حدود احترام أحكام القضاء

داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 4028 - 2013 / 3 / 11 - 13:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

حدود احترام أحكام القضاء
داود روفائيل خشبة

ثمّة مقولة تتكرر ونرددها فى استسلام حتى كادت أن تصبح من المسلـّمات التى لا تخضع لتمحيص أو مناقشة، تلك مقولة أنه لا يجوز مناقشة أحكام القضاء، وهى المقولة التى نختزلها فى شعار "الحكم عنوان الحقيقة" الذى لا ينطوى فى الحقيقة على أىّ معنى. لكنى أرى فى الأمر رأيا آخر.
إننى أرى أن من السخف القول بعدم جواز التعليق على الأحكام القضائية. الحق فى التعليق على الأحكام القضائية جزء لا يتجزأ من حرية الفكر. أما احترام أحكام القضاء فإنى أفهمه بمعنى أنه حين يصبح الحكم باتـًّا ونهائيًّا بعد استنفاد كل مراحل التقاضى، يصبح المواطن أمام خيارين، الأول ينبغى أن يسود فى كل الأحوال العادية، ومقتضاه أن يخضع المواطن لحكم القضاء فيما يخصّه منه، دون أن يحرمه ذلك من إبداء رأيه فى الحكم، أى أن المواطن يحق له أن يقول: إنى أرى أن هذا الحكم خاطئ أو ظالم أو غير كافٍ لأسباب أبيّنها، لكنى التزاما بالنظام العام سأخضع للحكم.
لكن يبقى من حيث المبدأ أمام المواطن بديل آخر فى أحوال استثنائية، وذلك أن يعلن المواطن صراحة وعلنا ودون مواربة أنه يرفض الحكم ويتحمّل كل نتائج رفضه، حتى إن استتبع ذلك أن يفقد المواطن حياته أو ما هو أكثر من حياته. وفى كل الأحوال على المواطن بالطبع أن يأخذ فى الحسبان ما قد ينجم عن تصريحه برأيه من ردود فعل ومن تبعات ومن عواقب فى المجتمع، لكن المرجع فى ذلك لا بدّ أن يكون هو ضمير المواطن الفرد ولا أحد سواه، ويكون من حق المجتمع أن يخطـِّئه وأن يفعل به ما يراه صوابا وضروريا، ولكن ليس لأحد أن يحرم المواطن من أن يتـّخذ السبيل الذى يمليه عليه ضميره، ما دام لا يراوغ ولا يخاتل ولا يكون غافلا أو مخدوعا، بل يعمل وهو عالم بما يترتـّب على موقفه، وهو راضٍ بأن يتحمّل ذلك.
إننى أدرك أن هذا الرأى الذى أطرحه مركـّب ومعقـّد، لكنى أزعم أنه نتاج تلاحم مبدأ حرية الفكر الذى هو شرط ضرورى للكرامة الإنسانية مع ملابسات وضرورات وسلبيات واقع المجتمع الإنسانى البعيد كل البعد عن المثالية.
يبقى توضيح لا بدّ منه. إننى إذ أتقدم بهذا الرأى لا أتحدّث عما تقول به نصوص القانون ولا ما يراه خبراء القانون، فهذا مجال لا أدّعى فى شأنه علما أو خبرة، بل أعبّر عما أراه ينبغى أن يكون انطلاقا من المبدأ، أىّ أننى أطرح فكرا فلسفيا لا رأيا قانونيا.
داود روفائيل خشبة
القاهرة، 11 مارس 2013

#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات