خليل كلفت
الحوار المتمدن-العدد: 4050 - 2013 / 4 / 2 - 05:28
المحور:
الادب والفن
تخفيف الحكم
قصيدة: خليل كلفت
ما رأيته فيما يرى النائم
منذ قليل ...
بعد غفوةٍ بعد الغداء
كان ما يزال يعتقلنى فى الفراش
*****
حكمتْ على محكمة ما
بعقوبة الإعدام
لم أعرف السبب ولم أفكر فيه
وكان الحكم نهائيا
*****
وبالتالى كان لا معنى للتفكير
فى طبيعة الاتهام أو حيثيات الحكم أو زمان ومكان التنفيذ
كان هناك الحكم ذاته
وكان يقينا، بديهية، حقيقة أولية بسيطة؛
كان هو الأمر الواقع: كالطعام، كالشراب، كالتنفس،
بلا تفلسف، أو فلسفة ...
*****
لم يكن ما كنت فيه ترحيبا ولا ابتهاجا
لم يكن استسلاما ولا راية بيضاء
ولم يكن أيضا حزنا أو غضبا أو يأسا أو مقاومة
كنت كمن تلقَّى بحياد خبرا محايدا أصلا
بحكم طبيعته ....
وكنت ما أزال أقعد متربعا فوق الفراش
بعد أن عرفت الحكم
*****
وفجأة انفجرت فى كل مكان
مظاهرات تطالب بتخفيف الحكم
الشاشة العملاقة التى ترينى كل شيء
لم تكن شاشة التليڤزيون الوالع بجوارى
كان كل شيء حولى ...
كان الكون كله ...
قد انقلب إلى شاشة
*****
كانت المظاهرة العملاقة تملأ الشوارع والميادين
وفاجأنى أنهم جميعا من أصدقائى
كانوا آتين من كل مكان فى العالم
وكنت أرى وجوههم بوضوح ... فردا فردا
وارتفع شعارهم الغاضب المهيب:
تخفيف الحكم!
كانوا يهدرون: تخفيف الحكم!
وكان هناك من يقفون بينهم خطباء مرددين: تخفيف الحكم!
وكانت زوجتى وابنتاى يقفن بينهم خطيبات ويردِّدن: تخفيف الحكم!
وفاجأنى أن الشعار أو المطلب ليس موجَّها إلى شخص أو جهة
كان أشبه بصرخة ميتافيزيقية فى الكون
*****
والآن بعد أن غادرت الفراش
أطلب تفسيرا لهذا الحلم الغريب حقا
بالحكم بالإعدام
أسأل ابنتى الصغرى عزة
تتهرب وتسألنى بدورها
عن حديثى التليفونى مع أمى فى البلد
هل تحدثتُ فعلا مع جدتها
وماذا قالت لى عنها!
ثم أسأل ابنتى الكبرى هند
فتواجهنى قائلة: "أنت تعرف!"
وأهرب قائلا: "أمكما هى التى ستعرف!"
*****
وأسأل نفسى لماذا أعذبهما بالسؤال؟
فأنا أعرف رمز الحكم بالإعدام
الآن ...
ومغزى الحلم بتخفيف هذا الحكم
الآن ...
كما أفهم أن المظاهرات إنما هى من وحى المظاهرات الغاضبة
فى مصر الآن ...
وأن حلمى بها لجوء إليها ...
كفرد ... من شعب
*****
30 سپتمبر 2005
* (كنتُ أحسّ بالموت يقترب بعد شهور قليلة من اكتشافنا إصابتى بسرطان الكبد الذى أنقذتنى منه زراعة الكبد فى 2007 فى إيطاليا فى مستشفى شيزانيللو- مدينة پيزا ذات البرج المائل التى أحس منذ ذلك الحين أنها مسقط رأسى الثانى بعد مسقط رأسى الأول أىْ قرية بلانة النوبية القديمة؛ ولستُ متأكدا من أن هذا الحلم الذى كتبتُه مقبول كقصيدة! وما إذا كانت "تعويذة" التى كتبتُها قبل ذلك قصيدة!)
#خليل_كلفت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟