|
العراق يضيع فنانيه قتلا ونفياً
سلام إبراهيم
روائي
(Salam Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 4044 - 2013 / 3 / 27 - 14:26
المحور:
الادب والفن
فيما كنا نقلب أنا وبشير مهدي أوراقه القديمة والمقالات المكتوبة عنه في الصحف والأوراق عثرت على هذه المقالة للناقد العراقي المعروف “قاسم عبد الأمير عجام” الذي اغتيل مع ولده في فترة الحرب الطائفية بين 2004 – 2005 على طريق الحلة – بغداد، مكتوبة بخط يده كان قد كتبها عام 1998 على أثر حصوله على صور أربع للوحات بشير اشترك فيها بمعرض جاب العالم. أخبرني بشير بأن “قاسم” قرأها قبل عام من اغتياله عندما زار العراق عقب الاحتلال الأمريكي 2003 وأقيمت له ندوة عن أعماله عرض فيها “سلايدات” لوحاته على شاشة عرض متواضعة في مقر إتحاد الأدباء في الحلة، وبعد القراءة سلم الورقة لبشير، يشير الناقد قاسم في أخر المقالة إلى أن صورة اللوحة قالت له ما كتب فكيف لو وقف أمامها حيةً؟!، وكان دقيقا في التخمين إذ وقفت أمام لوحاته العظيمة الحية قبل ثلاثة أيام حينما زرته في شقته بمدينة “أوترخت” في هولندا وقضيت ستة أيام وسط لوحاته الكبيرة جدا حتى أنها تحولت إلى رؤى في منامي إذ كنا نتحاور طوال النهار عن تكوين اللوحة لديه فاكتشفت ما تضمره هذه السطوح من رموز وكائنات مضمرة في أصغر تفصيل، طيور وأبار نفط، ومسيح مصلوب، وشهيد مذبوح، وجهنم، وملائكة تتستر في مساحات اللون في الشباك الباب والسقف والجدار والأفق لا يستطع المشاهد اكتشافها، فالهدوء الظاهر في اللوحة على بعد مسافة أمتار سيضج بكائنات الخلق التي أخفتها ريشته المرهفة في عمقها ما أن تقترب وتتمعن في بياض ستارة مثلا أو زرقة أفق أو في جدار وسقف غرفة بشير الأبدية المكررة في غالبية نصوصه البصرية المذهلة، ستة أيام من الدوران في لوحاته وفي متاحف هولندا منحتني متعة ومعرفة في كون اللوحة وعالم راسمها الخالق الذي فارقته منذ 1979 عندما ترك العراق هاربا وميمَما صوب إيطاليا حيث درس الفن وأصبح ما أصبح، قبلها كنا طلبة في إعدادية زراعة الديوانية ثم موظفين في مديريات زراعتها، وبعد ثلاثة وثلاثين عاماً وجدته ينتظرني في باحة محطة مدينته صارخاً من وسط الحشد: – ها سلام.. سلام!. لنتعانق ويأخذني إلى بيته الذي تحول إلى مرسمه مع تقدم العمر. لم أنس أن أحمل معي رواياتي ومجاميعي القصصية التي فرح بها مثل طفلٍ صغير. سأحاول تصوير تجربة زيارتي لصديقي الفنان الجميل والمدهش بشير مهدي بالكلمات قريبا. الدنمرك 15/11/2012 لوحات تجسد لغة الغياب
قاسم عبد الأمير عجام*
صور أربع للوحات أربع، رسمت بالزيت على “الكانفس” بمقاييس شتى، ولكنها أكثر من ذلك. فهي متعددة فيما تتركه في المتلقي، وهي متعددة في محتويات اللوحة الواحدة. ففي المتلقي تبدأ اللوحة تتناسل أو تتصادى تأثيراتها على صعيدين؛ أولهما الإدهاش الذي تحدثه مهارة التحكم بالضوء واستثمار مساقطه للكشف أو رسم الظلال. وثانيهما إنطاق المكان بلغة الغياب. واللوحات في الحقيقية هي رسومات أو تصوير تعتمد منطق الفوتوغراف في تحديد الشكل وأبعاده ولكنها تشحن الشكل في التعبير من خلال العلاقات التي يقيمها الرسام بين محتويات اللوحة. وهي علاقات يلعب استثمار الضوء والظل فيها الدور الأساس في تكوينها وشحنها بالمعنى وبالتالي في تكوين مفردات لغة المكان. وقد أثث الفنان بشير مهدي مبدع هذه اللوحات، لوحاته بالعديد من التشكيلات والعلاقات الداخلية بطريقة ترمز إلى إنسان غادرها أو يوشك على المغادرة ولكنها متروكة بهيئة تنطق بما أسميناه لغة الغياب، وهي تكاد لما في اللوحة من ظلال وانكسارات والتواءات في الضوء أو خطوط الأشكال توحي بالأسى والفقدان والغربة، أو بعزلة مفروضة، فثمة سرير ينزوي بين جدران وزاوية الباب تحت نافذة مفتوحة أو مغلقة.. وفي الحالتين ترك الفرش مهملاً بعد المغادرة، وثمة، غير الفراش، أشياء أهملت هي الأخرى.. تفاحة مقطوعة تدحرجت على الأرضية أو كتاب ملقى على طرف السرير. والسرير ضيق يتفق ومنطق الاستيحاش الذي تنثه اللوحة، أو حتى وردة سقطت على الأرض وفقدت بعض تويجاتها في لوحة هي الذروة في التعبير عن غربة الإنسان حيث تعرض جمجمة بشرية في قاعة للعرض أبدع الفنان في تفاصيلها إلى درجةٍ متناهية. وهذه اللغة المؤسية ما كان لها أن تتكون وتنطق لولا الإبهار في دقة التكوين. وهي دقة تنبثق من مهارة استثمار الضوء كما أشرنا. فالنوافذ المفتوحة على الفضاءات ليست مجرد مصادر للإضاءة وإنما إشارات لأبعاد تمنح اللوحات أعماقاً تمتد إلى أمكنة أخرى، وتحيلنا بدورها إلى الغريب المغادر الذي يفر إلى الطبيعة رمزاً لنقاء مفقود. ففي كل اللوحات شيء أو مساحة من تجليات الطبيعة.. إن لم تكن حقلاً أو شجرةً فلوحة داخل المكان تجسد الطبيعة. وفي تلك الامتدادات تبلغ دقة التكوين ذراها إذ تستحيل إلى نوع من نمنمةٍ تثير الدهشة ولذا تمشت في المرمر عروقه، وفي المنحوتات الجدارية داخل اللوحة حياة وحركةً، وفي نقوش الأفرشة والجدران، أو النوافذ ما جعل اللوحة الواحدة تشكيلاً من لوحاتٍ عدة لا يمكن للمعنى أن يكتمل إلا باستنطاقها جمعياً. يسمونها مرحلة ما بعد الفوتوغراف، وهي كما تلخصها أو تجسدها هذه اللوحات مرحلة شحن الصورة بحرفيات التشكيلي ورسالته التعبيرية، فليس الشكل المعطى في أية لوحة إلا موقف الرسام. تلك هي لوحات - بشير مهدي - التي شارك فيها في معرض مشترك تجول في أكثر من مكان في العالم، قالت لي ما قالت في صور صغيرة فماذا كانت ستقول لي لو رأيتها على الكنفاس؟!. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ناقد عراقي معروف أغتيل مع أبنه عام 2005 على طريق حلة - بغداد
#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)
Salam_Ibrahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من رسائل الكاتب العراقي نصير عواد إلى سلام إبراهيم
-
توضيح حول طباعة ديوان -وضوح أول- للراحل طارق ياسين
-
حسين سرمك الحلقة 9 الأخيرة: رواية الإرسي: نطقت بالشهادتين
-
حسين سرمك حسن8: الإرسي نطقت بالشهادتين
-
حسين سرمك 7 رواية الإرسي: نطقت بالشهادتين
-
الإرسي 6 حسين سرمك حسن: الرواية نطقت بالشهادتين
-
في مديح العمة حسين سرمك: الإرسي نطقت بالشهادتين -5-
-
حسين سرمك حسن: الإرسي نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة
...
-
رواية – الإرسي - لسلام إبراهيم: نطقت بالشهادتين: شهادة الخرا
...
-
نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العراق-2-..
-
الإرسي نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العرا
...
-
مريم رواية العراقي - سنان أنطوان - العراقي جاء إلى بيْتِهِ،
...
-
رواية الإرسي - الفصل 14 الأخير - ساحة الحشر
-
رواية الإرسي - الفصل 13 - جحيم في غروب رائق
-
الإرسي - الفصل 12 - أحقاد المحبة
-
الإرسي - الفصل 11 - التسلل إلى الفردوس ليلاً
-
ندوة في القاهرة عن رواية -الإرسي- لسلام ابراهيم
-
الإرسي - في برزخ الجبل - الفصل العاشر - ذل العاشق
-
رواية الإرسي - الفصل التاسع - صرخة
-
رواية الإرسي الفصل الثامن - رؤيا الحجر -
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|