في الطريق الى بغـداد (3)
- 5 -
تُبذل جهود كبيرة في الدول المتقدمة لمعالجة المناهج الدراسية الثانوية منها والابتدائية فمع الثورة العلمية دخلت الى الصفوف الابتدائية الاتصالات الحديثة إذ يتمكن التلاميذ الصغار من كتابة مشاريعهم مستعينين بالمعرفة التي يوفرها الانترنيت والاختيارات الواسعة للمصادر.
وقد وصل بعضها الى بلدان العالم الثالث فرأيت في القاهرة أطفالاً يتلقون مثل هذه الدروس وكذلك في الأردن إذ رأيت بعضاً من أطفالنا العراقيين وقد تفوقوا رغم هول المعاناة التي تحيط دراستهم فحصدوا أعلى الدرجات ولعل الحكومة الأردنية قد أشّرت ذلك. ويحدث نفس الأمر في سورية وكل الدول التي يتوفر فيها الحد الأدنى من إمكانية مواصلة الدراسة لأطفال قدموا من بلاد السؤال الى حياة القلق، من كل المحيط، من شرطة الإقامة الى العيش بشروط قلّ إدراكها من قبل مواطن لم يعرف الهجرة من قبل وبهذه الأعداد الهائلة.
كيف الدخول الى خارطة الخراب التي ألحقها النظام الغرائبي ببرامج التعليم في العراق؟
وكم من الطاقات يحتاج التعليم القادم لكتابة المناهج الجديدة التي تزيح غبار التخلف من كتب الدرس ومن مقاعد الصف؟ وكم من الاختصاصيين سنحتاج لرسم المستوى المطلوب لمراحل التعلم الابتدائي والثانوي ؟ وكيف يتم تجنيد كل الطاقات الثقافية في تكوين الرؤى لتعليم إنساني يليق ببلاد الكتابة الأولى؟
كل هذه الأسئلة وغيرها يجب ان تكون الشغل الشاغل لمعارضة تريد ان تكون البديل وليس المثيل فهذه المعارضة ورغم التواجد الهائل للعراقيين في الأردن إلا أنها لم تؤسس مستوصفاً واحداً في الوقت الذي تقدم فيه الكنائس مثل هذه الخدمات (. . .) كما أنها لم تفتح معاهد لتعليم الكومبيوتر للأطفال مجاناً رغم توفر وسائل فتحها ورغم إمكانات المعارضة ولسنا بصدد الفواتير (. . .) ولا بصدد الحديث مجدداً عن تأسيس اتحاد لأدباء النفاق كما فعلت حركة الوفاق وأعضاء الاتحاد المذكور من البعثيين وفاتوراتهم ستسبقهم الى بغداد القادمة تلك الفواتير المتعلقة بإذلال الناس والوشاية بهم الى المخابرات الأردنية. . .
لم تقدم المعارضة لأطفال الشتات وخصوصاً دول الجوار ما يمكن الاعتماد عليه أو الرهان عليه وتوسيعه، واليوم نحن بصدد تغيير النظام، والتعليم أهم أسس المجتمعات القديمة والحديثة،ومثلما بدأت المعارضة والسيد أحمد الجلبي تحديداً الحديث عن السياسة الخارجية ومثلما أرسلت أو هيأت عشرة آلاف عراقي للتدريب، عليها ان تتحدث عن سياستها الداخلية وعن كيف تهيء بمعاونة العراقيين البرامج الكفيلة بالنهوض بالتعليم فالانتشار العراقي في دول الهجرة يوفر مساعدات هائلة من قبل الحكومات ومن المنظمات الإنسانية ومن القدرات العراقية . . ومثل هذه المهام اذا لم يتم التحضير والإعداد لها سنكون أمام طائفة من الشكوك فإزاحة النظام من غير برامج بديلة يوسع دائرة الشك بأهداف التغيير ومن الجهالة القول بأن هذه الأمور ستتكفل الحكومة القادمة من غير كيف وعلى أي الأسس (. . .)؟
فإذا تم إعداد هذه الحكومة وبطريقة سحرية لا يمكن الحديث عن برامج سحرية للنهوض ببلد وضعه أسوأ آلاف المرات من وضع اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وكذلك ألمانيا . . فاليابان حالفها ظهور الصين كقوة دولية أملت على الولايات المتحدة النهوض باليابان صناعياً واقتصادياً إذ وضعتها ضمن مشروع مارشال وينطبق على ألمانيا التي لم يكن حالها بعد رحيل هتلر مثل العراق بعد الرحيل المأمول لصدام حسين وفي وضع مثل العراق إذ لا علاج إلا بالتغيير الكلي الذي يتطلب برامج عالية اللغة وثورة لكل الطاقات العلمية والإنسانية لإعادة بناء الإنسان والبلاد ومثل هذا الأمر لا يأتي بالسيطرة على ينابيع النفط والعقود بل بتهيئة البرامج وتوظيف الطاقات والابتعاد عن المقامرة بثروات البلاد . .
والتعليم الذي أُشبع خراباً على يد النظام يتطلب من أول حكومة بديلة النهوض به من خلال قانون إجبارية التعليم الابتدائي والمتوسط وإيجاد المعاهد الوسيطة لتهيئة علمية للعمال الشباب وكثيرة هي الدول التي ستساعد في مشروع المعاهد الوسيطة التي تنتشر في كل العالم المتقدم، فمعاهد (
TAEF) في أوستراليا مثلاً تنتشر في المدن والأرياف وتقوم بتخريج الكوادر الوسيطة وبمختلف الاختصاصات . .
والتعليم في العراق من حيث درجاته يتدرج من الحضانة
– الابتدائية – الثانوية – الجامعة إضافة الى المعاهد الفنية . . وهو نفس التدرج في المدارس البريطانية والأسترالية تقريباً ويحتاج هذا النظام التعليمي الى إمكانات حكومية تتوزع على المدن (المحافظات) أو على الولايات في حالة الإدارة الفيدرالية حيث تتحمل الولايات مسؤولية التعليم بكل مستوياته وبفرعيه العام الحكومي والخاص.
وفي حالة كالعراق تم تسييب للالتزام في التعليم وتم تدمير المناهج التعليمية وتم تبعيث أمتدّ من الحضانة الى الجامعة يحتاج مثل هذا الوضع الى جهود الاختصاصات العراقية إضافة الى التعاون الدولي بغية تشييد الحضانات والمدارس وإعادة الهيكلية الجامعية على أسس علمية .
ولا يمكن تعليق النظر في هيكلية وبرامج ومناهج التعليم الى حين سقوط النظام والدخول من جديد الى الإجراءات ذات الطابع الانفعالي والمؤقت . . بل يتوجب على أطراف المعارضة وسائر المعنيين بالشأن التعليمي تهيئة الخطوط العامة التي تصلح للنهوض بالتعليم في العراق يساندهم في ذلك سائر المثقفين الذين همهم الأساس رؤية أطفال العراق ينعمون بهواء العلم من خـلال مدارس ومناهج علمية يتوفر فيها الســؤال وليس نشــيد الببغاء الذائــع الصيت " يعيش ".
- 6 -
العراقي يحتاج الى برامج فقد سئم التصريحات وهو يحلم بعراق جديد دولة المواطنة الصحيحة إذ لا أفضلية لأغلبية على أقلية ولا لقومية على قومية ولا لدين على دين . . يريده عراق التعدد والثقافات . . الناس فيه سواسية أمام القانون وينعم فيه الفرد بتكافؤ الفرص وبحرية الانتماء الديني والسياسي وبحرية ممارسة الانتخابات.
العراقي يريد وطنه ولا يريد استعارته عاطفياً لفترة من الوقت ولا يمكن لهذا العراقي أن يُخدع ثانية فاليوم يقف العراقي على جبل الحزن ينتظر الخلاص ليس من الطاغية والعصابة فقط بل من مخلفاتهم وأن يوظف جبل الحزن حجراً حجراً في بناء وطن الغنى المشترك أو الفقر المشترك . . هكذا يريده وطناً لمواطنيه جميعاً من أعلى جبل الى أخر قطرة ماء في السهول . . يريده له بمياهه ونفطه، بجفافه وريعه، بأمطاره وشمسه، بجوامعه وكنائسه، بدبكاته كردية، آشورية وبهوساته جنوبية أو غربية. . يريده له من الثور المجنح الى قبر كلكامش ومن جبل بيره مكرون الى هور الحمّار . .
ومثل هذا الحلم ليس بصعب التحقق إن توفرت الإرادة الواعية المتفائلة التي تطرد تشاؤم العقل (وشكراً لغرامشي) . . هذه الإرادة الواعية يجب ان تصنع برنامجاً وتعفينا من التصريحات وخصوصاً النفطية منها والتي تجعل التغيير محصوراً بالنفط وبمجموعة تعرف أو تعلمت كيف تفصل الهم العراقي العام عن حقول النفط وهي ثروتنا التي لم نستفد منها (
…)
ويريد العراقي ان يرى نهاية لهذا التسلسل المريب من عدم الاستفادة من هذه الثروة . . وبغير ذلك سينطبق علينا المثل " ما رضه بجزّه رضه بجزّه وخروف ".
الشاعر غيـــلان
20/10/2002