أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد خليفة - الالتصاق بالكرسي من فضائل العمى















المزيد.....

الالتصاق بالكرسي من فضائل العمى


وليد خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4046 - 2013 / 3 / 29 - 16:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأبوة هي الفاسدة لا الآباء ، أعجبته مقولة سارتر تلك وهو يقرأها في مقدمة استقالة أحد رفاق دربه وطفولته الملغزة ، الابن الوحيد لأب ذاع صيته في الآفاق وأم اقترن وجودها بذلك الزوج ، ذاك الذي تتفق مع أقرانها إنه من النوع الفاخر ، الذي تعبت في صناعته كما تتعب في صناعة الألغام والفخاخ لكل من يقترب من الميراث .
الميراث ليس فقط أموال مودعة في البنوك وتُبّع صغار يقتات بعضهم من فتات الفوائد والمصالح التي أسس لها الأب وترعاها الأم حتى آخر نفس في حياتها ببسالة اللبوة ، إنه أكثر من ذلك بكثير ، تاريخ لا يسرها حين ينظر أحدهم إلى صفحاته ، لو تملك الأم القدرة على تفجير قنبلة في فم من يتناول سيرة العائلة لفعلت ، ليس من المنطلق نفسه الذي يحكم منطق الأمهات عادة ، إنما من زاوية أخرى يختلط فيها السياسي الفاسد مع الإنسان الفاقد لسمات الرؤية ، كأن صناعة التاريخ لا تبتعد عن إدارة الشركات والأموال السرية التي أدارتها الأم بحنكة لا مثيل لها في تاريخ نساء الشرق .
أمام هول حضور الأب في التفاصيل رغم مرور سنوات طويلة على رحيله ، لا يمكن المرور على سيرة الابن ، رغم وراثته زعامة إحدى أقدم الأحزاب السياسية في العالم ، فالرجل لا يشكل إلا تفصيلة صغيرة وعابرة من تفصيليات الأب الذي ما زال يسيطر على دقائق الأمور ويسيرها من قبره ، يؤكد ذلك الابن المطيع ، لا يتوانى الوريث عن الاستغناء عن أقرب مساعديه حتى إن كان زوج الأخت المدللة بتلويحة باهتة من الأب المدفون على مقربة من مكتب الحزب التاريخي أو من الأم الوصية ، لا يستطيع الرؤية إلا من زاوية نظر الأب ذاتها ، كأن حركة التاريخ وهم كبير ، أو إن الرفاق ما زالوا بقبعاتهم الحمر يحكمون نصف العالم ويتطلعون إلى السيطرة على النصف الآخر ليقسموا البؤس بالتساوي بين البشر .
سيرة الابن باهتة لا تفاصيل فيها ، لا تختلف عن سير الأبناء المحظوظين لآباء أسعفتهم الظروف في جمع المال والمنصب والتُبّع ، لا صفة تذكر يتفرد بها سوى صفة الوريث المطيع للأب المطيع أيضا ، الاختلاف هنا بين طاعة الأب وطاعة الابن ، الأب كان مطيعا لإيديولوجيا يتصرف بها كتصرفه مع شركة خاصة أو كأدائه مع زوجته حين يستبد به العجز في الليالي ، ، يطوعها لاحتياجاته الخاصة ، لاحتياجات العائلة أيضا ، يكون كرديا حين تتطلب الحكاية ذلك ، ينبش من ذاكرته ما يثبت ذلك ، حين حضرت الشرطة الفرنسية لاعتقاله حسب زعمه قال له المسئول ، مندهشا : " كردي ولا بس بيجامة " ، طبعا لا يوجد شهود للحكاية التي ستمر بدون أية قيمة تذكر لو رواها شخص آخر ، يستطيع أن يجعل الحادثة كفرض كفاية لإثبات انتماءه القومي وكفاحه في سبيل حقوق الأكراد ، تمر الراوية على الكثير من التبع الصغار ، يعيدون روايتها ببعض البهارات الإضافية ، يثيرون الشفقة وهم يتباهون بكردي يلبس البيجامة في عشرينيات القرن الماضي ، يصبح فلسطينيا حين تناديه اللحظة .
مات الأب دون أن يترك أية ذكرى تصلح للدخول في كتب التاريخ ، خطيب بارع ، نصف مثقف ، نصف بورجوازي ، نصف ... ، كل شيء لديه في المنتصف حتى إنه يكاد أن يكون نصف مناضل أحيانا ، فتحت له الظروف السياسية بابا واسعا للخلود ولكنه لم يحرّك أبدا مرتكزات ثقافته الشامية من مكانها ، لم يحاول إزاحتها ، ضحكت الأيام في وجهه وعليه ، يسّرت له يومياته لدرجة فقدان الوزن حتى أصبح أخف من ريشة عابرة في هواء فاسد ، تحول إلى بالون بإمكان اللاعبين الركل به في كل الاتجاهات ، لم ينتبه ولم يندم على فرصة التاريخ التي لا تأتي إلا صدفة وتغادر بسرعة البرق أو أسرع ، لا تغضب الفرصة لكن التاريخ له مكره ولعناته ، لعنة التاريخ أصعب من آلام السجون لمن يختاره التاريخ كمقيم فلا يحرك مواهب الإنسان لديه .
يقال في الأثر، إن العائلة كان لها سبق اختراع طرق إدارة التوريث السياسي ، فبعد أن ألتصق الأب ست عقود على الكرسي ، كان يحضر اجتماعات القيادة محمولا على الكراسي في العقد الأخير من عمره ، كان أحد شخوص القيادة مهمته النضالية وسبب وجوده في الصف الأول للحزب تختصر في مواهبه في تبديل حفاضات القائد التاريخي ، أنشطر الحزب كالبارامسيوم في العقود المؤسسة لتأسيس الشركة ، لم يخرج إلى الحياة أي ظاهرة من الممكن الاستشهاد بها إيجابا في التاريخ ، أول انشطار نتناول رمزه في صفحات أخرى ، لأنه مثال للمكارثية السورية التي فتحت الفضيحة على مصراعيها في الأيام الأخيرة ، لم تتوانى الانشطارات المتتالية عن فتح بازار الفضيحة السياسية السورية على مصراعيها ، لكنها حدّثت ثقافة التوريث السياسي وتحويل الفكرة إلى مزرعة خاصة للعائلة العائدة بتاريخها إلى سابقة بدّلت تاريخ المنطقة منذ مؤسس الدولة الأموية وحتى ما يرشح لمستقبل سوريا من قيح .
بعد وفاة الوالد ، قادت الأم الفترة الانتقالية بين الأب والابن ، قادتها ببراعة لا تُحسد عليها ، امتدت الفترة الانتقالية خمسة عشر عاما ، عملت الأم من خلالها تخليص المزرعة الحزبية من الدماء الهجينة ، طار زوج البنت المدللة والمدلل ، طار آخرون لا يقلون شأنا في مزرعة الخضوع ، رجل قدموه بصفة مفكر بشهادة باريسية لا يعرف من الفرنسية إلا ما أعرفه من اللغة الصينية ، آخر موهوب في إدارة الشبكات المشبوهة بما يضاهي مواهب السماسرة في علب الشانزليزية الليلية ، وآخرون فقراء خرجوا يعض الندم قلوبهم الحزينة على الوقت الضائع في دهاليز حزب أيديولوجي حوله " القائد التاريخي " إلى ملكية تافهة لا تعني إلا حانوت متضخم بسلع فاقدة للصلاحية لا فائدة ترجى منها .
ما زالت جثة الابن تتحرك كلما أشارت جثة الأب بذلك ، ولأنه لا يعني أكثر من ذلك لا يمكننا الإشارة إلى شيء في تاريخ الوريث ، سوى إنه مثال صارخ لليوميات السورية منذ مارس 2011 وحتى الآن ، مثال للوباء الذي أصاب السوريون في مقتل ، فانتقلت الحياة السياسية إلى مزارع يتجول فيها الخاضعون وكأنهم في سديم كثيف لا قدرة للعيون على التبصر إلى أين تسير ، مزارع بلا معنى في كل اتجاه ، شعوب لم ترضع إلا الخضوع للرمز والوريث ووريث الوريث ، كأنها هي الأخرى شريكة في وضاعة لا تنتج إلا نفسها .



#وليد_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضائل العمى في سيرة السياسي الكردي
- أولمبياد البارزاني والمالكي في فقه الحقوق والواجبات
- المرحومة العاملة وأختها الطبقة
- عسكر ومبدعون في الانتفاضة السورية ؟!
- الأب والابن وروح البؤس
- القذافي بين الأكراد وتبو ليبيا
- الخوف حين يتحول نظاما في الحياة


المزيد.....




- وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
- مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي ...
- ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
- -تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3 ...
- ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
- السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
- واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
- انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
- العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل ...
- 300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد خليفة - الالتصاق بالكرسي من فضائل العمى