|
مسرحية -القبيحة- وتقاليد إسبانيا العميقة عبر إقليم الأندلس
خالد سالم
أستاذ جامعي
(Khaled Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 4035 - 2013 / 3 / 18 - 00:08
المحور:
الادب والفن
مسرحية "القبيحة" وتقاليد إسبانيا العميقة عبر إقليم الأندلس
مسرحية القبيحة أو "حكاية الحب والعجائز" هي أولى أعمال الشاعر الإٍسباني رفائيل ألبرتي الدرامية. وكان قد كتبها خلال منفاه الإضطراري في الأرجنتين للممثلة المعروفة مارغريتا شيرغو التي كانت تعيش معه في المنفى. وهناك مثلتها مع فرقتها في بيونوس أيرس في 8 يونيو عام 1944، ولم تمثل في إسبانيا إلا بعد عودة المؤلف من المنفى في نهاية السبعينات. تنتمي درامية مسرحية "القبيحة " El adefesio " إلى مسرح السخرية والاستهزاء، إلى عالم المحال والقبح، لتتضمن التزاماً مع التاريخ الاجتماعي للجنس، ما يكسبها أهمية حيوية. ويقول الناقد المسرحي الإسباني خوسيه مونيلون: "إنها صرخة ضد إسبانيا السوداء، المتخلفة، وضد عبادة القمع والموت، لينتقل بنا نحو طرح رمزي لبعض الرموز المحددة المناهضة للفاشية. ومن الجلي أن "القبيحة" لا يمكن أن تقتصر لتكون دراما ريفية لجنوب إسبانيا بالطريقة نفسها التي تفيد في تصنيف مسرحية غارثيا لوركا La casa de Bernarda Alba "بيت برناردا ألبا" التي تلتقي معها في نقاط متشابهة" (1)#. ويستلهم الشاعر رفائيل ألبرتي (1902-1999) تلك التقاليد المتخلفة في إسبانيا مطلع القرن العشرين، خاصة في الأقاليم الجنوبية الريفية، وإن كانت لم تتخلص تماماً من الكثير من هذه العادات والتقاليد في ما يطلق عليه "إسبانيا السوداء"، المشجية، خاصة في بعض المناطق مثل الأندلس وإكستريمادورا. وهي مسرحية مسارها خشن، ذات قوة شعرية مرعبة، تنقل جو الرعب من الوضع في إقليم الأندلس، مسقط رأس الشاعر، وهي أرض قبض على أنفاسها النظام الإقطاعي والخرافات البالية لقرون ولا يزال جاثماً على أنفاس سكانها، ما ولد العبودية والجور في الإقليم. وتلعب التابوهات، المحرمات، دوراً رئيساً في المسرحية، وعلى رأسها الجنس، وتحديداً ممارسته مع المحارم، أوغشيان المحارم. هناك صراع قائم في المسرحية بين السجن والمنظر الطبيعي، بين الموت والحياة. فعلى سبيل المثال نجد أن ظهور الشحاذين ووجوههم مغطاة يحجب شهوانيتهم، وفي الوقت نفسه يدفع بعالمي بيت غورغو والخارج، أي عالم كاستور، إلى الانغلاق، إلى الخوف. ويلعب مكان بعينه دوراً ثابتاً ومحركاً في المسرحية، هو بيت السيدة غورغو، كمدرسة-سجن-كنيسة في الطرف المقابل، الخارج، وكحياة-حب-طبيعة، كصراع بين الواقع والحاجة إلى الاستفادة منه. والمشهد برمته مقشعِر وأندلسي موحٍ، منزل أبيض، خاص بأسرة برجوازية أندلسية، فيه شرفة كبيرة، يصعد إليها أشخاص المسرحية ليفزعوا الخفافيش. في أسفل المشهد قرية أندلسية، مشمسة، شامخة وسط الطبيعة. وفي نهاية المشهد، عن بعد، هناك قلعة، حصن، يفترض أن السيد دينو يدور حوله بحثاً عن فتيات. وباقي المشهد عبارة عن منزل كبير ومهم، فيه برج حيث تصعد ألتيا لتقرأ بعض الأشعار، تسمع من كل النوافذ، إلى أن تلقي بنفسها من أعلاه. كان المنزل مليئاً بالأشجار، أشجار الموز، حوله سور يطل على طريق، كانت تقوم فيه غورغو بطقس غسيل أقدام الشحاذين. وعن أصل هذه الحكاية المسرحية يقول المؤلف في مذكراته: "في بلدة روتي، في الحي المرتفع، كانت تعيش هناك فتاة جميلة، معروفة في القرية وفي القرى المحيطة بها باسم "المحبوسة"، وكانت تُشاهد فقط في صحبة أحد، وجهها مغطى ببرقع، في قداس الفجر. طوال ليالٍ كثيرة كنت أصعد إلى شارعها وأذرعها من أعلى إلى أسفل خلال الساعات المقفرة، دون جدوى من الانتظار خلف شبابيك وشرفات منزلها التي لم تفتح إطلاقاً. حيكت حول هذا الفتاة أساطير وحكايات غريبة، جرت على كل لسان في القرية، فأضاف إليها كل واحد ما أراد من نسج خياله. كانت أمها وخالاتها اللاتي يقمن بحراستها يكنن الكراهية للرجال، وهؤلاء كانوا يحلمون بالفتاة ويرغبونها دون أدنى حياء. كما أنها ملأت حلمي، فتولد داخلي إحساس حزين، حب صامت، غم مقبض لانتزاعها من تلك الظلال السوداء التي تراقبها وهكذا تعذب جمالها، شبابها المسكين بين أربعة جدران. مع الفجر، بينما كان الظلام لا يزال قائماً في الشتاء، لحظة خروج بائعي الزيتون بجوعهم نحو مزارع الزيتون، كنت أسير أنا بسرعة صوب الكنيسة، مختفياً بين أعمدة الإيوان، على أمل أن أراها عند وصولها منحنية وخائفة، والرأس الشامخ غائص بين دانتيلا الطرحة الداكنة، لم تكن فقط مصطحبة بل سجينة اثنتين –وأحيانا أربع- من عماتها، وراء لثام مرعب ونظرات قاطعة، متحدية. عندما ينتهي القداس، التي تسمعها ة الرأس بين يديها، الجسد متجمد وعلى ركبتيها، كنت أراها تختفي مرة أخرى بخطوات فيها شجاعة، دون أدنى دليل على أن أحداً ينظر إليها، تحت ضوء الفجر الخافت، في طريق سجنها في الحي الراقي. طوال فترة تواجدي في بلدة روتي لم يلتقِ نظري بنظرها في الشارع أو الكنيسة. كما أنني لم أعرف إطلاقاً ما إذا كانت عيناها خلف لقضبان ومشربيات منزلها قد جرأتا في صحراء الليل الصامتة على النظر إلي. بعد فترة متأخرة علمت أن هذه "السجينة" تغنيت بها في أول أعمالي عن روتي قد انتحرت، متبعةً في ذلك عادة قديمة في قريتها. لم يقولوا لي الأسباب، لم تصل إلي إطلاقاً. إلا أنني من خلال ما كنت أعرفه عنها وعن حارساتها المرعبات استطعت بعد عشرين عاماً نسج حكايتي عن "الحب والعجائز"، التي وضعت لها عنوان "القبيحة" مع كل الرعب الأخلاقي والجسدي الذي كان يستنشق في تلك الأجواء(2)*. وحبكة المسرحية، حسب ألبرتي، تقوم على حدث حقيقي، عاشه حقيقي في مراهقته في إقليم الأندلس. وهو الحدث الذي سمح لخيال الشاعر بالتفتق عن حبكة، من خلال أسطورة غورغوناس، بناء هذا الحكاية، التي تسير وسط كابوس الأحقاد والرغبات المكبوتة والأحلام المستحيلة، وهو ما يتكشف من خلال لغة أشخاص المسرحية ذات البعد الشعبي والإستعاري، وفي الوقت نفسه سوقي والمفخم، وقد سبقه في هذا اللون مسرحيون آخرون، كان أخرهم صديقه غارثيا لوركا، في "بيت برنادا ألبا"، وقبلهما بايي إنكلان، في "مسرحيات وحشية". يعد ألبرتي أحد الشعراء العظام الذين جددوا الشعر في القرن العشرين، وكلهم من الأندلس مثله: أنطونيو ماتشادو، من إشبيلية، وفدريكو غارثيا لوركا، من غرناطة، وخوان رامون خيمينيث، من ويلبة، ثم ألبرتي، من قادش. لهذا رأينا أن ترجمة وتقديم هذه المسرحية إلى القارئ العربي ضرورة إسهاماً في التعريف بهذا الشاعر العظيم الذي خيمت عليه ظلال صديقه ومواطنه فدريكو غارثيا لوركا بشهرته التي طبقت آفاق الثقافة العالمية. يعد آخر عظماء الشعر الإسباني العظام في القرن العشرين وآخر شاعر من جيل الـ 27 الذي انتمى إليه فحول شعراء الإسبانية من أمثال فدريكو غارثيا لوركا ودامَصو ألونصو وخيراردو دييغو وخورخي غيين، وبيثنتي أليكسندري جائزة نوبل 1977)، الذين غيروا مسار الشعر الإسباني الحديث وطوروا الشعر الإسباني قالباً وموضوعاً بطريقة مشابهة لما أضافه جيل الخمسينات للشعر العربي المعاصر. ولد هذا الجيل في تلك بمناسبة الاحتفال بالمئوية الثالثة لوفاة الشاعر القرطبي لويس دي غونغورا، فكان رد اعتبار له، رغم معارضة رموز الثقافة الإسبانية سنتئذ لهذه الإحتفالية، من بينهم الشاعران خوان رامون خيمنث وأنطونيو ماتشادو والفيلسوف خوسيه أورتيغا إي غاسيت الذين كانوا موضع تهكم وسخرية من الشعراء الشباب الذين ولدوا تحت عباءة شاعر كلاسيكي هو غونغورا. اضطر رفائيل ألبرتي مع آلاف المثقفين الجمهوريين إلى اختيار طريق المنفى، هرباً من السجن أو الإعدام على يد زمرة الطاغية فرانكو الذي حكم إسبانيا طوال أربعة عقود بالنار والحديد، أمضاها الشاعر في منافِ مشؤومة على اتساع اليابسة، توزعت أساساً بين باريس تحت الاحتلال النازي، والأرجنتين حيث عاش ربع قرن، منها تسعة عشر سنة دون جواز سفر تحت حكم العسكر والشرطة، وروما حيث عاد منها إلى إسبانيا في 1977، بصحبة زوجه الأولى القاصة ماريا تريسا دي ليون. عاش كافة حروب وخطوب القرن العشرين فتركت بصماتها غائرة في شخصيته ونتاجه الشعري الوفير الذي يربو على أربعين ديواناً، إضافةً إلى المسرح والنثر من محاضرات ومقالات وسيرة ذاتية تقع في ثلاثة مجلدات تحت عنوان "الغابة الضائعة". بيد أن ألبرتي كان أول من سار على درب الالتزام في شعره مع الجمهورية الوليدة في 1931، ضارباً بعرض الحائط نداءات أسرته وآخرين، وسرعان ما انضم إلى صفوف الحزب الشيوعي الإسباني، في بداية الحرب الأهلية، رغم أصوله البرجوازية، فأثار سخط الكثيرين، دون أن يدري أنه كان قد بدأ خطى الخروج من محليته إلى عالمية واسعة. وقد جمعته صداقة متينة مع الشاعر الأسطورة فدريكو غارثيا لوركا تركت بصمات جلية في شعر وحياة ألبرتي. وبما أنهما أندلسيان، كان لوركا يناديه بإبن العم، ويشجعه على مواصلة المسيرة في بداية حياته الشعرية، وكثيراً ما قال له:" أنت أندلسي، والأندلسيون يتمتعون بذاكرة قوية، وقوة الذاكرة من أدوات الشاعر الجيد". وقد لا يعرف كثيرون أن الشاعر الغرناطي اغتيل، عن طريق الخطأ، نيابةً عن ألبرتي الذي كتب قصيدة ملتهبة ضد الفاشيست بزعامة الجنرال فرانكو- نشرت في الصحافة اليسارية وبثتها إذاعة الجمهورية-، إذ ظنوا أنها لغارثيا لوركا، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وسط حالة التخبط وروح الانتقام العمياء في خضم الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)، فأسفرت هذه القصيدة عن إعدام الشاعر الغرناطي في الأيام الأولى من اشتعال الحرب التي أجهزت على الجمهورية الثانية في مهدها، وشردت مليوناً ونصف مليون إسباني في أوربا وأمريكا اللاتينية، بينهم آلاف المثقفين وألبرتي بالطبع. وفي مسقط رأسه، قرية سانتا ماريا الهادئة على شاطئ الأطلسي عاش طفولته وجزءاً من صباه حيث درس مع اليسوعيين في مدرسة سان لويس دي غونثاغا التي لا تزال قائمة إلى اليوم، إلا أنه تعثر في دراسته إذ لم تكن تستهويه، وكان يفضل الرسم عليها، إلى جانب هربه مع الصبيان والذهاب إلى الحقول لمصارعة الثيران. فقد كان يريد أن يصبح مصارعاً، وهي الرغبة التي مثلها خير تمثيل في نتاجه الشعري لاحقاً وحملته على صداقة اثنين من العاملين في هذا المجال، وهما الشاعر ومربي الثيران فرناندو بيالون وأكبر مصارعي عصره إغناثيو سانشيث ميخياس الذي أشركه، مساعداً له، في مصارعة له في مدينة بونتبيدرا بغاليثيا عام 1927. ثم خصه ألبرتي بمرثية طويلة على أثر مصرعه في الحلبة. وبذلك أضيفت هواية المصارعة إلى الرسم ليكونا أهم هوايتين فاشلتين في حياته، وإن كان قد عاد إلى الرسم في منفاه بالأرجنتين. تشكلت شخصية ألبرتي الفكرية في تلك الفترة في القرية، في الأندلس الفقير، فإلى جانب ما ذكرناه آنفاً، كانت التفرقة بين التلاميذ الأغنياء والفقراء في المدرسة اليسوعية سبباً في تمرده على الدين والكنيسة في وقت لاحق من حياته، وهو ما صبغ مسار حياته والكثير من أشعاره. وقد اعترف في سيرته الذاتية بأن تلك المدرسة علمته الكراهية، الكراهية الطبقية. هذا بالإضافة إلى نشأته في إقليم الأندلس الفقير حيث كان شاهداً على انتفاضات الفلاحين اعتراضاً على البؤس الذي كانوا يعيشون فيه. لهذا لم يكن غريباً أن ينتمي الشاعر في مطلع شبابه إلى الحزب الشيوعي ويحتل مراكز متقدمة فيه، وقبلها شارك في المظاهرات ضد حكومة الديكتاتور بريمو دي ريبيرا، رغم أنه كان من أسرة ذات أصول برجوازية عملت في تجارة النبيذ. وسيظل إقليم الأندلس بمعناه المحلي، الطفولة، والواسع، إسبانيا، بما في ذلك بحر القرية، إلى جانب التصوير عناصر حنين كامنة وفاعلة في شعر ألبرتي وفي حياته، خاصة في المنفى. ولهذا أوصى بحرق جثمانه ونثر رماده في مياه البحر الذي شهد طفولته وصباه. كل هذا تشكَل في صيغة البحث عن الذات لدى الشاعر، إلى جانب الحنين إلى الفترة الغضة من حياته، الطفولة، وإلى الماضي الضائع لأسرة كانت ميسورة ثم أدركها الفقر بسبب الخسارة التي لحقت بتجارتها. ثم تحول هذا البحث في أعماله التي كتبها في المنفى إلى البحث عن وطنه الضائع، إسبانيا. يذكر أن الشاب ألبرتي هاجر إلى مدريد مضطراً، في عام 1917، مع أسرته التي انتقلت إلى عاصمة البلاد لدواعي التجارة. وكان لذلك وقع سيئ في نفسه. وكانت تلك الهجرة من القرية الوديعة على شاطئ المحيط الأطلسي والحنين إليها، إلى جانب وفاة أبيه وراء تفجير قريحته الشعرية، وهو ما صوره في أول ديوان له، ووضع غابتها الصنوبرية وسط مياه شاطئ المحيط عنواناً لسيرته الذاتية "الغابة الضائعة". والغربة التي شعر بها في المدينة تذكرنا بأثر غربة شعراء عرب وموقفهم من المدينة مثل عبد الوهاب البياتي و أحمد عبد المعطي حجازي وصلاح جاهين… برز الشاعر أيدولوجياً في الحرب الأهلية الإسبانية، فعندما بات واضحاً أن الحرب على وشك الاشتعال انضم إلى الحزب الشيوعي، بعد أن كانت تجمعه به علاقة تعاون فقط حتى تلك الفترة، وهو الانتماء الذي سبب له الكثير من المشاكل والعداوة حتى من بعض أصدقائه الشعراء أعضاء جيل الـ 27. ثم شغل منصب أمين عام تحالف المثقفين المناهضين للفاشية التي شارك في تأسيسها في بداية الحرب. غير أن أهم ما قام به هو تأسيس مجلات وفرق مسرحية وطبع كتب، كلها مكرسة لمساندة الجمهورية ضد الانقلابيين. ومن أبرز المطبوعات التي أصدرها وأدارها إلى جانب أصدقاء وزوجه ماريا تريسا ليون كانت مجلة "بدلة العمل الزرقاء"، وهي المجلة التي قربت الفن، الشعر من الشعب، وكانت بمثابة أول التزام للمثقفين اليساريين مع الجمهورية. وضمن نشاطه الواسع من أجل الجمهورية، نظم، في يوليو من عام 1937، المؤتمر الدولي الثاني للكتاب المناهضين للفاشية الذي عقد في كل من مدريد، تحت الحصار، وبلنسية وبرشلونة، وحضره رموز الثقافة الغربية مثل ستيفان إسبندر وأوكتابيو باث ونيكولاس غيين وأندريه مالارو وفيدوف وتولستوي. ولم يقتصر دوره على التنظيم في تلك الفترة إذ نشر قصائد كثيرة ضد الإنقلابيين ولمؤازرة قوات الجمهورية، فيها دعوة للشعب كي يهب ضد الفاشية، واقتياد فرقته المسرحية إلى الجبهة بانتظام. غير أن الحرب انتهت لصالح الفاشية وتشرد من تشرد من الإسبان. كان التزام ألبرتي مع الجمهورية الثانية ومعه جيل الـ 27 نموذجاً فريداً في التزام مجموعة شعرية، وهو الموقف الذي شتت معظم أعضاء هذا الجيل إذ لم يكن أمامهم خيار أفضل من المنفى، ولهذا أطلق عليهم بعض الباحثين تسمية جيل الجمهورية. وفي هذا السياق قال ألبرتي:" لقد جمعتنا الحرب كلنا تقريباً، فيما بعد، في تحالف المثقفين المناهضين للفاشية، ثم شتتنا المنفى". جاء المنفى ليكرس الحنين في حياة ألبرتي، فقد انتزع من مربط الصبا، قريته، ثم من وطنه بأكمله، ولهذا نجد أن الحنين يشكل عنصراً رئيساً في شعره. كان دائم البحث عن الماضي عن القرية وعن إسبانيا وعن الرسم، لهذا كان مساره الشعري بمثابة بحث عن الفراديس الضائعة. ويبرز في هذا السياق ثلاث محطات أو لحظات شعرية تمثل هذا الهوس: ديوانه الأول "بحّار في اليابسة" الذي يسعى فيه لاسترداد فردوس الطفولة، وديوان "عن الملائكة"، ذو القالب السوريالي، الذي يمثل البحث عن الذات، البحث عن ماضٍ كان على وشك أن يضيع في خضمه، ثم المحطة الأخيرة وتشمل كل الأعمال التي كتبها في المنفى وفيها يبحث عن فردوس مستقبلي، لكنه معكوس في مرآة اللحظة الأولى، أي الطفولة. وتمثل الذكريات والحنين محور نتاج ألبرتي، الشعري والنثري، وهو حنين تعلوه مسحة من الحزن ترتب على سلسلة من الفشل والخسائر المتراكمة. ففي الطفولة هاجر من قريته ليخسر البحر وأول مغامرة عاطفية في حياته، حب الطفولة، والماضي المظلم لأسرته بعد أن فشلت في التجارة، وفشله في أن يصير مصارع ثيران، وهو الحلم الذي يراود "أي طفل أندلسي حقيقي" - حسب ألبرتي نفسه-، وفشله في الرسم، ليختمها بأكبر فشل وخسارة وهي هزيمة جماعته، هزيمة الجمهوريين في الحرب الأهلية التي قذفت به إلى "الشاطئ الآخر" للمحيط الأطلسي، إلى المنفى. ومن الملاحظ أن مسيرة الحنين هذه في أشعار ألبرتي يمكن تلخيصها في ثلاثة رموز تمثل المحطات الثلاث في حياته: البحر ويرمز إلى الطفولة والمراهقة، والرسم ويرمز إلى المراهقة والشباب معاً، و"الشاطئ الآخر" ويرمز إلى المنفى. إنه الشاعر الذي عاش حيث لا يريد والذي كان في حالة بحث دائم، بحث عن ما فقده لتعويض احباطاته وانكساراته. ولهذا فإن الشعر لدى ألبرتي كان تبريراً وتحليلاً ذاتياً لشخصه. غير أن التحدي، وهو رد فعل طبيعي أمام الاحباطات، حمله لاحقاً على البحث عن الضائع ومحاولة استرداده، بشكل أو بآخر، عبر الكلمة المكتوبة. فإذا كان في شبابه قد كتب "بحار في اليابسة" لمحاولة استرداد البحر والقرية، وفي 1927 ارتدى زي المصارعين ودخل حلبة المصارعة مع سانشيث ميخياس لاسترداد هوايته القديمة، وفي عام 1945 كتب ديوان "إلى الرسم" في محاولة لتعويض فشله في أول ميوله الإبداعية، فإنه في ديوانه "أغاني خوان باناديرو"، التهكمية الساخرة، حاول النيل من خصومه السياسيين الذين اجبروه على اختيار طريق المنفى. وفي المنفى لجأ إلى شاعريته ليسجل ذكرياته ووقائع وطنه المفقود وعناصره: البحر القادشي والحرب الأهلية ومتحف البرادو والعديد من الشعراء الأصدقاء، من بينهم غارثيا لوركا وخوان رامون خيمينيث وأنطونيو ماتشادو الذين استلهمهم شعرياً. كان من الشعراء الإسبان الذين تأثروا بالشعر العربي الأندلسي، ولهذا فإن اقتفاء أثر الحضور والتأثيرات العربية في أعماله لا يدخل في دنيا الخيال الشرقي، أواللهث وراء سراب تعريب أجوف لغرض في الذات العربية، فهذا الشاعر ينتمي إلى جيل شعري ولد على أثر الاحتفال بمئوية غونغورا الشاعر القرطبي المعروف بتأثره بالشعر العربي الأندلسي. إضافة إلى أن أعضاءه تعرفوا في تلك السنوات على روائع الشعر الأندلسي من خلال كتاب "أشعار عربية أندلسية" من إعداد وترجمة المستعرب الراحل إميليو غارثيا غوميث. كان هذا الكتاب، الذي نشر في مطلع عشرينيات القرن الحالي، بداية معرفة ألبرتي ولوركا، وغيرهما من أقرانهما، بالشعر العربي. وقد اعترف ألبرتي، في أكثر من مناسبة، بفضل هذا الاكتشاف العظيم عليه وعلى جيله الشعري وتأثره بالشعر العربي من خلاله، القريب منه، فهو أندلسي المولد و العناصر المتوسطية تفوق الأوروبية في ثقافته حسب قوله. إلا أن غارثيا لوركا لم يعترف بذلك مما أثار حفيظة غارثيا غوميث، و هو أمر يمكن تفهمه إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه اغتيل في الأيام الأولى من الحرب الأهلية وهو في مطلع شبابه، مما لم يتح له فرصة الاعتراف أو نكران حقيقة ملموسة في نتاجه الأدبي. كان هذا الشاعر الأندلسي قريباً من القضايا العربية المعاصرة. فمن بين أصدقائه الحميمين كان المفكر الفلسطيني وائل زعيتر الذي إغتيل في روما في بداية السبعينات فكتب فيه مرثية عميقة. وفي عام 1985 تقاسم جائزة غار ابن الخطيب، في الملتقى العربي الإسباني بمدينة المونيكر-المنكب العربية- مع عبد الوهاب البياتي، وكان الأخير قد خص ألبرتي بقصيدة مطولة مكثفة. حري أن نشير إلى أن ألبرتي كان من الشعراء القلائل الذين إعترفوا بتأثير الشعر العربي على نتاجهم، وهو ما حمله على مقارنة وضعه في المنفى بوضع الملك الشاعر المعتمد بن عباد عندما عاش منفياً في المغرب بعد خلعه من عرش إشبيلية. وكان قد قال لي في أحد لقاءاتنا: "كان كتاب غارثيا غـوميث " أشعار عربية أندلسية" كان ذا أهمية كبيرة لنا جميعاً، وخاصة لي ولغارثيا لوركا، وإن كان لوركا لم يعترف بذلك، وهو ما أثار غضب غارثيا غوميث. إنني تحدثت كثيراً عن أهمية هذا العمل لجيلي، فقد كان اكتشافاً، تعرفنا من خلاله على الشعراء الأندلسيين معرفة حقة، بعد طول جهل بهم، فالمعلومات التي كانت متداولة عنهم حتى نشر هذا الكتاب كانت مستخفة وسطحية. بهذا الكتاب إكتشف غارثيا غوميث كنزاً كبيراً". وفي موضع آخر من ذلك الحور قال:" إننا أبناء إقليم الأندلس كنا نعلم بحقيقة وأهمية هؤلاء الشعراء العرب، ومعهم اليهود، فالشعر العربي وصل إلى قمته في الأندلس، والشعر العبري لم يحقق وجوداً و نجاحاً مثل الذي حققه تحت الحكم العربي في الأندلس. لقد تغيرت الحال الآن، فالشعر العربي أصبح معروفاً في إسبانيا أكثر من أي وقت مضى، بعد أن اكتشفنا أن عناصر وجذوراً مشتركةً تجمع بيننا... إنني أشعر بانتمائي إلى هذا التراث، وإعجابي جم بشعراء مثل المعتمد بن عباد وبن قزمان و المقدم". وقد كرس ألبرتي إعجابه بالمعتمد بن عباد شعراً ونثراً، فاقتبس أبياتًا للملك الشاعر وكتب عدة قصائد عنه خلال سنوات منفاه في الأرجنتين، "إلا أنني لم أزعم مقارنة شعري بشعره، فهو شاعر عظيم، وكانت نهايته مأساوية حيث طردوه من إشبيلية و مات في منفاه في أغمات بالمغرب، و هناك كتب أشعاراً مثقلة بالحنين إلى الوطن، الأندلس، فكان يحاورالطيور المهاجرة في رحلتها من إفريقيا إلى الأندلس و يسألها عن ذويه وعن وطنه". وهو ما أكد عليه في إحدى رسائله إلى غارثيا غوميث- لا تزال في منزل هذا المستعرب ضمن مراسلاته الثقافية والدبلوماسية- في مرحلة متقدمة من حياته، في منفاه بروما، إذ شبه ألبرتي نفسه بهذه الشخصية الأندلسية. ومما لا شك فيه أن تجربة المنفى الطويلة تركت أثاراً إيجابية على ثقافة ألبرتي وعلى نتاجه الشعري. إلا أن قضاءه معظم سني المنفى في بلدان ناطقة بالإسبانية خفف عنه آلام الغربة وأتاح له المواصلة بلغته والتعرف على ثقافات هذه الشعوب بسهولة. لهذا فإن مشاكله بهذا الصدد أقل بكثير من المشاكل التي يلاقيها شاعر آخر يضطر إلى الخروج إلى المنفى في بلد يتحدث أهله لغة مختلفة عن لغته الأم. ورغم هذه القطيعة المادية مع إسبانيا كان الجانب الإيجابي لتجربة المنفي أكبر من سلبياته التي لا يستهان بها، خاصة وأنه ظل حوالي أربعة عقود في المنفى، أي استحالة العودة إلى الوطن، و هذه التجربة كانت مأساة في حد ذاتها، ومعروف أن أناساً انتحروا في المنفى لشدة الحنين للوطن، و لكن هذه لم تكن حالة ألبرتي فقد صمد وتغلب على الصعاب. و قد ترك أثراً واضحاً في كتبه التي كتبها طوال هذه السنوات. لم يقتصر نشاط ألبرتي على الشعر، إذ جمع بين فن الكلمة وفن الرؤية، فنظم الشعر وألف المسرح والسرد والسيرة الذاتية، ومارس الفنون التشكيلة كالرسم والحفر، و كان الرسم بدايته في عالم الفن التشكيلي، و لكن إلحاح الأسرة حمله على تركه، ونصحه الأصدقاء بالتفرغ للشعر. و قد خص التصوير بديوان "إلى الرسم"، الذي ترك أثراً قوياً على الشاعر عند معالجة الكلمة الشعرية، فكان أكثر ما ترك بصماته في نفسه و شعره. ومعروف عنه أنه كان يتمتع ببعد بصري قوي، واعترف بأن القصيدة التي لا يراها لا يكتبها. وأن الكلمة والرمز أمر واحد بالنسبة له. و قد ظل ألبرتي مواظباً على المشاركة في التظاهرات الثقافية في الكثير من بلدان العالم، خاصة الناطقة باللغة الإسبانية، إلى أن اعتلت صحته في منتصف التسعينات فانزوى في منزله. كما بقي ملتزماً، متمسكاً بمواقفه السياسية، وكان قد نفى شائعات حول تراجعه قائلاً: " إنني لم أتخل عن مواقفي القديمة، فشعري يزخر بإشارات واضحة و إن كنت لا أشارك في الحياة السياسية بفعالية كما كنت في صباي. ودواويني التي أطلق عليها "شاعر في الشارع" أو "الشعر المدني" تنم عن التزام واضح، إلا ان هذا النوع من الأشعار يعود إلى تراث القرن الرابع عشر، فهي ذات طابع شعبي، تحمل رسائل ذات معنى، تشبه الأشعار الغنائية". ولعل أبرز حدث في هذا الصدد هو تجديده لعضويته في تحالف اليسار المتحد في منتصف التسعينات. وهناك من قال إن هذه المواقف السياسية المعلنة كانت سبباً في عدم حصوله على جائزة نوبل، رغم أنه كان من المرشحين الخالدين. إلا أن الجوائز المحلية والعالمية التي في جعبته تطول قائمتها، من بينها جائزة ثيربانتيس للآداب، نوبل آداب اللغة الإسبانية، ويحمل الدكتوراه الفخرية من أكثر من جامعة أوربية وأميركية لاتينية، وكان آخرها من جامعة مدريد كومبلوتنسي في إطار فعاليات احتفالها بذكرى تأسيسها السبعمائة، ويومها أعرب مجدداً عن دهشته من منحه هذا العدد من الشهادات الجامعية على الرغم من فشله في الدراسة فلم يستطع إتمام دراسته الثانوية في صباه!. وفي السنوات الأخيرة رفض جائزة أمير أستورياس في فرعها للأداب، رغبةً منه في أن تمنح لآخر، وإن كان هذا الموقف قد فسره البعض على أنه رفض منه لجائزة تحمل صفة ولي عهد إسبانيا!. وهناك مؤسسة شعرية كبيرة تحمل اسمه في مسقط رأسه تهتم بإبداع الشباب من إسبانيا و أميركا اللاتينية وتقدم جائزة سنوية في الشعر. كما أسلفنا مارس ألبرتي الشعر والمسرح الذي بدأه بمسرحية "الرجل المقفر" عام 1931، مسرحية تعالج المسألة الأخلاقية بشكل سريالي. ثم كتب مسرحية"فرمين غالان" عن ثورة العمال في إقليم إستورياس عام 1934، وهي المسرحية التي يحول فيها المؤلف المسرح إلى قصة حية، إذ ينسج أحداث ذات بعد شعبي في مسرحية تعالج انتفاضة هذا الضابط من أجل الجمهورية. ومع اشتعال الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) يكتب ألبرتي عدة مسرحيات قصيرة ذات هدف سياسي للإثارة والدعاية السياسية لتمثل في جبهات القتال. ثم يلجأ إلى التاريخ مستفيداً منه ليعيد كتابة مسرحية "نومانثيا"، البلدة الإسبانية التي واجهت الظلم وآثرت الانتحار على الاستسلام في وقت كانت فيه مدريد تتعرض لحصار الانقلابيين. د. خالد سالم
(1) Jose Monleon, Tiempo y teatro de Rafael Alberti, Primer Acto/Fundacion Rafael Alberti, 1990.. والمؤلف من مؤسسي مشروع المعهد الدولي لمسرح البحر المتوسط. (2) صدرت ترجمة لمذكرات رفائيل ألبرتي "الغابة الضائعة" عن دار المأمون في بغداد، عام 1992، إعداد الكاتبة والمترجمة العراقية باهرة محمد عبد اللطيف الجبوري التي أجبرها أجبرها الحصار الأمريكي على العراق (1990-2003) على الغربة.
#خالد_سالم (هاشتاغ)
Khaled_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصراط المستقيم وتخلف العرب المبين: الهنود الحمر نموذجًا
-
ألفونصو باييخو: التقاء الكتابة والطب في البحث عن الواقع المع
...
-
نصر أبو زيد الغائب الحاضر وتجار الشنطة الجدد
-
شعر المنفى عند عبد الوهاب البياتي ورفائيل ألبرتي: إلتقاء وإل
...
-
هوية مصر العربية بين أصالة الصفر واستلاب -الزيرو-
-
إطلالة على الحضور العربي في شعر رفائيل ألبرتي
-
قصة ابن السرّاج نموذج للأدب الموريسكي في إسبانيا
-
حلم ربط ضفتي البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق بين الواقع السي
...
-
مسرحية -رأس الشيطان- نموذجًا للتعايش في الأندلس العربية تأمل
...
-
لاهوت التحرير وموقفه من الشعب: الشاعر والأب إرنستو كاردينال
...
-
كنت شاهدًا على التجربة الإسبانية في المرحلة الإنتقالية
-
كان ياما كان
المزيد.....
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|