|
محاورة دوبينوس
مزوار محمد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 4038 - 2013 / 3 / 21 - 20:28
المحور:
الادب والفن
محاورة دوبينوس
انغماس العقول في التفكير لدليل على وجود حياة، و تلك النحلات التي تجتهد لتخرج للبشر شرابا يبهج الألسن لبرهان على السعادة، و بين كل هذا وجدت أنـــا اسم "دوبينوس" علامة مناسبة تشير إليّ عندما أعطي رأيي، فالأسئلة كانت ممتعة بصدق، و هي التي جاءت عصارة لما ورد من تلك الرسالة، التي بعثها إليّ ساكن جبل الأولامب في القرن الثامن قبل الميلاد، و لم تصلني سوى في القرن الواحد و العشرين ميلادي، لقد كتب لي قائلا: " يا دوبينوس! أنت العظيم، لكن عظمتك لن يفهمها من هم حولك، إلا بعد هلاكك. عش عظيما مع ذاتك، و اترك الباقي علينا، نحن من علّمنا الإنسان كيف يكون إنسانا، و نحن من سيعلّمك كيف تكون عظيمــــا...."
مسلمة ثابتة على قيمها س: ماذا تقصد بأنّ البيان هو فن الأقوال؟ دوبينوس: مستعمل فن الأقوال هو الذي يستعمل الكلام بترتيب غير قابل للاختراق، حتى يعرّي الفكرة و تصبح مبيّنة للآخرين. س: أثناء تقديم البحوث، معظم الأسئلة التي تطرحها تكون تعرف الإجابة عنها مسبقا. فلماذا تطرح هذه الأسئلة؟ هل لإحراج أصحاب البحث أم أنّ لك غاية أخرى؟ دوبينوس: أنا لا أعرف الإجابة عن أيّ سؤال، و إنما أعطي تصوّرا لإجابة أدعمها بالوثائق و الأدلة، و عن غايتي من طرح الأسئلة فهي غايات، منها أنّي أحاول طرح أفكار من أجل أن أتبيّن آراء الآخرين حولها، إضافة إلى إعطاء العمل المعروض حركية فكرية و بالتالي قيمة أكبر. س: هل المطالعة و البحث هما سبب هذا الزخم من الأفكار التي نجدها عندك أم أنّك ولدت فيلسوفا؟ دوبينوس: البحث و المحاولة هي التي تجعل من الإنسان يقترب من الحكمة، لكنني لا أزال في أوّل الطريق. أنونموس (ANNONYMOS) : س: ألا ترى في تعريفك للبيان أنك أعطيته معنى ضيق؟ دوبينوس: الضيق! لا يكون في المعنى، لربما يكون في مساحة القاعة مثلا، و لربما يكون في مجال معيّن، لكن الضيق في المعنى، أظنّ أنه بعيد عن المنطق. س: هل في استعمال آلية البيان لا يعني أنه استعمل البيان؟ دوبينوس: لا! لقد استعمل أحد جوانبه فقط، لأنه متعدد الآليات، و استعمال البيان هو استعمال كلّ آلياته دفعة واحدة. و هذا مستبعد الوقوع. ملاحظة: أشكرك يا أنونموس على نصائحك. التشلساوي: س: ما هي أو كيف ستكون طريقة تعاملك مع تلاميذك أو طلابك في التدريس؟! دوبينوس: طبعا! سأدعم العاملين و الباحثين، و سأتفهم أصحاب إرادة البحث، و سأكون عدوا للخاملين النائمين. مـــاريا (MARYA) : س: ما هي فلسفتك في الحياة؟ دوبينوس: الحياة بالنسبة لي هي "أنــــا"، فأنا أعيش من أجل ذاتي، و ليس من أجل الآخر، فقد أحترم و أحاول تفهم الآخرين، لكنني لا أسير في ركبهم إلا إذا أقنعوني بالأدلة الصارمة على صحة العكس. أ. ز. 2 (ZA2) : س: لماذا اخترت جورجياس؟ دوبينوس: لأنه يرعب الكثيرين، بينما هو بشريّ كسائر البشر، له حسناته و سيئاته. س: هل علماء البيان هم فلاسفة؟ دوبينوس: يكونون فلاسفة إن هم بنو إجاباتهم وفق نسق فكري مدعّم بالأدلة المتاحة. س: هل هناك خير أسمى؟ و هل يمكننا الوصول إلى هذا الخير الأسمى؟ دوبينوس: الخير الأسمى موجود، و هو يسكن فينا، فما علينا سوى اكتشافه باكتشاف الجميل في أنفسنا، عندها سيسهل تقبل الأجنبي عنا، حتى و لو كانت نسبة تقبله ضئيلة. س: هل المغالطة هي فن؟ دوبينوس: هي كذلك إن رأيتها أنت كذلك.
النتشوية: س: ماذا تقول عن شخصيتك؟ كيف تراها؟ و أين تضع نفسك؟ دوبينوس: شخصيتي ليست كاملة، و ليست ناقصة، و إنما هي خارجة عن المتحكم فيه، إني أراها كما أرى كل بشريّ يحترم أفكاره، بينما نفسي هي قاهرتي في أحيان، و أنا قاهرها في أحيان أخرى، تصاحبني تارة، و تعاديني تارة أخرى، لكنها لا تتخلى عني. س: أين تكمن نقطة قوّتك؟ دوبينوس: نقطة قوتي هي تقبع في العين، القاف و اللام. س: لماذا تؤمن بالبراهين و الحجج أكثر من الأفكار؟ أتحب أن تقحم و تذل خصمك؟ دوبينوس: البراهين و الأدلة هي معايير صدق القول في نظري، و كلّ متكلم لا يعطي براهين و أدلة تثبت أقواله، هو بالنسبة لي "كاذب"، بينما خصمي، أنا لا أتعامل معه كشخص، و إنما أنا أتعامل مع أقواله التي هي تعبير عن أفكاره. س: أتحب أن تكون مهاجما؟ أم متلقيا؟ أم كلاهما؟ دوبينوس: أنا أفضل تلقي الفكرة المبرهن عنها، و مهاجمة الفكرة التي لا تدعمها براهين. س: تقول أنّ العملية، نجاحها لن يزيل المرض، و الطبيب لن يكون ناجحا بنجاح العملية؟ كيف نعرف نجاح العملية و الطبيب؟ دوبينوس: الطبيب الناجح هو الإنسان الذي يعرف ما معنى الإنسان، و العملية الناجحة هي محاولة "مساعدة المريض" و ليس هي تلك التي تزيل المرض، فالإحسان إلى المريض هي العملية الناجحة نجاحا باهرا، لتطمئن نفسه و تبرر وجود الطبيب. س: هذا الموقف الذي تدافع عنه بأن هناك خيرا أسمى، بما أنك طالب فلسفة و فيلسوف زمانه، أيمكن أن يكون هناك خير مطلق؟ دوبينوس: الخير المطلق ليس هو الخير الأسمى، فالمطلق هو لله رب العالمين الواحد الأحد، بينما البشر يحاولون قدر الإمكان أن يسموا بأرواحهم، و ذلك عبر عقولهم و التزامهم بما جاءهم من السماء إضافة إلى الخوض في ما حولهم. س: ما رأيك في الحقيقة؟ و كيف نعرفها بالنسبة لك؟ دوبينوس: لكل منا حقيقته التي تميّزه، لكن الكثير منا يحاول إظهار جانبها الايجابي فقط، أما معرفتها فهي تتوقف على مدى اجتهادنا في ذلك، و لن تستوضح لنا سوى إذا استعملنا عقولنا و قلوبنا معا.
الزوجة المثالية ذات أخلاق: س: كيف تريد أن تكون شخصيتك؟ دوبينوس: أعمل على أن تكون مقبولة لدى العقلاء. و غير مقبولة لدى الجهلة جهلا أعمى. س: ما هو الهدف الذي تسعى إليه؟ دوبينوس: أسعى إلى تخليد أفكاري، لأنها أغلى من أثمانها. س: هل ستتزوج مستقبلا؟ دوبينوس: إن كان الزواج قدري، فليكن، لكنه ليس من أهدافي. س: كيف أنك تتقبل الانتقادات التي تكون جارحة؟ دوبينوس: أتقبلها لأنني أفترض أنّ الذي يطلقها، هو يفعل ذلك عن حسن نية. س: هل لديك أصدقاء تحكي لهم أسرارك؟ دوبينوس: نعم و لا. س: عندما لا يعرف طالب الإجابة، تضحك ضحكة عريضة.... لماذا؟ دوبينوس: لأخفف عنه، و لأُشعره بأنّ هناك إنسانا يهتم لخطئه.
أ. ب: ملاحظة: كانت محاورتك أجمل بكثير و شكرا. دوبينوس: حتى حضورك و كلماتك جميلة، شكرا على المشاركة.
ف. م: ملاحظة: فكريا أنت متمكن جدا، شخصيا لا تسمح بأن تبدي أي سلوك يكشف عن طبعك، أنت غامض إلى درجة تخيفني. دوبينوس: أشكرك! لكنني في بداية البداية، و حياتي الفكرية لا تزال طويلة أمامي، أما بالنسبة للغموض فهذا صحيح، أنا غامض إلى حد ما، لكن هذا لا يبعث على الخوف، لأنني أكنّ لك محبة خاصة لا يمكنك تصوّرها.
ل. ش: ملاحظة: أنت فيلسوف تنال كل الشرف و التقدير، بتقديمك لمعظم الأفكار، فأنا حقا معجبة بها، و لكن في بعض الأحيان لم أفهمك، فيما تقوله، و كأنك تقدم مسائل معقدة، فحاول أن تقدم الأفكار في بساطتها لكي يفهمك الجميع. صعوبة أفكارك تجعلك تخيف الناس و تدخل نوع من الرهبة في نفوس الآخرين، أنت منتقد لاذع. لا تحاول بلوغ المثالية، لأنها مطلقة، لا تصل إليها، فابتعد عنها لأنها تسبب لك الشقاوة في حياتك. دوبينوس: حقا!! أنا عندما أقدم المسائل المعقدة أحاول أن أحث الآخرين على البحث، فليست كل الأمور تعطى جاهزة، أما بالنسبة لصعوبة أفكاري، أنا أختصر الفكرة لا أكثر، و هذه العملية صعبة للغاية، لكنني أضطر للقيام بها عند نفاذ الوقت مني. إن كانت هناك رهبة! فهي غير متعمدة مني، أما الانتقاد هو ضروري لحياة الفكر، كما أنني لا أحاول بلوغ المثالية، فأنا أستغرب هذا الحكم، فقط أنا أحاول أن أكون إنسانا، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لأنه ليس كل البشر إنسانيين. و لا شكر على واجب.
س. ع: س: ما تصورك عن فلسفة تدرس جزئيات الحياة؟ دوبينوس: لأنّ المفاجآت تكمن في الجزئيات و التفاصيل التي يهملها الكثير من البشر، أعلم أن الفلسفة هي التي تدرس المواضيع بطريقة شاملة، لكنها ستكون فعالة أكثر لو كيّفت لدراسة هذا النوع من المفاتيح التي تضيع من حقيبة الفرد، لكنها تتحكم في مصيره. س: ما الذي تراه في مالك بن نبي، و لا تراه في أي مفكر آخر؟ دوبينوس: في البداية، أنا لا أعتبر السيّد: مالك بن نبي مفكرا، و إنما هو فيلسوف أنجبت منهم هذه الأرض عددا أقلّ من الضئيل. أما في ما أراه فيه، فأنا أرى ذاك الذكي الذي أقام نسقا فلسفيا من مرجعية إسلامية، و بأدوات فعّالة للغاية، مما مكنه من فهم الواقع الإسلامي و العربي فهما صارما، و إعطاء تصورات لحلول أثبتت نجاحها في بقع كثيرة من العالم الإسلامي حاضرا. فرحمة الله على سيّد الجزائر. س: معظم أساتذتنا يعكسون فلسفة بعينها على الحياة، إذا أردت أن تكون مثل أحدهم، من تكون؟ دوبينوس: سؤال ذا حديْن! أوّلا: أنا أفضل الفلسفة التي تنطلق من قواعد النص الإسلامي، و ثانيا: أنا أفضل أن أكون أستاذا شاعرا. س: مجتمعنا مجتمع ذكوري، يقبل أي شيء من الرجل على عكس الفتاة، هل حاولت يوما أن تكون نتشه في حياته؟ دوبينوس: أبدا!! نتشه بعيد عني تماما، حتى أني رغم اعترافي له بالدهاء الفريد، إلاّ أنني أعتبر نتشه فيلسوفا جبانا.
أ. ب. ع: ملاحظة: لن تكون جورجياس، لكن ستكون يوما ما جورجياس. دوبينوس: هذا ما أنا مؤمن به، صحيح أني لست جورجياس، لكنني أعمل على أن أكون الجزائريّ الذي سيترك عطره على هيأة قطعة ذهبية في خزان الفلسفة الكبير، فهو وعد مني.
ك. س: س: ما هي الوسيلة التي تستعملها للإقناع حتى يصبح خصمك مسلما بها؟ دوبينوس: الإقناع هو عملية عقلية محضة، تقوم بها العقول وحدها، إن هي استلمت ترخيصا من أصحابها، لدى أنا أحاول مخاطبة عقل الخصم ليس أكثر.
آخر كلمات الحوار: دوبينوس يعلم أنّ هذه الأسئلة كانت تنمّ في طياتها على الكثير، و هو بذلك يشكر كل سائل، ملاحظ و معلّق و خاصة الناصح من أفراد القاعة السادسة عشر، فهذا العمل هو عظيم لمن يدرك أهميته، و ساذج للسذّج، كما أنّ دوبينوس يشكر جميع من ساهم في إنجاز هذا العمل، حتى الذين قدموا حقدهم بدل كلماتهم، لكن الإنسانية هي الفائز الدائم، و هي مبرر عدم نفاذ الأمل، فالماء الذي هو محرّك الحياة و حارسها، يخرج من أقسى الجمادات، ألا و هي الصخور.
السيّد: مــــزوار محمد سعيد
#مزوار_محمد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنوان الجذاب يخفي موضوعا سيّئا
-
سنبقى ما بقي البقاء
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|