أنور مكسيموس
الحوار المتمدن-العدد: 4045 - 2013 / 3 / 28 - 07:30
المحور:
الادب والفن
الفصل الربع عشر
استقر فى يقين بلال الانتقام من همام وعائلته...الانتقام من سيدة لانها تلاعبت به وببناته, واستهزأت به. كان قد بدأ يسترجع تصرفاتها معه...عندما كانت تدعوه للعشاء معهما, كانت تضع قطع اللحم فى يده دفعا وقد كان يظن انها تخفيها فى يده, وقد كانت تتركه مع همام الذى لم يكن يهتم به, وينظر له باستخفاف. كيف كان همام وزوجته يتلاعبان به وقد طلبوا البنت الكبرى, ثم تراجعوا فطلبوا البنت البنت الصغرى, ثم صمتوا عن ذلك كله. ثم همام الذى تركه بلال يسرق كيفما شاء وغض النظر عنه وعن أفعاله. بدأ همام يهدد بلال لو حاول ان يخبر البك بما يحدث, سوف يقول أنه – اى بلال – هو الذى كان يدفعه الى ذلك, وكل ما يأخذه يذهب به الى منزل بلال.
هذا جعل بلال فى خشية دائمة, حتى بعد ان رفع يده نهائيا عن همام وغيره من العاملين فى الفيلا. ربما يتكتلون عليه فى مؤامرة لاخراجه من الفيلا. طمعه وجشعه وشهواته اوصلته لتلك المرحلة.
بعد هذا كله يأتى هذا الولد ويهين زوجته, وأمام السيدة فريدة!.
لم يكن يعرف كيف. الوسيلة لم تتضح أمامه بعد, لتشابك كثير من الامور والاحداث التى تؤثر كل منها على الأخرى.
لو قام بلال بالوشاية لفصل همام وولده, فربما تحت ضغط الثأر والانتقام, يقوم همام بقتله, أو يدفع بهلال الديب لقتله, تعاطفا وإكراما لهمام!.
ولو ذهب لضرب الولد وتأديبه, ربما تهجم عليه همام, فلم يعد أحد يرهبه أو يخشاه أو يهتم به كما فى السابق. لقد اصبحت العلاقة بينه وبين عائلة همام هى علاقة ندية, ان لم تكن تعاليا عليه!...
لابد من التخطيط لفصل الاثنين. لكن على فترات متباعدة, حتى يبدو كأنه استغناء, وفى نفس الوقت يجب أن يكون ودودا جدا مع همام وعائلته.
لكن كم سيطول انتظاره ليرى المرارة على شفتى سيدة وهمام, والذل على وجوههما. يعودان أصغر وأقل مما كانا عليه قبل عمل همام وولده فى تفتيش الباشا!...
بدأ كلما خلا الى نفسه يتذكر ويسترجع ما كان يحدث فى بيت همام. كيف أن طمعه الجشع ونهمه وشهوته أوصلاه لتلك الحاله المزرية. استغلته سيدة أفضل استغلال. كان يفسر كل شئ يقال أو يفعل لصالحه. نظراتها وضحكاتها وهى تنقل نظراتها بين همام وبينه, ثم وهى تدفع قطع اللحم فى يده دفعا, كأنها تحرص على ألا يراها همام أو ولده. الآن يرى نظراتها استهزاء وما كانت تجود به من الطعام دفعا فى يده على حساب زوجها وابنها, كان غيظا وحقدا لفرضه سطوته عليهم. علم الآن أنها كانت تعطيه القليل لتأخذ منه كل شئ. اسقطت كبريائه وخيلائه فى الحضيض.
لم تعطه نفسها...لكن لا مانع من أن تجعله يمرح بخياله فيها وفى جسدها, وهى مسرورة لذلك, وتعلم علم اليقين أنه بمجرد أن يملكها سوف يزهدها بعد قليل ويستعبدها. كما انها ترى انه لا فرق بين همام وبلال, فكلاهما دنئ لا يرضى الا رغباته ونفسه عندما تستدعيه شهواته!...
شغله التفكير كثيرا فى الانتقام, والشئ الاهم الذى ربما يحل كل هذه المعضلات هو كيفية نقل كل تلك الامور والأحداث لعبد الرحمن بك.
تعقدت الامور اكثر وتشابكت وهو يضع لكل حل محاذير ومخاوف. وبينما هو على حاله هذه فكر لماذا لا يذهب الى " زريبة البهائم" ويلتقى الصبى ويظهر له الود, عله يعرف المزيد الذى من الممكن أن يحوى حلولا للمعضلات التى تؤرقه. يسمع من الولد ويستدرجه ليفهم كيف تفكر سيدة وما الذى تقوم به نحو بلوغها هدفها, وما هو دور همام فى هذه اللعبة العجيبة. لكن ليس كل شئ كما يخطط له البشر فمع الشر يولد الأشر ويكون للشيطان دور رئيسى ربما يغير مجرى الامور كلها!... تعجب وهو يحدث نفسه: هل يمكن لإبن الزرايبي أن يتزوج بنت البك, ثم يأتى ليأمر وينهى الجميع؟!...يأمره ويشغله هو بلال أبو سنه...ما أعجب تصاريف القدر!...
فى ذلك اليوم قرر عبدالر حمن بك العودة مبكرا على غير عادته, ونادرا ما يحدث هذا فى ذلك الوقت من السنة, موسم جنى القصب, وعمل مصنع قصب السكر. قرر العودة قرابة الظهر ليستريح قليلا, ثم ينهض لمقابلة الباشا, كى يضع كل الامور بتفصيلاتها أمامه. محصول القصب من أراضى الباشا, وباقى محصول القصب من الارضى المجاورة والبعيدة, والمصنع والعمالة المطلوبة, وغير ذلك كثير جدا مما يملاء رأس عبدالرحمن بك ولا أحد غيره يمكن أن يلم بتلك التفاصيل وتسلسلها. رجل ذو عقلية جبارة وذكاء عالى فى القدرة على تنظيم وربط كل الامور والاحداث ببعضها ودفعها نحو النجاح الذى اعتاده دائما.
قال له عبدالرحمن بك عبارة واحدة أقلقته أثناء عودته للفيلا, وهى تعنى الكثير, مع رجل لا يكرر كلماته: أرى أنك بدأت تتراخى فى متابعة عمال الفيلا.
أجاب بلال: لن أذهب الى المنزل, سوف أبقى وأتابعهم سيادتك. عينى عليهم دائما, صباحا ومسائا لأننى أعلم أن هؤلاء القوم إن لم يتابعهم أحد, فلا فائدة ترجى منهم.
أسكته عبدالرحمن بك بلهجة آمرة, فسكت على الفور. وظلوا صامتين حتى وصلا الفيلا, فأخذ عبد الرحمن بك طريقه نحو الفيلا, وبلال طريقه نحو زرائب البهائم والطيور وعمال النظافة.
مر عليهم واستقص أخبارهم التى سوف يتلوها على البك, حتى يعلم انه مر ونظم أمور جميع عمال الفيلا. وترك زريبة البهائم أخر محطاته.
أخذ وجهته نحو "الزريبة" فوجد حجاج جالسا يدخن. كان فى انتظار أن تمر السيدة فريدة وابنتها, وقد ارتدى القميص والبنطلون وبجواره الفأس والجاروف, حتى اذا ما لمحته السيدة فريدة أو ابنتها سوسن, أوحى اليهما أنه يعمل بهذا اللباس الافندى.
بهت الصبى عندما رأى بلال أمامه, وتحفز له ندا بند اذا ما تحدث اليه. لم يعد يخشاه, وقد شجعته أمه على تحديه وعدم الخوف منه, رأسه مساوى لرأس بلال...لم يعد حلمها حلما, بل صار واقعا أمامها وفى داخلها, فالمسألة مسألة وقت, يتحول بعدها حجاج الى رجل الفيلا الآمر الناهى!...
سلم بلال على حجاج بكل الود والمرح, متجاهلا نظرات الغضب والتحفز على وجه الصبى.
بادره بلال: كيف حالك يا أبا الحجاج؟...أراك قد أنهيت عملك مبكرا؟!...
لم يستوعب الصبى كثيرا ذلك المرح والدلال, فرد بتجهم عليه قائلا: مليح...نعم أنهيت عملى.
كلمه بلال ندا بند كى يزيح الشك من رأس الصبى ويسترخى, بدلا من ذلك الوجه المتجهم:
إجلس يا حجاج!...إجلس يارجل!...ما دمت قد أنهيت عملك, هل يريد أحد منك أكثر من ذلك...إجلس!...
جلس الاثنان وأخرج بلال علبة سجائره, وغمز حجاج بكوعه كى يأجذ سيجارة. تمنع أول الأمر, ثم أخذ السيجارة عندما أحس بالندية مع بلال. لكنه بادر بلال قائلا: أنظر ياعم بلال!...أم نحمده ليس لها حديث معى بعد الآن...ربما حكت لك أو عرفت أنها عملت "شبطة" - أى عراك - معى أمام الست فريدة...لكن فى المرة القادمة...
قاطعه بلال وهو يربت على ركبته: يا رجل!...لا تفكر فيها!...ألا تعرف النساء!...لقد وبختها وأقسمت عليها بالطلاق ان تكرر ذلك مرة أخرى فى بيت البك المفتش, سوف يكون لى معها شأن آخرشديد القوة...أنت تعلم جيدا وقد كبرت وأصبحت رجلا, ما هو الرجل الصعيدى...هل نجعل النساء ندا لنا!...
أحس الصبى بالنصر, وصمت الاثنان كل منهما فى أفكاره. صمت بلال وهو يستعيد كلمات الصبى, لم يعد يقول خالتى أم نحمده. إنه يخاطبه مباشرة بأم نحمده, ويقول فى المرة القادمة...هل لا زالت هناك مرات قادمة, ومزيد من الإهانة!...
وسرح الصبى فى خيالات بطولاته...سوف يعود ليقص على أمه كيف رد على بلال, وماذا قال له بلال...
انتهت السيجارة الاولى من يد كلا الطرفين, ونظر بلال الى الصبى ليجده شاردا, فغمزه بالسيجارة الثانية, التى أخذها دون صد أو رد.
بادره بلال قائلا: ألم تمر السيدة فريدة من هنا؟...
أجابه حجاج شاردا: لا لم تمر بعد...انها لا تمر فى هذا الوقت.
سأله بلال كأنه لا يعرف: سمعت أن ابنتها سوسن مريضة؟.
أجابه بالنفى سريعا: لا لا ليست مريضة...تنزل مع أمها وتركب الحنطور...ليست مريضة.
غمزه بكوعه وهو يقول: بنت حلوة ومليحة...مهرة وطالبة فارس...
انفرجت أسارير الصبى وابتسم بخجل ونظر الى اسفل وهو يهز ساقيه: نعم هى جميلة قوى...
سأله بلال مشجعا: مالك؟...تبتسم وانت خجل!...أتحبها يا حجاج؟...
طأطأ الصبى برأسه اكثر وإحمرت أذناه, وتاه فى دأخله. نسى فى صبيانية, أن أمه وأبيه قد طلبا بنت بلال الصغرى له...الموقف وصغر السن أنسياه كل شئ, وتحدث مع بلال كشخصين ودودين يلتقيان وليس بينهما أية امور أو مصالح أو خلافات سابقة...
أغراه خجل حجاج, واستملح الصبى, وفكر لماذا لا يضرب عصفورين بحجر. نظر طويلا الى حجاج وفكر أن يبدأ معه فى وصف جسد المرأة ومشاعرها وكيف تتصرف أثناء العلاقة الجنسية.
بادره بسؤاله وهو يلمح ويشاور بيديه: هل رأيت إمرأة؟...
فهم الصبى ماذا يريد ان يقول وتذكر تلك الفتاه التى قام ااطبيب بتشريحها على جرف الترعة. لقد خلع عنها كل ملابسها, ولم يهتم أحد من الواقفين بمشرط الطبيب, وكان كل تركيزهم على جسد الفتاه. كانت فتاه جميلة جدا, حتى ان المتزوجين وكبار السن, عادوا الى منازلهم بشبق كبير. وكان منهم حجاج وابيه!...
أجابه حجاج: أذكر تلك الفتاه التى عثروا عليها فى البحر – يقصد نهر النيل – وقد قاموا بتشريحها وهى عارية تماما كأن الطبيب أراد فضح اهلها الذين قتلوها...
راح بلال يشرح له أكثر وأكثر, وماذا تشعر المرأة وكيف تتصرف, وشبق الصبى يعلو وتحمر أذناه ووجنتيه, وهو يتخيل مشاعر سوسن وحركاتها!.ويد بلال ثعبث بكل جسد الصبى وهو يصف له جسد المرأة حتى اختلطت عليه المشاعر والخيالات...
لم يكن ذلك فى حسبان بلال, لكن الشر يستحضر الاشر. تلتفت بلال حوله وعندما لم يثبين أحد أخذ الصبى من يده الى داخل زريبة البهائم قائلا: تعال لنتحدث بالداخل حتى لا يرانا أحد...
عاد بلال بعد قليل وهو يمسح عرقه بشاله, وينفض عن ملابسه التبن الذى علق به, ولما استعوق الصبى ناداه عدة مرات حتى ساوره القلق, وأخيرا خرج الصبى, فامسكه من يده وأجلسه بجواره على المًصطبة, وهو يزيل ما علق به من تبن وأوساخ.
كان الصبى فى حالة غريبة ومشاعره مشوشة, وخشى بلال أن يفتضح أمره, فأخذ يجاذب الصبى الحديث, وهو يلكزه بسيجارة تلو الأخرى, حتى بدأ يعود رويدا رويدا الى حاله, ويحادث ويجادل بلال.
قال له بلال: لا تخبر أحد انك التقيتنى اليوم, وسوف أراك غدا لنتحدث, والسجائر عندى, ثم أعطاه ما تبقى من علبة السجائر, وتركه وغادر الى الفيلا حتى لا يتأخر على عبدالرحمن بك ويكون فى انتظاره.
أحس بلال بالتعب والارهاق, وقد فترت همته فى إبلاغ المفتش بما يحدث من أمور داخل الفيلا, وشأن ذلك الصبى وأمه, ونوياهم, ولماذا يأتى شاعر الربابة الى تلك الناحية!...
وفيما هو جالس يسد جوعه بالطعام الذى أتى به من المطبخ, وصل الى سمعه من بعيد, صوت الربابة والشاعر العجوز, فانسل مسرعا خارج الفيلا, يلتقيه قبل أن يقترب من الفيلا, وقبل أن ينتبه لذلك عبدالرحمن بك.
#أنور_مكسيموس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟