|
الطبقة العاملة في حاجة الى منظمة سياسية ثورية
عبد السلام أديب
الحوار المتمدن-العدد: 4041 - 2013 / 3 / 24 - 19:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما تصل الطبقة العاملة وطليعتها البروليتارية الواعية الى فهم واقع الاستغلال والاضطهاد الذي تعيشه في ظل الأنظمة الرأسمالية الاحتكارية، ثم تعي بأن البرجوازية المهيمنة تستعمل جهاز الدولة وآليات الأحزاب السياسية اليمينية واليسارية والاسلاموية من أجل تخديرها بأوهام الاصلاح في نفس الوقت الذي تعمق فيه مخططات استغلالها واضطهادها، عندما تصل الطبقة العاملة وطليعتها إذن الى هذه الخلاصة، فإنها تسعى الى "تنظيم" مقاومتها ضد هذا الاستغلال والاضطهاد.
وقد سبق للينين أن قال في مقالته تحت عنوان وحدة الطبقة العاملة صدرت سنة 1913، ما معناه أن العمال متفرقين هم لاشيء، وأن العمال موحدين، هم كل شيء. فالفكرة الاساسية التي يؤكد عليها لينين في هذه المقولة هي وحدة العمال، وبطبيعة الحال أن الوحدة لا معنى لها بدون تنظيم هذه الوحدة، والتي تعني تنظيم الانسجام في الحركة العمالية. وعندما نتحدث عن التنظيم فإن ذلك مناقض تماما لمفهوم "للفوضى" والذي هو مذهب سياسي آخر نظر له كل من جوزيف برودون وباكونين وهو نوع من "اللاسلطوية" البرجوازية الصغرى والتي قال عنها لينين سنة 1901 أنها نوع من الفردانية البرجوازية الصغرى بالمقلوب والتي لا تعترف بقوة التنظيم الجماعي، كما تنفي قوة الاتحاد وتؤمن بالملكية الفردية، في حين أن كل هذه الخلفيات الفلسفية التي تقوم عليها الفوضوية تخدم النظام الرأسمالي القائم وتجعل العامل الفرد ضحية الاستغلال والاضطهاد.
حاجة الطبقة العاملة للتنظيم هو بقدر حاجتها للحرية وتحقيق ذاتها، لذلك لا يمكن لهذا التنظيم أن يكون متعارضا مع هذه الحرية ومع تحقيق تطلعات الطبقة العاملة. فكيف إذن يمكن خلق الانسجام بين التنظيم والحرية وتحقيق الذات؟ لقد أجابت الماركسية اللينينية بكل وضوح عن هذه الاشكالية ووضعت مبادئ تحقيق ذلك تأتي في مقدمتها المركزية الديموقراطية.
تعتبر هذه الورقة بمثابة تكثيف لعدد من النقاشات اجريتها طيلة أكثر من سبعة سنوات أي منذ سنة 2006 مع عدد من الرفيقات والرفاق حول قضايا جوهرية مرتبطة بالحاجة الى الأداة السياسية للطبقة العاملة وبناء المنظمة السياسية للطبقة العاملة، وقد اختزلت تلك النقاشات التجارب المعاشة للمشاركين في النقاش وكذا انتمائهم والتزامهم للخط السياسي والايديولوجي الماركسي اللينيني فالخلاصات التالية تحدد الخطوط العريضة التي تم حسمها خلال تلك النقاشات فرغبة في المحافظة على هذه الخلاصات وتطويرها قمت بصياغتها كما يلي:
أولا: قوة الطبقة العاملة في وحدتها وتنظيمها
سؤالين أساسيين طرحا مرارا للنقاش بدون حسم، الأول حول لماذا الطبقة العاملة في حاجة الى التوحيد والتنظيم؟ أما الثاني فحول أي حزب سياسي ستسعى الطبقة العاملة الى تأسيسه؟
لقد أكد كارل ماركس في توطئته لنقد الاقتصاد السياسي على أن " وعي الانسان ليس هو ما يحدد وجوده، بل على العكس من ذلك وجوده الاجتماعي هو من يحدد وعيه" لذلك فإن عملية وعي الطبقة العاملة – وانتقالها من طبقة بحد ذاتها، الى طبقة بذاتها - هي صيرورة جماعية مادية بالضرورة – لأن هذه الطبقة تنجز في الإنتاج الرأسمالي عملا مشتركا يحتاج لمشاركة جماعة من العمال. لذلك فإن العمال لا يمكنهم سوى الدفاع جماعيا عن مصالحهم لأن هذه الأخيرة عبارة عن مصالح جماعية. 1 – لماذا الطبقة العاملة في حاجة الى التوحد والتنظيم؟
الاستغلال الرأسمالي السافر والمتواصل للطبقة العاملة يولد بالضرورة وباستمرار مقاومة عمالية وصراع طبقي. وعندما يتعرض معدل أرباح البرجوازية المهيمنة للتدهور بفعل قانون اتجاه معدل الربح الرأسمالي نحو الانخفاض الناجم عن بدوره عن التناقض بين قوى الانتاج المتقدمة وعلاقات الانتاج المتخلفة التي تعتبر الطبقة العاملة ضحيتها، فإن البرجوازية تبدع أساليب التخلص من تكاليف ازمتها وتعمل على نقلها على عاتق الطبقة العاملة. ومن بين أبرز أشكال نقل تكاليف الأزمة على عاتق الطبقة العاملة هناك تجميد الأجور وتخفيضها من خلال الزيادة في الاسعار، وتسريح العاملات والعمال فرادى وجماعات وإلغاء الإعانات والتغطية الاجتماعية وتجاهل توفير شروط الشغل اثناء العمل لتقليص التكاليف ....
فلمواجهة هذا الهجوم البرجوازي والذي يتم في الغالب تحت رعاية أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية، يلجأ العمال إلى تنظيم أنفسهم وبأشكال مختلفة، وفي الغالب ما يلجؤون الى الانخراط في النقابات وتشكيل مكاتبهم النقابية وحيث لا يعير العمال في ذلك أي اهتمام إلى مدى رجعية أو تقدمية المركزية النقابية التي يلتحقون بها، فالوعي البدائي للعمال المستغلين يقتصر في البداية على فهم ضرورة اجتماعهم وانتظامهم في احدى النقابات من أجل الدفاع عن أنفسهم ضد الهجوم البرجوازي اليومي على شروط معيشتهم. لكن البرجوازية المهيمنة استطاعت بشكل مستمر خلق بيروقراطيات نقابية في كافة المركزيات النقابية تضمن تواطؤها المستتر مع الباطرونا ومع الحكومات المتعاقبة ضد مصالح الطبقة العاملة. الكثير من العاملات والعمال يتوصلون الى فهم هذه الحقيقة مما يجعلهم يفقدون الثقة في النقابات ويبتعدون عنها. ونلمس هذا الواقع بشكل واضح في بلادنا اليوم ففي مقابل تواجد ثلاثين مركزية نقابية والتي تفضح ارادة الدولة البرجوازية في تشتيت الطبقة العاملة من اجل تكسير نضالاتها الوحدوية هناك فقط حوالي 8 في المائة من العاملات والعمال المنقبين.
انتقد كارل ماركس وفردريك انجلز في البيان الشيوعي خداع ما يسمى باليسار الاشتراكي للطبقة العاملة حيث سموهم بالاشتراكيين البرجوازيين: "اشتراكية البرجوازيين لا تبلغ تعبيرها المُلائم إلاّ عندما تسمي مجرد تعبير بياني. فحرية التجارة، لمصلحة الطبقة العاملة، والحماية الجمركية لمصلحة الطبقة العاملة، والسجون الانفرادية، لمصلحة الطبقة العاملة: هذه هي الكلمة الأخيرة والوحيدة الجادة، التي تقصدها اشتراكية البرجوازيين. فاشتراكية البرجوازية لا تكمن إلاّ في الادعاء القائل بإنّ البرجوازيين هم برجوازيون - لمصلحة الطبقة العاملة".
إذن ففي ما وراء هذه الاطارات الجماهيرية، التي تلجأ اليها الطبقة العاملة عادة للدفاع عن مصالحها الاقتصادية المباشرة، تظهر الحاجة الى إطار عمالي أقوى للتعبير عن مطامحها الاقتصادية والسياسية وفرضها بالتالي على الطبقة البرجوازية الحاكمة.
لكن اشكالية الطبقة العاملة اليوم، بالنظر إلى العديد من التجارب السياسية التي تعرضت للقمع والتصفية أو للانحراف والفشل أو الالتحاق بخدمة العدو الطبقي على حساب الطبقة العاملة، تطرح علامة استفهام حول طبيعة هذه المنظمة التي تعبر فعلا عن التطلعات التحررية للطبقة العاملة وعن متابعة انجاز بديلها الاستراتيجي السياسي والاقتصادي والاجتماعي. إنها إشكالية شائكة فعلا، أمام التراجع والاندحار البين لحاملي الفكر الاشتراكي، والهجوم والتشويه الكبير الذي تعرضت له النظرية الماركسية اللينينية كمعبر سياسي للطبقة العاملة على يد أعدائها خاصة من قبل البرجوازية الصغرى في الاتحاد السوفياتي عقب وفاة ستالين سنة 1953. فقد استطاعت التحريفية السوفياتية منذ المؤتمر العشرين للحزب البولشفي أن تحول تدريجيا النظام السوفياتي الذي كان قائما على ديكتاتورية البروليتارية في عهد ستالين الى ديكتاتورية رأسمالية من نوع جديد "رأسمالية الدولة" تستند فيه البيروقراطية المهيمنة على جهاز الدولة لاستغلال الطبقة العاملة السوفيتية والتي لم تعمل سنة 1991 سوى على تحويل الاتحاد السوفيتي من رأسمالية مقنعة ومشوهة الى رأسمالية مفتوحة. كما ساهمت التحريفية السوفياتية منذ عام 1956 على خلق نسق تحريفي طبع الخط السياسي لمختلف الأحزاب الشيوعية والاشتراكية وما يسمى باليسار عبر العالم لكي تتحول الى نسخ طبق الأصل للتحريفية السوفياتية.
ورغم الضبابية والغموض السياسيين المترتبين من جهة عن الدعاية الايديولوجية البرجوازية حول انهيار الاشتراكية ومن جهة اخرى عن السلوك السياسي التحريفي للأحزاب الشيوعية والاشتراكية التي ظلت تعمل على تغليط الطبقة العاملة وتتناوب مع الأحزاب الليبرالية على ممارسة السلطة من خلال تغليطهم بالمشاريع الاصلاحية من أجل الامعان في استغلالهم والعمل الى جانبها على ضرب وتفكيك كافة المرافق العمومية لكونها غير مفيدة للرأسمال المالي العالمي والمحلي. لكن تعمق تناقضات النظام الرأسمالي العالمي وتعمق ازمته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، دمر ما تبقى من مصداقية وهمية لدى الدولة البرجوازية، كما أدى الى تبخر مختلف مغالطات وخدع البرجوازية اليمينية واليسراوية في ذهن الطبقة العاملة نتيجة تعمق الاستغلال والبؤس والتهميش وانسداد الآفاق، وبالتالي دفعت هذه الوضعية الطبقة العاملة الى ابداع اشكال نضالية جديدة عفوية صدامية ضد رأس المال بجميع اقنعته ومن بينها قناع الدين الذي التجأت اليه الامبريالية مؤخرا بشكل سافر للتحكم في مصائر شعوب البلدان المغاربية والعربية والاسلامية والالتفاف على تمردها على الكمبرادوريات المحلية وعلى الامبريالية العالمية.
أخيرا فإن الطبقة العاملة ليست في حاجة الى منظمة سياسية عمالية من أجل تفجير التمرد أو لتنظيم هذا التمرد. فسواء وجدت هذه المنظمة أم لم توجد، فإن الطبقة العاملة ستتمرد باستمرار وفي كل مكان وبتنظيماتها الذاتية أو بدونها كرد فعل على الاستغلال والاضطهاد البرجوازيين، وهذا هو قانون الصراع الطبقي. لكن إذا كان الهدف من المنظمة السياسية هو السير في اتجاه القضاء على الاستغلال الرأسمالي من أجل انجاز البديل الاشتراكي التاريخي والعمل على نشر الفكر الشيوعي وسط الكادحين كبديل عن الفكر الطبقي الرأسمالي، فلا يمكن للطبقة العاملة من أجل ذلك الاستغناء عن بناء هذه المنظمة. فضرورة المنظمة السياسية لا تقوم على الاكراهات المباشرة الآنية للصراع، وانما على الهدف النهائي الذي تريد الوصول. وبطبيعة الحال فان بناء هذه المنظمة السياسية يتم بشكل متزامن مع تنامي الوعي الطبقي ومع احتداد الصراع الطبقي ومع ضرورة الوحدة والتنظيم لمواجهة كل ذلك.
سبق لكارل ماركس وفردريك انجلز أن حددا مهام المنظمة السياسية للطبقة العاملة وان بعبارات مختلفة في البيان الشيوعي سنة 1848 كما يلي:
" الشيوعيون عمليّا هم الفريق الأكثر حزما من الأحزاب العمالية في جميع البلدان، والدافع دوما إلى الأمام، ونظريا هم متميزون عن سائر جُموع البروليتارية، بالتبصّر في وضع الحركة البروليتارية، وفي مسيرتها ونتائجها العامّة. فالهدف الأول للشيوعيين هو الهدف نفسه لكل الأحزاب البروليتارية الأخرى أي تشكّل البروليتارية في طبقة، وإسقاط هيمنة البرجوازية، واستيلاء البروليتارية عن السّلطة السياسية".
وفي مكان آخر من البيان يؤكدان على أن : "البروليتارية ستستخدم سلطتها السياسية لتَنتَزع من البرجوازية تدريجيا، رأس المال كله، ولِـتُمركز أدوات الإنتاج كلّها في أيدي الدولة (ديكتاتورية البروليتارية)، أي في أيدي البروليتاريا المنظَّمة في طبقة سائدة، ولتزيد حجم القوى المنتجة بأقصى سرعة ممكنة". 2 – أي حزب تسعى الطبقة العاملة إلى تأسيسه؟
مرحلة الشيوعية ليست نظاما اجتماعيا سيجتاح الرأسمالية بشكل حتمي، والذي يجب على الطبقة العاملة أن تجلس في انتظار قدومه، بل على العكس من ذلك، لأن مرحلة الشيوعية ستجتاح الرأسمالية كنتيجة للحركة العمالية الثورية لقلب النظام الرأسمالي بشكل واع ومنظم. وعلى الطبقة العاملة أن تعمل من خلال منظمتها الشيوعية على الاعداد لتلك الثورة الواعية على الدراسة النظرية وعلى استخلاص حصيلة التجارب الثورية على طول تاريخ الحركة العمالية محليا وعالميا الايجابية منها والسلبية، وبالتالي بلورة الخط السياسي من خلالها، مع ممارسة التحليل الملموس للواقع الحالي للرأسمالية اقتصاديا وسياسيا للتمكن من رسم استراتيجيات واضحة واقعية مرحلية عن المستقبل، وصياغة التكتيكات الملائمة بخصوص كل مرحلة من هذه الاستراتيجيات مع تقدم صيرورة الصراع الطبقي، ومن تم العمل على إدارة ميدانية للصراع السياسي وحتى للصراع المسلح ان كان لا بد من ذلك في مواجهة القمع والغطرسة ومحاولات التصفية ومن اجل تحقيق انتصار نهائي ومظفر للثورة، الخ ... المنظمة السياسية للطبقة العاملة تبني شيئا فشيئا وفي ظل صراع طبقي ميداني يومي وعبر مراحل استراتيجية متعاقبة تتجه نحو تحرير المستغلين من الاستغلال، مع النضال ضد الامبريالية، وتأهيل الطليعة البروليتارية للقيادة السياسية، وتعميق مفهوم الانتقال الاشتراكي ودور الطبقة العاملة خلال مرحلة ديكتاتورية البروليتارية، ورفض الاختيارات السلمية تحت الهيمنة البرجوازية ...
بناء المنظمة السياسية يسبق مرحلة بناء حزب الطبقة العاملة. لكن بناء المنظمة، أمام جسامة المهمة، قد يصطدم بأسلوبين خاطئين في النضال، أحدهما يقتصر على إدارة المعارك القطاعية رغم اهميتها، كالنضالات النقابية أو الحقوقية أو الطلابية أو الشبابية أو النسائية الخ والتي تعمل أغلبيتها على تشويه الوعي الطبقي العمالي، وأغلب هذه النضالات تنشأ نتيجة الهجوم البرجوازي على كافة الواجهات. وهناك أسلوب ثان يلجأ اليه بعض المناضلين كمحاولة الأطراف نشر أفكارها السياسية رغم أهميتها أيضا، من خلال الاكتفاء بالتعليق السياسي على الأحداث اليومية، اعتقادا أن من شأن ذلك تغيير الواقع المتدهور أمام الجميع.
وفي الحالتين يستبعد الرفاق العمل على بناء التنظيم السياسي للطبقة العاملة شكلا ومضمونا وحركية. وغالبا ما يؤدي تقسيم النضالات القطاعية بين المناضلين تحت ضغوطات إيديولوجية وسياسية رجعية، تغذي غياب الطموح السياسي وتؤدي الى تعقيم الحراك النضالي.
فمثل هذه الآفاق الضيقة قد تدفع عدد من الرفاق نحو التحول عن المواجهات السياسية الحقيقية، وبالتالي التحول عن البناء الجدي للمنظمة. فهذا البناء لوحده، قادر على منح الرفاق الإطار الجماعي الذي يتيح لهم تطوير البديل السياسي الثوري الذي يتباكون لغيابه.
يصف كارل ماركس وفردريك انجلز في البيان الشيوعي السيرورة الصعبة لبناء الحزب البروليتاري في خضم الصراع الطبقي كما يلي:
"إن انتظام البروليتاريين في طبقة، وبالتالي في حزب سياسي، تنسفه مجددا وفي كل لحظة المزاحمة بين العمال أنفسهم؛ لكنه ينهض مرارا وتكرارا قوى وأمتن وأشدّ يأسا، ويستفيد من الإنقسامات في صفوف البرجوازية"
"إنّ تاريخ كل مجتمع، حتى الآن، كان يتحرك في تناحرات طبقية، اتخذت أشكالا مختلفة حسب العهود المختلفة. ولكن مهما كان الشكل الذي اتخذته هذه التناحرات على الدوام، فإنّ استغلال قسم من المجتمع للقسم الآخر هو واقع واحد لجميع العصور السالفة. ولا عجب إذن إن كان الوعي المجتمعي، في كل العصور، يتحرك، رغم التنوع والتباين، في أشكال مشتَركة (واحدة) معينة، في أشكال من الوعي لا تنحلّ تماما إلاّ بزوال التـناحر الطبقي كليا. فالثورة الشيوعية، هي القطيعة الأكثر جذرية مع علاقات الملكية المُتوارثَة، ولا غرابة في أن تقطع في مجرى نموها، بجذرية أشدّ، صلتها بالأفكار المتوارثة".
ثانيا: سيرورة الخط السياسي للتنظيم
عندما يحاول الرفاق مناقشة أسس البناء السياسي، يطرحون مسألة البرنامج والخط السياسي الذي يتماشى مع التطلعات السياسية والاقتصادية للطبقة العاملة سواء على المدى القريب أو على مستوى الهدف الاستراتيجي. حول هذا الموضوع جرى نقاش مستفيض حول كيفية بلورة خط سياسي بروليتاري موحد ومتطور، ثم كيفية ربط التنظيم للنظرية بالتطبيق.
1 - بلورة خط سياسي موحد ومتطور
ينطلق بناء المنظمة السياسية للطبقة العاملة من بلورة البنية التنظيمية والعمل السياسي على أساس أهداف سياسية كبرى: الثورة البروليتارية، اقرار ديكتاتورية البروليتارية لإلغاء الطبقات واقامة الاشتراكية، واكتشاف وابداع وسائل بلوغ تلك الأهداف؛ وترجمة كل ذلك في خط سياسي واضح. فأهداف المنظمة تشكل البنيات الاساسية للمنظمة، كما تحدث علاقة جدلية بين الخط السياسي للمنظمة وصيرورة بنائها.
لكن هذه العلاقة الجدلية لا تتم بدون تناقضات، فالمنظمة ليست بعيدة عن المجتمع، ولا تعتبر محمية من تأثيرات الامبريالية والنضال ضدها. كما أن أعضاء المنظمة هم من أصول مختلفة ووضعيات متفاوتة في إطار التقسيم الاجتماعي للعمل. ومع ذلك، وبنفس هذه الوسائل، نسعى إلى إقامة مجتمع جديد بديل متكامل، بدون طبقات، بدون هيمنة، وبدون اضطهاد. وفي ظل هذه العلاقة المتناقضة، يصبح الخط السياسي هو القائد للجميع. كما تصبح قواعد التنظيم هي المعبر عن هذه الأهداف.
وبما أن هدف المنظمة هو تحرير الطبقة العاملة في أفق اقامة المجتمع الشيوعي، فإن النضال يتم ضد آثار تقسيم العمل الذي يشكل أيضا معطى موضوعي داخل المنظمة في ظل الشروط القائمة، مع العمل باستمرار على تعزيز العلاقة بالجماهير في جميع الواجهات. والنضال ضد عدم المساواة القائمة، بين حملة الشهادات وحملة السواعد، بين المثقفين وغير المثقفين، بين القيادات وغير القيادات، بين الرجال والنساء ... والتي لا يمكن القضاء عليها نهائيا في ظل استمرار النظام الرأسمالي، ولن تختفي الا تدريجيا في ظل الاشتراكية. النضال ضد هذه الأشكال من عدم المساواة ستضل متواصلة داخل التنظيم. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فإن عمل التنظيم لن يتم على أساس التعامل مع كافة المناضلين والمناضلات على قدم المساواة، مع محاربة الأمراض البرجوازية الصغرى كالمنافسة، والفردانية أو النخبوية...
استراتيجية الثورة البروليتارية تمر عبر مواجهة سياسات الدولة البرجوازية التي ترتكز على ممارسة العنف ضد الجماهير المضطهدة. هذا العنف يجب أن تديره طليعة البروليتارية عبر ثلاث مراحل متعاقبة:
- مرحلة غير ثورية، في ظل وجود الشرط الموضوعي المتمثل في تعمق الازمتين الاقتصادية والسياسية، مع غياب الشرط الذاتي المتمثل في الأداة السياسية للطبقة العاملة؛
- مرحلة الأزمة الثورية الحادة، في ظل تفاقم الشرط الموضوعي، وبناء متواصل للشرط الذاتي في ظل اصطدامات جماهيرية متواصلة مع الباطرونا ومع سياسات الدولة البرجوازية واجهزتها من كل نوع؛
- مرحلة الحسم الثوري الجماهيري والسياسي بشكل سلمي أو بشكل مسلح وبالتالي فرض ديكتاتورية البروليتارية.
إن الصراع الطبقي والصراع ضد التدخل الامبريالي يفرض على المنظمة السياسية الاستمرار في حالة من عدم المساواة ومن العنف. ففي ظل الهيمنة الامبريالية، تبقى الحرية السياسية للمستغلين نسبية؛ كما أن النشاط المفتوح والسلمي يظل مشروطا باستمرار ويظل مؤقتا.
الإدارة السياسية للمنظمة له تأثير على الخط السياسي. كما أن له تأثير على قدرة التنظيم على استخلاص الدروس من حصيلة التجارب السابقة، والاستفادة على العموم من كل التجارب الاجتماعية المباشرة. أما اللامبالاة أمام تفشي الميولات البيروقراطية وفدرالية التيارات داخل التنظيم وضعف الانغراس وسط الطبقة العاملة وعدم القطع مع الفكر الاصلاحي يضعف التنظيم ويحد من قدرته على بلورة خط سياسي ثوري واضح.
برنامج المنظمة السياسية للطبقة العاملة عبارة عن مخطط مختصر علمي للأهداف والمهام التي يفرضها الصراع الطبقي العمالي. فالبرنامج يحدد الهدف النهائي للحركة الثورية للبروليتاريا، كما هو الشأن بالنسبة للمطالب التي تكافح المنظمة من أجلها في سيرها نحو هذا الهدف فمبادئ برنامج الحزب تعتبر صالحة لمرحلة كاملة من الصراع الطبقي. وهكذا فإن امتداد الهدف النهائي أو الهدف على المدى الطويل يجب أن تتحقق في أية لحضة، بمعنى في كل مرحلة من الصراع الطبقي.
ويجب أن يرتكز البرنامج على التجارب العامة للحركة العمالية عبر العالم بكامله، كما أن نقاط البرنامج يجب أن تتطابق مع مبادئ الماركسية اللينينية. ولا يجب أن يكون هناك توافق مع البرنامج البرجوازي كما هو الشأن بالنسبة لبرنامج غوتا سنة 1875 الذي عمل كارل ماركس وانجلز بكل قوة.
الخط السياسي للمنظمة الذي يتم تحديده في البرنامج أو في تصريح للمبادئ، يجب أن يكون مطبوعا بالفكر الماركسي اللينيني، وإلا سيصبح خطا تحريفيا انتهازيا. الطابع التطبيقي لهذا الخط يتجسد في المهام الملموسة التي ترتبط بمراحل الصراع الطبقي. لذلك فإن البرنامج لا يكون صالحا إلا لنوع من المراحل بذاتها ويجب أن يتم تجديده في اطار الانتقال من مرحلة إلى أخرى. إن هذا لا يعني بأن بعض المهام لمرحلة معينة لن تكون قابلة للتطبيق في مرحلة أخرى، كما هو الشأن بالنسبة للإعداد وتنفيذ اضرابات اقتصادية.
ومن أجل الانغراس وإقامة روابط وثيقة بين التنظيم السياسي والطبقة العاملة والجماهير، فإن المنظمة تلجأ إلى وسائل التحريض والدعاية. والوسيلتين تبين الأنشطة التطبيقية للحزب الواردة في برنامجها. وقد أكد لينين في مقاله مهام الديموقراطيين الاجتماعيين الروس، على أهمية التحريض والدعاية كما يلي:
"العمل الاشتراكي للديموقراطيين الاجتماعيين الروس يتضمن في نشاط دعائي يستهدف التعريف بمذهب الاشتراكية العلمية، العمل على نشر وتوزيع بين العمال لنظرة صحيحة حول النظام الاقتصادي والاجتماعي الحالي، وأسس وتطور هذا النظام، ومختلف طبقات المجتمع الروسي وعلاقاتها والصراع الطبقي القائم فيما بينها ودور الطبقة العاملة في هذا الصراع وموقفها اتجاه الطبقات السائرة نحو الانقراض وتلك التي تتطور ونحو الماضي ومستقبل الرأسمالية، - تصور صحيح للمهمة التاريخية للديموقراطية الاجتماعية الدولية والطبقة العاملة الروسية. التحريض بين العمال هو ذو علاقة وثيقة بالدعاية؛ انها تتموقع بطبيعة الحال في المرتبة الأولى، في الظروف السياسية الحالية لروسيا وانطلاقا من مستوى تطور الجماهير العمالية. التحريض بين العمال يتمثل هنا في أن الديموقراطيين الاجتماعيين يشاركون في جميع التظاهرات العفوية للصراع الطبقي العمالي، وفي جميع النزاعات بين العمال والرأسماليين بخصوص يوم عمل والأجور وشروط العمل، ... الخ, ان مهمتنا هي ادماج انشطتنا في القضايا العملية، اليومية، لحياة العمال، مساعدة العمال للتوجه نحو هذه القضايا، جذب انتباههم الى التعسفات الرئيسية، ومساعدتهم على التعبير بشكل دقيق وعملي عن المطالب التي يقدمونها لأرباب عملهم، وأن يتم تطوير الوعي لدى العمال الوعي بتضامنهم والوعي بمصالحهم المشتركة وبالقضية المشتركة لجميع العمال الروس، باعتبارهم طبقة عاملة واحدة غير قابلة للانقسام وتشكل جزء من الجيش العالمي للبروليتارية"
فعن طريق تركيب هذه الاقتراحات الأساسية لمنظمة العمال الثوري مع مضمون تصريح المبادئ، سنحصل على أسس العمل التطبيقي للمنظمة. وقد أشار ستالين أثناء انعقاد المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي السوفياتي الى ضرورة بلورة الخط السياسي كما يلي:
"التوفر على خط سياسي صائب هو بطبيعة الحال أول شيء والأكثر أهمية. لكن ذلك يبقى غير كافي. لأن الخط السياسي الصحيح ضروري ليس من أجل التصريح به، وانما من أجل تحقيقه في الواقع."
2 - ربط النظرية بالتطبيق:
عملنا في بناء المنظمة السياسية لا يمكنه أن يتم خارج الصراع الطبقي. فعن طريق العمل التنظيمي وتحديده في هذا الصراع الطبقي يتم صقل كفاءات أفضل الطلائع الثورية. ويتطلب ذلك في نفس الوقت ممارسة طبقية وعملا دراسيا مهما من أجل قيادة هذه الممارسة. ويعتبر هذا العمل الدراسي ضروريا، خصوصا، من أجل استخراج الاستنتاجات والقوانين من حصيلة التجارب الماضية الايجابية منها والسلبية، ومن أجل تقييم علاقات القوة السائدة في كل لحظة مع استخلاص أفضل تكتيك للتقدم نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
إن الدراسة تتيح للقيادة السياسية الارتباط الوثيق بالأفق الشيوعي. حيث أن الدراسة النظرية تقود التطبيق وتعمل على اغنائه بالمقابل. فلا يجب أبدا التخلي عن الدراسة والاقتصار فقط على التطبيق المباشر بدون نظرية. فهناك جزء من هذا العمل الضروري له استقلاليته مثل استخراج دروس حصيلة التجارب الاشتراكية، وتحديد طبيعة المرحلة الاستراتيجية وتحليل التناقضات والتطورات العالمية، ... الخ. وتقدم هذه الدراسة نتائج حاسمة عندما تفرض الاحداث السياسية اليومية ضرورة التموقع الصحيح.
ثالثا: قيادة المنظمة وتاريخها
تقوم النظريات التنظيمية البرجوازية على أسس ميتافيزيقية وهي بذلك تعطي مكانة رائدة للفرد وللقائد الملهم وهو ما يساهم في تكريس التفاوت الطبقي وفي تقديس عبادة الزعيم. لكن الفكر البروليتاري الماركسي اللينيني فيقيم أسس القيادة الجماعية وعدم تقديس الزعيم والتداول على مهام التسيير دون امتيازات والخضوع للمراقبة والمراقبة الذاتية.
الى جانب موضوع القيادة في المنظمة الشيوعية طرحت للنقاش عدة مرات الاسس الفكرية والتجارب التاريخية التي يجب أن تستعين بها المنظمة على المستويين الايديولوجي والسياسي.
1 – قيادة المنظمة السياسية
إن انعدام المساواة التي تنتج عن تقسيم العمل في المجتمع لها انعكاسها في التنظيم. فمعلوم بأن إلغاء عدم المساواة في المجتمع يصبح مستحيلا حالما يتم الإمساك بالسلطة، لذلك نناضل فورا من أجل تقليصها. إن حزبا لا يمكنه أن يشتغل بدون مسؤول إداري. لكنه علينا أن نحارب عدم المساواة بين القادة المديرين والمدارين عن طريق الديموقراطية المركزية والتسيير الجماعي قدر الامكان.
التيار الفوضوي يرفض مبدأ القيادات، ويعتبره مبدأ بيروقراطي. فمثل هذا الرفض يؤدي في الواقع الى وجود قيادات بالفعل، غير منتخبين، وتصبح مراقبتهم أكثر صعوبة.
وفي المقابل، هناك بعض التيارات المنبثقة عن الماركسية اللينينية تجعل من القيادات رموزا للخط السياسي وللتوجه؛ ويمكن أن يصل ذلك إلى درجة عبادة الشخصية. ان مثل هذا الموقف يؤدي الى عدم تسييس المناضلين، ومنع التناقضات من التعبير عن ذاتها. انها تعمق علاقات عدم المساواة في قلب الحزب.
القادة أساسيون، في إدارة مهام المنظمة، كما هو الشأن بالنسبة لبلورة الخط السياسي. لكن يجب أن يخضع هؤلاء القادة للمراقبة من طرف المناضلين، وأن لا يتمتعوا بأي امتياز سياسي أو مادي. كما أن عليهم الخضوع أكثر من الأعضاء الآخرين في المنظمة، للنقد والنقد الذاتي. فالقادة مهما كانوا ذوي كفاءات عليا، فلا يمكن تعيينهم مدى الحياة، وأن يكونوا قابلين للإقالة. ومن المحبذ أن يتحمل أكبر عدد ممكن من المناضلين دوريا مهام الإدارة.
كما لا يجب أن يقتصر عمل القيادات على صياغة التعليمات، بل عليهم البحث حول مدى صحة الأسس المادية لهذه التعليمات، وحول كيفية استقبالها ومتابعة تنفيذها، وبهذه الكيفية يستمرون في التعلم وقياس الصعوبات، ويصبحون أكثر تأهيلا لبلورة النتائج وادخال التعديلات عليها، كما يتم تكريس الطابع الجماعي والتضامني في التنظيم.
2 – تاريخ المنظمة السياسية:
ان بناء المنظمة السياسية للطبقة العاملة، يجب أن تجعلنا نعيش التاريخ. فالمنظمة يجب أن تمثل الذاكرة العمالية والشيوعية للتجارب الماضية، منذ التجارب الأولى في فجر الرأسمالية ومع ظهور الخط البروليتاري الماركسي واغنائه بالماركسية اللينينية واسهامات ماو تسيتونغ، ثم الحركات الثورية المناهضة للاستعمار والتي قادها قادة أفذاذ من ابرزهم عبد الكريم الخطابي وعسو أو بسلام وموحا أو حمو الزياني والهيبة ماء العينين ... الخ، والحركات المناهضة للرأسمالية منذ خروج الاستعمار وأبرزها منظمة الى الأمام و23 مارس، والحركات المناهضة للإمبريالية ... وفي مواجهة محاولة اعادة كتابة التاريخ حسب معايير برجوازية ومواجهة خطر غياب ذاكرة الأجيال الشابة، فإن المنظمة لديه يصبح مسؤولا عن نقل هذا الإرث.
أن نعيش التاريخ، يعني أيضا أن نستخلص دروس الماضي من أجل أن نجد طريقنا في الحاضر ونبني المستقبل. المواقف التي نعبر عنها اليوم لم تنبثق من عدم، بل هي ثمرة العمل السياسي لمن سبقونا ولحصيلة الصعوبات التي واجهوها. فنحن أيضا، مثلما هو الشأن بالنسبة للشيوعيين في مختلف بقاع العالم، نعمل على اضافة مساهمتنا إلى هذه التجارب. بالقطع لا يمكننا أن ننطلق من ذاكرة تاريخية فارغة، فلنتخيل انفسنا ننطلق من الصفر ... ان ذلك سيعني تصفية جميع التجارب الغنية والعودة إلى ارتكاب نفس الأخطاء التي سبق ارتكابها في الماضي.
رابعا: التدبير الجماعي للتنظيم
المنظمة السياسية البروليتارية منظمة ديموقراطية ممركزة، حيث يتم اختيار القيادات ديموقراطيا كما تتم صناعة القرارات ديموقراطيا حيث تخضع دائما الاقلية للأغلبية دون أن يصل ذلك الى صراع الخطين محاولة نفي أحدهما للآخر كل ذلك اذا ما تم فهم وتبني الديموقراطية المركزية.
تطرح مسألة القيادة الديموقراطية المركزية مسألة الكفاءة والقدرة على فهم واستيعاب الفكر البروليتاري وسرعة التفاعل مع الأحداث المعقدة من أجل تقديم أجوبة حولها، لكن هذا العنصر لا يمنح أي امتياز للبعض على حساب البعض الآخر داخل المنظمة السياسية.
1 – ملائمة المركزية بالديمقراطية:
اشتغال المنظمة على أساس مبدأ المركزية الديموقراطية يعتبر امرا ضروريا، سواء بالنسبة لبلورة الخط السياسي أو بالنسبة للعمل النضالي:
فبالنسبة لبلورة الخط السياسي انطلاقا من التعبير عن التجارب الملموسة والقوانين والأفكار المستخلصة منها، والذي قد يتحول إلى عمل سهل نسبيا. لكن يبقى من الضروري مواجهة هذه الأفكار بالتطبيق من أجل تمييز بين العام والخاص. من هنا تنطلق الحاجة إلى إرساء المركزية على قاعدة ديمقراطية. فبالنسبة للعمل النضالي، يظهر من خلال تبني وترجمة التوجهات السياسية الموحدة للمنظمة خلال التطبيق اليومي الملموس من طرف كافة مناضلين. فترجمة هذه التوجهات السياسية على أرض الواقع لا يتحقق سوى من خلال عمل جماعي موحد.
فالمركزية والديمقراطية يعتبران ضروريان، وهما أكثر من ذلك مرتبطان:
فلا يمكن أن تكون هناك مركزية حقيقية بدون ديمقراطية. فإذا مورست سلطة بيروقراطية مركزية بدون أن تحقق إجماع القواعد عليها فلا تتمكن القيادة السياسية من معرفة الحقيقة. وتتجه القواعد في هذه الحالة إلى توجيه تقارير تتلائم مع رغبات الإدارة البيروقراطية. فالمشكل يكمن في غياب الديمقراطية وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى عدم الفعالية. حيث لا يمكن في ظل هذه الشروط ممارسة إدارة سياسية صحيحة.
من جهة أخرى لا يمكن أن تكون لدينا ديموقراطية بدون مركزية، فالفرد لا يمكنه أن يتعرف على الحقيقة من خلال تجربته الخاصة فقط، كما لا يمكنه أن يغيرها بمفرده. فليس هناك من معرفة أو من تطبيق فعال بدون مركزة للتجارب المتعددة.
يجب إذن أن نحدث تعايشا بين نوعين من العمليات تشكلان وحدة، ويشكلان مبدأ في التسيير، لكنهما متعارضان أيضا في متطلباتهما، ومن هنا ظهرت بعض الانحرافات التي طبعت الحركة الشيوعية، والتجارب السلبية للعديد من المناضلين. فقد كانت هناك منظمات تقوم على المركزية البيروقراطية، مما أحدث تجانسا قسريا، إما من خلال التبعية الجامدة، أو بسبب اقصاء وتصفية المعارضين. وقد حدث كرد فعل على ذلك ، أن تم السقوط في منظمات "ليبرالية"، حيث تتواصل النقاشات باستمرار، لكنها لا تصل أبدا الى خلاصات؛ وحيث لا تطبق القرارات من طرف الجميع. وقد قادهم ذلك الى الجمود، والى العجز ثم الى الانفجار.
قاعدة المركزية الديموقراطية، هو التعبير الواسع والمتواصل للأفكار وللانتقادات. وهو ما يتيح التقدم، من خلال المواجهة، والتجربة، والحصيلة. الأفكار الجديدة لا تكون مقبولة بشكل مباشر. فيجب أن تواجه العادات، والمواقف المكتسبة، وببساطة أن يتم دراستها وفحصها قبل أن يتم قبولها، فكل فكرة جديدة ليست بالضرورة صحيحة، لكنها يجب أن تتمكن من التداول، وأن تناقش وأن يتم في الختام اتخاذ موقف بشأنها. فهي عبارة عن عملية تتطلب نقاشا مفتوحا، وتنظيما جماعيا لهذا النقاش: من خلال تعميمات داخلية، وعبر اتخاذ مواقف من طرف مختلف البنيات، ... الخ.
ان مثل هذا التدبير، يرتكز على نقاش جدي، بعيدا عن اضعاف أو تقسيم المنظمة، كأحسن وسيلة لتعزيز الوحدة والمعالجة المبكرة، في أحسن الشروط الممكنة، للتناقضات المحتملة. ويتيح ذلك تفادي أن تتفاقم وتصبح معارضات جد عميقة ونظامية.
عندما يتم تحديد موقف سياسي، وعندما تكون هناك وجهة نظر سياسية صحيحة ربما تشكل أقلية. بعبارة أخرى، يمكن للأغلبية أن تخطأ. وعلينا أن نبتعد عن التآلف القسري وعن السياسة التي لا تقبل الا بموقف واحد في منظمة شيوعية ... ولندافع عن حقوق الاقلية. أغلبية المواقف الكبرى نجدها تتكرر في الأحزاب الشيوعية، على عكس الصورة التي نكونها في الغالب. لينين وماوتسيتونغ كانا يشكلان في بعض الأحيان أقليتين، بخصوص مواقف سياسية صحيحة، داخل حزبيهما. هناك اذن مواقف مختلفة يجب أن تتمكن من التعبير عن ذاتها، وأن يتم الدفاع عن حقها في ذلك حتى وان كنا لا نتفق معها. ومن أجل ذلك، يجب ان تجد امكانية لكي تنتظم خلال النقاشات المهمة، مثلا قبل المؤتمر. عدم الاعتراف بهذه الامكانية، يعني منح ثقل ساحق، حاسم، الى الهيئات القائمة، كل ذلك مع الدفع نحو التطبيق للفصائل. وحالما يتم اقفال النقاش، وإذا كانت هناك أقلية فيجب القبول وتطبيق موقف الأغلبية.
في مقابل ذلك، لا يمكننا أن نقبل انقسام المنظمة باستمرار الى تيارات وتوجهات. فهذه الممارسة تكون لها آثار سلبية مضاعفة على نضالات الأعضاء، وبالتالي تجميد المواقف، ومنع استخراج أية حصيلة صحيحة في التطبيق.
التباعد يمكنه أن يتعمق في اتجاهات متعارضة، بين مجموعات المواقف المنسجمة والمنظمة أو في نظام الأفكار التي تتواجه فيما بينها. يتعلق الأمر عندما يكون هناك صراع بين الخطوط. فلا يكون هذا الصراع بالضرورة صدامي. ويمكنها أن تهم عدد من القضايا الكبرى التكتيكية أو التنظيمية مثل الأهمية الخاصة التي يجب اسنادها للعمل النظري والعمل السياسي. لكن يمكنها أن تأخذ أيضا طابعا استراتيجيا، حول عدد من التحديات الرئيسية، كالصراع المسلح أو اختيار مقترب من نوع "البديل". وفي جميع الأحوال، يجب أن تضطلع المنظمة بهذا الصراع في الخطوط مع الانشغال بدفع الوحدة السياسية والإيديولوجية نحو مستوى أعلى.
قاعدة الأغلبية وحقوق الأقلية، ينطبق أيضا في حالة صراع الخطين، وحتى إذا كانت العواقب صعبة التحمل بالنسبة للأقلية. وفي جميع الحالات، فإن المعيار الأساسي من أجل معرفة إذا ما كانت وحدة التنظيم سيتم الحفاظ عليها. يتعلق الأمر بالخط الأغلبي. وإذا كان ذلك غير ممكن، فإن المخرج الوحيد هو مغادرة أو استبعاد الأقلية. هناك مختلف مستويات التناقضات والتي يجب معالجتها بطريقة خاصة. على مستوى الأفكار بناء على التاريخ، والتجربة، والتكوين، والأصل الاجتماعي لهؤلاء وأولئك. ومن وجهة نظر حول الاختيارات التكتيكية، وبدون أن يمنع ذلك من القيام بالتجربة في إطار الوحدة. أو على مستوى معارضة ذات طابع نظامي وعام، بين خطين سياسيين. وفي جميع الأحوال، يجب أن نبحث من أجل إيجاد الوحدة، في اتجاه حوار حقيقي، بناء، ومواجهة بين التبريرات. لكن الوحدة ليست هي الهدف بحد ذاتها، والتي نستهدفها بأي ثمن. ففي بعض الأحيان يصبح الانفصال هو وحده الذي يحقق خطوة الى الأمام.
2 – الطبقة العاملة والبروليتاريين الثوريين
في المرحلة الحالية، حيث لا تساعد الشروط القائمة على تعبئة واسعة للطبقة العاملة وبالتالي التعبئة الجماهيرية الواسعة للسير نحو الأفق الثوري، فيجب الانكباب الجدي على بناء المنظمة السياسية الضرورية لهذه الغاية، كما يتضمن هذا الانكباب تجميع الطليعة العمالية والبروليتارية الثورية.
كلمة "الطليعة" لا علاقة لها هنا بأي معنى نخبوي أو تمييز بين مناضل وآخر. بل تعني فقط أن هناك أقلية من البروليتاريين الحاملين للفكر البروليتاري تستطيع أن ترى وتتابع التحديات التاريخية للمعارك ضد الاستغلال. ويشكل هؤلاء المناضلون البروليتاريون المحترفون الثوريون طليعة الجماهير، ويشكلون الثوريين الأكثر نضجا. فعن طريق تجميع مثل هذه العناصر يمكن الشروع ببناء التنظيم في أفق بناء الحزب.
تجميع الطليعة الثورية، لا يعني أن يتم فقط حشد المناضلين المعروفين الذين كانوا متواجدين من قبل وأنه يكفي اقناعهم بصحة الخط السياسي البروليتاري المعتمد. فبقدر ما علينا أن لا نتجاهل ذلك. فعلينا أيضا الانتباه بأن مثل هؤلاء المناضلين البروليتاريين الحقيقيين أصبحوا نادرين اليوم، فأغلب المناضلين السابقين تائهين، محبطين بل تحولوا الى ركام من القوى العاجزة، تخفي عجزها وراء كبرياء "القائد الملهم" ونقد كل حركة سياسية بروليتارية صادقة للتجميع تهربا بالأساس من تحمل أية مسؤولية كما تظهر على الغالبية من هؤلاء المناضلين السابقين الصفات الانتهازية للبرجوازية الصغرى الشيء الذي حولهم إلى أعداء تصفويين لكل تنظيم. تجميع الطليعة الثورية، يعني أساسا، الانخراط والتكوين والتربية على النضال الشيوعي للعناصر المتقدمة من الطبقة العاملة والحركة الجماهيرية، وكل من يتميز، بتطلعاته، وبمواقفه، وبوضوح رؤيته حول هذه أو تلك من القضايا.
المعيار الرئيسي التي يميز هذه العناصر المتقدمة هو معيار سياسي، وليس التعبير عن مستوى أعلى أو أدنى من الراديكالية في اتخاذ المواقف، وهذا سواء وسط العمال أو لدى بعض المعتقلين السابقين أو وسط شباب الأحياء، ولا يمكننا أن نخلص الى وجود مستوى عال من التسييس، فقط على أساس راديكالية الحركات. إن مثل هذا الخلط، والذي سبق ارتكابه من طرف الحركات الثورية منذ عقد السبعينات في بلادنا، لا يقود سوى الى الأخطاء التاكتيكية والاستراتيجية الخطيرة وإذن نحو الخسارة. إن تكوين المناضل الشيوعي لا يقتصر على مجرد التكوين النظري. بل يمر أيضا عبر تكوين سياسي عملي وسط الجماهير. فانبثاق طليعة عمالية، يعني تكوين رجال ونساء قادرين على مستوى التطبيق، التحكم في اتجاهات صنع الاختيارات، قادرين على اتخاذ المبادرات واستخراج الاستنتاجات من الحصيلة النضالية. إنها أفضل طريقة لإغناء المبادرات وقياس نوعيتها، وتعداد المكتسبات وحدود كل منها. فبفضل هذا التكوين يمكن لكل مناضل أن يشارك من جهته في بلورة الخط السياسي، بدلا من التلقي السلبي للتعليمات القادمة من فوق، من القيادة الملهمة.
فالثورة الشيوعية، على عكس مختلف الانتفاظات الأخرى لا يمكن القيام بها سوى من طرف طبقة لها وعي عال بمهمتها التاريخية لأن الطبقة العاملة لا تتوفر بالنسبة لهذه الثورة على أية قاعدة اقتصادية في المجتمع الرأسمالي وأسلحتها الوحيدة هو وعيها الطبقي والمنظمة السياسية التي تبلورها لتحقيق أهدافها.
خامسا: دور المناضلين
القاعدة الأساسية للمنظمة يجب أن تقوم على المناضلين العمال البروليتاريين، ثم الى جانب هذه القاعدة الأساسية أقلية من المثقفين البروليتاريين الحاملين للفكر الاشتراكي الماركسي اللينيني القادمين من طبقات وشرائح أخرى بعدما تمكنوا من الانتصار على النزعتين البرجوازية والبرجوازية الصغرى.
1 – بلترة التنظيم
لا يمكن للطبقة العاملة أن تتحرر بدون أن تحطم كل أشكال الاستغلال والاضطهاد. ويجب أن تتم ترجمة كل ذلك في العمل التنظيمي. فالعمل مع العمال يجب أن يشكل العمود الفقري لكل عمل سياسي. حيث يجب أن توجه الجهود، قبل كل شيء، في اتجاه الطبقة العاملة، بناء المنظمة الجماهيرية على عدة مستويات؛ على مستوى التكوين السياسي للعمال والذي يكتسي طابع الاولوية الحاسمة، من هنا تبرز أهمية الدراسة، وتحويل منهج العمل التنظيمي ... فالأولوية العمالية ليست غاية شعبوية، وانما نتيجة لنضالنا من أجل مجتمع بدون طبقات.
في منظمة سياسية يطبعها بقوة الانتماء البرجوازي الصغير للمناضلين القدماء، تكون عملية البلترة الزامية، ومن نتائج ذلك الزام الرفيقات والرفاق من غير العمال على اختيارات بروليتارية في نمط عيشهم كما في العمل وفي السكن والتي تتيح تعميق روابط التنظيم مع الطبقة العاملة.
2 – موقع كل مناضل في المنظمة
من أولى أهداف التنظيم هو تكوين المناضلين المسؤولين، القادرين على قيادة أنفسهم بأنفسهم في خضم الصراع الطبقي، والمساهمة في اغناء الخط السياسي للمنظمة. فالتكوين يجب أن يبقى هدف مستمر. فلا يكفي التأكيد على ضرورة مراقبة المناضلين للقيادات؛ بل يجب أن يصبحوا بالفعل قادرين على ذلك. فعلى المنظمة أن تقدم، في اطار عملها، الوسائل الى كافة المناضلين، وعلى الخصوص المناضلين العمال، لكي يصبحوا بالفعل جزءا مندمجا في الخط السياسي للمنظمة؛ من خلال مخططات عمل، وبوتيرة من الأنشطة والإعداد ومتابعة صيرورة النقاشات. وفي هذا الاطار، فإن المناضل ليس له الحق فقط في النقد والنقد الذاتي؛ لأن ذلك من واجبه ! الدور والموقع الذي يحتله كل مناضل أو مناضلة يعتبر أساسيا في المنظمة. أي أن المناضل لا يجب أن يكون مجرد أداة مجهولة، أو فرد غارق في وسط الجماعة. فالمناضل ليس هو فقط ذلك الحامل للتوجه السياسي وسط الجماهير، بل هو أيضا من يبلور هذا التوجه.
الانتماء إلى المنظمة يمكنه أن يحدث تناقض بين الرغبات الشخصية للمناضل والمهام المطروحة عليه من طرف المنظمة. لكن على المنظمة أن تأخذ بعين الاعتبار الاكراهات الشخصية لكل مناضل، كتحملاته العائلية. لكنها لا يمكن القبول بفرض عواقب الاختيار الفردي على باقي الرفاق في التنظيم. الاختيارات الشخصية تتضمن عواقب على الأنشطة الجماعية: كاختيار العمل والسكن، الخ... حيث تجب مناقشة حالة بحالة، أخذا بعين الاعتبار أهداف التنظيم؛ ومن بينها بروليتاريته.
المناضل الفرد لا يجب أن تسحقه المركزية. بل عليه أن يخضع لاختيارات جماعية، والتي يشارك في صنعها أيضا، علما أن صعوباته أو مشاكله لا يجب أن يتم التغاضي عنها.
3 – ضد منطق المعارك الجزئية.
في اللحظة الراهنة، هناك عدد من المناضلات والمناضلين يطالبون بتأسيس الأداة السياسية للطبقة العاملة الشيوعية، لكنهم يتيهون في إطار المعارك الهامشية. أكثر من ذلك، نجدهم يعتبرون أن بناء الحزب ليس قضية راهنة، على اعتبار أن شروط المرحلة غير مواتية. ويقترحون بدلا من ذلك الاقتصار على مراكمة التجارب والقوى في معارك مباشرة على أمل القدرة في يوم ما على التحول الى قوة سياسية.
هناك من بين كبار مستهلكي العمل النظري والسياسي للمنظمات، يعتبرون أنه من غير المفيد الانخراط في تأسيس منظمة بروليتارية شيوعية، مستندين على مبرر ضعف تأثير مثل هذا العمل وسط الجماهير.
ان هذا الموقف ذاتي بطبيعة الحال، يضع النضال اليومي الجزئي في الواجهة بدلا من النضال السياسي الشيوعي. فلا يتم رؤية سوى ما هو مباشر وليس إلى المستقبل، إن ذلك يعني ترك المجال فارغا أمام الآلة الإيديولوجية الساحقة للبرجوازية.
4 – في انتظار بلوغ درجة الكمال؟
هناك عدد من الرفاق الآخرين الذين يحلمون ببناء المنظمة، لكنهم يعتبرون بأن هذه المهمة ليست آنية، اعتبارا لكون القواعد النظرية والسياسية لبنائها غير كافية. هذه النقائص هي بالفعل حقيقية، فنحن بالفعل لم نصل بعد الى مرحلة بناء الحزب. لكن القضية تكمن في معرفة كيف سنعمل على تدارك هذه النقائص، من أجل أن نتقدم نحو بناء المنظمة البروليتارية الشيوعية. في إطار حلقات نقاش نظرية صغيرة معزولة عن الواقع، حيث يبقى الباب مفتوحا أمام مختلف الانحرافات. من خلال الانطلاق من الصفر؟ على أية أسس؟، وبأية وحدة في الانطلاق؟ فهو باب مفتوح على العجز، حالما تظهر التناقضات الأولى.
الطريقة الوحيدة التي تضل قائمة كما أخبرت بعض الرفاق، هي أن نعمل على بناء منظمة تتلخص مهامها في تدارك هذه النقائص، وأن تحدد لنفسها خارطة طريق ومخططات عمل، تعمل على بلورتها تدريجيا. لكن الانتظار حتى بلوغ درجة الكمال يعنى القبول بتحلل ايديولوجي ومادي للمناضلين. فكلما انصرم الزمن، كلما ازداد الهجوم البرجوازي أكثر ضغطا على الجميع. وكلما أصبحت المعالم التاريخية للهدف الاستراتيجي تختفي. لذلك، يبقى الإطار الجماعي، المنظم، المركزي، الديموقراطي، الشيوعي، هو ما يبعث على الأمل ويتيح الحفاظ على المكتسبات واغنائها.
فنحن متفرقون لا نساوي شيئا، ونحن موحدون ومنظمون نحن كل شيء !
بناء المنظمة السياسية للطبقة العاملة في إطار وحدة منظمة ممركزة يجب أن يخلق الظروف المسبقة لبناء حزب ثوري، أساس ثلاث واجهات:
1 - الواجهة الإيديولوجية: حيث لا يكفي تقعيد معرفة الأدبيات الماركسية اللينينية من خلال كتابات المنظرين الكلاسيكيين: ماركس، انجلز، لينين، ستالين، ماو تسيتونغ. وطبقا للمنهج الضروري عند لينين المتمثل في القيام "بتحليل ملموس للواقع الملموس"، يجب أن نطور معارفنا النظرية انطلاقا من خصوصيات بلادنا ولوضعنا الحالي ولسياقنا السياسي والاقتصادي، وللطبقات والشرائح الاجتماعية، ولوضعية الصراع الطبقي، ولدرجة الوعي الطبقي للطبقة العاملة، ... الخ. إن هذه الصيرورة لا تحدث دون اختلافات في الرأي وبدون تناقضات. فيجب تدويب هذه التناقضات عبر النقاش والتجارب التطبيقية لبلورة وحدة في الإرادة وفي العمل. 2 - الواجهة السياسية: في المرحلة البدائية لبناء المنظمة، لا يمكن تفادي ارتكاب سلسلة من الأخطاء السياسية، من جهة بسبب غياب القاعدة الإيديولوجية، ومن جهة أخرى، بسبب غياب التجربة التطبيقية. وهكذا يميل عقرب الساعة في بعض الأحيان نحو اليمين، وفي أحيان أخرى نحو اليسار. وتتمثل الأسباب في غياب التجربة، وفي علاقة غير كافية مع الجماهير، وفي تحليل غير كاف، وفي الارادوية الزائدة، وفي الأحكام المغلوطة للوضعية، وفي التطبيق الديماغوجي للنظرية، وفي عدم الصبر الثوري، وفي الهروب أمام المصاعب، وفي التراجع تحت ضغط العدو، ... الخ، وباختصار، في الأسباب الموضوعية والذاتية. إن مظاهر الضعف هذه، يجب القضاء عليها خلال المرحلة الأولى من بناء المنظمة السياسية.
3 - الواجهة التنظيمية: إنه لا مناص من أن لا نتمكن من اتمام الانشطة المعقدة للمنظمة الثورية خلال المرحلة الأولى بسبب الضعف التنظيمي. فالعديد من النقاط سيتم تجاهلها، ومن الضروري التركيز على المهام الأساسية. ويوصي لينين في هذا الاطار أنه "من الأفضل أقل، لكن أحسن". بناء المنظمة يجب أن يتم سواء على المستوى الجهوي أو الوطني. ولا يمكننا أن نستمر في التحدث عن منظمة في اطار وطني طالما إذا لم تتواجد مجموعات محلية في جميع الجهات وفي جميع المدن الكبرى للبلاد. مهمة الوحدة تتمثل في تحقيق تدريجي لهذه الشروط.
وانطلاقا من هذه المبادئ المشار اليها، يمكن بناء منظمة سياسية للطبقة العاملة جماهيرية ثورية واضحة بشكل كافي على المستوى الإيديولوجي والسياسي وقوية على المستوى التنظيمي من أجل التوسيع وتأكيد تأثيرها في الجماهير حتى تدير المعارك الطبقية للبروليتاريا. إنها طريق طويلة وصعبة، لكنها الطريق الوحيدة الصائبة. إن الرفاق الشباب الأكثر تقدمية وسط البروليتارية مدعويين لأن يتحدوا ويقودوا الصراع الايديولوجي والسياسي على قاعدة الماركسية اللينينية، ويخوضوا معركة الدفاع وتطوير الخط البروليتاري، والقضاء على الانتهازية في صفوفهم، وتطبيق المبدأ التنظيمي الديموقراطي وتنظيم الصراع على جميع الواجهات ضد الهجوم البرجوازي المباشر وبواسطة أدواتها السياسية والنقابية الانتهازية مهما تعددت ألوانها يمينية أو يسارية أو اسلاموية.
5 – تنظيم وتوحيد الطبقة العاملة على أساس أرضية ماركسية لينينية واضحة
عملية بناء المنظمة السياسية البروليتارية لا يمكن الشروع فيها انطلاقا من مفهوم تقليدي جزئي للبناء. فانطلاقا من الحد الأدنى للبناء هناك مجموعة من المهام يجب أن نتحملها منذ الآن. فتعبيرات هذه المهام وتوازنها، يعطي الانسجام لهذا المشروع. ثم إن مخططات العمل على المدى الطويل تعتبر أساسية من أجل تجاوز التجريبية والعفوية وبالتالي توحيد المنظمة.
بناء منظمة سياسية لا يحدث بشكل ارتجالي. كما لا يمكن اسقاط المنظمة مطبوخة من طرف أحد القادة الملهمين. بل عملية بناء المنظمة البروليتارية الشيوعية تتم بشكل جماعي وجدي وبخطوات حتيتة. فالخط السياسي البروليتاري موجود في بلادنا منذ الأربعينات من القرن العشرين رغم محاولة انكاره من طرف العديد من المؤرخين البرجوازيين، وقد عرف حركات مد وجزر، كما توالت مراحل المد منذ عقد السبعينات مع تجربة الحركة الماركسية اللينينية وفي مقدمتها منظمة الى الامام و23 مارس، ورغم الجزر الذي حدث انطلاقا من سنة 1979، فقد ظلت الجامعات المغربية تختزن طاقات شابة تتبنى الماركسية اللينينية بشكل متجدد عبرت عنها الحركة القاعدية والنهج الديمقراطي القاعدي، ورغم الاختلافات الطفيفة القائمة بين هذه الفصائل خاصة منها تلك التي أصبح لها كيان خارج الجامعة الا أن هناك ارادة جديدة لطرح القضايا الكبرى للنقاش ومنها بطبيعة الحال البناء الجماعي للمنظمة السياسية في افق بناء الحزب السياسي للطبقة العاملة.
وإذا كانت الفرصة الحالية مواتية أكثر من أي وقت مضى لبناء منظمة ماركسية لينينية على الصعيد الوطني في أفق تأسيس الحزب البروليتاري الشيوعي، فإن مراجع أرضية هذه المنظمة تقوم على الأفكار والتجارب الماركسية اللينينية انطلاقا من الرواد الأوائل، ماركس وانجاز ولينين وستالين وماو تسيتونغ، ومرورا بتجارب الحركة العمالية العالمية ووصولا إلى الأدبيات الغنية التي تركتها لنا تجربة الحركة الماركسية اللينينية المغربية خصوصا منذ عقد السبعينات، ومن بينها أدبيات وتجارب منظمة إلى الأمام الغزيرة.
أخيرا لماذا تتميز المنظمة الماركسية اللينينية عن المنظمات العمالية الأخرى؟ الجواب عن هذا السؤال نقرأه في البيان الشيوعي كما يلي:
"عمليا، الشيوعيون هم الفصيل الأكثر حسما من بين الأحزاب العمالية في مجموع البلاد، الفصيل الذي يعمل على تحفز كافة الفصائل الأخرى؛ فنظريا، يمتازون بالمقارنة مع باقي فصائل البروليتاريا الأخرى بذكاء واضح بخصوص شروط وسبل وأهداف الحركة العامة للبروليتاريا."
فالشيوعيون يقتبسون إذن بذكاء شروط الصراع الطبقي من النظرية، من الماركسية اللينينية ومن اضافات ماو تسيتونغ الى هذه النظرية. وتمتاز النظرية الماركسية اللينينية بأهميتها القصوى سواء في مجال بناء الحزب الثوري أو بالنسبة للصراع الطبقي.
ويؤكد ستالين في كتابه مبادئ اللينينية:
"أن النظرية هي تجربة الحركة العمالية في مختلف الدول، مأخوذة في سياقها العام. وبطبيعة الحال، فإن النظرية تصبح غير ذات موضوع إذا لم تقترن بالممارسة الثورية؛ كما أن التطبيق يصبح أعمى إذا لم تعمل النظرية الثورية على اضاءته. لكن النظرية قد تصبح ذات قوة كبيرة للحركة العمالية، إذا ما تبلورت بارتباط قوي مع الممارسة الثورية، لذلك تعتبر وحدها، القادرة على منح الحركة الضمانة، وقوة التوجيه وذكاء الارتباط الداخلي للأحداث الجارية؛ لكونها، تساعد لوحدها على الفهم أثناء الممارسة، ليس فقط بخصوص اتجاه وحركة الطبقات في زمن معين، لكن أيضا بخصوص اتجاه وحركة الطبقات في المستقبل القريب." إن حركة البروليتاريا الثورية في حاجة إلى منظمة ثورية تحضر وتدفع بوعي الصراع الطبقي للبروليتاريا. لكن فقط إذا ما استوعب الرفاق الماركسية اللينينية عبر التكوين الذاتي والدراسة المتواصلة وربط النظرية بممارسة الصراع الطبقي. إن منظمة عمالية لا يمكنها أن تصبح ثورية إلا إذا قامت أسسها الايديولوجية على الماركسية اللينينية. فبدون نظرية ثورية، لن تكون هناك حركة ثورية كما أكد لينين على ذلك.
لذلك فإن القاعدة الإيديولوجية لها أهمية حاسمة في بناء منظمة سياسية ثورية من نوع جديد. فالنظرية الماركسية اللينينية وأفكار ماو تسيتونغ يجب أن تصبح الخيط القائد لمجموع أنشطة المنظمة. وعلى كافة الرفاق أن يجهدوا أنفسهم للتعمق أكثر فأكثر في الاشكاليات النظرية، وف امتلاك جوهر الماركسية اللينينية والتطبيق الملموس للمعرفة النظرية كموجه للعمل في الممارسة، كل ذلك مع الاستنارة بالتجارب التي تركتها لنا الحركة الماركسية اللينينية المغربية.
#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة المضادة البرجوازية الصغرى على ثورة 1917
-
بإعدامها لصندوق المقاصة تستهدف الحكومة قوت الملايين من الكاد
...
-
ستالين في مواجهة البرجوازية الصغرى والبيروقراطيتين القديمة و
...
-
لينين في مواجهة البرجوازية الصغرى والبيروقراطية
-
تطلعات ثورية في الألفية الثالثة؟
-
الاحتجاجات الشعبية والاحتقان الاجتماعي في المغرب
-
الحركة الاحتجاجية لساكنة حي سيدي يوسف بنعلي بمدينة مراكش
-
السياسات العمومية وأثرها على القدرة الشرائية للكادحين
-
ميادين الصراع النقابي بين الطبقة العاملة والبيروقراطية النقا
...
-
أي عمل نقابي نريد وبأية آفاق؟
-
الحكومة أحرقت ما تبقى من القدرة الشرائية وبنكيران يريد حل ال
...
-
تاريخ -اقتصاد الريع- في المغرب
-
البطالة وارتفاع أعداد العاطلين بالمغرب
-
ألا يمكن للطبقة العاملة أن تناضل خارج المركزيات النقابية؟
-
حتى لا تنتحر الطبقة العاملة بكاملها يأسا من واقعها المزري
-
اليوم الدولي للقضاء على الفقر
-
خروتشوف كذب، لنعيد الاعتبار للرفيق استالين
-
صناعة رأي عالمي جديد بعيدا عن كوارث تعمق أزمة النظام الرأسما
...
-
نموذج التراكم الرأسمالي البدائي في المغرب والمقاومة البروليت
...
-
تأسيس تيار ماركسي لينيني مغربي
المزيد.....
-
ماذا قالت أمريكا عن مقتل الجنرال الروسي المسؤول عن-الحماية ا
...
-
أول رد فعل لوزارة الدفاع الروسية على مقتل قائد قوات الحماية
...
-
مصدران يكشفان لـCNN عن زيارة لمدير CIA إلى قطر بشأن المفاوضا
...
-
مباشر: مجلس الأمن يدعو إلى عملية سياسية شاملة في سوريا بعد ف
...
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|