محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 4033 - 2013 / 3 / 16 - 02:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
15.03.2013
د. محمد أحمد الزعبي
عامان والثورة مستمرة
مدخل :
إن لكل ثورة إجتماعية ، أو انتفاضة شعبية ، أسباب متعددة ومختلفة ، بعضها رئيسي ، وبعضها ثانوي ، بعضها مباشر وبعضها غير مباشر ، بعضها بعيد وبعضها قريب . ومن الطبيعي أن ينطبق ذلك على الثورة السورية التي انطلقت في 18 آذار 2011 من مدينة درعا في حوران . الأمر الذي يعني ، أن حادثة أطفال درعا ماهي إلاّ القشة التي قصمت ظهر البعير ، أما ماقصم ظهر البعير حقيقة فهو تراكمات أربعة عقود ونيف من مصادرة الحرية والكرامة وحقوق الإنسان من قبل نظام عائلة الأسد الذي تمتد جذوره إلى عام 1970 م ، والذي مازالت وحشيته وهمجيته مستمرة منذئذ وحتى هذه اللحظة ، بل إنه بعد انفجار ثورة آذار السلمية والمطلبية ، أصبح أكثر وحشية وهمجية من أي وقت مضى .
سنحاول في هذه المقالة ، تقديم تغطية سريعة ومختصرة ، للتراكمات السببية ، التي تكمن وراء انفجار ثورة آذار 2011 العظيمة والفريدة من نوعها ، ألا وهي بصورة أساسية :
1.عدم شرعية النظام ،
2. تعامله الوحشي والتمييزي والطائفي مع كافة فئات الشعب السوري ،
3.مسألة الأقلية والأكثرية في عرف هذا النظام ،
4.هل إن ماجرى ويجري في سورية منذ سنتين ، ثورة أم انتفاضة ؟
5.اقتصاد الفساد ، وفساد الاقتصاد في سورية في ظل حكم عائلة الأسد ،
6.إلى متى يمكن أن يستمر شلال دم الأطفال والنساء والشيوخ والشباب في سورية بالنزيف ؟
1. حول مسالة الشرعية :
يعلم القاصي والداني ، أن حافظ الأسد لم يصل إلى الحكم عن طريق صندوق الاقتراع النزيه والشفاف ، وإنما عن طريق الدبابة والمدفع ، أي عن طريق القوة .، حيث أن : " ماأخذ بالقوة لايسترد إلاّ بالقوة " .
إن وصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم عام 1970 ، كان إيذاناً بإغلاق الأبواب أمام كل أشكال ومستويات الحرية والديموقراطية أمام الشعب السوري ، والاستعاضة عنها بديكتاتورية عسكرية فئوية ، كانت تختبئ وراء اكثر من 17 جهازاً أمنياً ، ووراء عدد مما يطلق عليها زوراً وتدليساً المنظمات الشعبية ، والتي من بينها " حزب البعث العربي الإشتراكي !! " ، واتحاد العمال ، واتحاد الفلاحين ، واتحاد الطلبة ...الخ ، والتي تخضع جميعها ، بصورة أو بأخرى ، للنظام الأسدي . بل إن معظم القياديين الفعليين لهذه المنظمات ،كانوا من أقارب و / أو أتباع عائلة الأسد .
وسأستشهد هنا ، بما ذكره أحد الصحفيين الألمان في مقالة له عن سوريا بعنوان syrien: dasٍ"
" scheitern einer Erbrepublik ( سورية : إفلاس جمهورية وراثية ) :
" يعتمد الأسد بصورة أساسية على جهاز السلطة Machtapparat الذي سبق لوالده ان شكّله
ويضم هذا الجهاز ، حزب البعث الذي يعتبر بموجب الدستور الحزب القائد للدولة والمجتمع ، ولكنه يعتمد قبل الحزب على الجيش والمخابرات ، ولضمان حمايته الشخصية ن يعتمد الأسد على أفراد عائلته الخاصة ، ودون استبعاد قسم كبير من الأقلية العلوية . إن القيادات في الجزء الأساسي من قوى الأمن وفي القطعات الأساسية في الجيش ، المخابرات العسكرية والعامة تقع كلها بيد المقربين من العائلة : الأخ ، ابن العم / العمة ، ابن الخال / الخالة ، أخو الزوجة ، زوج الأخت ، ..." ( Pathes Volker)
هذا ويعلم القاصي والداني أيضاً أن بشار الأسد قد ورث الحكم عن أبيه عام 2000 ، وأن نهجه السياسي ( إذا استثنينا فترة ربيع دمشق ، قبل أن يتم اعتقال قياداته وإغلاق مؤسساته ) كان مطابقاً لنهج أبيه ، بل إن حرب السنتين الأخيرتين ضد الشعب السوري ، تؤكد أن بشار قد فاق أباه وحشية وهمجية ، وما تشاء من الأوصاف .
2. حول مسألة السلوك الوحشي والهمجي للنظام :
سنورد فيما يلي بعض الإحصاءات حول ضحايا المجازر التي ارتكبها نظام عائلة الأسد خلال الفترة من 1970 ، وحتى هذه اللحظة (15.3.13).
> في مدينة حماة التي لم يكن يزيد عدد سكانها عام 1982 عن نصف مليون مواطن :
ــ 40000 قتيل ، 20000 مفقود ، 60000 معتقل ، أكثر من 100000 أجبروا على الفرار
خارج الوطن .
> بحسب إحصاءات الأمم المتحدة ،( UN ) فإن ضحايا ثورة آذار قد تجاوز بتاريخ 12.01.13 سقف
الـ 70000 قتيل.
> وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان ، فإن الضحايا حتى تاريخ 14.3.13 ( يوم أمس ) كالتالي :
ــ 80000 شهيد ، منهم 15000 طفل وامراة ، 7500 مقاتل ، 2000 ماتوا تحت التعذيب
> وبموجب هيئات إنسانية وحقوقية مختلفة ، فإن عدد جرحى الثورة السورية قد تجاوز الـ 10000
> يتواجد في سجون بشار الأسد المختلفة ، حالياً ، أكثر من 200000 سجين .
> وصل عدد من دخلوا سجون بشار الأسد خلال سنتي الثورة فقط أكثر من 500000 مواطن .
> وصل عدد النازحين داخل الوطن اكثر من 3 ملايين مواطن ، وزاد عدد النازحين إلى دول الجوار
أكثر من مليون شخص نصفهم من الأطفال .
> دمرت صواريخ وطائرات بشار الأسد كامل البنية التحتية في سورية ، وأيضاً التدمير الكلي أو
الجزئي لمعظم المدن والقرى السورية ، ولا سيما الأسواق التجارية والمساجد والمستشفيات والمتاحف
والقلاع الأثرية والبنايات السكنية .
> لقد ألحق التهديم المقصود الضرر والدمار بـ 90% من المستشفيات والمستوصفات والعيادات
الخاصة ، وتمت تصفية حوالي 200 عنصر من الكادر الطبي ، ولاسيما الأطباء ، وذلك بطريقة
مقصودة وهادفة ، وذلك من أجل حرمان جرحى الثورة من الإسعافات التي يمكن أن تنقذ حياتهم
> القسم الأكبر من المدن والقرى بدون ماء وبدون كهرباء وبدون تدفئة وبدون بنزين .
> بعد قصف النظام لمعظم مخابز المناطق المحررة ، ومعظم خزانات المياه الخارجية والداخلية بات
الجوع ، والعطش ، ومد اليد ، والدموع ، والشكوى ، تمثل الخبز اليومي لملايين السوريين في
الداخل والخارج !!.
> لقد دمر طيران وصواريخ الأسد مئات المدارس في كافة المحافظات ، بينما حول مئات أخرى منها
إما إلى ثكنات عسكرية ، أو إلى مراكز تجمع مؤقتة لمن يتم اعتقالهم من المواطنين .
3.
حول إشكالية الأقلية والأكثرية في سورية :
يمكن من الناحية السوسيولوجية ( من منظور علم الاجتماع ) تحديد إشكالية الأقلية والأكثرية ، في إطار هيمنة الإنقسام العمودي ( الديني ، الطائفي ، القبلي ، الجهوي ، القومي ) في البلدان النامية ، والتي من بينها " الجمهورية العربية السورية " ، وذلك على النحو التالي :
" تلعب الأقلية الاجتماعية عادة ، دوراً إيجابياً ، عندما تكون جزءاً من معارضة وطنية لنظام استبدادي ، ولكنها إذا ماوصلت هي إلى السلطة ــ بما هي أقلية ــ بطريقة غير شرعية ( انقلاب عسكري مثلاً ) ، فهي لاتستطيع المحافظة على هذه السلطة ، إلاّ باستمرار نهجها غير الشرعي ، اي الاعتماد على القوة ، وهذا يعني ،أن مثل هذه الأقلية،ولاسيما في البلدان التي مازال يهيمن في مجتمعاتها "الإنقسام العمودي" هي بالضرورة ضد الديموقراطية ، وضد صندوق الاقتراع النزيه والشفاف ." .
ومن الطبيعي ان مفهوم الأقلية هنا ، يشمل كافة أنظمة الحكم العربية ، التي لايخضع حكامها للتغيير عبر صناديق الإقتراع . بل إن " الكفن " هو صندوق الإقتراع الوحيد الذي يمكن عبره تغيرهم .
4. حول تحديد مفهوم الثورة ومفهوم الإنتفاضة :
إنه من المعروف فيزيائياً أن لكل فعل رد فعل ، مساوٍ له فالقوة ومخالف له في الاتجاه ، وهو ماينطبق سياسياً وإجتماعياً على الحالة السورية ، من حيث أن سلوك النظام السوري ، نظام عائلة الأسد ، خلال الأربعة عقود الماضية بصورة عامة ، وخلال السنتين الأخيرتين (بعد 18آذار2011 ) بصورة خاصة
كان سلوكاً همجياً ووحشياً بكل المقاييس ، وكان أيضاً استبدادياً وفاسداً وتمييزياً ، الأمر الذي مثل تلك التراكمات الكمية ، التي انفجرت بداية في درعا ، ومن ثم في كل أنحاء سورية ، على شكل انتفاضة سلمية تطالب النظام نفسه ، بتحقيق الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية دونما تمايز أو تمييز . بيد أن لجوء النظام إلى الحل " الأمني " ( الرصاص الحي وسفك الدماء ) ، جعل هذه الانتفاضة الشعبية المحدودة تتطور وتتحول إلى ثورة إجتماعية عارمة ، شملت الغالبية الساحقة من أبناء الشعب السوري .
إن ماذكرناه أعلاه ، يشير إلى أن الثورة ــ وهنا أيضاً من الناحية السوسيولوجية ــ هي من الناحيتين الأفقية والعمودية أشمل وأكثر جذرية من الإنتفاضة .
وبالنسبة لسورية ، فإن الحراك الثوري فيها ، قد بدأ في صورة انتفاضة شعبية مطلبية شرعية ، ولكنه تطور بعد بضعة أشهرإلى ثورة اجتماعية شاملة،ارتفع سقف أهدافها إلى" الشعب يريد إسقاط النظام " .
وتقع مسؤولية هذا التحول النوعي ، على نظام عائلة الأسد ، الذي كما أسلفنا ، جاء إلى سدة الحكم عن طريق " القوة " ، ولن يتركها بالتالي ، إلاّ عن طريق " القوة " ، أي عن طريق استمرار الثورة حتى تحقيق هدفها الكبير المتمثل في إسقاط النظام .
5. حول الفساد الإداري والمالي في سورية :
لاأريد أن أسرد أسماءً وأرقاماً تحتاج من الناحية المنهجية إلى التوثيق العلمي الدقيق ، ولكني سوف أكتفي بالإشارة إلى أن منظمة الشفافية الدولية (Transperancy International ) قد وضعت سورية في المرتبة 144 من أصل 174 ( عام 2012 ) في سلم الفساد الدولي ، في حين احتلت بين 19 دولة عربية ، المرتبة 14 . هذا مع العلم ان دراسة معينة حول هذا الموضوع ، قد قدرت ثروات الأشخاص المباشرين من أفراد عائلة الأسد بـ 212 ملير دولار أمريكي ، والله أعلم .
6. حول : إلى متى يمكن أن يستمر هذا النزيف الدموي في سورية ؟
يصعب على المرء ، ان يعطي جواباً دقيقاً حول هذا السؤال الإشكالي ، ولكن مايمكن تأكيده هنا :
1. إنه لم يعد ممكناً للثورة السورية ، أن تعود ، بل أن تتطلع إلى الوراء ، لابد أن تتابع طريقها
بشقيه ( السلمي والحربي ) حتى إسقاط النظام .
2. مازال الأمر ( وهذا مع الأسف الشديد ) بحاجة إلى مزيد من الوقت ، ومزيد من التضحيات .
ولاسيما أننا أمام نظام قد أعد العدة لمثل هذه المواجهة الشعبية ، طيلة أربعين عاماً ، وأن دولاً
عديدة متطورة كبرى تسانده عسكرياً وسياسياً وإعلامياً ، وذلك لأسباب لاتخفى على أحد .
3. ولكن ، وبالرغم كل ماقيل ويمكن ان يقال ، حول بشار الأسد ونظامه الهمجي ، وحول الحوار
وشروطه القبلية والبعدية ، فإن النظام كما وصفه الكاتب الأالماني الذي سبقت الإشارة إليه إنما يعيش
حالة " النزع الأخير " die Agonie التى نأمل لها ألاّ تطول ، لأن هذا في مصلحة الجميع .
ــــــــــــــــــــــــــــــ انتهى ـــــــــــــــــــــــــــــــ
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟