دارا كوردو
الحوار المتمدن-العدد: 4043 - 2013 / 3 / 26 - 20:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد دخلتْ المرأة الكردية لأوّل مرة ميادين العمل المسلّح على يد حزب العمّال الكردستاني منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وكانت من أهم العوامل والمرتكزات الفاعلة لإستمرارعمله النضالي، بناءْ على أيديولوجيته الماركسية بضرورة القضاء على طبقية المجتمع و إخراج المرأة من سيطرة الرجل وتوظيف طاقاتها في خدمة القضية الكردية بشكل عام و في شمال كردستان (كردستان تركيا) نضالها على "جبل قنديل" بشكل خاص، و ما إنْ إندلعتْ الثورة السورية، ظهرتْ ظاهرة "عسكرة المرأة" الكردية بين صفوف حزب الإتحاد الديمقراطي"الراديكالي من حزب العمال الكردستاني"في سوريا،والذي يتبنّى برنامجه السياسي أيضاَ، ويتبنى نمط عمله العسكري مؤخراً ، حيث كانت فكرة العسكرة خامدة في صفوف الشباب والشابات بعد أنْ دخل أوجلان إلى السجن في نهاية عقد العاشر من القرن الماضي وأعيددتْ نسب التعليم لترتفع مجدداً بين صفوف الإناث بعد أنّ كانت منخفضة ورهينة لتلك العملية العسكرية البعيدة عن كونها "إمرأة" تطلب مساواتها مع الرجل في حياتها المدنية "التعليم، الصحة، بناء مجتمع أُسري".
- وبالرغم من أنّ وضع المرأة الكردية أثناء الثورة السورية يختلف قليلاًعن المرأة السورية التي تعيش في حمص وريف دمشق والساحل إلا أنّ للظاهرة "الكردية" جذور أعمقُ من كوننا نعيشُ حالةً ثوريةً، سوف تختلف التركيبة الإجتماعية للمجتمع الكردي كاملةً في الأقليم الكردي في سوريا على المدى البعيد ، فهي ليست حالة منعزلة كما كانت "ظاهرة" منتشرة على جبل قنديل وبعيدة بكل تأثيراتها السلبية، بل سوف تسبح بآثارها إلى قاع المجتمع لتغيّر تركيبته، وتؤدي إلى رفع مستوى ومنسوب العنف، لأن غيابها عن دورهاالأساسي"التربية" يؤدي إلى خلق جيل مبني ومشبع بثقافة العنف بالفطرة،مما يولد عنف موروث يصعب إنتزاعه من ثقافة المجتمع الكردي وتعطي إنطباع سيئ عن وضع الكرد في سوريا، كما كان ذاك الإنطباع السائد لدى الأتراك أو غيرهم عن المرأة الكردية الملتحقة بصفوف حزب العمال الكردستاني في تركيا.
- لكن، لا يخفى بأنّ الظاهرة أصبحت سورية أكثرمن كونها كردية، حيث إلتحاق العديد من النساء بالجيش الحر و اللجان الحماية الشعبية في المناطق الداخلية والوسطى وداخل مدينة حلب "لواء خولة بنت الأزور، مثلاُ"، وكذلك لدى النظام بتشكيل جيش رديف لجيش النظام "لبوات الأسد وكتائب البعث"، إلا أننا هنا أمام حالة تعبئة كاملة للمجتمع السوري "العربي"، لكن في المناطق الكردية فالوضع يختلف، لأنّ المنطقة تشهد نوعاً من إستقرارأمني نسبي مقارنةً بأماكن مختلفة من أنحاء سورية، وكذلك فإن فرار و تسرّب شبّان الكرد من الجيش وصل الى أرقاماً قياسية حيث كانوا من الأوائل الذين عزفواعن الإلتحاق بجيش النظام، لا بل تحوّل البعض الى الإنضمام الى جيش الحر و "البشمركة" أو الهجرة الى أوروبا وغيرها، أي أنّ هناك فائض، في ظل هذا الزخم من التجنيد يبدو بأنّ الإتحاد الديمقراطي يضع في إستراتيجياته صراع مستقبلي طويل الأمد بالرغم من أنّ جلّ معاركه كانت على شكل دوامة من الكرّ والفرّ مع ميليشيات تابعة للجيش الحر، وفتحَ جبهات هنا وهناك ضدّ أي طرف كانت ترى هي نفسها فقط بأنه"عدو"يهدد القضية، والحالة الديمغرافية الكردية ذات معدّل نمو مرتفع، كون الكرد يقطنون مناطق تتوفر فيها المياه والتربة الخصبة.
- وبناءً عليه، فإنّ "المنطقة لم تكن بحاجة الى تجنيد المرأة وعسكرتها لخدمة حزبٍ بعينه أو حتى لخدمة القضية الكردية بشكل عام، في المؤسسات الأمنية والعسكرية التابعة للإتحاد الديمقراطي الذي يفرض نفسه بقوة على المجتمع كما كان سابقه، حزب العمال بدون منافس عبر أجهزته التي تشارك فيها المرأة في لجان الحماية الشعبية وغيرها "ي ب ج،الأسايش،تف دم"وكذلك عالمياً، حيث لا يمكننا أن نقارن عمل كاريلاً "مجازاً المرأة الكردية العسكر في سوريا" بمنظمة بلماخ البريطانية مثلاً، ولو أنهم طوروا العملية و الآن المرأة الإسرائيلية تتصدّر صفوف الجيش، أو مقارنتها بضابطات الأمريكيات، الكادر التأهيلي لبناء الجيش العراقي، وأيضاَ بحرس الحدود السعودي أو الأردني وحتى ضابطات في دوائرالهجرة ، برغم من وجود مخاطر وضغوطات تحيط بعض مهماتها بخصوص قضية التحرش الجنسي، فتلك هي حالات لدول قائمة و ليست كما هي الحالة الكردية التي تقاتل المرأة فيها بعقيدة و أيديولجية حزبية "قضية دولة" سبق و قام بالتجربة التحررية و فشلَ فشلاَ ذريعاَ وإعترف به على لسان قائده أوجلان نفسه"يوم21 آذار"برسالة موجهة الى الكرد ورد فيها ضرورة نبذ ثقافة العنف، و إنطلاق مسيرة التآخي بين الشعوب كوسيلة لنيل حقوق المواطنة و العيش الديمقراطي بعيداً عن ثقافة السلاح.
- ونظراً لكون العملية هي تكرار لما قام به حزب العمال في قنديل، فيمكننا أخذ ثمار و نتيجة تلك العملية العسكرية، حيث قام حزب العمال مؤخراً بنسف كل عملها العسكري على مدار ثلاثة عقود وتركها تذهب أدراج الرياح، و كأنها أصبحتْ ضحيّة مؤامرة حيكت ضدها، فلن تتحرّر كردستان تركيا بجهودها، و حلّت اللّقاءات السلمية بدلاً من نشاطها العسكري، وأيضاَ تحرُّر المرأة نفسها كان أشبه بالكذب عليها، حيث كانت تمارس عملها العسكري في ظل برنامج ستاليني في أقسى الظروف الطبيعية، مقارنة بباقي نساء العالم التي تتسلم مقاعد الدراسة في الجامعات وتعتلي البرلمانات، حتى في تركيا بين صفوف صديقاتها " سيباهت تونجيل، ليلى زانا.. مثالاً"وتتحرر بوعيها، علماً بأنّ قبل عسكرتها الأخيرة، هناك نسب مرتفعة من الشابات المتعلمات ذوات الشهادات الجامعية وأيضاَ دراسات عليا، بعد أن كانت منخفضة جداً عندما كانت المرأة تُساق الى العمل العسكري في قنديل و تترك مقاعد الدراسة في ثمانينيات القرن الماضي،والتي كانت ستفتح أفاق حريتها لتكون نواة لتفكير قومي كردي أمتن وأوسع في دائرته وأكثر وعياً، فيما لولم يقمّ حزب العمال بعسكرتها، بينما برنامج السلاح جعلها رهينة حزب وسلاح "كلاشينكوف" الذي كان من المفروض أنْ يكون بيدِ رجلٍ لا بل بعيدة حتى عن يد الرجل، لنبذ ثقافة العنف، كون سوريا بكل مجاميعها متجهة الى حالة مدنية.
- خلاصة القول، أن نمنع المرأة من أن تتسلّح بشهادة علمية، عن تسلحها بسلاح كلاشينكوف وقاتل، يضفي الى حالة كارثية وثقافة رهيبة في ذهنية المرأة" مدرسة الحياة وبناة الأجيال"، ناتجة عن هذه الثقافة والصبغة العقائدية التي أفرزها حزب العمال الكردستاني في جناحه السوري"حزب الإتحاد الديمقراطي" بإقحام المرأة في العمل المسلح، مما ينتج عنها تحوّل خطير في مسار المجتمع الكردي المدني، وآثار سلبية على الظاهرة الإجتماعية على المدى البعيد و التي تؤدي بدورها الى تفتيت بنية المجتمع الكردي بكامله، ربما نشهد مستقبلاً بأن جيلاً من الأطفال يعشق أن يكون السلاح بيده، كي ينتقم أو يمارس طقساً عقائقدياً ينمو كقنبلة موقوتة قد تنفجر لنسف ثقافة مجتمعٍ بأكمله.
#دارا_كوردو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟