|
كنا......و....صرنا....!!؟؟
عبد الرزاق عوده الغالبي
الحوار المتمدن-العدد: 4038 - 2013 / 3 / 21 - 23:51
المحور:
الادب والفن
كنا ...و...صرنا..!!؟؟ عبد الرزاق عوده الغالبي تغفو مدينتي الجميلة على ضفتي الفرات ويمشط شعرها التمري نسيم الجنوب ،في ذاك الزمن العفوي ، عهد الستينات من القرن المنصرم ،كانت ولا تزال عروسا سومرية بحلة خضراء تحيطها بساتين النخيل من كل جانب ، تزهو بفراتها المعطاء الذي تطرز مياهه العذبة زوارق صيادي السمك (البني والكطان) وباعة الطيور الحرة (الخضيري والبط وطيور الهور الحرة) ومهيلات التمر والرطب والعنبر ...فكان شارع النهر ، في محلة السيف، سوقا للقوت اليومي (المواد سريعة التلف) والذي لا يستطيع الشراء يستخدم السنارة لاصطياد عشاءه من النهر، حيث لا توجد ثلاجات او مجمدات في ذاك العهد العذري ، الطبيعة ويد الفلاح هما المصنع والمصدر الوحيد الذي يغذي سكان الريف والمدينة بالاحتياجات اليومية.....وحين يحل الظلام ، يحط الرحال بتلك المنتوجات بمكان قريب يدعى بــ (الاستهلاك) كان يقع خلف المصرف العقاري اليوم على شارع النهر استعدادا للتسوق الصباحي.....اما في وقت(الكصاص) نضوج الرطب يأتي الناس من مناطق المدينة الريفية الشمالية ، رجال ونساء وعوائل كاملة وكانت تسمى تلك بـ (النيسانية) ويسكنوا في العراء عدة ايام على شارع النهر ليعرضوا خدماتهم على اصحاب البساتين للعمل في (الجراديغ امكنة لجمع التمر وكبسه ) بعد ذلك يرسل الى مدينة البصرة لتصديره الى خارج العراق لان تمور العراق كانت ولا تزال اجود وافضل تمور العالم...!! كنا شبابا نجوب شوارعها هنا وهناك حتي يستقر بنا المطاف في مقهى في وسط الشارع الرئيسي للمدينة عكد الهوى(شارع الحبوبي الان) ولعدم توفر عناصر تكنولوجية للهو كما يتوفر الان , فلا تلفزيون او تليفون او موبايل.....الخ ...من الوسائل المختلفة الان ،فكان الشيء الوحيد لقضاء فائض الوقت لدينا هو التمشي على شارع النهر مع كيس من( الحب او الشامية) او الذهاب الى المقهى لسماع ام كلثوم وفريد الاطرش وعبد الحليم حافظ من راديو المقهى...واحيانا للسينما.....كانت الحياة بسيطة جدا وجدية ، فكل شيء فيها حقيقي ولا مجال للكذب والرياء....حتى السياسة كانت حقيقية بمصطلحاتها وعناصرها ومحتواها واهدافها الديمقراطية والحرية .......كانت حقيقية ، فحين يحتدم النقاش بالمقهى بين القوميين والبعثيين والشيوعيين يكون الاشتباك بالأيدي فقط ولا وجود للسلاح والمتفجرات ومسدسات كاتمة الصوت....!!؟؟ كان كل شيء عذري له معنى وقيمة وطعم انساني حقيقي..!!
اما حياة الناس في المحلة كانت الطف مما ذكرت سابقا فالعوائل تعيش فوق بساط الله المفروش بالحب والبساطة والسلام والمحبة تربطهم الاخوة والطيبة والحب وحسن الجوار. في المساء يبرز مشهد صواني الطعام وهي الشي المألوف الذي يدور بين ابواب البيوت في المحلة، كل جار يطعم جارة بما رزقه الله من طعام.....!!؟؟..يتبادل الجيران حتى الملابس وحين يسافر احدهم يترك عائلة امانة عند جارة حتى يعود.....!!..ان حدثت مشكلة يبادر الجميع لحلها.........اذكر ان الجار يستعير عباءة او بدلة من جاره يلبسها اثناء سفره ....!!..هكذا كنا.....يد واحدة واناء واحد وقرار واحد....ماذا حل بنا ...هل الفرقة والتشرذم والعداء نوع جديد من التقدم والتحضر ...اذا كان كذلك.... قاتل الله التقدم والتحضر....انه والله جهل وظلم وظلال وظلام.....!! نجلس جميعا في مقهى في عكد الهوى، وانا لا طيق الجلوس في المقهى مطلقا، لكن ما سمعته عن جبار (الشقاوة) وحكاياته العجيبة وقدرته على أطلاق الافيال في الهواء اجتذبني كثير الى المقهى، كان جبار شخصية غريبة مع انه قوي البنية ،مفتول العضلات ،طويل القامة مع العلم انه انسان مسكين من عائلة فقيرة يسكن مع والدة في كوخ في (قرية فرحان)(محلة الصالحية الان) . يجلس جبار في المقهى محاطا بالشباب للاستماع لحكاياته الغريبة المحلقة بين الخيال والكذب الصبياني وتتخللها عبارات غريبة منها( افعصك كالنملة ، اقسمك نصفين بضربة واحدة ،اقتل عشرة بأصبع واحد...!!؟) كان يستخدم تلك العبارات لعرض شجاعته وجبروته امامنا ونحن نمتدح واحيانا نصفق له لنزيده حماسا لأطلاق افيالا اكبر وفي يوم وهو يتحدث ببطولاته ازعجته ذبابة جدا فكلما يطردها تعود مرة اخرى..! فترك الحديث واطلاق الافيال وبدا يلاحق تلك الذبابة...!!؟؟ تحت ذهولنا واستغرابنا، حتى استقرت فوق رجله اليسرى فسحب سكينه الكبيرة ،التي يحملها دائما، دون تفكير وضربها بكل ما اوتي من قوة ولم نسمع سوى صرخته وتدفق الدم من ساقه.......!!؟؟..ركضنا جميعا نحوه وحاولنا ايقاف نزيف الدم فلم نستطع....وخرج من في المقهى وعمت الفوضى.......ووضعنا جبار الشقاوة في عربة لنقل التمر واسرعنا به الى المستشفى.. وبعد حوالي شهرين عاد جبار الى المقهى وهو يتعكز وبرجل واحدة ولم يعد جبار كما كان......!!؟؟........وصار اسمه جبار الاعرج بدلا من جبار الشقاوة...!!؟؟ يبدو ان حكايتنا في العراق كحكاية جبار .....!!؟؟....حفظ الله عراقنا واهله من كل سوء نتمنى ان ما يحدث الان الا زوبعة في فنجان........ستنتهي انشاء الله وسنضل كما كنا شركاء في هذا الوطن وليس لنا غيره....ومن ساب وطنه واهله تاه..!! ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- ملاحظة: وردت في المقال كلمات باللهجة العراقية العامية وكان لذكرها ضرورة ملحة لمواخاة المصداقية والواقعية في الموضوع وهي: • البني والكطان: نوع من السمك العراقي الذي يعيش في دجلة والفرات • الخضيري: نوع من طيور اهوار العراق الذي يمتاز برأسة الاخضر • الاستهلاك : المكان الذي تجمع فيه المواد اليومية كالخضر والفواكه وما شابه وتعرض للبيع بالجملة • الكصاص: هو الوقت الذي يبدا فيه اصحاب بساتين النخيل بجني التمر • الجراديغ : ساحات معدة لجمع التمر وتجهيزه للتصدير او البيع • النيسانية :هم العمال الذين يأتون من اماكن اخرى في مدينة الناصرية للعمل بجمع التمر • عكد :تسمية عراقية عامية لكلمة شارع • افعصك: اسحقك سحقا
#عبد_الرزاق_عوده_الغالبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسنان الزمن
-
الطريق ........وخارطة الطريق...!!
-
مصائب قوم عند قوم فوائد
-
الزهرة الحمراء
-
المرأة جمال واصل الجمال امرأة
-
الحذاء البرلماني
-
منصة الفرهود
-
ادب مترجم - عندما ياتي الشتاء
-
البحث عن مخرج
-
كان يا ما كان......
-
الانهيار
-
رؤيا
-
في يوم.......؟؟!
-
رسالة الى المطر
-
معاناة نخلة
-
وتمزقت الزهرة في القلب
-
رواسي الاسلام الحقيقي
-
انتحار وطن
-
رياح الزمن
-
فِي الثُّلاثِينَ ، سَيَنْتَهِي الْحِزْبُ
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|