أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (7)















المزيد.....

الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (7)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 4043 - 2013 / 3 / 26 - 10:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



إن الصفة المميزة للدكتاتوريات الهامشية او الاطرافية تقوم في خضوعها شبه التام للغريزة في التعامل مع كل ما هو حولها، بحيث تجعل من كل شيء مجرد مادة رخوة تستجيب لأذواقها البدائية في بناء صروحها الأكثر بداوة وعداوة للتمدن والمدنية. إذ ليست أذواقها في الأغلب سوى كمية أعراف وتقاليد ميتة. وذلك لأنها مجرد جزء من حياة عابرة لا علاقة لها بقيم الوجود الكبرى، وفي الحالية المعنية بقيم الحرية والحق والنزعة الإنسانية وكثير غيرها.
غير أن لهذه الظاهرة مأساتها وسخريتها المفارقة. ولعل في محاكمة صدام وإعدامه وما رافقها من مظاهر سياسية وانتخابية هي الصورة الجلية بهذا الصدد. فقد مارست الصدامية، رغم الفارق النوعي بينهما، قبل عقود نفس هذه الأساليب عندما حولت "محاكمة الجواسيس" و"الانقلابيين" وملهاة "المصارعين" وحكايات "أبو طبر" وكثير غيرها إلى أساليب مبكرة من PR لتمرير اغتيالها للمعارضة والعقل الاجتماعي. أما في الواقع فإنها لم تغتال إلا فكرة الحق والدولة والفكرة الوطنية والمصلحة القومية. ولعل المفارقة المخزية في محاكمة صدام تقوم في أن الطرفين يتمسكان بفكرة الحق مع إنهما تجسيد نموذجي للخروج عليها. فصدام "العلماني" يمسك القرآن ويقول "كل ما بني على باطل فهو باطل"، والقضاة يحتمون في منطقة "خضراء" لا تعني في الواقع سوى "حق السير" بقواعد المرور الخاصة بها!! وهي مهزلة تتضح معالمها المدمرة على خلفية الاستفتاء. فمن الناحية الحقوقية والمنطقية والأخلاقية والسياسية والوطنية ليس الاستفتاء سوى المحاكمة التي يقوم بها الشعب في تحديد موقفه من القضايا الجوهرية والمصيرية. أما ربط الاستفتاء بمحاكمة صدام فقد كان إهدارا لفكرة الاستفتاء ومحاكمة الصدامية. فحقيقة الاستفتاء هي محاكمة من نوع رفيع. فعندما يقول الشعب بأغلبية مطلقة للدستور الدائم "نعم" فان ذلك دليل على انه دستور الوحدة الوطنية، كما انه دستور إدراكهم الحقوقي والسياسي، بان ما فيه هو تذليل وتجاوز لزمن الاستبداد وتقاليد الخروج على الحق. وهو ما لم يحصل. ومن ثم ليس توقيت محاكمة صدام قبل إعلان النتائج الرسمية للاستفتاء سوى PR لتغطية عجز بآخر، أو لتمرير خرق للحق بخرق آخر مثله.
بينما كانت الغاية من محاكمة صدام بالنسبة للعراق والعراقيين ليست محاكمة شخصية ولا أخذا بالثار ولا تمريرا لجدول سياسي ضيق ولا أي شيء آخر غير محاكمة تقاليد الاستبداد والخروج على الحق. وهي المحاكمة التي كان ينبغي أن يكون الإجماع على دستور دائم نموذجها الأرفع. بينما لم يحصل شيئا غير حالة مزرية تعبر عن خواء الاستفتاء والمحاكمة. وهو خواء يكشف طبيعة النخبة السياسية المختبئة في "المنطقة الخضراء"، أي في المنطقة التي جعلها صدام حصنا "منيعا" له ضد الشعب وخوفا منه! ولا مفارقة في تاريخ السياسة العراقية أسخف من أن تتحصن القوى "الديمقراطية" و"الشعبية" و"الوطنية" و"الإسلامية" و"العلمانية" فيها. إن مجرد وجودها ومحاصرتها في "المنطقة الخضراء" هو دليل على إفلاسها، كما أنها إشارة على تغلغل الذهنية الصدامية إلى عقلها والهلع إلى نفسيتها. أما أن يتخاصما فيها في محكمة مغلقة على خلفية استفتاء خرب لدستور لا يقل خرابا منه، فهو دليل على بداية الهزيمة التاريخية والسياسية لنخبة المؤقتين الجدد في العراق. إن تجربة أربع سنوات من سيطرة "القوى الديمقراطية" الإسلامية و"العلمانية" الكردية لم تنتج غير مسخ مشوه من طائفية عرقية ابتذلت بطريقة شنيعة فكرة الديمقراطية كما ابتذلت الصدامية فكرة الوطنية العراقية والقومية العربية. ومن هذا الكل المشترك للابتذال أخذت تتعمق وتتوسع حالة التفكك الوطني. وهي الحالة التي يمكن رؤية انعكاسها النموذجي في الموقف من إعدام صدام. فهو تعارض في المواقف يعكس طبيعة ومستوى الاصطفاف الطائفي والجهوي والعرقي، بينما كان يفترض إنزال عقوبة القانون صنع الرؤية الحقوقية بوصفها أس وجذر المواطنة المعاصرة. بينما كانت ردود الفعل تدور حول تحسس (وليس عقل) الموقف من صدور قرار الإعدام وتنفيذه. فقد تحول القرار إلى عامل اختلاف وتصادم. والشيء نفسه يمكن قوله عن إعدامه. بحيث أصبحت رائحة جثته طيبة في الرمادي وتكريت، ونتنة في البصرة والكوفة. وهي مشاعر تعكس أولا وقبل كل شيء تغلغل حالة التفكك الوطني القائمة في نموذج السلطة والدولة الحالية إلى كل المواقف. بمعنى الاحتكام في المواقف إلى الشعور الجمعي الطائفي أو العرقي أو الجهوي وليس إلى عقل الاجتماع الوطني. إذ كشفت محاكمة صدام حسين وقرار إعدامه وتنفيذه على ضعف الفكرة الوطنية وتعاظم النفسية الطائفية والجهوية. فالاختلاف العنيف جرى ويجري حول جثة، بينما يفتقد المستقبل الوطني إلى رؤية ومساعي للوفاق والائتلاف. مع أن صدام لم يكن وليس بإمكانه أن يشكل أية قيمة ايجابية بالنسبة للمستقبل.
فمما لا شك فيه، إن هناك شخصيات يقبلها الزمن ويرفضها التاريخ. بمعنى أنها تبقى في الذاكرة ولكن بدون ذكرى. وهي الحالة المرافقة لنهاية كل المستبدين والقتلة والمجرمين، الكبار منهم والصغار. فالعراقيون يتذكرون جيدا الحجاج الثقفي وعمر بن سعد والشمر بن ذي الجوشن وأمثالهم، غير انه لا ذكرى لهم في القلوب. لكنهم يتذكرون مسلم بن عقيل والحسين بن علي والمختار الثقفي وأمثالهم، وتدمع عيونهم وتبكي قلوبهم، ويعيدون إنتاجهم في الحس والعقل والحدس. وهي دورة يعيدون تمثيلها وتمثلها مع الزمن لكي يجعلوا منه تاريخا لوعي الذاتي الروحي والوجداني والسياسي. وهي حالة لا يمكنها الانتهاء ما لم تنته بطريقة تجعل من التعزية أسلوبا لتنقية الضمير الأخلاقي، وتحسينا للوعي السياسي، واستلهاما لحقيقة التاريخ العراقي.
وليس الإعدام الجسدي لصدام سوى إحدى الحلقات أو المراحل أو المستويات الضرورية لقطع هذا الطريق الطويل والشاق. فمن الناحية المعنوية لم يكن صدام أكثر من جثة نتنة بمعايير الرؤية الأخلاقية، وقوة مخربة بمعايير الرؤية السياسية الحقيقية، وكارثة مريعة بمعايير الرؤية الوطنية. وهي مكونات تراكمت في الضمير العراقي العام قبل أن تبلغ ذروتها التي تبدو في نظر الأغلبية اقرب إلى الخيال منها إلى الواقع. وهو سر أو سبب "الفلتة" الصغيرة التي أطلقت بدون إرادة ووعي، كلمات اللعنة عليه. وهي كلمات لا تخدش من حيث الجوهر سوى الضمائر الخربة. وذلك بسبب عدم قدرتها على سماع أصوات الاحتجاج الاجتماعي الهائل والازدراء غير المتناهي ضد الدكتاتوري الصدامية. فالحس السليم والدراية الحقيقية والانتماء إلى تاريخ العذاب الوطني والبقاء ضمن حيز الرؤية الإنسانية يفترض مشاركة المعاناة بأبسط أقدارها. وليس هناك من قدر ابسط في الحالة المعنية من إطلاق العنان للنفس المكبوتة بالبوح بما فيها. وهو مظهر للنزوع الأخلاقي الشفاف لا غبار عليه ولا بقية لانتقام متوحش أو غدر همجي.
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن زمن الدكتاتورية الصدامية هو مجرد كمية هائلة من الانتقام والغدر، فان استكماله في سلوك من يعارضه يبدو طبيعيا. فهو الاستمرار الطبيعي لحالة جرى رفعها إلى مصاف الصيغة "السياسية" الوحيدة في التعامل مع الخصوم. إذ لم تعترف الصدامية بمفاهيم وقيم الاختلاف والمعارضة والحيادية وما شابه ذلك. بل حولت مجمل العلاقات والمفاهيم إلى ثنائية مسطحة محصورة في نموذج "الأعداء والأصدقاء". وهي معادلة لا خيار فيها للفرد والمجتمع، لأنها محصورة بدكتاتورية لا تعرف غير القوة والقسوة والغدر والخيانة والخروج على ابسط مقومات الوجود الطبيعي للبشر والدولة والوطنية والقومية.
فقد كان النظام الصدامي نظاما عائليا قبليا طائفيا صرف. بمعنى 100%. وكل الإضافات الأخرى من اجل تقوية وتدعيم مكوناته المشار إليها أعلاه. وبالتالي لم يكن "النظام" سوى تنظيم دقيق في الهرمية القبلية والعائلية "يؤسس" لبنية السلطة وحكم العائلة. غير انه شأن كل حكم عائلي قبلي هرمي عادة ما يربط في فلكه حلقات فعله المتوسع. لكنه لا يستطيع احتواء الجميع، وذلك لان احتواء الجميع يفترض أولوية الفكرة الوطنية. ولا وطنية في الفكرة العائلية القبلية. منن هنا توظيف الدكتاتورية الصدامية للجهوية والطائفية. وهو توظيف يمكن رؤية انعكاسه في الموقف من أشكال التعزية التي جرى تقديمها بعد إعدام صدام. وهي تعزية ليست إلا الوجه الآخر لبقايا الجهوية والطائفية بعد أن جرى تفعيلها في مجرى السنوات الأربع بحيث تحولت إلى "منظومة" خفية في بنية الوعي الاجتماعي والسياسي. وهو الشيء الذي كان يمكن تلمسه في البحث والتدليل على "شماتة طائفية" ونزوع انتقامي "للشيعة" ضد "السنة". وهو خطاب لا علاقة له بالوطنية العراقية والقومية العربية. بمعنى انه خطاب طائفي صرف. واخطر ما فيه جعل صدام رمزا للسّنة! بحيث يتحول الموقف منه إلى موقف من "العرب السّنة"!! وهي مفارقة غريبة جعلت من صدام حسين "العلماني" ابن تيمية البعثي! ومن "القائد القومي" شيخا لطائفة مذهبية! وهي حالة تكشف بدورها عن عمق ومدى توسع التفكك الوطني والانحطاط السياسي. بحيث يمكننا القول بأن سنوات ما بعد الاحتلال، هي سنوات من توسع التفكك الوطني. مما أدى إلى صنع منظومة التفكك الوطني الفاعلة بمقاييس الطائفية السياسية والعرقية القومية العلنية والمبطنة، أي اشد النماذج تخريبا للفكرة الوطنية ومرجعيات العيش المشترك.
بعبارة أخرى إننا نقف الآن أمام وجود وفاعلية "منظومة" خفية آخذة في "التكامل" للنزعة الطائفية والعرقية. الأمر الذي جعل من رذيلة التجزئة "حقيقة سياسية". وحالما تصبح الرذيلة "حقيقة" وليس مجرد واقعا، فان ذلك يعني بلوغ التجزئة حالة "المنظومة" الفاعلة في كافة نواحي الحياة وعلى مختلف مستوياتها. وهي حالة حالما تستقل بفاعليتها الخاصة في بلورة المواقف والقيم (السياسية والأخلاقية) عند الأفراد والجماعات والمجتمع عموما، فإنها تفرض بظلالها على الجميع وتجعل من الضلال دليلا على الواقع.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (6)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (5)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (4)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (3)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (2)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (1)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (6)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (5)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (4)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (3)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (2)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (1)
- التصنيف العقلي والثقافي للفلسفة والأديان عند الشهرستاني
- الفلسفة والكلام الإسلامي في منهج الشهرستاني
- الفلسفة وموقعها في المنهج التصنيفي والبحثي للشهرستاني
- المنهج النقدي والتدقيق العلمي للفكرة الفلسفية عند الشهرستاني
- -الحقيقة العقائدية- وقلق البحث عن اليقين في الموسوعات الإسلا ...
- -الحقيقة العقائدية- وقلق البحث عن اليقين في الموسوعات الإسلا ...
- الشهرستاني ومنهج تأسيس أهمية العلم الفلسفي (2-2)
- الشهرستاني ومنهج تأسيس أهمية العلم الفلسفي (1-2)


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (7)