أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الثورة ومبادرة حكم القانون















المزيد.....

الثورة ومبادرة حكم القانون


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4051 - 2013 / 4 / 3 - 19:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لم يحظَ “حكم القانون” كمفهوم وتطبيق عملي بعناية تُذكر في الأغلبية الساحقة من البلدان العربية، بل إن بعضها لم يعر الاهتمام به، وفي حقيقة الأمر كان يتم التجاوز عليه تحت مبررات مختلفة، فتارة باسم المصالح الوطنية العليا، وتارة أخرى بحجة “الخطر الخارجي” والاستعداد لحرب “تحرير” فلسطين، وثالثة باسم مصالح الثورة، ورابعة باسم الدين وغير ذلك من المزاعم التي تشترك في الانتقاص من حكم القانون وانتهاك سيادته والافتئات عليه .

وإذا كان من أهداف الثورات والانتفاضات العربية وخطط التغيير والإصلاح، تأكيد قيم الحرية والكرامة الإنسانية ومحاربة الفساد وتأمين العدالة الاجتماعية، فكيف سيتم تحقيق ذلك من دون توفير بيئة مناسبة لحكم القانون، والاّ فإن الأمور ستفلت باتجاه الفوضى .

وبما أن حكم القانون مثل كل المبادئ التي أريد من وضعها وتسخيرها خدمة الإنسان ورفاهيته وسعادته، فالإنسان هدف التنمية وغايتها، ولهذا استوجب أن تكون إدارة الحكم واستخدام السلطة السياسية على علاقة مباشرة بإدارة الموارد والثروات المادية وتوزيعها على نحو عادل، يوفّر الأسس الأولية لحياة لائقة بالبشر .

جدير بالذكر أن مجتمعات ما بعد الثورات أو مجتمعات الصراع وما يعقبها، واجهت جميعها دون استثناء مهمة استعادة أو تثبيت حكم القانون باعتباره مبدأ أساسياً ولا غنى عنه لضمان نجاح التغيير وإرسائه على أسس قانونية وشرعية جديدة تحلّ محلّ الشرعية القديمة .

وحكم القانون يعني فيما يعينه، خضوع جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات في القطاعين العام والخاص، بما في ذلك الدولة ذاتها وأجهزتها ومسؤولوها، بحيث يكون الجميع مسؤولين أمامه بصورة معلنة وتسري أحكامه عليهم بالتساوي، خصوصاً الاحتكام إلى قضاء مستقل ونزيه، كما يقتضي حكم القانون اتّخاذ التدابير اللازمة لكفالة الالتزام به، لا سيّما بالمساواة أمام القانون والمسؤولية القانونية والعدل في تطبيقه، والفصل بين السلطات والمشاركة في صنع القرار، ومنع التغوّل والعسف، وممارسة كل ذلك بشفافية وعلانية قانونية .

لعلّ مناسبة الحديث هذا كانت موضوع مناقشة عميقة لخبراء ومتخصصين عرب ودوليين (بمن فيهم من الإسكوا والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة) وعدد من نشطاء المجتمع المدني العربي من عشرة بلدان عربية، حيث استضافهم “مركز تطور حكم القانون والنزاهة” في حلقة نقاشية لبلورة رؤية لمبادرة طويلة الأمد كان قد طرحها المركز في بيروت، بالتعاون مع شركاء تحت عنوان “مواكبة مسارات التغيير العربية من منظور حكم القانون” .

وإذا كان العبء الأكبر يقع على الجهات التي قادت الانتفاضات، وخصوصاً الجهات التي تسلّمت زمام الحكم لاحقاً عبر صناديق الاقتراع، فإن مسؤولية مواصلة عملية التغيير وإرسائها وتطويرها عبر القانون، تحتاج إلى جهود الجميع لوضع تصوّرات مواتية لتوطيد دعائم حكم القانون، لا سيّما من دوائر المعرفة الحقوقية والقانونية أفراداً وهيئات ومؤسسات، بما فيها استقراء خط التطوّر واستشراف آفاقه، بهدف ضمان نجاحه .

ولعل ذلك يحتاج إلى نشر الثقافة الحقوقية بشكل عام وثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل خاص، وتصويب الاتجاهات في ميادين التشريع وإدارة الحكم وعمل القضاء والبرلمان والحريات، لا سيّما حرّية التعبير، ذلك أن التغييرات الكبيرة التي شهدتها بعض دول المنطقة، سواء بانهيار أو تآكل “الشرعيات” القديمة، أو بحلول “شرعيات” جديدة، لاتزال بحاجة إلى إرساء وتطوير، لتستقيم مع حكم القانون، ومع الأهداف التي أعلنتها حركات التغيير في العديد من البلدان .

وإذا كانت “الشرعية الثورية” كأمر واقع قد أخذت طريقها، لا سيما بعد التغيير مباشرة، فذلك لأن العديد من البلدان تمرّ بمرحلة انتقال، لا بدّ منها قد تطول وقد تقصر، لكنها في نهاية المطاف ينبغي أن تستقر في إطار “شرعية دستورية” محكومة بالقانون، في ظل رقابة فعّالة وشفافية ومساءلة، تلك التي تعدّ من أساسيات التوجّه والانتقال الديمقراطي . وخارج الشعور بنشوة الانتصار الأولى، فإن تجاوز إشكاليات المرحلة الانتقالية التي قد تنشأ معها مشكلات وتحدّيات جديدة، يحتاج إلى وضع ما حدث في سياقه التاريخي كجزء من قانون للتطور الاجتماعي التاريخي، حيث مازلنا حتى الآن في بدايات مسار التغيير، الأمر الذي يحتاج أيضاً إلى تراكم وتحقّق، فضلاً عن استقرار وأمن مصحوب بحكم القانون .

لا تولد الديمقراطية مع الثورة في يوم واحد، والثورة لكي تنطلق وتترعرع ويشتدّ عودها وتنضج وتكتمل، بحاجة إلى مسار طويل وتراكم تدريجي، فهي “حفرٌ في العمق وليس نقراً في السطح”، على حد تعبير المفكر السوري ياسين الحافظ، وبين الثورة والديمقراطية طريق طويل وشائك ومعقّد، تصادفه منعرجات وتضاريس وتباعدات أحياناً، كما يختلف مسار الثورة والديمقراطية قرباً أو بُعداً، بدرجة تطور كل بلد اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً وقانونياً، الأمر الذي يمكن أن يصل فيه بلد إلى الديمقراطية بطريق أقصر وأقل وعورة، في حين يحتاج بلد آخر إلى فترات مضاعفة وتضحيات جسام وخسائر كبيرة .

نحن هنا معنيّون بالمعنى والدلالة، لأنهما يراكمان المعرفة التي يمكن تعزيزها بسياقات قانونية بما فيها تعميق الوعي الشعبي والثقافة الحقوقية، فما حصل لم يكن أحداثاً طارئة أو تمرّدات عابرة أو انتفاضات تقليدية، بل هو مخاض قد يكون طويلاً وعسيراً لولادة جديدة لعالم عربي لم يكن بالإمكان الإبقاء عليه خارج الزمن والتاريخ والحضارة الإنسانية، ولعلّ الأمر يعتمد على التطور المستقبلي وعلى الوجهة التي سيتخذها التغيير وعلى اصطفافات القوى ودرجة الاستقطاب والصراع الذي سيحدث والتجاذبات التي ستليه .

إن مبادرة المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة، فرصة أكاديمية فكرية ومدنية مرموقة ومسؤولة لتبادل الرأي واستمزاج وجهات النظر والاستئناس بتقديرات جمعيات ومنظمات المجتمع المدني سواء على الصعيدين الوطني أو العربي، يمكن لصاحب القرار الاستعانة بها والاستفادة منها، وأعتقد أن الهدف من ذلك يتلخص في وضع سياسات واقتراح استراتيجيات طويلة الأمد من خلال مشاريع وأنشطة ونشر وتعزيز الثقافة القانونية والدستورية، مع الأخذ في الحسبان عدداً من المبادئ مثل مبدأ فصل السلطات ومبدأ تداول السلطة سلمياً، وعبر إجراء انتخابات حرّة ونزيهة ودورية ومبدأ المشاركة والعدالة الدستورية لجميع الفئات والمكوّنات المجتمعية دينية أو ثقافية أو إثنية أو لغوية أو سلالية، ومبدأ وجود سلطة تشريعية معبّرة عن مصالح الفئات كافة، ومبدأ استقلالية السلطة القضائية ونزاهة القضاء، ومبدأ الإدارة الرشيدة أو الصالحة ومحاربة الفساد المالي والإداري ومبادئ احترام حقوق الإنسان وتأكيد دور الرأي العام، بنقاباته وجمعياته واتحاداته الحرّة .

لقد انعقدت الكثير من المؤتمرات والاجتماعات والندوات ما بعد التغييرات التي حصلت في العالم العربي، لكن قيمة مبادرة من هذا النوع تنطلق من عمل جماعي لأكثر من 20 منظمة وهيئة، وبحضور عدد من الشخصيات العربية والدولية الأكاديمية والثقافية وبعض فقهاء القانون الدستوري، حيث اتفقوا على تنظيم مؤتمر موسع في نهاية سبتمبر/أيلول القادم 2013 من أجل متابعة نتائج الاجتماع التمهيدي، ووضعها موضع التطبيق، لا سيّما فكرة تأسيس مرصد عربي لحكم القانون وإنشاء بوابة إلكترونية Conpendium لرصد التشريعات من زاوية حقوق الإنسان على المستوى العربي، في إطار القوانين النافذة، وتعزيز الوعي وتعميق المعرفة وتطوير القدرات في ما يتعلق بحكم القانون والانتقال الديمقراطي .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلبجة ورائحة التفاح
- التغيير والتنوير
- 10 سنوات على احتلال للعراق العملية السياسية على الحافة
- سلاح أميركا ضدها!
- تديين الدولة أم - دولنة- الدين!؟
- هوبسباوم وتغيير العالم
- تشيلي في الزمن العربي
- العولمة والإعلام .. أثمة مبالغات؟
- هل دستور مصر منزلة بين المنزلتين؟
- الماركسية والدين: التباسات العلاقة وأسس المصالحة
- المشهد السياسي العراقي: 4 تحدّيات في الأفق
- عملية إيمرلي!
- التغيير والمأزق الحضاري
- سايكس بيكو -الثانية- أو ما بعد الكولونيالية !
- المفاضلة بين -ضحيتين-!
- المظاهرات حق مشروع والمطالب مشروعة وعادلة
- - الأخوة الأعداء - في العراق!
- ماذا يريد المتعصبون والمتطرفون من المسيحيين؟
- كردستان: العنف بضدّه
- فيتو النفط


المزيد.....




- اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا ...
- العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال ...
- سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص ...
- شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك ...
- خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق ...
- الجيش الإسرائيلي ينذر سكان 5 بلدات في جنوب لبنان بإخلائها
- سحابة تسقط من السماء في إندونيسيا: سئمت من الطقس الممطر هناك ...
- ترامب يستكمل تشكيلة حكومة باختيار بروك رولينز وزيرةً للزراعة ...
- ترامب ينتهي من تشكيل إدارته باختيار وزيرة لتولي حقيبة الزراع ...
- بوتين يوقع مرسوما: قاتل وسدد ديونك مع زوجتك


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الثورة ومبادرة حكم القانون