفلقي ***
انتهتْ هذه الركضة أخيراً عند إحدى المزابل، حيثُ أُلقيَ الكلبُ مع الحبل، و عدنا إلى بيوتنا التي تصاعدتْ منها رائحة الخبز .
***
بعد خمس سنوات على تلك الحادثة، كان ناسٌ كُثْرٌ يركضون على أطرافٍ أربعة، مذعورين أمام ذلك الكلب الذي استيقظ فجأةً، وهم يُردّدون بلا انقطاع:
يحيا العفلقي يحيا
يحيا العفلقي يحيا
يحيا العفلقي يحيا !!
و كان الكلبُ الذي باتَ الآن يشبه الذئب ينهشهم بلا رحمةٍ، و يُزمجرُ بصوتٍ مُخيفٍ يُشبهُ القهقهة !!
***
مروّعاً كان انتقامُ ذلك الكلب، حتّى أنّ أحداً لمْ يسلمْ منْ عضّته !!
_______________________________________
* العفلقي: منْ أتباع ميشيل عفلق، مؤسّس حزب البعث الفاشي.
** سلبوح السّيان: السلبوح بلهجة أهل ميسان دودة نحيفة سوداء اللون، و السّيان مياه المجاري الآسنة.
*** أماتَ هذا العفلقيّ أمْ ما يزالُ حيّاً ؟!!
#عمّار_المطّلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟