|
الدين : النشأه و التطور التارخي
الناصر لعماري
الحوار المتمدن-العدد: 4047 - 2013 / 3 / 30 - 13:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أ- من الأشكال الأولى للوعي البشري إلى الدين: يعرف إنجلز الدين بقوله : " إن كل دين ليس سوى الإنعكاس الواهم فى دماغ البشر للقوى الخارجية التى تسيطر على وجودهم اليومي هذا الإنعكاس الذى تتخذ فيه القوى الأرضية شكل قوى فوق أرضية . فى بدايات التاريخ كانت قوى الطبيعة هي الخاضعة لهذا الإنعكاس ثم لم تلبث أن دخلت الميدان إلى جانب قوى الطبيعة قوى إجتماعية ، قوى تنتصب أمام الله البشر تبدو غريبة كل الغرابة و البداية غامضة وملغزة كذلك وهيمنت عليهم بنفس مظهر الضرورة الطبيعية وقوى الطبيعة ذاتها سواء بسواء . تحوصل هذه الفقرة بشكل رائع الموقف الفلسفي الماركسي من الدين حيث أن النظرة الماركسية خلافا للنظرة المثالية ترفض إعتبار الدين نتاجا متعاليا عن الإنسان وتعتبره نتاجا أرضيا مثله فى ذلك مثل كل أشكال الوعي الأخرى ،فالدين يجد تفسيره لا فى السماء بل فى الأرض فى واقع البشر و فى شروط حياتهم المادية . ولكي نقف على الملابسات التى حفت بنشأة الظاهرة الدينية من الضروري العودة إلى البدايات الأولى للوعي البشري ،حيث نجد أن الإنسان الذى إستقل لتوه عن المملكة الحيوانية قد واجه ظواهر الطبيعة المحيطة به محاولا فهمها والتحكم بها فلم يجد أمامه من سبيل إلا تقليدها معتقدا أنه يتمكن بذلك من السيطرة عليها وعبر هذه المحاكاة التى تقوم على تقنيات محددة بدقة نشأ السحر الذى مثل بذلك أول الخطوات التى خطاها الإنسان فى سبيل فهم الطبيعة ،ففي هذه اللحظة من عمر البشرية لا تزال وسائل التأثير فى الطبيعة محدودة الفاعلية فعجز الإنسان هنا يبلغ أوجه فهو يواجه الطبيعة مجردا من أي سلاح غير الأدوات التى نجح بصعوبة بالغة فى إنتاجها . ومن خلال السحر أضفى البدائي على الطبيعة صبغة إحيائية فنظر إليها على أنها مجموعة من الأرواح التى يمكن التأثير فيها من خلال التشبه بها أي من خلال محاكاتها . يقول عالم الإناسة فريزر قي هذا المجال : " لقد حسب الناس عن خطإ أن نظام أفكارهم هو عينه نظام الطبيعة و تصوروا أنهم ما داموا قادرين على ممارسة تحكم بأفكارهم فلا بد أن يكون فى مقدورهم أيضا التحكم فى الأشياء ." و على هذا النحو إعتقد البدائي أن رغباته يمكن أن تتحقق من خلال طقوس تقع تأديتها بدقة متناهية وإذا حدث إتفاقا أن حصلت النتيجة المرجوة فإن ثقة البدائي تزداد وتتعاظم أما إذا ظل ما يبتغى بعيدا عن التحقيق فإنه يفسر الأمر بتدخل قوى شريرة حالت دون ذلك أو بإقناعه بأنه لم يؤد تلك الطقوس بالحذق المطلوب وهكذا فإنه فى كل الحالات يؤمن إيمانا قاطعا بجدوى تلك الطقوس التىيضفى عليها طابع القداسة . فالبدائي يعتقد أن بإمكانه تغيير مجرى الظواهر حسب إرادته فهو ينتزع من ذاته صفاتا محددة عادة ما تكون ذات طابع نفسي (فرح/غضب) و يضفيها على الطبيعة ثم يعمد بعد ذلك إلى إقتحام "هذه الحركة الذاتية ( لا الموضوعية ) للظواهر الطبيعية التى كان هو مؤسسها ويعتقد بذلك أنه قد حقق نصرا على قوى الطبيعة وبطبيعة الحال فإن إنتصاره هذا هو إنتصار وهمي إذ أنه لا يتعلق بالكشف عن القوانين الحقيقية المتحكمة فى الظواهر الطبيعية وإنما بقوانين متوهمة لذلك فإن عالم الأناسة تايلور يختزل المبدأ الذى يقوم عليه السحر فى قوله : " إنه أخذ علاقة وهمية بطريق الخطإ محا علاقة فعلية ." و يذكر فرويد أنه فى قبائل الإينو اليابانية يجرى إستجلاب المطر بالطريقة التالية " يصب بعضهم الماء فى منخل كبير بينما يطوف آخرون فى أنحاء القرية بإناء مزود بشراع ومجداف كما لو أنه قارب ." (17) كما يبين أنه حينما يخرج قسم من سكان قرية الدايان إلى صيد الخنزير البرى لا يجوز للذين يبقون أن يلمسوا بأيديهم زيتا أو ماء فإن لم يراعوا هذه الحيطة أرتخت أصابع الصيادين و أفلتت طريدتهم فى سهولة و كذلك عندما يقتفى الصياد من قبيلة جيلياك فى الغابة أثر قنيصة يحظر على أولاده الذين يلازمون البيت أن يرسموا رسوما على الخشب أو الرمل و إلا تداخلت دروب الغابة تداخل خطوط الرسم فلا يعود الصياد يهتدى إلى طريق العودة ." (18) ومن الهام أن نشير فى هذا المجال إلى أن بعض الترسبات السحرية لا تزال سائدة فى القطر العربي تونس حيث يسود الإعتقاد فى بعض مناطق الوسط العربي بأن كسوف الشمس يعود إلى إلتهامها من قبل ثعبان ضخم لذلك فإن الناس يعمدون إلى إحداث الضجيج من خلال قعقعة الأواني معتقدين أن ذلك من شأنه إدخال الذعر على الثعبان الذى يولى بموجب ذلك الأدبار فتعود الشمس إلى حالها السابق .و فى بعض الجهات الأخرى يسود الإعتقاد بأنه إذا ما سكبنا ماءا باردا على عقرب لدغت أحدهم فإن ذلك من شأنه أن يخفف من آلامه . و من خلال هذه الأمثلة يتبين لنا أن الإنسان عبر ممارسته السحر يقيم فى واقع الأمر علاقات بين ظواهر لا رابط بينها . و فى السحر من حيث هو تقنة البدائي يتغيب الجانب الفكري الذى لا يزال فى هذا الطور من حياته الإنسانية ،فى ومضاته الأولى و فى اللحظة التى تطور فيها العمل الفكري نشأت شيئا فشيئا الأسطورة التى وجد فيها السحر تعبيره النظري المنطوق فكانت بذلك شكلا من أشكال الوعي الذى حاول الإنسان من خلاله فهمالطبيعة و تطويعها لرغباته . وفى الأسطورة يحتل النص الشفوي موقعا مميزا فالكلمة فى الذهنية الأسطورية فاعلة فهي التى تمر بالأشياء من واقع اللاتعين إلى واقع التعين ،من الفوضى إلى الإنتظام مثلما هو عليه الحال فى أسطورة ملحمة الخليقة لدي البابليين فمردوخ هو الذى أرسى النظام فى الكون (تعاقب الليل و النهار إلخ ) من خلال تغلبه على قوى الفوضى التى كانت تسود العالم و فى مطلع كل عام يحتفل البابليون بذلك الإنتصار من خلال تأدية هذه الأسطورة فى إحتفال جماعي و يعتقدون إعتقادا أن ذلك من شأنه أن يرسخ ذلك الإنتصار و يمنع قوى الفوضى من العودة من جديد فالكلمة هنا لها أهميتها المميزة بل إن الأشياء الموضوعية المحيطة بالبدائي لا ينظر إليها بموجب ذلك إلا من حيث هي تجسيد لكلمة الأسطورة و ترجمة واقعة لها . بالنظر إلى الفشل المتكرر الى آل إليه السحر و الأسطورةتخلى الإنسان تدريجيا عن قدراته الوهمية و أسندها إلى قوى غيبية متعالية عنه أصبح يتقرب إليها عن طريق العبادة كسبا لودها و إجتنابا لغضبها و من هنا ظهر الفكر الديني كإمتداد للفكر الأسطوري ليعطي القدرة التى كان يعطيها السحر للبشر إلى الآلهة وحدها و لم تكن هذه الآلهة فى البداية سوى تشخيصات متنوعة للقوى الطبيعية فعرفت الشعوب القديمة بحسب العوامل الطبيعية المؤثرة فى حياتها آلهة المطر و الجفاف و الخصب و آلهة القمر و الشمس إلخ . وتعد الديانة التوتمية حسب علماء الإناسة من أقدم الديانات التى تعبر عن عبادة الإنسان للطبيعة فى شكل عبادة توتم حيوانية أو نباتية و فى الديانة التوتمية يسمى أبناء القبيلة أو ؟؟؟ بإسم إحدى النباتات أو الحيوانات التى يعتقدون فى إنحدارهم منها و يحرمون على أنفسهم قنص الحيوان التوتم أو قتله أو أكله كما يحرمون إن كان نباتا قطفه أو إستعماله و يصل التحريم أحيانا إلى حد حظر لمس التوتم و مناداته بإسمه أو النظر إليه . و يتخذ التوتم شعارا للقبيلة و أساسا للقرابة بين أفرادها و يعتقد فى قدرته على حماية القبيلة من الأخطار و الأعداء . و قد مثلت الديالنة التوتمية مرحلة تمهيدية للتطور اللاحق للأديان إذ لم تنفصل الآلهة فيها بعد عن البشر و كان معتنقوها رغم تقديسهم للتوتم يعتقدون فى تماهيهم معه و فى وجود قرابة شخصية تربطهم به و هذا يعني أن الديانة التوتمية كسائر الديانات التى عرفتها فترة المشاعة البدائية ديانة بدائية لم ترتق بعد نحو التجريد الكلي للآلهة الذى عرفته الأديان اللاحقة . و مع ظهور التقسيم الإجتماعي للعمل و إنحلال المشاعة البدائية و ظهور المجتمع الطبقي برزت إلى الوجود الأديان الإجتماعية فقد أدى تقسيم العمل إلى ظهور طبقتين متناقضتين : طبقة العبيد و طبقة الأسياد تشغل كل منها موقعا محددا فى عملية الإنتاج حيث يقوم الأسياد بالإدارة و التخطيط فى حين يقتصر دور العبيد على التنفيذ ، تنفيذ إرادة غريبة عنهم و تنفيذ أعمال يسخرون فيها لخدمة مصالح غيرمصالحهم . و تمثل الإنعكاس الخاطئ لهذه الوضعية فى وعي البشر المنتجين فى تأليههم لهذه القوى الإجتماعية المتحكمة بمصائرهم فوقع تأليه رؤساء القبائل و الملوك (قيصر ،الفراعنة ) مما جعل لكل قبيلة وشعب إلاها خاصا و فى حالة توحد القبائل أو الأقوام يجرى توحيد الآلهة و فى عديد من الحالات ترجيح بعضها على البعض الآخر حسب موازين القوى الإجتماعية و علاقة الأقوام ببعضها البعض . . و مع مرور الزمن تحولت تدريجيا عبادة رؤساء القبائل و الملوك إلى عبادة الأسلاف ثم ظهرت لدى بعض الأقوام فى سياق التطور التاريخي و فى إطار سعيها نحو التوحد الإقتصادي الحاجة إلى لإيديولوجية تجمع بينها فكانت الأديان التوحيدية إستجابة لهذه الحاجة الإجتماعية و قد إتخذت شكل عبادة الإله المجرد الذى خلقته القدرة الإنسانية على التخيل . و هكذا إنتقلت الديانات من طور تعدد الآلهة إلى طور التوحيد نتيجة عوامل إجتماعية و تاريخية بحتة لا علاقة لها بما إدعي من "نبوءات " و "رسائل إلهية " للبشر. فالأديان الإجتماعية ليست سوى إنعكاس خيالي لواقع البشر لكن هذا الإنعكاس بعد نشأته بصفة عفوية يعاد إنتاجه بصفة واعية من قبل الطبقات السائدة لخدمة مصالحها فتنشئ لذلك المؤسسات و التنظيمات اللازمة . و هكذا بعد أن كانت الطقوس الدينية تمارس فى النظام المشاعي البدائي من قبل كل أفراد الجماعة نجدها تمارس فى المجتمع الطبقي تحت إشراف فئة متخصصة من رجال الدين وهي تشغل موقعا طبقيا متميزا و تنتظم فى إطار مؤسسات دينية تنحصر وظيفتها فى إعادة إنتاج الوعي الديني ،و رغم الأشكال المختلفة التى تتخذها هذه المؤسسات فإنها تؤدى وظيفة واحدة الحفاظ على مصالح الطبقات المستغلة مهعما إختلفت أوضاعها التاريخية و الإجتماعية . ب- الدين من حيث الوظيفة: تحوصل قولة كارل ماركس "الدين أفيون الشعوب " أهم وظائف الدين فالطبقات السائدة تلتجئ إليه كوسيلة إيديولوجية لتخدير الشعب وإبعاده عن واقع. وتعانق الطبقات المضطهدة عن غير وعي منها إيديولوجية مضطهديها تسكينا لآلامها و هروبا من واقعها . يحدد لينين الدور الإيديولوجي للدين بقوله "تحتاج كل الطبقات المضطهدة لصيانة سيطرتها إلى وظيفتين اجتماعيتين وظيفة الجلاد ووظيفة رجل الدين فيقمع الأول احتجاج وإستنكار المضطهَدين ويواسيهم الثاني و ؟؟؟ تعاستهم و شفائهم من خلال أفاق تبقى سيطرة الطبقات على مصالحهم مع هذه السيطرة ويحرفهم عن الفعل الثوري ويحارب تصميمهم الثوري ." (19) يشكل الدين كوعي زائف سلاحا إيديولوجيا فى يد الطبقات السائدة تستعمله كل طبقة حسب ما يوافق مصالحها وهو كشكل من أشكال الوعي مهما حلق فى السماء و إدعى لنفسه البعد عن واقع الصراع الطبقي فهو ذو صلة وثيقة بهذا الواقع لأن الإيديولوجيا الدينية وإن كانت تنشر فكرا ظاهره الغيب فإن أبعاده السياسية والإجتماعية غير خافية عن الأنظار . فما هي الأبعاد السياسية والإجتماعية للأفكار والمعتقدات والطقوس الدينية ؟ يرتكز الوعي الديني على الإعتقاد فى وجود قوة فوق طبيعية خلقت البشر الذين تتحكم بمصائرهم حسب إرادتها ومشيئتها وما عليهم سوى الخضوع لهذه الإرادة العليا وتنفيذ أوامرها ،وهو بذلك يربى الأفراد على عقلية الخضوع والخنوع لا لهذه القوة فحسب بل لكل ما هو سائد بإعتباره نابعا من المشيئة الإلهية . كما يرتكز الوعي الديني أيضا على الإيمان بالرسل والأنبياء ودورهم فى "هداية " الناس مقزما دور البشر إلى مجرد أتباع مما يجعلهم يركنون إلى السلبية تجاه واقعهم فى إنتظار الرسول المنقذ (عودة المسيح أو المهدي المنتظر ) ويصور الدين الجماهير فى شكل "رعاع " تسيطر عليها الغرائز الحيوانية وتميل بطبعها إلى الشر والفساد مبررا بذلك كل الشرور التى تسود المجتمع بإرجاعها كعقاب مستحق و كإمتحان لا بد من المرور به فمن نجح كان مصيره الجنة ومن أخفق كان مصيره جهنم و بؤس القرار. ويضبط الدين سلوك الأفراد بمجموعة من المعايير والقيم الأخلاقية ذات الطابع المطلق وهي موجهة من حيث جوهرها ناحية الحفاظ على مصالح الطبقات السائدة فهي تطلب من الفقراء القناعة والرضاء وطاعة أولى الأمر وعدم الحسد وتطلب من الأغنياء ما يثبت امتيازاتهم رشوة الفقراء بالصدقة والإحسان , عدم التكبر والزكاة والحج ...و يصور الدين الكون كلغز إلاهي يعجز الإنسان عن فهمه وهو بذلك يكرس السلبية فى المجال المعرفي ويقف أمام أي إستعمال خلاق للفكر البشري وأمام أي تفكير نقدي بإعتباره تحديا للإله وسقوطا فى الكفر والزندقة ولا يخفى على القارئ بطبيعة الحال أن السلبية فى مستوى الوعي تقود إلى السلبية فى مستوى التعامل مع إشكاليات التغيير الإجتماعي. ويحدد الدين الصراع داخل المجتمع على أنه صراع بين مؤمنين وملحدين مغطيا بذلك التناقضات الحقيقية داخل المجتمع ومكرسا على هذا النحو إغترابا مزدوجا على مستوى الوعي وعلى مستوى الممارسة الإجتماعية . كما يوجه الدين أنظار البشر نحو الخلاص الأخروي فيحرمهم بذلك من أدوات النضال والتحرر الواقعي فهل تحتاج الطبقات المهيمنة إلى أكثر من ذلك لإرساء دعائم سيطرتها الطبقية ؟ إنها رغم إلحادها لا بد أن تعلن إيمانها على رؤوس الأشهاد وتظهره لتأييد سيطرتها على البروليتاريا الثورية و باقي طبقات الشعب التى أثبتت التجربة فى أحيان كثيرة أن السلاح الإيديولوجي أقدر على تركيعها من أي سلاح آخر . بالإضافة على ما تقدم من الأهمية بمكان أن نشير إلى أن إنتشار الدين فى أوساط المضطهَدين كثيرا ما يجد أسبابه فى جملة من العوامل نذكر منها : أولا: أن المضطهَدين يجدون فى الدين العزاء والسلوان فى مواجهة الواقع الأليم الذى يعيشونه لذلك فهم إثر كل محاولة فاشلة فى التمرد يلجؤون إلى إستبدال التجاوز الحقيقي لتناقضات الواقع بتجاوز وهمي فى مستوى الخيال عن طريق تخيل عالم آخر تتحقق فيه السعادة ويعاقب فيه الأغنياء عن بذخهم ويثاب فيه الفقراء عن صبرهم . فالديانة المسيحية مثلا ظهرت فى العالم القديم على إثر ثورة إجتماعية هامة قام بها العبيد والفلاحون الأحرار وفقراء المدن وهي الثورة التى قادها سبارتاكوس ضد النظام العبودي فى روما القديمة وقد قمعت هذه الثورة التى تظل علما مضيئا فى تاريخ نضال الشعوب من أجل الحرية بضراوة مما جعل الطبقات المضطهدة تفقد أي أمل فى تحطيم النظام العبودي وهذا ما يفسر لماذا كان أغلب المنضمين إلى المسيحية عند ظهورها من العبيد والفقراء فقد كانوا يبحثون فى عالم السماء عما إفتقدوه فى العالم الأرضي لذلك يقول باحث تاريخ الأديان الفرنسي أنسلان :" لقد إنتصر المسيح لأن سبارتاكوس كان قد هزم ." (20) ثانيا : إن الدين حسب تعبير كارل ماركس هو " التحقيق الوهمي للكائن الإنساني لأن الكائن الإنساني لا يملك واقعا حقيقيا."(21) وهذا ما يفترض من وجهة ثانية تشبث الجماهير المسحوقة به لأن التعويض الوهمي الذى يوفره لها هو ما يخفف عنها وطأة الإضطهاد ،فالمساواة الحقيقية فى المجتمع مثلا يستعاض عنها بمساواة وهمية معنوية كالأخوة فى الدين أو المساواة الحقوقية ،وهذه المساواة لا تميز جوهر العلاقات القائمة لكنها ترفع معنويات المؤمنين بها إذ تلغي بجرة قلم الفوارق الطبقية وتصالح الإنسان مع واقعه ومع مضطهِديه. ويصبح الإغتراب الإجتماعي بذلك منتجا آليا لإغتراب آخر فى مستوى الوعي ولأن الدين تعويض وهمي وسعادة وهمية للشعب فإن إلغاء شتى صنوف الإستغلال وتحقيق سعادة الإنسان الفعلية على وجه الأرض هو الشرط الضروري لإلغاء الدين ج- شروط زوال الدين يقول كارل ماركس : " إن إلغاء الدين من حيث هو سعادة وهمية للشعب هو ما يتطلبه صنع سعادته الفعلية . إن تطلب تخلى الشعب عن الوهم حول وضعه هو تطلب التخلي عن وضع بحاجة إلى وهم." (22) فتخليص الشعب من الوهم الديني لا يمر عبر النقد النظري للدين فحسب بل يجب أن يمر أساسا عبر النقد العملي للواقع الذى ينتج الدين و بما أن "سلاح النقد لا يمكن أن يحل محل نقد السلاح " فإن النضال ضد الدين لا يمكن أن يمر إلا عبر النضال ضد جذور الدين فى الواقع الإجتماعي أي ضد الإستغلال والإضطهاد الطبقي . و فى سياق هذا النضال تكتشف الجماهير الشعبية بالملموس المبادئ الإجتماعية التى تدافع عنها الإيديولوجية الدينية والمعادية جوهريا لمصالحها. تدافع الإيديولوجية الدينية مثلا عن الملكية الخاصة كحق مقدس وتدافع عن المجتمع الطبقي كضرورة طبيعية عن الربح (أو الإستغلال) كأمر مشروع. وهي تعادي بذلك أية إيديولوجيا تبشر بمجتمع لا طبقي تزول فيه المصلحة الخاصة وإستغلال الإنسان للإنسان . وعداء الإيديولوجية الدينية موجه "رئيسيا ضد الفكر الشيوعي لأنه يهدد المصالح الطبقية التى تدافع عنها وإذا كانت الإيديولوجيا الدينية عاجزة عن التصدي للفكر الشيوعي على المستوى النظري والسياسي لأنها تدافع عن قضية خاسرة ولأنها لا تستطيع أن تكشف عن وجهها الحقيقي أمام جماهير المضطهَدين،حتى لا تظهر بمظهر المعادي لمصالحها فإنها تسعى إلى تحويل وجهة الصراع من صراع بين مدافعين عن إلغاء إستغلال الإنسان للإنسان ومدافع عن الإضطهاد الطبقي إلى صراع بين مؤمنين و ملحدين . ومهمة الشيوعيين الماركسيين اللينينيين الماويين هي توضيح الطابع الحقيقي للصراع الذى هو أساسا صراع سياسي وإجتماعي من أجل دفع البروليتاريا وسائر المضطهَدين إلى النضال ضد الإستغلال و"بذلك يتحول نقد السماء إلى نقد الأرض ،نقد الدين إلى نقد الحقوق ونقد اللاهوت إلى نقد السياسة." (23) لذلك لا يطلب الشيوعيون الماركسيون اللينينيون الماويون من الجماهير أن تتخلى عن معتقداتها الدينية كشرط أولي لخوض النضال بل يقودونها فى النضال لتتخلى عن أوهامها . و لا يجب أن يكون لدى الشيوعيين الماركسيين اللينينيين الماويين أي وهم حول إمكانية القضاء النهائي على الرواسب الدينية فى المجتمع الطبقي لأن الدين كجزء من البنية الفوقية لا يمكن أن يزول إلا بزوال البنية التحتية التى إنتجته و بما أن العلاقة بين البنية التحتية والبنية الفوقية ليست علاقة ميكانيكية فإن عناصر من البنية الفوقية القديمة يمكن أن تستمر و تتعايش جنبا إلى جنب مع البنية الفوقية الجديدة لبعض الوقت . و إذا أخذنا بعين الإعتبار أن الدين كان ولا يزال عنصرا ملازما لكل المجتمعات الطبقية فإن القضاء على المجتمع الطبقي لا يعنى بالضرورة الزوال الميكانيكي للدين إذ يتطلب الأمر إعادة تثقيف الجماهير لتتخلص من رواسب الماضي و تنسى مخلفاته الفكرية . إن الماركسية اللينينية الماوية كفلسفة مادية معادية للدين وملحدة بالضرورة لكن الماركسية كفلسفة تمثل نظرية الطبقة العاملة لا الطبقة الملحدة لذا فهي توجه نضالها رئيسيا ضد الإستغلال الطبقي وتدافع عن مصالح الطبقة العاملة مهما بلغت درجة تأثير الدين عليها ،إنها تسعى إلى تحرير الجماهير من وعيها الزائف وتمكنها من الأسلحة النظرية والسياسية للنضال ضد أعدائها الطبقيين و يمثل حزب البروليتاريا الثوري السلاح الرئيسي فى نضالها ذاك لذا يحذر لينين من تسرب أي فكر غيبي إلى صفوف الكوادر الحزبية ويرفض إعتبار الدين مسألة خاصة بالنسبة للشيوعيين لأن الشيوعي يجب ان يكون مسلحا بالوعي العلمي المادي الجدلي والمادي التاريخي وبالتالي ملحدا بالضرورة . يقول لينين فى هذا الصدد : " الدين بالنسبة لحزب البروليتاريا الإشتراكية ليس قضية خاصة .إن حزبنا هو جمعية مناضلين واعين و طليعيين يقاتلون فى سبيل تحرر الطبقة العاملة . إن هذه الجمعية (الحزب) لا تستطيع و لا ينبغي لها أن تظل غير مهتمة بغياب الوعي بالجهل وبالتجهيل المصطبغة بصبغة إعتقادات دينية ." (24) لذلك لا بد لحزب البروليتاريا أن يخوض صراعا فكريا ضد الإيديولوجيا الدينية وأن يحارب كل تغبية دينية لجماهير الشعب
#الناصر_لعماري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعدد الزوجات وتعدد الأزواج
-
هل الأطفال يولدون مؤمنين بالله؟
-
عنصرية الإسلام
-
الجن
-
يوم القيامة
-
عزيزي المسلم لماذا إنت متخلف ؟
-
المثلية في الاسلام (حلال)
-
مقولات إنسانوية
-
قبل الانفجار العظيم
-
الفاتيكان لا يختار إلا ذوي السوابق
-
نفتقر المنطقية!
-
شجرة عيد الميلاد
-
المجتمع عندما يحكمه سلفيان وعاهره
-
الإيمان ... هو أن تذبح ابنك بسكين
-
الذاكره تصنع العقيدة
-
مهرجان ازدراء الأديان
-
من يدخل الجنة ؟
-
في حرية التعبير عن الميول الجنسية: هل نحن بحاجة لثورة فكرية
...
-
ما بعد الإلحاد
-
الله .. ذلك المجهول
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|