أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سها السباعي - موستانغ














المزيد.....

موستانغ


سها السباعي

الحوار المتمدن-العدد: 4042 - 2013 / 3 / 25 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


موستانغ
قصة قصيرة

عبر قارتين ومحيط، أتجذرُ في أرضٍ أخرى. جذوري القديمة تآكلت بسبب مرارة التربة. وبدلاً من أختار الاستقرار في مدينةٍ كبيرةٍ عامرةٍ بالأضواء وبالحضارة المزيفة؛ اخترتُ البراري. في ولاية وايومينغ حيث المرتفعات والجبال تجعلني أقرب إلى السماء، التي توقفتُ عن محاولة فك ألغازها منذ زمن، ولم أعد أهتم إلاّ بالاستمتاع باتساعها اللانهائي وبألوانها المختلفة عبر اليوم. وبما أن السماء هناك أصبحت مقبضة، فكان ينبغي أن أرحل إلى أرضٍ سماؤها أكثر إشراقًا. ليس ذنب السماء، أعرف. لكنني لم أعد أحتمل.

أول مزرعة طرقت بابها للبحث عن عمل قبلتني. العمل في المزارع كثير ويحتاج إلى كل يدٍ ممكنة. اطمأن صاحب المزرعة عندما عرضت عليه كل أوراقي ولم يفزع لكوني عربي. وقال إنه لا يهتم إلا بالعمل، وإنه لا يعتقد أنني سافرت كل هذه الأميال لأفجر مزرعة في مكانٍ ناءٍ كهذا. قلت له إنني لا أهتم إلا بالبراح، وإن كان العمل هو طريقي إليه فلن يجد من يعمل بجد مثلي. ويبدو أن كلامي أعجبه، فطمأنني إلى إنه سيهتم بالأوراق الرسمية. فمثلي عمالة نادرة، لا يوجد من يقبل على العمل في المزارع اليوم، وفي مكان ريفي لن تكون هناك مشكلة في بقائي.

عملي مع الخيول كان غايتي، فهي لا تتكلم. التعامل مع البشر كان في أضيق الحدود. لم تعد الخيول تستخدم كسلاح في الحرب أو كوسيلة انتقالٍ كما في الماضي. الخيول هنا تراث، عنصر أساسي في مهرجانات الغرب الأوسط، وفي سباقات أندية الفروسية التي لا يزال يرتادها المهتمون بالرياضة والبطولات، كما أنها رفاهية وتجارة لمن يملكون المال، يشترون ويبيعون، ويمتلكون للتفاخر، ويقبضون مهور أفراسٍ ذوات أصول نبيلة وفحولٍ عريقة النسب.

مكافأتي لنفسي كانت امتطاء الحصان المخصص لي ونهب الأرض . سواء كانت نقطة توقفي قمة جبلٍ أو حافة جرفٍ ما فهي مكانٌ استراتيجيٌّ لبهجة روحي. تزوجتُ الأرض وعشقتُ السماء ولم أعد أريد شيئًا آخر. هل أصبحت متصوفًا! ربما.

من حين إلى آخر ألمحها، مضيئة في رائعة النهار. يقولون إن الأسود يمتص الضوء، أما هي فكان لونها الأسود اللامع يعكس أشعة الشمس كأنها جرمٌ سماويٌّ. عندما أصادفها أحرص على الابتعاد عنها حتى أقرب مكانٍ يمكنني متابعتها منه. لن ألوث هذا الجمال الفطري بأنفاسي. لن أخيفها برؤية واحد من جنسي البشري المدمر. وإن كنت أتمنى أن أنظر في عينيها السوداوتين وأتلاشي في عمقهما. أعرف من قوائمها الرفيعة وخصرها الرشيق أن أصولها إسبانية، وأنه قد سبق تدجين أسلافها واجتلابهم إلى هذه الأرض واستخدامهم كما اجتلبوا واستخدموا الأحرار من إفريقيا. وجودها طليقة في البراري سببه أن أحد أسلافها ضل طريقه، أو هرب، أو أُطلق عن عمدٍ في البرية ليحيا معتمدًا على نفسه. أيًّا كان الأمر فقد ترك لها هذا الجَدُّ أفضل إرثٍ ممكن.

لم أخبر رب عملي بشأنها، كنت أعلم أنه إن علم بوجودها فسيسعى إلى أسرها، حتى إن لم يستطع ترويضها فستكون مفيدة في مهرجانات الروديو. ولكن الذي لم أعمل حسابه أن هناك مزارع أخرى، وأرباب عملٍ آخرون. عندما مرت فترة على غيابها توجستُ شرًّا. ثم تأكد الخبر عندما تناقل العمال أن مزرعةً قريبة حصلت على فرس موستانغ سوداء جامحة. انقبض قلبي، وفي أول فرصة ذهبت لزيارتها. استطعتُ الاقتراب منها لأول مرة، لم يَحُلْ بيني وبينها إلا بضعة أمتار ينتصب فيها سياجٌ أبيضٌ مرتفع. حققت أمنيتي بالنظر في عينيها مباشرة. نظرتها لي قالت إنها تعرفني، وأنها كانت تتابعني بدورها. قبل أن يطلبوا مني الرحيل ما دمت لن أشتريها نظرتُ إليها مطمئنًا.

تسللتُ في الليل وفتحت لها باب سجنها، دخلتُ وسمحتْ لي بلمسة، ثم اقتربتْ بجبينها من جبيني، أغمضتُ عيني لدقيقةٍ كانت هي كل الزمن. ثم تنحيتُ عن طريقها لتذهب. أمالتْ عنقها المنحوت نحوي في شعورٍ أسميته الحب، ثم صهلتْ في قوة وانطلقتْ. لم أستطع الابتعاد قبل أن يُكتشف أمري، وقبض عليّ العمال وأوسعوني ضربًا.

عبر قضبان نافذة زنزانتي الانفرادية، أتطلع إلى بقعةٍ صغيرةٍ من السماء، ولا أسمع إلا صوت صهيلها، وأبتسم.



#سها_السباعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آخر الشارع
- سألتُ مُعلمي
- عنكبوتٌ صبورٌ هادئ
- نجمةٌ ميتةٌ
- سأم القاهرة
- نقطة ومن أول السطر
- البجعة السوداء - من دار الأيتام إلى خشبة المسرح
- الضباب ومقر البرلمان
- في انتظار الحُكم
- وماذا بعد يا مصر؟
- قسَم الملعب وقسَم الميدان
- نهضة مصر - مسيرة تمثال
- كاتمة الأسرار – مصر والمرأة المصرية في أعمال محمود مختار
- إنها ليست كراهية، إنه حب امتلاك


المزيد.....




- كفن المسيح: هل حسم العلماء لغز -أقدس- قطعة قماش عرفها التاري ...
- الإعلان عن سبب وفاة الفنان المصري سليمان عيد
- الموت يغيب النجم المصري الشهير سليمان عيد
- افتتاح الدورة السابعة والأربعين لمهرجان موسكو السينمائي الدو ...
- السوق الأسبوعي في المغرب.. ملتقى الثقافة والذاكرة والإنسان
- مبادرة جديدة لهيئة الأفلام السعودية
- صورة طفل فلسطيني بترت ذراعاه تفوز بجائزة وورلد برس فوتو
- موجة من الغضب والانتقادات بعد قرار فصل سلاف فواخرجي من نقابة ...
- فيلم -فانون- :هل قاطعته دور السينما لأنه يتناول الاستعمار ال ...
- فصل سلاف فواخرجي من نقابة فناني سوريا


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سها السباعي - موستانغ