أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - من تاريخ التوحش المسيحي – 2















المزيد.....

من تاريخ التوحش المسيحي – 2


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4044 - 2013 / 3 / 27 - 19:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



هذه المقالة تُعتبر كتكملة للمقالة السابقة تحت نفس العنوان، والمقالة السابقة يجب أن تُقرأ كمقدمة لهذه المقالة.


"الإبادة الكلية والتامة للوثنيين، أو التحول للمسيحية".
القديس برنارد (Bernard of Clairvaux) (1090 – 1153 مـ)

"لقد كان الإسبان [المسيحيون] في المكسيك وبيرو يُعمّدون أطفال الهنود، ومن ثم مباشرة ومن دون تأخير يكسرون جمجمتهم لقتلهم. بهذه الواسطة كانوا يعتقدون بأنهم قد ضمنوا لهم مكان في الجنة. ولم يُوجد إطلاقاً أي فرد أو شخص مسيحي أرثوذوكسي واحد قد وجد أي سبب منطقي واحد حتى يستنكر هذه الأفعال آنذاك، إلا أنهم اليوم [يال السخرية] نجدهم يفعلون ذلك".
الفيلسوف والمؤرخ البريطاني بيرتراند رسل (Bertrand Russell) في مقالة بعنوان (Has Religion Made Useful Contributions to Civilization?).


يُعتبر تاريخ التوحش المسيحي، التوحش الذي تم باسم إله المسيحية، ذو استمرارية تاريخية لم يتراخى لحظة واحدة في الزمان حتى قيام الثورة الفرنسية وتراجع السلطة السياسية الكنسية إلى داخل أسوار الأديرة والمعابد. فقد اتخذ هذا التاريخ المسيحي في صفحاته السوداء مقولة يسوع الإنجيلي في إنجيل لوقا: (أما أعدائي، أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم، فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي) [لوقا 19: 27]، وهو مثل مضروب لتلاميذه ومستمعيه، اتخذوه شعاراً تم تطبيقه حرفياً حتى حدود الشذوذ الإنساني المتطرف كما سنرى أمثلة له أدناه. فعندما يُركز الصليب أو يُرفع في بقعة جغرافية ما، فإن القيمة الإنسانية للفرد المخالف لهذا المعتقد الديني تتراجع إلى حدود اللاشيء أو إلى قيمة أقل من قيمة الحيوان بكثير. فتاريخ دخول المسيحية إلى أمريكا الجنوبية، مثلاً، عند أول اكتشاف القارة يُخبرنا بأن كلاب الصيد التي كانت ترافق الجيوش وكهنتهم تحمل قيمة أكبر بكثير من أفراد القبائل المستوطنة في هذه القارة. فقد كانوا يُطلقون هذه الكلاب المتوحشة على أفراد هؤلاء القبائل (الوثنيون، كما كانوا يسمونهم) حتى حدود التشويه المتعمد لوجوههم وأجسادهم ومن ثم القتل البطيء بواسطة التعذيب. كل هذا كان يتم بمظاهر احتفالية لا تستشعر إطلاقاً بأن هؤلاء (الوثنيون) هم أيضاً يُطلق عليهم لفظ (إنسان). هذا التوحش التاريخي ذو الاستمرارية الذي لم يفتر لحظة واحدة من الزمان إلى حتى ما بعد الثورة الفرنسية بقليل هو ما دفع الأكاديمي والمؤرخ والناقد الأمريكي الشهير بارت إيرمان (Bart D. Ehrman) لأن يكتب تعليقاً على مقولة يسوع الإنجيلي: (لا تظنوا أني جئتُ لأُلقي سلاماً على الأرض، ما جئتُ لأُلقي سلاماً، بل سيفاً) [متى 10: 34] قائلاً: "لم يقل قائلٌ كلاماً أكثر صدقاً من هذه المقولة. يعتقد الكثير من المسيحيين في عصرنا الحاضر بأن دينهم دين سلام ومحبة، تماماً كما كان في الماضي، وتماماً كما يجب أن يكون دائماً. ولكن أي شخص له أدنى وعي بالتاريخ يعلم جيداً مدى عنف المسيحيين خلال كافة العصور، تبنّوا فيها القمع، والظلم، والحروب، والحملات الصليبية [وهي تتم بمباركة وتشجيع البابا في الفاتيكان]، وهجمات العصابات التفتيشية (pogroms inquisitions)، وهولوكوست متعدد [يشير الكاتب هنا إلى ما حدث للسكان الأصليين في أمريكا الجنوبية والشمالية وأستراليا باسم المسيح والمسيحية، بالإضافة إلى الأثر المسيحي الواضح في بروز وتشجيع معاداة السامية]، حدث كل هذا باسم الإيمان". ثم يُكمل البروفسور إيرمان ملاحظته ليقول: "القليل جداً من بين الديانات في تاريخ الجنس البشري قد أظهرت ميلاً أكثر للعنف من الديانة التي تأسست حول تعاليم يسوع، الذي، تصديقاً لكلماته، قد جلب بالفعل سيفاً". فـ (التوحش) كان صفة لصيقة بتاريخ هذه الديانة، لا يُنكرها إلا من ليس لديه أي وعي إطلاقاً بالتاريخ ولا سياقه ولا نصوصه.

عندما قرر المؤرخ الشهير فورست وود (Forrest G. Wood) أن يكتب كتابه (The Arrogance of Faith) (غطرسة الإيمان)، لم يجد أن يكتب فيه عن المسيحية عند اكتشاف القارتين الأمريكيتين إلا أن يقول: "في القرن الخامس عشر وما بعده، اكتشف المسيحيون أراضي جديدة مليئة بغير المؤمنين، وقد فعلوا بهؤلاء الهنود الأمريكيين والأفارقة ما فعلوه بغير المؤمنين من الأوروبيين بالضبط [يقصد القتل والحرق والإبادة]، ولكن كان هناك فارق وحيد. الفن المسيحي آنذاك صوّر الشيطان وما يحيط به من عفاريت باللون الأسود، فلم يكن مستغرباً بأن المسيحيون اعتقدوا بأن الأفارقة والهنود كانوا أقرب للشيطان من أصحاب البشرة البيضاء في أوروبا. ولهذا السبب فقد تصرف المسيحيون وكأنهم أرادوا أن يحموا أنفسهم من (التلوث) الذي سوف ينتج من اختلاطهم مع أصحاب البشرة الداكنة أو السوداء". هذه النظرة المسيحية الخالصة، غير الإنسانية، هي البذرة الأساسية للتمييز العنصري ضد الملونيين والتي استمرت حتى وقت متأخر من القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وجنوب أفريقيا، وكان كل من يتبناها ويعمل من خلالها هم من المسيحيين دون استناء، هذا بالإضافة إلى المسؤولية المسيحية الخالصة في بروز معاداة السامية وما نتج عنها من ضحايا.

كررت المصادر التاريخية أن المسيحيون الذين تدفقوا على الأمريكتين المكتشفتين حديثاً، كانوا يعتقدون بأن "هنود الأمريكتين لا يملكون أرواحاً إنسانية لأنهم حيوانات على صورة بشر، ولهذا اعتقد المسيحيون بأنه من المباح أن يتم اصطياد الهنود كما الحيوانات، وهكذا كان". ولم تتدخل الكنيسة إلا بعد أربعين سنة، وبعد مئات الآلاف من الضحايا، عندما أعلن البابا في سنة 1530 مـ اكتشافه بأن (الهنود من الجنس البشري) (!!!). إلا أن هذا الإكتشاف (المذهل)(!) من جانب الكنيسة لم يغير على الحقيقة الواقع الوحشي المسيحي الذي كان يُبيد السكان الأصليين في القارتين الأمريكيتين من دون رحمة أو هوادة. ففي هذا الصدد يذكر المؤرخ الأمريكي البروفوسور ديفيد ستانارد (David Edward Stannard) في كتابه الشهير (الهولوكوست الأمريكي، American Holocaust) هذه الواقعة التاريخية: "هرب أحد رؤساء القبائل الهندية، اسمه هاتوي (Hatuey)، مع قبيلته من وجه الغزو المسيحي، إلا أنه تم أسره واُحرق حياً. وحينما كانوا يربطونه على ألواح الخشب لإحراقه، حاول الرهبان الفرنسسكان أن يقنعوه بأن يقبل يسوع المسيح في قلبه حتى تصعد روحه إلى الجنة بدلاً من أن تهبط إلى الجحيم. فأجابهم هاتوي: إذا كانت الجنة هي حيث يذهب إليها المسيحيون، فإنني أُفضّلُ أن أذهب إلى الجحيم. فأحرقوه حياً". فأما ما حدث لقبيلته بعد حرقه فيصفه شاهد عيان: "لقد بنينا مشنقة طويلة، وعالية إلى الحد أن أطراف أقدام المشنوقين عند تعليقهم كانت تلمس الأرض حتى تمنع عنهم الاختناق حتى لا يموتوا، وكنا نعلق ثلاثة عشر فرداً منهم في كل مرة وذلك تشريفاً لمخلصنا المسيح وتلاميذه الإثنا عشر (...) ثم بعد ذلك نربط أحبالاً حولهم ونحرقهم أحياء".

فلا مكان إنساني حقيقي في المسيحية لأي مخالف، مهما كان، للعقيدة الكنسية الرسمية قبل القرن التاسع عشر الميلادي. المكان المناسب لهؤلاء من وجهة نظر الكنيسة والمسيحيون هو القبر. فالقديس توما الأكويني (Thomas Aquinas) يقول صراحة: "لا يستحق غير المؤمنين الطرد من الكنيسة فقط، ولكن يجب إبادتهم من الأرض بواسطة القتل" [انظر: Summa Theologica, 1271]. وسائل هذه الإبادة تفنن فيها المسيحيون في القرون الوسطى إلى درجة السادية. أحد أمثلة التفنن في هذه الإبادة للسكان الأصليين حدث في المكسيك عند تدفق الغزاة الإسبان على المنطقة. ففيما بين سنتي 1518 و 1519 مـ، وفي الحملة المنظمة ضد قبائل الأزتك التي أدت إلى قتل مئات الآلاف من هذه القبائل، وفي الحرب بقيادة القائد الإسباني كورتيز (Hernán Cortés)، أرسل الإسبان المسيحيون عبداً أسود مصاباً بمرض الحصبة (smallpox) إلى هؤلاء الهنود من الأزتك الذين لم تعرف أرضهم هذا المرض قبل قدوم هؤلاء الغزاة. والنتيجة يلخصها الراهب الدومنيكاني، فرانشيسكو دي أغيولار (Francisco de Aguilar)، الذي كان يرافق هذا الجيش: "عندما تعب المسيحيون من الحرب، رأى الرب أن يُرسل مرض الحصبة على الهنود، فأصبح هناك طاعون كبير داخل المدينة" [انظر: The Columbian Exchange: Biological and Cultural Consequences of 1492, Alfred W. Crosby, pp. 48]. هذا المرض الذي تعمد المسيحيون إدخاله إلى هؤلاء القبائل المستوطنة للأرض أدى إلى قتل حوالي 50 ألف شخص منهم على حسب التقديرات الإسبانية، وأدى إلى هبوط العدد الكلي لهؤلاء القبائل في تلك الرقعة الجغرافية من أكثر من 300 ألف نسمة إلى حوالي 35 ألف نسمة فقط خلال عشرين سنة، وبحلول سنة 1548 مـ لم يبق من الأزتك حسب التقديرات الإسبانية إلا أقل من 500 شخص فقط، أي إبادة كاملة لشعب بأكمله وبأيدي مسيحية خالصة [انظر: The Conquest of the Americas: the Aztecs, Michael Mcdonnell, University of Sydney ].

ولا يزال هناك الكثير الكثير من الروايات والأحداث التاريخية بخصوص أمريكا الجنوبية وحدها، دون الشمالية أو أستراليا، فلعل مكان تلك القصص في مقالات قادمة، شأنها شأن دور المسيحية في تجارة العبودية والتمييز العنصري ضد الملونيين. ولكن ما يهمنا الآن هو أن (أسطورة دين المحبة والسلام) لابد لها أن تتهدم فوق رؤوس أصحابها قصيري الذاكرة عديمي الوعي التاريخي أو الذوق الإنساني الذي يستدعي النظر والاعتبار والاعتراف. فلا بأس أن يدعو أحد ما إلى دين ما، ولكن أن يفعل ذلك تحت ستار الأكاذيب والجهل والمخادعة، فهذا شيء يزيد الممارسة مكراً ونفوراً.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تاريخ التوحش المسيحي
- الازدواجية في الذهنية الدينية ... الموقف من نوال السعداوي
- في الاستعباد كنزعة إنسانية متأصلة
- الأحاديث الموضوعة كأداة لتصحيح التاريخ
- مشكلة الإيحاء الجنسي في إنجيل يوحنا
- صراع
- معارك الله
- مقالة في طقس الإفخارستيا – أكل الله
- رقص الجريح
- المسيحية وحوادث أكل لحوم المسلمين
- في مشكلة تعاليم يسوع الإنجيلي
- إشكالية العقل السلفي العربي
- في طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة
- عندما نفقد خارطة طريقنا
- مشكلة اليهودية والجغرافيا عند كتبة الإنجيل
- من إشكاليات قصة يسوع الإنجيلي
- التناقضات الأخلاقية عند يسوع الإنجيلي
- هل هذه صلاة أجر ومغفرة؟
- في إشكالية الشعوب العربية
- سؤال غير بريئ لما يسمى ب -القوى الشبابية- في الكويت


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - من تاريخ التوحش المسيحي – 2