|
فيلم -ساعة ونص- قراءة للواقع الانسانى المصرى ومحاضرة نفسية للمشاهد عن التغيير المجتمعى
إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة
(Ereiny Samir Hakim)
الحوار المتمدن-العدد: 4037 - 2013 / 3 / 20 - 01:45
المحور:
الادب والفن
الفن مرآة الواقع وعرض للحقائق، لذا على الفنانين أن يجسدوا الحقيقة، وعلى المتلقى لهذا الفن أن يتجاوب مع الرسالة التى قدمت من الفن المنذر والمشير للواقع، وقد كان فيلم "ساعة ونص" نموذج جيد للفن الهادف، لما له من هدف إنسانى واجتماعى يتعدى شباك الإيرادات، وقد كان له تأثير واسع المدى على الصعيدين وأعمق من مجرد فيلم سينمائى، فهو صدمة للمواطن كى يواجه مشاكله، ويحسه على التغيير والشعور بآلام شركاؤه فى المجتمع.
تناول تفاصيل إنسانية لمصريين مُهمّشين
إن فيلم ساعة ونص هو قراءة فنية فى إنسانية مصر، يعرض لمحات هامة من لحظات مهملة من حياة مصريين مُهمّشين، فهو تعبير سينمائى عن إعصار آلامهم النفسية، وتجميع لقصص مختلفة لشخصيات متنوعة فى الطبقات الاجتماعية والثقافية ينقلهم قطار واحد، ربما من محطة موت لموت، من موت نفسى إلى موت جسدى، حيث يتحكم فى مصائرهم أشخاص آخرون تنتقل أفعالهم من جرم لتوبة لمحاولة الإصلاح، إنما المصير الواحد ينتظرهم جميعا والقدر يربطهم جميعا.
ذهب هؤلاء إلى قدرهم محمّلين بمعاناتهم الشخصية كل منهم على حدة، إنما وجد عامل اساسى مشترك بينهم جميعا، وهو الرجاء!، الرجاء المولود من الألم، فالأم المهجورة من ابنها ترجت الرعاية والحنان سواء فى ملاقاة ابنها أو فى عودة بائع الكتب إليها ثانية، وبائع الشاى الذى ترجى مستقبل أفضل لابنه، وغيرهم ممن ترجى وممن يأس وهو طاوى حلم الترجى داخل بوتقة من ذكريات مريرة بالفشل، وقد جمع كل منهم احتياج احتاج إلى قوة إرادة ربما، وإلى معونة بالتأكيد.
وحين حاول ذلك المحتاج اللص إيقاف القطار فى صراخ هستيرى لم يسمعه احد ولم يراه احد، فكل منهم منشغل فى همومه مسجون فى كارثته الشخصية التى لم تتح لاى منهم الشعور بخطر كارثة أخرى تشمل قدر مشترك، ولم يرى عامل الفلنكات ذلك الحديد المسروق للمرة الأولى والأخيرة فى حياته العملية، لم يكن تقصيرا منه فلقد كان منهكا متآكلا داخل هم وحلم، يصرخ رافعا وجهه للسماء بالدعاء لله وناظرا تحت أقدامه فى تيه وتشتت رهيب من ثقل مسئوليات وعجز أب عن توفير لوازم زواج ابنته، فمَر على إنذار الخطر حيث حديد القضبان المسروق ولم يلاحظه، فقد قتلوا جميعا لأجل سرقة فقراء لأمانهم ولأجل معاناة شخصية منعت وعيهم ولأجل كبار لم يعبئوا بحياتهم، إنهم ضحية قتلت ليست لمرة واحدة إنما لمئات المرات.
صفعة المشهد الأخير
يعرض المشهد الأخير رد فعلنا المعتاد، فقطار حياتنا القاسى لا يتوقف أبدا بل يدهس ما يقابله من مآسى لآخرين أو لنا حتى، فأصبحنا أشبه بقضبانه التى يمر عليها سريعا يتركها حينا ويمر عليها حينا أخر بين وعى بالراحة وتعود على الألم، وقد عبّر المخرج عن هذا المشهد بصفعة أخيرة للمشاهد المُخدَّر هو أيضا بنفس الواقع، لينذره بذلك العبث الذى يحياه، بانتقال الكاميرا من مشهد تلك الكارثة الإنسانية التى جلس يشاهد تفاصيلها المؤثرة لأكثر من ساعة إلى "طاسة طعمية" وزيت يعلن غليانه، ليجد تلك المعاناة تتحول إلى مجرد خبر فى صفحة بالجريدة لتتحول إلى لفة قرطاس تحتوى على طعام يؤكل كالمعتاد وطالما وجد لا حاجة لمزيد من الشعور بالاحتياج إلى التفكير الكثير!!، فيكتشف المشاهد انه باعتياده وصمته احد هؤلاء الجناة وهو أيضا احد المنتظرين دوره فى طابور الضحايا، حيث يُقرأ الخبر المكتوب بحبر اسود فى عقول سوداء من جراء شحم المشاكل ونفوس مظلمة بالتعود.
رسالة الفن الاجتماعية ومسئولية المشاهد
إن هذا الفيلم ذهب بنا بعيدا عن سطحية المعالجة وعن تقديم القيم بشكل مشين، ومع هذا الواقع المصور أمامنا والمتكرر ببشاعة فى حياتنا ومع أهمية الرسالة المقدمة فيه، مازال فى مجتمعنا من يسخر من فنون ويتجاهل معاناة آخرين وفى الحالتين يقلل من الإنسان، فالمشكلة ليست فى قصور الفن على التغيير إنما الأزمة تكمن فى تفاعل مشاهد هذا الفن ورد فعله فى الواقع نتاجا لذلك الإنذار الذى وجهه العمل.
والسؤال الآن أين نحن من وضوح رسالة هذا العمل الفنى الذى عبّر عن أعماق نفسية واحتياجات إنسانية ومصائر قدرية مُفصَلة فى مشاهده؟، وهل تلك النفوس المتألمة والأجساد المشوهة قد ماتت ولا رجاء لرد كرامتها أمواتا كانوا آم أحياء؟، آم ترى يوم يأتى الرجاء إذا تم التعامل مع الأحداث والإنذارات بحلول قطعية مؤثرة فى المصير الانسانى لهذا البلد؟
فقد عُدنا بعد المشاهدة إلى حياتنا بذاكرتنا الممتلئة من أحزانهم وأحزاننا، وعادت الحياة كما كانت والحوادث تتكرر، إهمال المسئولين وإهمالنا، آم يحتاج الأمر إلى مسلسل يعرض تلك الحقائق لا فيلم سينمائى كى نرى تلك الكواليس النفسية لأبطال الحوادث يوميا حتى نستطيع إدراك الحقيقة لنفعل رد الفعل المناسب بشكل كافى؟!، فربما فيلم واحد لا يكفى لان الواقع لا ينتهى عند مرة واحدة، فتلك الحوادث تتكرر بتسلسل قبيح.
واعتقد انه قد آن الأوان لنتعلم أن كل من الإنسانية والفن مكمل احدهما للأخر، فبدون الفن بصوره المختلفة لا يستطع الإنسان أن يُعبّر عن معاناته وأحاسيسه وإبداعاته وعن طريقه يتعرف بشكل أسهل على أعماق الآخرين، كما يزيد من وعيه وحماسه تجاههم وتجاه نفسه والمجتمع اجمع، فقد كنا نحتاج إلى هذا التفصيل التوضيحى لظروف كل شخصية فى الفيلم حيث عَكَس الواقع بشكل صادق وكبير، كى ننتفض من غفوتنا التفاعلية مع الجرائم المرتكبة فى حقنا، فنحن حين نعاصر تلك الحوادث نحزن على ما فيها من دماء فحسب، ولا ندرك ما هو عمق آلامهم النفسية ومعوقاتهم الاجتماعية، وما وراء تلك الأحداث فى الواقع حيث الإشارة إلى هموم أبطالها الحقيقيين.
فألا نتأثر ايجابيا بالفن فاعلين ما أمرت به رسالته وندع الفن يستكمل مسيرته فى تنبيه وتغيير المجتمع؟
#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)
Ereiny_Samir_Hakim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع توفر لقب عاهرة أين العاهرون؟
-
إله الأشرار بدعة
-
صلاح الدالى يقدم توعية سياسية مبسطة بفن الاستاندأب الكوميدى
-
بيان من مجلس إدارة الإتحاد المصري العربي للفرق المسرحية الحر
...
-
لست أنا العورة .. انتم العورة
-
بئس ثائر يحتقر المقهور وشعب هو هولوكوست وطنه لندرة الرحمة وو
...
-
أصبحنا لا نقدس الحياة ولا نحترم الموت
-
متى تصبح إنسانية المواطن المصرى قضية رأى عام؟
-
تحدثوا عن الأحياء موتا ولو قليلا
-
مسرحية -العملة- إنذار فنى لمجتمع غافل فى فتنة التعصب
-
لأننى مسيحية
-
البحث عن الحقيقة إيمان
-
سقوط وقيام هكذا أنا الإنسان
-
لجنة الرصد والمواجهة تتصدى للتعديات على الآثار
-
مجتمع يزرع الدود
-
طوبى لمن كفر بإلهٍ زائف
-
راسبوتين يتحدى الثورة
-
مؤمن وملحد كلاهما حزين
-
سأحيا حتى الموت
-
نضال يسوع
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|