أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود روفائيل خشبة - وحى الشعراء ووحى الأنبياء














المزيد.....

وحى الشعراء ووحى الأنبياء


داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 4038 - 2013 / 3 / 21 - 17:59
المحور: الادب والفن
    


وحى الأنبياء ووحى الشعراء
داود روفائيل خشبة

فى مقال سابق وعدت بأن أخصّص مقالا لموضوع ينبوع الوحى أو وحى الشعراء ووحى الأنبياء، لكنى ما كدت أبدأ التفكير فى الموضوع حتى تبيّنت أنه موضوع شاسع عميق لا يمكن معالجته بصورة مرضية فى حيّز مقال قصير، بل هو يحتاج بحثا فى مثل رحابة كتاب وليم چيمس William James الفذّ عن تنويعات التجربة الدينية Varieties of Religious Experience، وكم كنت أحب أن أقوم بعمل كهذا لولا أنى لا أظن أن ما بقى لى من الأيام يتـّسع لذلك. على كل حال، ما دمت قد وعدت فها أنا أحاول أن أقدّم تخطيطا هيكليّا لعل القارئ يجد فيه بعض النفع.
يمكننا القول بأن الوحى ظاهرة اقترنت بالجنس البشرى منذ اكتسب البشر الوعى العقلى. وفى اعتقادى أن كل من مرّ بالتجربة الإبداعية، فى الفكر أو الشعر أو الفن أو الكشف العلمى، لا بدّ أن يكون قد عرف تجربة الوحى، حين تواتيه الفكرة، تفاجئه، كأنما جاءت من ... من أين؟ إن قلت من خارج ذاته لما كان ذلك قولا دقيقا ولو أنه أوّل ما يخطر على البال، لكن من عرف التجربة يحس أن الفكرة انبثقت من داخله ومع ذلك فإنه يقول صادقا إنه لا يعرف من أين جاءت أو كيف جاءت. فيما يلى سأقدّم التفسير الذى اقتنعت به، لكن قبل ذلك دعونا نستكشف الظاهرة ببعض التفصيل وبعض العمق.
تحدّث الشعراء فى كل ثقافة وكل حضارة عن وحى يجيئهم من مكان يصوّرونه فى صور شتـّى. شعراء العرب تحدّثوا عن وادى عبقر وسكـّانه من الجن الذين يلهمونهم إبداعاتهم. شعراء اليونان حدّثونا عن ربّات الإلهام وكانوا يبدأون ملاحمهم وقصائدهم بالابتهال لتلكم الربات طلبًا للإلهام. وكم من شاعر محدث حكى لنا كيف جاءته رائعته فى حلم أو ما يشبه الحلم. ولعل أشهر مثال لذلك فى الشعر الإنجليزى الحديث ما رواه كوليردچ Coleridge عن قصيدته البديعة Kubla Khan التى نظمها وهو نائم، ولما استيقظ أخذ يدوّنها كما جاءته فى الحلم إلى أن قطع عليه زائر حبل أفكاره فبقيت القصيدة ناقصة، تماما كما بقيت سورة أبى لهب ناقصة حين انكسرت القافية فتبدّد الإلهام.
تعالوا ننظر فى وحى الأنبياء. فلنستبعد الحالات التى يكون فيها ادّعاء النبوّة دجلا واحتيالا ولنقتصر على الحالات التى يعتقد فيها النبى مخلصا أن الوحى يجيئه من مصدر أعلى. نجد أوّلا أن الكثير جدّا من هذا الوحى يأتى بالفعل فى حلم أو فى حالة غيبوبة أشبه بالحلم، أو فى رؤيا لا يمكن تكييفها إلا على أنها حلم يقظة. فى التوراة أمثلة عديدة للنبوءة التى تأتى فى ثنايا حلم. سفر إشعياء يبدأ هكذا: "رؤيا إشعياء بن آموص التى رآها على يهوذا وأورشليم فى أيام عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا." والأصحاح السادس من نفس السفر يبدأ هكذا: "فى سنة وفاة عزيا رأيت السيّد جالسا على كرسى عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. باثنين يغطى وجهه وباثنين يغطى رجليه وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال قدّوس قدّوس قدّوس ربّ الجنود مجده ملء كل الأرض. فاهتزت أساسات العَتـَب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخانا." وأكتفى بهذين المثالين من التوراة، وكان من الممكن أن أضاعفهما أضعافا. أما حكاية نبى الإسلام حين جاءه الوحى وهو معتكف فى الغار فهى مشهورة معروفة، إذ أتاه الوحى فى رؤيا لها – وأنا لا أقصد الإساءة – فى وصفها الدقيق كما ترويه المصادر الإسلامية، لها كل مواصفات الكابوس.
أريد أن أخلص مما سبق إلى أن الوحى الذى يعرفه الشاعر (أو المفكر أو الفنان أو العالم) فى تجربته الإبداعية، والوحى الذى يستشعره النبى أو الصوفى فى تجربته الروحانية، هما جنسان من تجربة نوعيّة واحدة، تجربة هى فى داخلها تجربة ذاتية. يحسّ الشاعر المبدع أن إبداعه له مصدر يتجاوز وعيه المباشر، سرّ يحيّره، وكى يجد الراحة من حيرته يخترع واديا يسكنه جن يلهمونه، أو يخترع ربّات للإلهام يَجُدن عليه بإبداعاته. ويكون من المعقول والمفهوم أن ينسب النبى الذى ينشأ فى بيئة ثقافة تؤمن بآلهة أو بكائن علوى وحيَه إلى ذلك الكائن العلوى. وأكرّر أنى أتحدّث هنا عن شخص مخلص يحسّ أن عنده رسالة يحتاجها أهله أو قومه أو بنو جنسه.
ولعل الأمر يكون أكثر وضوحا إذا نظرنا للتجربة الصوفية. التجربة الصوفية تجربة ذاتية يحسّ فيها الصوفى أنّه يتواصل مع حقيقته الذاتية أو مع الحقيقة المطلقة أو النهائية. والتجربة الصوفية الذاتية هى فى أصلها وجوهرها تتأبّى على البوح بها، لكن الصوفى يريد أن يعلن عنها، أن يعبّر عنها، فيلجأ للرمز وللمثال. لكنْ أى رمز وأى مثال؟ إنه بالضرورة يستمدّ الرمز والمثال من تراثه الثقافى والدينى. لهذا نجد أن التجربة الصوفية، التى هى فى جوهرها واحدة، يعبّر عنها الصوفى المسيحى فى صور ورموز مسيحية، والصوفى المسلم يعبّر عنها فى صور ورموز إسلامية، والصوفى الهندوكى يعبّر عنها فى صور ورموز هندوكية، وهى هى نفس التجربة فى صميمها وجوهرها.
ولكن إذا أردنا أن نجد لتجربة الوحى هذه فى صورها المختلفة تفسيرا عقلانيا، فماذا نحن قائلون؟ أين نجد الينبوع الفيّاض لتلك التجربة؟ فى رأيى أن ذلك الينبوع هو حقيقتنا الذاتية، حقيقتنا الداخلية، التى هى جوهرنا ككائنات عاقلة واعية. لماذا إذن تفاجئنا التجربة الإبداعية بمجيئها من حيث لا نعلم؟ أجيب بأن ذلك لأنها بالفعل لا تأتى من كيان له وجود سابق، ذلك أن حقيقتنا فى جوهرها حقيقة خلاقة، وكل الحقيقة فى رأيى خلاقة، وهذا هو التفسير الذى يقبله عقلى لما فى الكون من إبداع وتطوّر وتجديد. إننى أعلم أن ما أقوله فى هذه السطور القلائل يحتاج إيضاحا كثيرا وشرحا طويلا. وقد حاولت فى كتبى وكتاباتى أن أقدّم هذا الشرح والإيضاح، وليس من اليسير أن ألخصه فى سطور.
ما أقدّمه هنا مجرّد إطار لبحث لا يمكن أن نفيه حقه إلا فى كتاب مستفيض.
داود روفائيل خشبة
القاهرة، 21 مارس 2013



#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سورة الفتوى
- حكايتى مع الدين
- حدود احترام أحكام القضاء
- هل بقى أمل؟
- فى الدين (8) الإسلام
- فى الدين (7) المسيحية
- فى الدين (6) اليهودية
- فى الدين (5) البوذية
- فى الدين (4) الهندوكية
- فى الدين (3) زرادشت
- فى الدين (2) نشأة الدين
- فى الدين (1) كلمة تمهيدية
- الهزل والجد فى أمر تعريب التعليم والعلوم
- عبثية التفاهم مع الإسلام السياسى
- ما العمل؟
- حين نتنازل عن عقولنا
- خطر خلط المفاهيم
- السبيل لتحرير العقل العربى
- مواد الحريات فى الدستور المقترح
- مشكلة الدين


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود روفائيل خشبة - وحى الشعراء ووحى الأنبياء