سلمان مجيد
الحوار المتمدن-العدد: 4037 - 2013 / 3 / 20 - 19:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أن ألكتابة ليس كأي عمل يقوم به ألانسان ، لسبب بسيط جدآ ، ألا هو : أن عملية ألكتابة قد تكون ــ من حيث مصدرها ــ مشتركة بين ألبشر عامة ، بأعتبارها وسيلة و أداة للتعبير عن ما يموج في دواخل ألانسان من مشاعر و أحاسيس أتجاه ما يحيط بهذا ألانسان من واقع موضوعي ، مادي و معنوي ، ألا أن ألمشكلة ألتي تواجه ألانسان في ذلك هو : عدم أمتلاك ألبعض ألادوات و الوسائل للتعبير عن تلك ألدواخل ، بألطريقة ألمقبولة ، من قبل ألمهتمين بهذا ألامر ، لذلك فألذي لايملك تلك الوسائل و ألادوات ، ألتي تنطبق عليها مواصفات ألكاتب ، فقد يلجأ للتعبير عن دواخله بألطرق ألاخرى ، ألتي قد يكون بعضها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ــ أحيانأ ــ و حتى يمكن ألتعبير عن تلك ألمشاعر و ألاحاسيس في حالة من ألوعي ألتام ، أو قد يصل ألامر ألى ألتعبير عن تلك ألاحاسيس بحالة من غياب ألوعي و ألتي قد تدفع ألبعض ــ أو قل ألاكثر من ألمتابعين لمشاعر و احاسيس هؤلاء ، أي ألذين يعبرون عن مشاعرهم بطريقة غير واعية ــ بأنهم خارج ألمنظومة ألمقبولة للتعبير عن ( ألمشاعر ) ، خلاصة ما أريده في هذه ألمقدمة ، بأني لا أقصد ممن تتوقف عندهم عملية ألكتابة ــ مثل هؤلاء ــ ولكني أعني هؤلاء ألذين يستخدمون ألحرف و ألكلمة كأداة و وسيلة للتعبير عن أحاسيسهم أو مواقفهم أتجاه ألمحيط ألذي يعيشون فيه أو بضمنه ، ماديآ كان أو معنويآ . من ألموجب أولآ : أن نميز بين نوعين من ألكتاب ، حتى تتبين ألاسباب و ألنتائج لعملية ألتوقف عن ألكتابة ، فهناك : ( 1 ) ألذين يتخذون من ألكتابة ، حرفة أو عمل لهم . ( 2 ) و هناك : ألذين يتخذون ألكتابة كهواية أو متعة ذاتية لهم .
أما ألذين يتخذون ألكتابة مهنة أو عملآ لهم ، فأن أسباب توقفهم عن ألكتابة تختلف عن ألاسباب ألتي تدفع ألنوع ألثاني من ألكتاب في ألتوقف عن ألكتابة ، مما يؤدي ــ حتمآ ــ ألى اختلاف ألنتائج ألمترتبة على هذا ألتوقف لدى ألنوع ألاول عن ألنوع ألثاني ومن ألممكن ألنظر لعملية التوقف عن ألكتابة ، من أن عملية ألتوقف عند ألنوع ألاول تكون نادرة ألى حد ما ، بألمقارنة ألى ألنوع ألثاني من ألكتاب ــ وهذا لايعني بأن ألنوع الاول اكثر قدرة أو جدارة في ألاستمرار في ألكتابة ــ بل ألامر يتعلق بألأسباب و ألدوافع ألتي تدفع كل منهما ألى ألكتابة و ألأستمرار بها أو ألتوقف عنها : فمن ألأسباب ألتي تجعل محترفي ألكتابة في عدم ألتوقف عن ألكتابة هو : أرتباط توفير مستلزمات حيأة ألكاتب و عائلته ، مرتبط بأستمراره بألكتابة ، ومن ألذين أوفر حظآ في ألاستمرار بألكتابة ــ من هؤلاء ــ هو : حسب نوع موضوعات كتاباتهم ، فكلما كانت هذه الكتابات أقرب ألى ألموضوعات ألعلمية ألصرفة ، و أبعد عن الموضوعات ألسياسية و ألأجتماعية ألتي قد تتعارض مع ألقوى ألفاعلة في ألمجتمع ، فأن حظ هؤلاء في ألأستمرار في ألكتابة أفضل لأن طبيعة كتاباتهم تتميز بألحيادية ، أضافة ألى أنها لاتتميز بألأهتمام ألا من ذوي ألأختصاصات ألعلمية ، ألتي لاتهم ألا ذو الأختصاص ألذي يعدون بعيدين عن ألشريحة ألواسعة من أصحاب ألقرار ألسياسي أو ألأجتماعي ، أما ألذين يتخصصون بألكتابة ألسياسية و ألفكرية ، فأنهم أكثر عرضة لتوقفهم عن ألكتابة ، أو قل أيقافهم عنها ، في حالة تعارض تلك ألكتابات مع طبيعة ألنظام ألسياسي و ألأجتماعي ، وهذا ألأمر ليس شاملآ ، وأنما يتوقف على نوعية أراء و أفكارذلك ألكاتب و مدى ألتزامه بتلك ألمبادئ و ألأراء ألتي يؤمن بها ، و لنقل أنه على أقل تقدير ملتزم بألموضوعية و ألحيادية ــ ألأيجابية و ألسلبية ــ فأذا كان ألكاتب هكذأ نوع ــ أي ألملتزم بحرفية هذه ألمهنة ، ألتي تعد من مستلزمات ألكاتب ألمقبول من قبل ألقراء ــ فأن أي تصادم مع من لايقبل تلك ألأنواع من ألكتابة ، فأنه حتمآ سيتعرض ألى ألتوقف أو ألأيقاف عن ألكتابة مضطرآ ، مما قد يدفعه ألى أحتراف مهن أخرى قد تكون بعيدة عن ما أعد نفسه أليها ، أعدادآ أكاديميآ أو ذاتيآ ، أو يختار مهنة قريبة من مهنته ألأصلية ( ألكتابة ) وهذا حصل في ألعراق بشكل واضح في مراحل سابقة ، كعمل بيع ألكتب مثلآ ، وما يشهد على ذلك ما كان عليه ( شارع ألمتنبي ) ، فحتى هذا العمل كان محفوفآ بألمخاطر نتيجة مطاردة ( قوى ألأمن ) لعناوين ألكتب ألتي كان ألنظام ألسابق يعتبرها معادية له ، و هناك أخرين على ألعكس من ألذين أشير أليهم أعلاه ، أي ألذين يفرقون بين مهنتهم ( ألكتابة ) بأعتبارها مجرد عمل أو حرفة ، وبين ألأراء و ألمواقف ألسياسية و ألفكرية ، المطالب فيها ألكاتب أن يعبر ليس فقط عن أراءه ومواقفه ، بل يجب أن يكون مرأة للمجتمع ، كتاب من هكذا نوع لايتعرضون ألى ألتوقف عن ألكتابة ألا ما ندر ،لأنهم قادرون على أن يكتبوا ما يملى عليهم ضمنآ أو صراحة ، من قبل ألقوى ألسياسية و ألأجتماعية ألفاعلة في ألمجتمع ،و هنا لا أعني فقط ألدولة و ألنظام ألسياسي ، فأحيانآ قد تكون بعض ألقوى ألأجتماعية أقوى من ألنظام ألسياسي ، مما يدفع كتاب من هذا ألنوع ان يستجيبوا ألى ( ألأقوى ) ، بغض النظر عن توافق هؤلاء في أراءهم و مواقفهم ألمعلنة مع أراءهم و مواقفهم ألخاصة ألغير معلنة ــ وهذا يعد أسوء انواع ألأنتهازية ألتي يصاب بها بعض ألمثقفين و ألكتاب و ألفنانين ــ و لقد عانى ألشارع ألثقافي ألعراقي في ألفترات ألسابقة ألعديد من مثل هؤلاء ، و البعض منهم عاد و أنقلبوا على ما كانوا عليه !!
ولنعد ألأن ألى ألنوع ألثاني من ألكتاب ، وهم ( هواة ) ألكتابة ، وما يتعلق بهؤلاء ، أولآ : أن أحتمالية تركهم للكتابة اكثر من النوع ألأول من الكتاب ، وقد يعود ألامر الى سببين ، ألاول : هو ان دوافع ألكتابة لمثل هؤلاء ، هي دوافع ذاتية تتعلق بمحاولة اثبات ألذات ، او اشباع لرغبة نفسية في ألتعبير عن دواخلهم و مواقفهم أتجاه ألحياة ، ومثل هؤلاء لايهتمون بردود افعال قرائهم أو متابعيهم ،كانت أيجابية أم سلبية ، أذن تبقى المسالة لمثل هؤلاء هو مجرد أرضاء للذات ــ ألتي قد تتطابق مع مواقف ألمجتمع و ألمصالح ألعامة ــ ، اما ألسبب ألثاني لأحتمالية توقفهم عن ألكتابة هو : أفتقاد ألبعض منهم ألى ألموهبة ألفطرية للكتابة ، أما ألموهبة ألمكتسبة لهؤلاء و ألمتأتية من ألتعليم ألأكاديمي و ألمهني ، ألمتعلق بمهنة ألكتابة ألأحترافية فأنهم بعيدون عنها ، و ذلك لأن كل هؤلاء أنما يمارسون ألكتابة ألى جانب مهنهم ألأصلية ، ألتي قد تكون بعيدة كل ألبعد عن عملية ألكتابة ، وهنا قد يبرز تساؤل : عن مصدر ألخبرة ألتي يمتلكونها في مجال ألكتابة ، و ألجواب هنا هو : ان ذلك أنما يعود ألى ألجهد و ألمثابرة ألذاتية ، ألتي قد تجعل ألبعض منهم يتفوقون على محترفي ألكتابة ، بل قد يدفعهم تفوقهم هذا ألى أن يتركوا مهنهم الأصلية و يتجهون ألى أن يحترفوا ألكتابة ، وهذا يظهر في مجال الكتابة ألأدبية و الفنون التشكيلية ، و هناك ألعديد من أمثلة هؤلاء ، وخاصة في الشارع ألثقافي ألمصري ، و هناك مسألة أخرى تتعلق بمن يتخذ من الكتابة هواية له ألا وهي : أنه حتى لو توقف أحدهم عن ألكتابة بألنسبة للقارئ ، ألا أن ألكثير منهم يستمر بألكتابة لنفسه ، وخاصة من تلح عليه الموهبة أو ألرغبة ألتي يتمتع بها ، بأن يستمر بألكتابة ، و بطبيعة ألحال هذا لاينطبق على كافة أنواع ألكتابة ، و أنما يختص بألكتابة ألأدبية ــ على ألأرجح ــ و خاصة في مجال ألشعر ، حتى أن بعضهم عندما تصل ألحالة عنده ألى ذروة ألحاجة في ألتعبير عن أحاسيسه ، بأن يصاب بنوع من الشد ألعصبي ، وحتى ألصحي أحيانآ ، ففي لقاء تلفزيوني في ( ألسبعينيات ) ــ كما اتذكر ــ أن ألمرحوم ألعلامة ( مصطفى جمال ألدين ) صرح بأنه : قبل أن تكون ألقصيدية ألشعرية لدية في متناول قلمه ، فأنه يصاب ( بألحمى ألشديدة ) ألتي تأرقه ، حتى تختمر فكرتها لتتلقفها ادواته ألشعرية ألجميلة و ألتي يتسيد عليها بمعرفته و علمه ألواسع ، وهناك من هواة ألكتابة من لم تحد من رغبته بألكتابة حتى أقسى أنواع ألامراض ، فهناك قصة مصرية أسمها ( نور ) حيث تروي قصة كاتب لم يمنعه ألمرض عن ألأستمرار في ألكتابة ، وهو في لحظاته ألأخيرة ، تنتهي حياته مع نهاية أخر حرف من كلمة ( نور ) .
من خلال كل ما تقدم : ما اردته هو ألتعبير عن حالة خاصة ، قد تكون بعض من أسبابها تدفع من يتخذ من ألكتابة هواية له ، مستهدفآ في ذلك ، أن يستمر ألكاتب ــ كان محترفآ للكتابة أو هاويآ لها ــ في ألكتابة كواحدة من ألوسائل ألمعاصرة من خلال ألوسائل ألمتاحة بيسر نتيجة للتقدم في مجال التواصل ألاعلامي ، و أكيد أن ألعبء على ألكاتب سيكون أثقلآ ، بسبب منافسة ألوسائل ألمرئية له ،و ألتي تتميز عنه بتأثير متعدد ألجوانب على ألمتلقي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#سلمان_مجيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟