خديجة وحيد
الحوار المتمدن-العدد: 4049 - 2013 / 4 / 1 - 16:14
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
أُكْتُـبِي يا فاطمة، فالكتابة وطنكِ الأَوْحد، والقلمُ لكِ هويَّة ..
أُكْتُـبِي ، فالحرف أجمل انتماء، وأغلى وطن، لا يُتقِن أبجديَّـته المعطرة إلا الشرفاء.
هوالحرف، كما تعلمين، درسُنا القاسي الذي نستَـلُّه من بين مخالب الظلام كي نشذبَ عنه رطوبة الطحالب وكآبة الصمت الموروث .. كي نغسله بماءِ القلب ونُقَـمِّطَه في زغاريد دهشتنا الأولى التي لا تنتهي.
زغردي يا فاطمة كيْ تستيقظَ فينا إشاراتُ المرور نحو الإنسان!
زغردي كي تكبُـرَ فينا قارات الدهشة وتذوب طلاسم الأقفال الصدِئَة، لا بُـدَّ أن نعلنَهُ موسمَ عصيانٍ في وجهِ الصَّـدَأ المقَـدَّس ونلبسَ الحروف المتخدرة لغةَ الفراشاتِ الحارسةِ للوطن .
أيْقِـظِي حروفكِ إنْ هُمْ أيقَـظُوا القيامة!
أذِّنِــي في محرابِ البَوْح إنْ هُمْ فَـرَّخُـوا غُبار القواميس!
سَمِّي الجذورَ بأسمائها المستيقِظة إنْ هُمْ أخرَسُوا تراتيلَ الروح!
كَـبِّـرِي شَرْقاً وكَـبِّـرِي غرباً إنْ هُمْ نَسَـفُوا قِبْـلَةَ الفُحُولة!
راقِصِي علامات التعجب إنْ هُمْ حَجَّـروا مناجلَ الاِستفهام!
أعْلِـنِي فصولَ الإشتِـهَـاء في وجوهِهم بالوُشُوم الأطلسيَّة إنْ هُمْ أعلَـنُوا سَلْـخَ الأعياد من الذاكرة!
أُنْـثُرِي ما تبَـقَّى من بذورِ الأحلام إنْ هُمْ اسْتَـفرَدوا بدُروس القيامة!
عَـلِّقِـي على بَـوَّابَة عُبوسِهم مشْطاً مُمَـلَّحاً إنْ هُمْ أَهْـدَروا دَمَ الزمنِ المُـؤَنَّث!
عانِـقِي ربيعَـكِ الأخضر المُـؤَنـث والْـفُظِـي كلَّ مجاهِـل الفصول الباردة. فليسَ للإناثِ إلاَّ فصل واحد يتدثَّـر الكون في دِفْـئِه هو فصل الحياة، وما الكتابة في مَلكُوتِها العُـلْوِيِّ إلا أيْـقُونَة مؤَنَّـثَة للحياة.
أَلَمْ يُحَنِّـطُوكِ بِاسْمِ السماءِ وتَـوَّجُـوكِ ذَبِـيحَةً للقبيلة؟ أَلَـمْ يَجعَـلُوا ضَفائِرَكِ أَمْعاء لِلكلِمات تَخِـيطُ شَـرَفَ القَبِـيلَة؟ أَلَـمْ يَنْسُـجُوا بِـوجْهكِ وجَسدكِ خريطةً مُـرَتَّقَـةً لِشَـرَفِ القَبِـيلَة؟
ثُـورِي على القَبِـيلَة وارْشُقِـيها بِنَـيَازِك المُعلقات الأَبِـيسِيَّـة. ثُورِي على الْقَبِـيلَة، واشْذُبِـي عن سَمائِك قَحْـطَها ، فالأرضُ لكِ ، ولكِ كلُّ السَّنابِـل، يا سيِّـدةَ الخرائط.
إِرْتَـدِي حَـرْفَـكِ فَهو وحدَه لكِ شرفٌ عالِي الشُّـرُفاتِ، ولا شَـرَفَ لِلقبيلةِ غَيْـر حِبْـرٍ يُعْلِـن انتِصَارَه على بَيَاض الوَرق. لَطِّـخِي البيَاضَ كما تَشَائِـين، وانْثُـرِي بُـذورَ البعثِ في لُـعَابِ الرِّيـح كي تُمطِرَ رغيـفاً لِفُـقَرَاءِ الوَطَـن، وانْسُـجِي مِنَ الحُروفِ ألوانَ الحُلُمِ بالحرِّيَّـة وحدودِ الإِنْـسان. فمَا أجْمَـلَه مِنْ وشْـمٍ ومَا أرْقَـاهُ مِنْ حَرفٍ مُتـمَرِّد يُـراقِصُ ظِـلَّه ويَنسُج اسْماً جديداً لِقَبَـائِلِ الكَلام. لعَـلَّـنَا، يا فاطمة، نفْـلحُ في طقوسِ التَّسْبِـيح باسْمِهِ الجديد ونُخَـلِّصُه من لَعْـنةِ الصُّـلْبِ الُمقَـَّدس على باب خيْمةِ الرَّقِـيب.. ولعَلَّنا يا فاطمة نُشَـيِّدُ لِلحَرْفِ بطاقَـةَ هُوِيَّـة حمراءَ تَتَـأَبَّـطُ خريطة الوَطن .
أُكْتُـبِي يا فاطمة، فالكتابةُ فعلٌ مُؤنثٌ مُنِـعَ مِن التَّصْريف في الماضي، فالحاضر كلُّـهُ لَه.. لَهُ في المضارع زمنٌ ولا ماضِيَ لَه.. له في المضارع أمْـرٌ ولا أمْـرَ له .
أُكْتُـبِي!
فالكتابةُ أُنْـثَى، تَتوَشَّح بِتاءِ التأنيثِ المُتحركة العَارِية مِـنَ السُّكُـون، وتُبَـايِع نونَ النِّسْوة المَوْشُومة بالسنابلِ لا بالخميرة .. غَـرْبِـلِي خُـرافاتِ الشرقِ وابْـصُقِـي على رمادِها المُضَـمَّخِ بالحِـنَّاء ..
أُكْتُـبِي!
ما عُـدْنا نملِكُ في زمنِ الخرسِ غيرَ الكلام المُبَاح وغير المباح. هو زمنٌ يجْـهـرُ، بِخُبْـثٍ مُعْـلَنٍ، مُبايَعَـتَه للقيْـدِ والظلام.
راقِـصِي يا فاطمة حروفكِ المؤَنَّـثَة والمذَكَّـرة، فالحرفُ يظَـل فوقَ التجْـنِيس والتذكِـير والتأنِـيث والتمجيد والتطبيل..
لا تَـتَـبَرَّئِي مِن حرفِـك المَوْشوم بالتأنيث، فهو وحْـدَه الْآن قَـدْ ألبسَ النِّساء هُـوِيَّتَـهنَّ الوُجودية.
فقال لَهُـنَّ: "كُـنَّ" ، فكُـنَّ.
وقال لهُـنَّ : أكْتُـبْنَـنِي كيْ تَكتُـبْنَ زمنكنَّ، فكَـتَبْـنَ ..
وقال لهُـنَّ : رَاقِصْـنَ حاضِرَكُـنَّ والمستقبل على وتِيـرَة نَبْضِـي الأبيض غَـيْرِ المتوسط ، فرَقَصْـنَ.
فأَعْـلَنَ مبايَعَتَهُ لهُـنَّ:"أيَّتُـها المُؤَنَّـثَات الجَمِـيلات بِكُـنَّ يَتعَـطَّرهذا العالم الجديد ويتمدد، بل هو في اتِّسَاعِ الكون وما وَلَـد".
هو ذا فرحُنا الآتي المُمْتَـدِّ من أوَّلِ أَسمائِـنا إلى آخر قَـطْرَةِ حِـبْـرٍ مُعْشوشب. حِـبْـر أخضر يُهَـدهِـدُ قوسَ قُـزح ويروي له حكاياتِ البعث ولعنتُـهَا المنتعشة.
إِنْ رَامُوا اغتيالَ قلمكِ فَلِأنَّهُـمِ انْزَلَـقوا نحو حَـتْفِ الغَبَاء المُقَـدَّد وقد تناسَوْا ببلادة أنكِ ، يا فاطمة، أُنْـثى حُبْـلى بكل أسباب الحياة، وأنكِ كالأرض لا تتقن غير عزف التراب الأخضر والسنابل الشامخة.. كالأرضِ تَـفيضُ خُصُوبة وتسْتلِذُّ في سَهْـوِها بممارسة لعبة الإِغْواء للحياة.. كالأرضِ، مهما زُجَّ بمَطَرِها نحو زوايا الصحارِي الجرْدَاء لا بُـدَّ أن يَـنْبتَ زرعُها الأعلى عندَ أولِ الغَيْـثِ.
ليست للحرف لِحْيَةٍ يا فاطمة ولا عمامة، ولَيْستْ له سَوالف أو خلاخل رنَّانَة، إنما هو سيِّـدُ الاِشتِعالات، هُـوِيَّـتُهُ الأولى والأخيرة مِرْآة تحفِـرُ الوجهَ المُفْتتِـن وتُقَـلِّصُ مساحات الوَجَع .
فلا تكونِي "شهرزاد" التِي تغْتَال حكايتَها كُـلَّ صَبَـاح قرْباناً لأضرحةِ الشُّـرُود المُبَجَّـلة!
إنهم يضاجِعُونها كلَّ لَيْلة، وفي الصباح يُهْـدُونَها بِسخاءٍ قُـفْلاً جديداً، وبِوَقَاحَةٍ وجعاَ أكبر.
إنهم لا يُريدون لشهرزاد أنْ تُتْـقِنَ الحكاية وتُخَلِّـصَ اللغة من براثِـن العُهْـر المُعَـلَّب في دهالِـيز الوَلاَءِ الشَّرْقِـي.
لا يريدون لشهرزادَ إلَّا أن تكونَ من فُسَيفِسَاء الحَريم المُسَيَّـج بالصمتِ المُقَـنَّن.
يريدونَها لغةً مُقَـدَّدَة الأسماءِ بمِلح قَراصِنةِ أعَـالِي الكَلام المُـرَقَّـد، وبَـلَح الوَاحاتِ المَوْؤُودَة.
فلا تُـقَدِّمِي ضفيرَتَكِ مشنقةً لِظِلكِ!
لا تقْصِفي وجهَكِ بتجَاعيدَ لَـمْ يَـأْنِ لَها الآنَ أنْ ترتدِيَ لعنَـتَها!
لا تُبايِعِي اسْمَكِ لزاويةٍ مظلمةٍ لا تُتْـقِن التَّـوَهُّـجَ إلاَّ بيْـنَ فَكَّــيْ العَـمَى والصَّمْـت!
لا تَصمُـتِي !
أُنْـثُـرِي الكلام المقَـدَّس فوقَ سقْـفِ عواصِمِ الجُـبْـنِ كيْ يكونَ رَماداً يُسَمِّـدُ حقُـولَ البَـوْحِ الأَزرقِ!
لا تُجْـهِضِـي ألوانَـكِ مِـنْ أجْـلِ حَفْـنةِ رمادٍ تُـرْبِكُ الفُصُول!
لا تُأَرْجِـحِي زمنَـكِ بينَ الخَيْـبَة والخَيْـبَات!
كَسِّـرِي الطَّـوْقَ يا فاطمة!
أُشْـذُبِـي القَـيْـدَ، كُونِي كَمَا أنْـتِ عاليةَ المَقَام والوَجْـدِ!
كُـونِـي أُمَّ القَـوامِيس ورَبَّـةَ الكلام!
العالَـم بعدَ الآن لَـنْ يُـتْقِـنَ غَـيْرَ لغـتـكِ: لُـغة تاء التـأْنِـيث المتحركة والمتمردة ..
#خديجة_وحيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟