|
هل من جاهزية فلسطينية لاستقبال أوباما؟
ناصيف معلم
الحوار المتمدن-العدد: 4038 - 2013 / 3 / 21 - 17:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد بات بحكم المؤكد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيقوم بزيارته التاريخية لكل من إسرائيل الدولة العضو في الأمم المتحدة، وفلسطين الدولة المراقب غير العضو في الأمم المتحدة. ومما لا شك فيه أن زيارة اوباما للمنطقة ليست حدثا عابرا، فزيارته لفلسطين المحتلة بحد ذاتها حدثا ليس بسيطا لا سيما بعد أن صفعت الإدارة الأمريكية بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح دولة فلسطين مراقب غير عضو في تشرين الثاني الماضي، وهذا يعني ان الرئيس الأمريكي يعي أهمية فلسطين في المعادلات السياسية الشرق أوسطية أكثر مما تعيه بعض القيادات السياسية الفلسطينية. هذا ليس افتراء على أحد، بل هذا هو الواقع على الأرض، ففي الوقت الذي تستنفر فيه دولة الاحتلال عن بكرة أبيها لاستكمال الاستعدادات لاستقبال اوباما من خلال تحضير سياسييها، وفلاسفتها، ومواقفها، واقتراحاتها، وتبريراتها، وحججها، وسيناريوهاتها، وأوراقها، وملفاتها، وحسن نواياها، وكوادرها، وعلمائها وطقوسها، وبروتوكولاتها وغير ذلك من الاستعدادات، حيث يفكر المرء وهو يتابعها بان قيادات هذة الدولة تتعامل مع زيارة اوباما وكأنها حركة تحرر وطني في خضم نضالاتها. أما فلسطينيا، للأسف الشديد فهناك فريقان: الأول يرحب بعنف بالرئيس الأمريكي اوباما، وهذا الفريق مستنفر امنيا بشكل غير مسبوق بهدف تأمين هذة الزيارة، حيث يعمل الجميع من السياسيين والأمنيين والعسكريين على تأمين هذه الزيارة، ويقول هؤلاء بان الرئيس الأمريكي ليس في جعبته أي مبادرة، بل يريد الاستماع والاستكشاف فقط، لذلك يعرف هذا الفريق ما الذي سيقوله لاوباما، أو بالاحرى حفظ ما سيقوله منذ العام 1991. أما ألفريق الآخر، فهو يستهزئ و يستهين بهذه الزيارة، ويتعامل معها وكأن اوباما رئيس مجلس قروي من جزر القمر يقوم بزيارة عادية لحضور مباراة، أو حفل تخريج لأطفال حفظوا قصيدة لأبو نواس. فهؤلاء يتحدثون بان اوباما قادم ليتضامن مع إسرائيل في حربها مع غزة، وهو قادم أيضا، كما يقولون لدعم سلطة رام الله بعد تراجع شعبيتها بعد حرب غزة الأخيرة.
للأسف الشديد لا يعي عدد كبير من أعضاء الفريقين أهمية هذه الزيارة كما يعيها أصغر موظف في وزارة الخارجية الإسرائيلية، فنحن كبقية المحيط العربي نتقن التطبيل والتزمير، والوعيد والعويل، وليس لدينا ذلك الحس من المسؤولية الذي يوازي حجم قضيتنا، ووطننا ومستقبل أجيالنا الذي يصادر، وسيصادر من قبل اوباما و نتانياهو بصفتهما يدركان عن وعي غياب جاهزيتنا لأي من القضايا الجوهرية، حيث أصبحنا ومنذ عقود نقرأ ونجيب على ما يطرح علينا من قبل الأمريكان، نتعامل معهم كطرف راع لمسيرة سياسية غير موجودة، ولا نتعامل معهم كطرف في معادلة الصراع. تبين ذلك من خلال ما يقال على ألسن عدد كبير من القادة العرب والفلسطينيين عن فراغ جيب اوباما من أي مبادرة أو مشروع لإعادة الحياة للمسيرة السلمية أو للمفاوضات، والأغرب من ذلك أن البعض منهم يتحدثون بكل سذاجة عن أن اوباما يريد أن يستمع من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. بصراحة هذا شيء مضحك، فهم يتعاملون مع اوباما كشيخ عشيرة يريد أن يلتقي مع ذوي العلاقة قبل إنجاز عطوة. هذا شيء غير معقول، فالأمريكان والأوروبيون والصينيون والروس والأذربيجانيون، وأهل ترقيزيا وملاوي يدركون ويعرفون تفاصيل الصراع، فكيف للولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها اوباما الذي لا تمر لحظة من حياته إلا وسمع من الإسرائيليين، واللوبيات الصهيونية وغير الصهيونية عن أوضاعنا، وأوضاع دولة الاحتلال! المشكلة في هؤلاء السياسيين الفلسطينيين من الطرفين أما أنهم مقتنعون بأننا جميعا كشعب فلسطيني مجموعة من الخراف، أو أما أنهم يتعاملون مع اوباما وكأنه يمتلك من المعلومات السياسية عن القضية الفلسطينية كما يمتلك حارس مديرية الشؤون الاجتماعية في إمارة الشارقة.
أيها السادة، اوباما يمثل احد أقوى قوى النظام الدولي متعدد الأقطاب الجديد، أوباما يمثل القوة السياسية والعسكرية العظمى التي تهيمن على أكثر من 90% من الشرق الأوسط، اوباما يمثل أكبر دولة في العالم داعمة لدولة إسرائيل، اوباما يعرف تفاصيل الصراع الفلسطيني الصهيوني بكافة تفاصيله كما يعرف تفاصيل غرفة نومه، اوباما ليس من مهامه أن يستمع للآخرين، بل هو الذي يسمع صوته للآخرين، اوباما لم يأت إلى الضفة الغربية ليستمع للقيادة الفلسطينية، اوباما لم يأت هنا ليستمع إلى ما تقوله حكومة غزة المقالة، اوباما يأتي إلى الضفة الغربية ليمنع القيادة الفلسطينية من استكمالها مشروع الدولة في الأمم المتحدة، أي أن اوباما لا يتعامل مع مخرجات تصويت الأمم المتحدة، بل يتعامل مع النتائج المتمثلة بعدم مطالبة القيادة الفلسطينية للأمم المتحدة برعاية العملية السياسية بين الطرف الفلسطيني والآخر الإسرائيلي حتى اللحظة، أي أن القيادة الفلسطينية ما زالت متمسكة بالرعاية الأمريكية غير النزيهة للعملية التفاوضية العبثية التي استمرت لعقدين، حيث استطاعت دولة الاحتلال خلال هذان العقدان تنفيذ 90% من مخططاتها السياسية التي تستأصل أي إمكانية لإقامة أي دولة فلسطينية على الأرض المحتلة عام 1967. لذلك يأتي اوباما لإيصال رسالتين مختلفتين للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي: الأولى للطرف الفلسطيني مفادها أن الولايات المتحدة هي الراعية لأي عملية سياسية، وأن لا خيارات أمام الفلسطينيين إلا الموافقة على أي مبادرة أمريكية سقفها مصمم من قبل دولة الاحتلال، أي تجميل الوجه القبيح لإسرائيل من خلال نقل بعض الكرافانات التي يسميها اوباما غير شرعية. أما رسالته للإسرائيليين فهي كالرسائل السابقة "ستبقى أمريكا داعمة لإسرائيل الديموقراطية كونهما شركاء بالقيم الحضارية (طبعا بين قوسين)، وأمريكا لا تسمح بأي اعتداء على إسرائيل التي تعيش في وسط معادي، وستطلب أمريكا من إسرائيل التخفيف عن الفلسطينيين ببعض الإجراءات التي لا تهدد امن الدولة النووية وذلك بمقاييس حقوق الإنسان الإسرائيلية.
هذا ما في جعبة اوباما، فهل تريدون المزيد يا سادة؟ نحن كفلسطينيين، كنا في الضفة الغربية أو كنا في غزة، كنا نؤيد فتح أو نؤيد حماس، كنا شيوعيين أو كنا قوميين أو متدينين أو ملحدين، نحن فلسطينيون أصحاب الأرض والحق، وعلى هذا الأساس يتم التعامل معنا من قبل دول العالم، سواء كانت عربية أو إسلامية أو اشتراكية أو إمبريالية أو صهيونية أو مالطية. وبما أن هناك تحالفا أمريكيا إسرائيليا يستند على المصالح بين الطرفين، ويستند أيضا على المرجعيات الفلسفية، أي على الفكر الصهيوني والآخر الإمبريالي فلا مجال للولايات المتحدة إلا أن تدعم دولة الاحتلال، واوباما يمثل هذة القوة الإمبريالية التي تعرف مصالحها في كل مكان في العالم سواء كانت في موزمبيق، أو في ماساشوتس، أو في الدوحة أكثر من حكام هذة الولايات والإمارات.
لذلك لم يأت اوباما لدعم السيد الرئيس محمود عباس كما يدعي أعضاء من الطرفان المؤيد والمعارض للرئيس، ولم يأت كذلك لدعم حماس والحكومة المقالة كما يدعي البعض من الطرفان المنقسمان، بل يأتي اوباما ليدشن عهدا وعصرا جديدا في المعادلة السياسية في الشرق الاوسط مفادها أن القضية الفلسطينية ليست القضية الأولى والجوهرية، وسيقول بان هذة القضية يجب ان تحل بالطرق الأمريكية، وبالأوصاف الإسرائيلية، وبالتثنية والمباركة العربية خاصة المصرية، والحل الآن ليس كما قرر الفلسطينيون عام 1988، وليس كما بادر العرب في بيروت عام 2002، وليس كما قررت الأمم المتحدة في 29/11/2012، بل يرى اوباما أن الحل يكمن بتطوير الحكم الذاتي الحالي بمضاعفة الجهد الأمني، مع تقليص المطالب والسقف الفلسطيني من خلال استقطاع أكثر من ثلث ما تبقى من الأرض المفترض أن تقام عليها الدولة الفلسطينية العتيدة.
ألسؤال المطروح الآن: هل من مخرج؟؟ نعم، هناك العديد من هذة المخارج، هناك العديد من الخطط، هناك العديد من السيناريوهات، وهناك العديد من التحركات والحراكات والحركات، حيث ما يتشدق به بعض الفلسطينيون والعرب بان اوباما لا يحمل معه شيء، يعني ان هؤلاء من أتباع ما يسمى بأل watna باللغة السياسية الإنجليزية، أي أصحاب الخيار الواحد السيء، لهذا ليس لديهم خيارات، أي لا يريدون الخيارات، فمصالح البعض منهم تنمو وتترعرع في ظل غياب أي خيارات، لأن الأوضاع الحالية كما هي، والأوضاع القادمة كما يريدها اوباما تنسجم تماما مع مصالح أصحاب أل watna. اعتقد ان البعض من هؤلاء ليس لديهم مشروعا وطنيا، ليس لديهم لا خيارات ولا خطط بديلة، اكتفى البعض منهم بما تم تحقيقه أمريكيا وإسرائيليا منذ عام 1994، والمشكلة أن هؤلاء لا ينظرون ولا يتعلمون من الإسرائيليون الذين يوصفون بسياسيي أل batna، أي بأصحاب البدائل، لذلك هم مشغولون و مستنفرون لوضع هذة البدائل لسد الطريق على الإدارة الأمريكية للتفكير للحظة بأي من البدائل التي قد تتعارض جزئيا مع مصالح الدولة العبرية.
اعتقد أن بإمكان القيادة السياسية الفلسطينية الحالية، بإمكانها الموافقة على طلبات المتظاهرين، عليها تسهيل تحركهم، وعلى المتظاهرين أيضا أن لا يكونوا سلبيين، وعدميين، وعبثيين، عليهم رفع الشعارات التي تنسجم مع خيارنا الاستراتيجي في استكمال التوجه للأمم المتحدة، وإقامة الدولة الفلسطينية المدنية الديموقراطية العلمانية، وليس الدولة الدينية كما تطالب قيادات دولة الاحتلال، على المتظاهرين مطالبة الإدارة الأمريكية برفع يدها، وإنهاء دورها كراع للمسيرة السلمية بصفتها طرف في الصراع وليس راع، فالراعي لأي عملية سياسية يجب أن يكون نزيها. وعلى القيادة السياسية الفلسطينية أن توصل رسالة لاوباما بأنها قيادة ديموقراطية وليست بدكتاتورية، أي أنها تعترف وتحترم شعبها ومطالبه، وعليها مطالبة الادارة الأمريكية الاستماع ليس فقط للقيادة، بل وأيضا للشعب الفلسطيني. لذلك ومن اجل مساعدة القيادة الفلسطينية في تدعيم مواقفها الرافضة لأي حل سياسي لا ينسجم مع الثوابت الوطنية، عليها تسهيل خروج شعبنا الفلسطيني للشارع للتظاهر السلمي، ليس ضد زيارة اوباما كما يريد العبثيون، بل من أجل إجبار اوباما وقيادات دولة الاحتلال على تغيير حساباتهم.
أن إغلاق شوارع رام الله أو بيت لحم خلال زيارة اوباما، وصناعة مربع امني حول المقاطعة، ورفض كافة تصاريح وأذونات المظاهرات، وحمل العصي في وجه المتظاهرين، كل هذا يزيد من عزلة القيادة الفلسطينية على الساحة المحلية، وسيزيد الضغط على هذة القيادة من قبل الأمريكان والإسرائيليون و العرب. إن قوتكم و قوة هيبتكم، و قوة مواقفكم أمام ممثل الإمبريالية والصهيونية تكمن فقط بقوة تحرك جماهيركم على الأرض، فالخيار لكم: أما أن تكونوا عمالقة أمام اوباما مسلحين بهمم وكبرياء ومطالب شعبكم، وأما أن تختاروا خيارات محيطكم العربي الذين يفضلون الركوع والخنوع والخضوع أمام العم سام.
21/3/2013
#ناصيف_معلم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|